انت قتلت القتيل ..... حتمشى فى جنازته ولا حتهبب ايه ؟؟......اسمع ابراهيم الجارحى
21.7.09
الجثة- ابراهيم الجارحى
18.7.09
بلد الدخان الهابطإلى أسفل - الفصل الخامس
ملحوظة صغيرة قبل البدء: نظرًا لأنني لا أكتب هذه القصة بانتظام، يمكنكم دومًا الرجوع للفصول السابقة بالضغط على "بلد الدخان الهابط إلي أسفل" الموجود إلى جوار مقسمة هياسيًا مع في نهاية كل تدوينة .. أتمنى لكم قراءة ممتعة، و أتمنى منكم التماس العذر لي، فالإلهام ليس بيدي ..
الفصل الخامس – القطرنجي
وقف عبد الواحد أمام المرآة ليصفف شعره، و قد بدا مظهره في تلك البزة البيضاء غريبًا، لتناقضها الصارخ مع سواده النوبي، أو لنقل السوداني، الذي ينم عن أصوله ..
كان أبوه سودانيًا أبًا عن جد، و إن كان هذا الجد قد عاش في مصر، قادمًا مع أحد حملات الخديوي إسماعيل لتحرير إفريقيا .. أتي مع عائلته كاملة، إذ استشعر حلاوة و رغد العيش في مصر، مقارنة بحال السودان وقتها، لكنه لم يختلط، أو لنقل يتزوج، من المصريات، بل استمر النسل سودانيًا حتي أتي والد عبد الواحد، هازم الشيخي، ليقرر أن التي أحبها لا بد أن يتزوجها، حتي و لو كانت من المريخ ..
و كانت قصة زواج والديه عجيبة حقًا، لا تختلف في شيء عن تلك القصص الرومانسية الكلاسيكية، فرغم أن الشيخي كان رجلاً متفتحًا، إلا أنه ورث عن أبيه مسألة الحفاظ علي النسل السوداني، و كأنهم آخر السودانين علي الأرض، لكنه في النهاية رضخ لمطلب ابنه، خاصة بعدما لمس نبل من أحب ..
ضبط ياقة المعطف بعد أن رضي عن مظهره العام، و ذهب متعجلاً ابنته التي غابت منذ نصف ساعة لترتدي ملابسها، و هو ما يعني أن نصف ساعة أخري قد بقيت قبل أن تنتهي ..
- يا ست علياء أبوس إيدك .. إحنا كده حنتسحر مش حنتعشي ..
- خلاص يا بابا ..
- خلاص ؟ .. يعني لسه قدامك كمان تلات ساعات كده ؟
فوجيء بها و هو ينهي كلامه تخرج من حجرتها و قد انتهت من ارتداء ملابسها، فتراجع مندهشًا من انتهائها مبكرًا علي غير العادة، و قال:
- غريبة .. أنت متأكدة إنك مش عيانة .. أنت خلصتي بسرعة يعني ..
- يعني هو أنا اتاخر مش عاجب .. بدري برضه مش عاجب ..
- ربنا يديم عليك نعمة السرعة .. يالاّ يا ستي ..
قال جملته الأخيرة و هو يرتدي حذاءه، و وقف أمام المرآة للمرة الأخيرة منتظرًا إياها، و إن هي إلا ثوانٍ حتي كانت علي أهبة الاستعداد، فتأبط ذراعها و قال و هما يتوجهان نحو الباب:
- اللي يشوفنا دلوقتي يقول الراجل اتلحس في مخه و اتجوز تاني ..
- ليه يا بابا .. هو حضرتك معتبر قرار جوازك من ماما كان لحسان في المخ ؟
انطلقت ضحكته تدوي في فراغ سلم البناية، بينما ابتسمت هي في خبث طفولي .. امسك نفسه "بالعافية" ليقول:
- يخرب عقلك .. حتوديني ف داهية بكلامك ده ..
ثم تمالك نفسه قليلاً ثم أكمل:
- يعني أنا بغازلك و بقول كلمتين حلوين، تقومي تقولي كده ؟ .. ماشي يا ستي ..
استدعى المصعد، و سرعان ما استقرا في سيارة عبد الواحد البيجو 307 التي – و لا تفتح فاهك اندهاشًا – جاءته كهدية من أحد عملائه، لكنه يعتبرها دومًا جزءًا من أتعابه عن العملية التي أنجزها لهذا العميل .. ربما ترى الأمر مبالغًا فيه، لكن مليارديرَ يتعامل في ثلاثة مليارات كأموال سائلة تحت يده، بالإضافة للأصول التي تقدر بمليارات أخرى، لن تمثل سيارة هامر 1 مشكلة بالنسبة له، فما بالك ببيجو 307 ؟
كانا متوجهين لأحد المطاعم للاحتفال بتخرجها .. "العفريتة الصغيرة" كبرت و تخرجت من كلية الفنون الجميلة، قسم ديكور داخلي .. يا لله ! لقد مضى العمر كأنه فرس عربي يسابق الزمن نفسه !
كان ينظر إليها من وقت لآخر و هو يقود السيارة، و هي تنظر إليه متعجبة .. لم تكن تدري أنه يتذكر أيام طفولتها و صباها .. أول مرة تجري في المنزل، و لهذا سماها "العفريتة" .. "ألا يا أخي كل الأطفال يبدأوا يمشوا .. دي بدأت تجري .. عجايب !" ..
كان يتذكر عندما حصلت على الشهادة الإبتدائية، و كيف كانت سعادتها، رغم أنها كانت ستنتقل للمرحلة الإعدادية في مجمع المدارس الذي تنتسب إليه .. عندما حصلت على الإعدادية كانت كارثة بيئية .. لثلاثة أيام لم يأكلوا شيئًا سوى المعجنات: كعك، فطائر، مكرونة، و تقريبًَا كل ما يمكن أن يصنع من الدقيق .. لقد سعدت بها و قررت أن تطبخ كما لم تطبخ من قبل، و أن يأكلوا من صنع يديها .. لم يكن الطعام سيئًا، لكنه كان كثيرًا، لدرجةٍ جعلتهم يكرهون أن تفرح ثانية ..
كاد الأمر أن يتكرر مع الثانوية العامة .. عنـ ..
"بابا .. خلي بالك"
صرخت علياء مخرجة عبد الواحد من صومعة ذكرياته، لتنبهه إلى كارثة كانت على وشك الوقوع .. ضغطة قوية على المكابح، و جهد عظيم من السيارة حالا دون وقوع حادثة سير لذلك الوسيم الأشقر، الذي يبدو هو الآخر كالغارق في الذكريات ..
الحق أن الخطأ لم يكن خطأ عبد الواحد وحده .. الرجل أيضًا لم يكن على الأرض .. كان تائهًا في ماضيه يغوص و يسترجع شيئًا من ذكرياته التي تبدو مؤلمة مقبضة، فتعابير وجهه لا تنبأ إلا بذلك ..
صرير العجلات على الطريق و صراخ الناس جعل الرجل يتنبه إلى أن شيئًا ما يحدث، و إن هي إلا ثوان حتى أدرك أن هذا الشيء هو أنه كاد أن يدهس دون أن يدري .. كانت دهشته عظيمة، و كأنه يتعجب من نفسه كيف يكون غارقًا في الخيال لهذا الحد، و إن هي إلا ثوان حتى كان لدهشته سبب آخر ..
سبب بزغ عندما تلاقت عيناه و عينا عبد الواحد الذي نزل ليطمأن، فإذا بعينيه تحمل دهشة لا لهفة و رغبة في الاطمئنان، و إذا بالرجل يصرخ:
- مين .. عبد الواحد ؟
- بندر ؟
و تعانق الاثنان ..
لم تكن تعرف أن الاثنين يتذكران أحداث مضت دونها تسعة عشر عامًا .. كان عبد الواحد حينذاك قد تخرج لتوه من كلية الهندسة، و ما زال بندر في عامه الأخير، يحاول أن يخرج بأقل الخسائر، عندما حلّت "الطامة الكبرى" ببندر، و لكن قبل هذه الطامة الكبرى، حلّت به طامة صغرى، و كأنه موعود بهن، و كانت السبب في أن يتعرف بندر بعبد الواحد ..
هو بندر الحسن القطرنجي، من حلب في سوريا، و يدرس في مصر، و لأن مصر هي دومًا بلد السهولة المفرطة، كان لزامًا عليه أن يحصل على شهادة تفيد بإنه رضع لبن العصفور مخلوطًا بمح بيضة الديك ليستطيع الالتحاق بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية .. كان لزامًا عليه أن يدفع رشوة هنا و هناك لتسير أموره بسرعة و سلام، رغم أن المفروض أن تمر كنسمة الصباح، لكن كونه عربيًا أجنبيًا أعطى موظفي الجامعة و الكلية حقًا مكذوبًا في ابتزازه، و هو لا يعلم و لا يدري، و يظن أوراقه بالفعل ناقصة، من فرط ما أوهموه به ..
بينما كان عبد الواحد ينهي أوراقه لينتقل للفرقة الأولى بعد أن أنهى السنة الإعدادية، وجد زميلاً له قد أتى معه للغرض نفسه يصافح بندر و يعانقه، و يقدمه له ثم يسأله:
- و أخبار الورق إيه ؟
- هيك مصاري بتندفع ما شفت بحياتي .. يا خي لو بأريد أدرس بأمريكا بأدفع أقل من هيك ..
تعجب عبد الواحد، و أحب أن يعرف ما الأمر، فأخبره بندر .. طمأنه، و طلب منه بياناته، و لم يكن هذا إلا لأن خال عبد الواحد، منصور هاشم، يعمل في إدارة الجامعة، و يستطيع أن ينظر الأمر عن كثب، و قد كان ..
و عندما ذهب بندر بعد يومين، بناء على مكالمة من عبد الواحد يخبره أن يذهب و ينهي أوراقه، وجد أن الطاقم الإداري، أغلبه، قد تغير و أن أوراقه قد أخذت دورتها بسلاسة منقطعة النظير، و انتهى كل شيء ..
توطدت علاقتهما أكثر فأكثر، و ظل بندر يذكر هذا المعروف لعبد الواحد حتى أتى الوقت الذي زوّج فيه هذا المعروف بأخ له .. كان هذا في العام الرابع و الأخير من الدراسة الهندسية .. مشروع التخرج هو البوتقة التي يصهر فيها كل طالب خلاصة فكره .. تعبه و عرقه و سهره و عصير مخه، كل هذا يخرج في هذا المشروع ..
الحق أن بندر و مجموعته أتوا بمجهود جبار .. أن تخرج للنور سيارة تعمل بالتحكم عن بعد، ليس بأجهزة و لكن بصوتك، في مصر و في نهاية الثمانينات، فهذا هو الإعجاز بعينه، إذا وضعنا في الاعتبار أنك مجرد طالب، و لست باحثًا في أحد المراكز البحثية .. الحق أيضًا أن الفضل بعد الله سبحانه و تعالى يعود و لا شك لبندر، الذي استطاع أن يحضر القطعة الرئيسة في العمل بواسطة عمه الذي يعيش في الولايات المتحدة، و لهذا كان ألمه عظيمًا ..
أتته مكالمة بندر في ساعة متأخرة:
- أيوه يا بندر .. خير ..
- مو خير .. مو خير بنوب ..
- يا ستار يا رب .. احكي لي يا بني ..
- لازم أشوفك ..
و رغم أن الوقت يقترب من منتصف الليل، قابله عبد الواحد مفجوعًا و مفجوءًا في أحد المطاعم، ليجد عينه منتفخة من أثر السهر أو ربما البكاء، و عندما تحدث إليه بندر أدرك السبب ..
مشروع تخرجه سُرق .. الأستاذ الدكتور المبجل نسبه لنفسه في أحد الدوريات العلمية، قبل أن يتقدموا به رسميًا، ما جعلهم يبدون كمن أخذوه منه لا العكس .. سهر الليالي ضاع هباءً منثورًا ..
- ما ضاعش يا بندر .. استنى مني تليفون ..
و انصرفا، عبد الواحد لمنزله يفكر، و بندر لمنزله يجتر همّه .. بعد أربعة أيام، اتصل عبد الواحد ببندر يخبره أن الأستاذ منصور هاشم في إدارة جامعة الإسكندرية يطلبه بشكل شخصي ليروي له ما حدث .. كان بندر يائسًا، لكنه أدرك أن عبد الواحد يساعده بصدق، و لم يشأ أن يضيع فرصه، علّ فيها الخروج ..
ذهب إليه و شرح له الأمر بالتفصيل:
- معاك دليل ؟
- التصميمات، و البروفات، و ورق استلام هالقطعة .. ها اللي جبتا من عمي بأميركا .. كل شي معانا ..
- قدم لي شكوى رسمي، و سيب الباقي على الله ثم عليّ ..
نظر إليه بشك، و إن كان قد شعر في لهجته بصدق .. مر أسبوع، و إذا بعبد الواحد يتصل:
- أبشر يا سي بندر .. فُرجت ..
- عن جد ؟
أخبره أن شكواه كانت القشة التي قضمت ظهر البعير .. هذا الأستاذ الجامعي "سوابق" إن صح التعبير، و قد ضُجت إدارة الكلية من كثرة شكوى الطلبة منه، و أتت شكواه لتنهيه بالقاضية ..
- و الله ما أنا عارف كيف باتشكر لك .. أي شي بيكون أقل من هيك خدمة ..
- كفاية الفرحة في عنيك .. إحنا صحاب ياجدع ..
ربت عبد الواحد مبتسمًا على فخذ بندر الجالس إلى جواره و قال:
- و الله بعودة الأيام يا بندر ..
و ركن السيارة في موقعها المعهود كلما أتى هذا المطعم، و هبط الثلاثة ممنين أنفسهم بسهرة ليس لمتعتها حدود ..
- لسه .. قاعد لوحده و بالعافية بياكل .. أنا ..
سكتت سامية لحظة ثم أضافت بانزعاج:
- أنا قلقانة عليه قوي .. ساعات باعدي أسمعه بيتكلم، أفتكره بينادي عليّ .. أدخل ألاقيه بيكلم ماما، و يسكت كأنه بيسمع الرد منها ..
- برضه مابيقولش إيه اللي حصل ؟
- و لا كلمة .. كل ما أكلمه يقول لي الإشارة جت و مش باقي غير دقتين ..
- إشارة إيه بس و دق إيه ..
قالها محمود و هو يضرب كفًا بكف منزعجًا و قلقًا مما وصل إليه حال حميه، و قعد إلى جوارها بعد أن خلع نعليه، و قال:
- أكيد شاف منام .. شاف حاجة تربط ما بين حامد و حاجة وحشة هو خايف منها .. بس إيه اللي يخليه مصدق و عايش دور الاكتئاب دا قوي كده ؟
كادت أن ترد لكنه سبقها بالكلام:
- هو نام ؟
- ما أظنش ..
- طب أنا داخل له ..
توجه إلى حجرته يغير ملابسه قبل أن يتوجه إلى حجرة حميه، فيما جلست سامية تكمل ما بيدها من أشغال إبرة ..
- السلام عليكم يا عمي .. إزيك دلوقتي ؟
نظر إليه سعد هائمًا كأنما هو في عالم آخر .. تحركت شفتاه ثقيلتان متمتمًا بكلام لم يسمع منه محمود حرفًا، فقال:
- لغاية إمتى يا عمي ؟
جلس إلى جواره و أكمل:
- لغاية إمتى الحالة دي ؟ بس لو تقول لي فيه إيه، يمكن نقدر نحل الأمر سوا ..
تحركت شفتا سعد بالكاد ليخرج صوته مبحوحًا من صمت طويل:
- ماحدش يقدر يعمل حاجة .. دا قضا ربنا ..
- و نعم بالله .. طب حتى نفهم .. يمكن نساعد حتى بكلمة .. يا عمي إحنا مش قادرين نفرح حتى بحامد اللي لسه ما بقى لوش غير أربع أيام بس على وش الدنيا ..
- حامد ..
خرجت الكلمة من بين شفتيه كأنها نار محرقة، فانقبض قلب محمود و سأل:
- ماله ؟
أغمض سعد عينيه و بدأ يحكي بصوت خافت:
- كانت لابسة نفس هدومها في آخر يوم .. الجلباب الأخضر و الطرحة البني .. قلتلها قومي اعملي الشاي يا زينب قالت لي سلامة الشوف .. أنت مش واخد بالك إنك نايم .. قلت طب إزاي باكلمك و أنا نايم، قالت لي لأنك جاي كمان دقة و كمان دقة .. بنتك بتولد يا سعد و ولد ولدك عليه بطشة حمرا .. وحمة حمرا على كتفه اليمين كيف الدم .. لو انولد ولد حتقابلني بعد دقتين، و لو بنت يبقى دقة .. أنت مش بتخطرف يا خويا .. قوم شوف بنتك .. قلت لها بنت مين و ولد مين .. أنت فين يا زينب .. و راحت ..
كان محمود يستمع إليه شاعرًا بالقلق، و إن خالطه شعور بالفخر لصحة استنتاجه، لكن طرح هذا جانبًا إذ أكمل سعد:
- يا محمود أنا خلاص .. دقة و اتنين و مش حابقى معاكم .. عارف يعني إيه تعرف إنك حتموت قريب ؟
وجد محمود مدخلاً مناسبًا ليخرجه من هذه الحالة، فقال:
- خلاص يا حاج أنت قلتها .. دقة و اتنين .. فرضًا كان الكلام ده صح، أنت عارف الدقة دي قد إيه ؟ .. يمكن أسبوع .. يمكن شهر .. يمكن سنة .. حتعيش سنتين بحالهم في الاكتئاب ده ؟ و بعدين اللي عارف إنه خلاص حيموت، و لو إن ربنا بيقول في كتابه "و ما تدري نفس ماذا تكسب غدًا، و ما تدري نفس بأي أرض تموت" .. اللي عارف إنه خلاص حيموت كمان شوية يقعد في الحالة اللي أنت فيها دي ؟
أخذ نفسًا عميقًا، و قال:
- أنت يا عمي راجل بتصلي و حجيت قبل كده و اعتمرت، و أحسبك عند الله من المؤمنين .. المؤمن يعني مؤمن بقضا ربنا و بحكمه، و أنت كده و العياذ بالله كأنك بتعترض .. حزنك كأنك بتقول ليه يا رب خلتني أموت دلوقتي ؟ .. لو فرضنا صحة الكلام ده، مش الأحسن إنك تقرب من ربنا أكتر .. تصلي أكتر .. تصوم أكتر .. يمكن يكون ربنا بيحبك بعت لك إشارة علشان تبقى آخر أيامك في طاعته، بدل ما يفاجأك الموت و أنت غافل .. و بعدين ممكن يكون كل ده وهم .. ممكن تكون من الشيطان ..
- و الوحمة ؟
- يا عمي .. لا يسمّعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب * دحورا ولهم عذاب واصب * إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب ..
كان محمود يشعر مع كل كلمة يقولها أن حماه يلين شيئًا فشيئًا .. و إن هي إلا لحظات حتى كانت سامية تسمع صوت أبيها يقول مجلجلاً:
- يا سامية .. جهز لي ميّه اتوضا، و كلمي درية تيجي هي و شعبان ..
و لم تتمالك إلا أن تزغرد معلنة انتهاء غمة كادت – دون مبالغة – أن تعصف بهم شر عِصفة ..
- بص ابن الـ ... دا يا إما تلموه يا إما حالمكوا يا ابن الـ .. أنت و هو .. أنا مش ناقص كلام و تلسين .. اللي فيّ مكفيني و زيادة، مش ناقص .. زي ده يطلع لي كل يوم و التاني في الجرنان الـ .. ده و يلقّح بالكلام .. فاهم يا شردي ؟
خرجت الكلمات مبحوحة بعض الشيء من حلقه و قال:
- ماشي يا باشا .. أوامرك ..
جفف شردي عرقه بعد أن أغلق الخط بكثير من "مع السلامة يا باشا" و "في رعاية الله يا باشا" و "ربنا يديم عليك نعيمه يا باشا" .. يا باشا يا باشا .. الباشا وكيل وزارة الإسكان، و لو أن طبيعة عمله تحولت إلى اللاإسكان، و تحول إلى وكيل نفسه لا وكيل الوزارة ..
الغريب أن طبيعة عمله و منصبه لا يكفلان له هذا النفوذ، بحيث يسعى شردي المسكين إلى استعطافه و منحه الباشاوية في الذهاب و العودة، لكن الحقيقة أن نفوذه يتخطى منصبه بكثير .. علاقات واسعة، و صلات الخطوة التالية فيها هي صلة الدم و الرحم، مع الكثيرين و الكثيرين من أصحاب النفوذ و الكلمة المسموعة النافذ في هذا البلد ..
كان عادل عبد الحليم منخرطًا حتى قمة رأسه في معظم القضايا التي أخرجت محمد إبراهيم سليمان من الوزارة .. أخرجته من الوزارة ؟ هذه الجملة غير دقيقة، فهي تعني زوال النفوذ، و أمثال هؤلاء لا يزول نفوذهم .. موقعه فحسب هو الذي يزول و يتغير، أما النفوذ فلا ..
أيًا كان الأمر، كان هو الوسيط في أغلب الصفقات التي تمت، و التي خرج منها مجمعة بمبالغ مريحة جدًا، لكنه نجح ببراعة أن يستل نفسه من القضية دون أن تمسه كلمة، فأصدقائه من أصحاب النفوذ ما زالوا يحفظون له قطع الأراضي التي سهل لهم الحصول عليها بثمن بخس يكاد يقترب من اللاشيء ..
الآن يأتي هذا الصحفي المشاكس العنيد ليفتح الملف من جديد، رغم أن جهاز الكسب غير المشروع برأ ساحة الوزير و أغلق هذا الباب، لكن من الواضح أنه من عشاق تكسير العظام، و رجاله سيتكفلون بهذا بشكل أو بآخر ..
شردي، خادمه الأمين كالكلب، سيتكفل بهذا، فهو عمله الذي يتقاضى عنه راتبًا ضخمًا، بالإضافة لراتبه الأساسي كرئيس لأمن شركة الخدمات البترولية .. بعد هذا الدرس، لن يجسر أن يفكر في أن يفتح فمه ..
- الكلب ابن الـ ..
قالها محاولاً نسيان كل شيء، في سبيل الحصول على ذهن صاف لحفل الليلة ..
17.7.09
الذهب الأحمر - تابع الفصل الثاني
قالها أرنوك لرفيقه همسًا، مشيرًا بيده إشارة بنفس المعنى، و أرهف سمعه مغمضًا عينيه، كأنما هو بإلغائه بصره يشحذ سمعه أكثر ..
أشار رفيقه مستفسرًا، فلم يجب روك، بل أخرج من جعبته سهمًا، و صوبه نحو الشجيرات القليلة التي لا تبعد عنه كثيرًا، ثم أطلقه مستمعًا إلى حفيف الأوراق التي اخترقها السهم، ثم الأنين الذي صدر عن الغزال الواقف – أو الراقد الآن – خلف الشجيرة، و قد جاءه السهم في مقتل ..
- دومًا تبهرني يا روك .. أشعر كأنك من البوم يا رجل ..
- كل شيء يأتي بالمران .. أنت نفسك يمكن أن تصبح هكذا .. فقط، لو أردت ..
ذهبا سويًا للحصول على غزالهم الصريع .. سأله بيش:
- أحيانًا أتعجب من أبيك هذا .. من أين أتى بكل هذا العلم، و من أين أتى بالوقت ليعلمك كل هذا ..
- عمله كان العلم .. لك أن تتخيل أنه كان قد يجلس بين الكتب دون انقطاع يومًا أو يومين .. ماذا تتوقع من رجل كهذا ؟
لم يجب بيش، بل حمل الغزال السمين – بمقاييس الغزلان – على ظهره ذاهبًا به نحو جواديهما و هو يقول:
- صيد سمين ثمين هذه المرة .. ليت هذا الحظ يدوم ..
لم يمشيا كثيرًا، و بخفة امتطيا الجوادين، بعد أن استخلف بيش الغزال على جواده و انطلقا في طريق العودة ..
- أخبرني يا روك، ألست تراه شيئًا غريبًا أننا نعمل سويًا منذ سبع سنين و لست أعرف عنك سوى اسمك الأول فحسب ؟
- و ما العجيب في هذا ؟ و ما ذكرك أصلاً بمثل هذه الأشياء ؟
- والدك .. هل هو حقًا من علمك هذا، أم إنك درت بالأرض مشارقها و مغاربها تتعلم، و لا تريدني أن أعرف ؟
- و لم أخفي عنك أمرًا كهذا ؟ التطواف شرف للرجل، لأنه صقل لرجولته .. لكنني أقول لك الصدق عندما أخبرك بأن كل ما أنا فيه هو مما تعلمته من والدي ..
صمت روك هنيهة ثم قال:
- إنني مدين له بوجودي الأول و وجودي الثاني .. وجودي الأول في هذه اللحظة الخارقة، عندما التقت نطفته بنطفة أمي، و وجودي الثاني عندما أسبغ عليّ من علمه .. لم أحزن عليه كأبي بقدر ما حزنت عليه كمعلمي ..
صمتا قليلاً، إلى أن تحدث بيش ثانية:
- لكنك أخذتني في بحور الكلام و أرجعتني ألهث من العطش .. لم تخبرني شيئَا عنك ..
- أتـ ..
لم يكمل ما قال، إذ التفت بعفوية لينظر أولئك الركب على مرمى البصر، فوجده يرفرف عاليًا شعار المملكة، بلونه الأصفر الذهبي المرصع بخيوط من اللون الأسود، راسمًا نسرًا برأسين و جناحين ملتهبين .. النازوم ..
لم يكمل ما قال، و إنما اعتلته صفرة الموتى و شحوب الهلع، و قال لرفيقه:
- إما أن نبتعد الآن بهدوء، و إما هلاك لا محالة ..
نظر بيش إلى الركب بعدم فهم، و قال:
- و ماذا في ركب الملك ؟ إنها حماية لنا و لصيدنا ..
- يا أبله .. لقد عشت حياتي كلها لا هم لي إلا الهروب من الملك و أعوانه و جواسيسه .. هلم بنا ..
قال كلمته الأخيرة و التفت ثانية، فوجد فارسًا من الركب قد انفصل عنه و اتجه نحوهما، فسقط قلبه في قدميه، و أحس أنه قادم يطلبه، فحث جواده على الإسراع مبتعدًا عنهما، لكن الغريب أن الفارس الملكي لم يكن مسرعًا كدأب من يطلب هاربًا، بل كان يمشي الهوينى، و لكن روك لم يكن في حالة تسمح له بالتفرقة، فما أن اقترب الفارس أكثر و أكثر، حتى كانا قد أطلقا سوق جواديهما للريح ..
و كفارس مدرب، أدرك أنهما إما هاربان، أو من قطاع الطرق و المجرمين، فأطلق صفيرًا خاصًا، لحق به على إثره ثلاثة من زملاءه، فيما انطلق هو خلف روك و بيش الذي قال:
- لو أنني أفهم فحسب ما يجري ..
- إما أن تجري و إما أن تزين رأسك البوابة الشرقية للعاصمة ..
التفت روك ينظر مطارديه، فوجد أحدهم يأخذ بسهم من جعبته، فحاول الركض في مسار متعرج، حتى يفلت من سهامهم، لكن سهامهم جاءت في مواضعها بالضبط ..
أربعة أسهم لكل جواد، أصابت الأرجل، فانقلبا عن الجوادين و تدحرجا مسافة لا بأس بها، قبل أن يلحق بهما فرسان الملك قائلين و سيوفهم مشرعة نحوهما:
- توقفا باسم الملك أو تقابلانه جثثًا هامدة ..
لحظتها أدرك أرنوك أن أسوأ كوابيسه قد تحقق، ربما أسوأ مما رآه في منامه ..
فك أحدهم عنه عصابة عينه، فلبث ثانية أو اثنتين لا يدري شيئًا من شدة الضوء، ثم استطاع أخيرًا أن يرى ما حوله بوضوح .. الوضوح الذي شعر أنه خدعه عندما وقع بصره على آخر شخص توقع وجوده ..
- را ؟
- روك ؟
وقف الاثنان قبالة بعضهما البعض ينظران في دهشة و عجب، قبل أن ينتبه را أن روك مكتوف الأيدي، فأمر بفك وثاقه و هو ينظر إليه في دهشة ليس لها حدود .. ألان روك معصميه من أثر القيود و لم يزل ينظر إلى را ذات النظرة الدهشة، ثم و دون مقدمات تعانقا بعنف ..
- روك .. أهذا أنت يا رجل ؟
- إنه أنا يا را .. كم اشتاق إليك ..
- و بالنسبة لي .. ألن يكلف أحدهم نفسه بفك و ثاقي، ما دامت الأمور تسير على ما يرام ؟
قال بيش الجملة الأخيرة، و قد نسيه روك تمامًا، فأمر را بفك وثاقه و اصطحب روك معه و قال:
- إنها ليست مفاجأة .. إنها صاعقة .. آخر ما كنت أتوقعه هو أن أقابل أيًا منكم يا روك ..
- لم يبق غيري على أية حال يا را، فلم يكن لم إلا أن تقابلني ..
ألجمت المفاجأة الثانية لسان را .. هل مات جميع أولاد موار-هن ؟
- كيف هذا ؟
- كما يموت الناس في هذه المملكة .. إما القدر، و إما الحمى، و إما سنابك خيل الملك ..
كانت جملته بليغة جدًا، وقعت من نفس را موقعًا كأنه نصل خنجر .. جلسا إلى الأرض داخل خيمة را، التي نصبت في وسط المعسكر، ثم قال:
- روك .. أنا ..
هربت الكلمات من فمه، ثم استجمعها و قال:
- أنا لست أدري من أين أبدأ .. فابدأ أنت ..
- أنا أدري من أين تبدأ .. من هنا ..
و أشار إلى صدر را، فقال:
- و ماذا تعني ؟
- هل تصدق كلمة من هذا الهراء الذي قيل عن والدي، و الذي بسببه أعدم بأن يأكله النازوم ؟
- لو كنت أصدق حرفًا ما جلست إلى جوار ابن من يتهمونه زورًا بقاتل أبي ..
- يا را .. إنني منذ اثني عشر عامًا في هرب دائم .. اخترت الصيد مهنة كي ابتعد عن المدينة قدر الإمكان .. شهر و شهرين و ثلاثة في البراري، ابتعد عن العيون و الجواسيس، و أعود لأستريح ثم اختفي مرة أخرى .. يا را إنني ظلمت و إخوتي و أبي .. هل ترى نفسك أهلاً أن ترد إلينا حقنا المسلوب الآن ؟
- و لكن كيف يا روك ؟ إن كل شيء كان و ما يزال ضد والدك .. السم الذي وجدوه في الطعام كان من السموم الجديدة التي يبتكرها أبوك، و الطباخ الملكي شهد ضده، و أقسم بأغلظ الأيمان حتى لم يبق له إلا أن يقفز قفز القسم الكبرى من فوق جبل العدالة ..
- فاجعله يقفزها .. إن اللسان يستسهل الحديث، لكن إذا جاء الأمر لقفزة كهذه، فهو حتمًا سيتراجع ..
نظر را إليه بأسف و قال:
- لقد توفي الطباخ الملكي منذ ثلاثة أعوام، و حل محله طباخ جديد ..
- إذًا، فقد ضاع كل أمل ..
قالها روك يائسًا و قام مغادرًا الخيمة فأمسك بع را قائلاً:
- إلى أين تذهب ؟ لا بد من حل ..
نظر إليه روك و قال:
- الشخص الوحيد الذي كنت متأكدًا من وجود دليل براءة والدي لديه مات .. لست أدري ما أو من حمله على هذا القسم الكاذب و شهادة الزور، لكنني كنت متأكدًا من أنه دليل براءته، كما كان من قبل دليل إدانته .. الآن لا أمل، و لا فائدة ..
- اجلس أو لآمرنهم أن يحبسوك .. إذا كنت قد فقدت الأمل فإنني لم أفقده .. إنني مازلت وفيًا لمعلمي يا روك، و لن ادخر جهدًا لأعيد إليك حقك .. اجلس ..
جلس روك و الضيق و الهم على وجهه ثم قال و قد تذكر فجأة:
- بيش .. أين بيش ؟
- بيش ؟ من بيش ؟
- رفيقي في الصيد الذي أُسر معي ..
أصدر را أمره بأن يحضروه ثم قال:
- الآن و قد وجدتك بعد طول غياب، لندع هذه الذكريات المؤلمة جانبًا .. حدثني عما كان و حدث .. حدثني عن نفسك ..
- أمر مولاي ..
كانت لبيش الذي دخل عليهما في هذه اللحظة فأشار إليه را بالجلوس، و أشار لروك أن يتكلم، فانطلق فيض الكلم من فمه يستمعان إليه في إنصات ..
اتكأ تارام في جلسته إلى تلك اليد الهائلة لمقعده، و أخذ يفكر كيف يعيد الكرة دون أن ينكشف أمره .. لم يكن عرض الزواج عرضًا كريمًا، بل عرضًا لمصلحة .. ليست توطيد أواصر الصداقة و تدعيمها، و ليست إرساء دعائم أقوى للحلف بينهما، و لم تكن بالطبع مقابل خطة الدفاع المشترك التي عرضها را-هيمين .. كان غرضه الأول أن يدخل قصر با-هيب .. القصر الذي طالما حلم أن يدخله من بابه، لا من نوافذه كما يفعل منذ عشر سنوات ..
إن لبا-هيب مجلس مشورة ملكي هم أبعد ما يكون عن الولاء .. لقد اشتراهم واحدًا تلو الآخر، حتى أصبح يطلع على أخبار مملكة النازوم، لكنه يرغب فيما هو أكثر .. يرغب في ابن الملك، ليكون الجسر ليتملك القصر و المملكة ..
كان ينتظر اللحظة التي يلجأ فيها با-هيب إليه، فمملكته أقوى من مملكة النازوم، و أغنى، و إزاء هجمات الهوبوز المتواصلة التي تقض مضجعيهما، كانت هذه اللحظة وشيكة .. هو يعلم كم يكرهه، و كم يود لو يتخلص منه، لكنه في النهاية لجأ إليه ..
هي أيام و يأتيه رد را و با-هيب بالرفض .. هو يعلم هذا و لا يتوقع سواه، لكنه مرة أخرى يعلم كيف يضعه في مأزق بحيث لا يكون أمامه سوى القبول .. إن خطته التي يعد لها منذ اثني عشر عامًا، لن يتركها تفسد من أجل قليل من الملح ..
حتمًا لن يتركها ..
16.7.09
ذباباووي
ما تستغربوش من الاسم او متتقرفوش منه
بس اكيد كل واحد عارف ايه اللي بيعمله الدبان وخاصة في الصيف
وبعد كدة اكيد هيكون للدبان نصيب من الحوار العالمي خصوصا بعد ما اصبحت الانفولونزا
تصيب جميع الحويانات فلا مانع من ان يكون هناك انفلونزا الدبان
انا هلخص واجيب من الاخر
عموما الدبان منه انواع
اولا: النوع الرزل
وده نوع انتشر بشكل مستفذ وعليه برادة
تخرج الواحد من هدومه
وغالبا يكثر في الصيف بسبب الحر
بس ممكن يكون في الشتى
ده انا مرة كنت بذاكر في امان الله وفجأة اذا بدبان دكر رزل
يحوم علىّ وكأن له ثأر عندي ( بالبلدي مش سايبك انهاردة غير اما طلع ....)
وانا اكتر حاجة تضايقني الدبان
سيبت اللي في ايدي وقفلت الاوضة ( الحجرة ) ويانا يا هو في البيت
وبعد مناورة دامت مايقرب من نصف ساعة تمكنت من قتله بعد ان اصبح الكتاب
والاوضة ليس لهم ملامح نهائيا
ثانيا : النوع المزواج
وده نوع بصباص تلاقيه راكب فوق دبانة وهاتك يا ....
مفيش حد ادّه وغالبا ما يكونوا على زجاج الشباك
بس انا مرة شفت دبان رومي زانئ دبانة بلدي مش باين منهم غير الانتينّة
وهذا النوع غالبا ما يصدر عنه الزن ( نتيجة التفاعل بين ...)
ثالثا :النوع الاكروميجالي
وده نادرا اما تلاقيه ولو شفته تلاقي الدبان بسم الله ما شاء الله
صوب ...الواحد في حجم كورة البينج وده لانه اتنفخ من اللي بيشوفه
وده غالبا موجود في مصر وانتوا اكيد عارفين ليه ( بقولك اتنفخ ...)
رابعا : النوع المسالم
وده نوع كافي شيره خرّه لا بيهش ولا بينش
وغالبا ما يكون لازء عل الشباك وبيقولك تعالى موتني
خامسا:النوع المتكيّف
وده نوع ترش عليه بايراسول يقوك كمان
تجيب فليت وترش تعمله دماغ فيلبدلك في البيت
متكيف ببلاش ... النوع ده ماترشش عليه خالص وهو هيمشي
12.7.09
الذهب الأحمر - تابع الفصل الثاني
قالها الملك با-هيب و قد استشاط غضبا و جن جنونه عندما وقف ابنه ليروي له ما حدث في رحلته الاخيرة كسفير .. ثم استطرد : يريدك لابنته ، و هو يعرف جيدا أنني لم ألجأ اليه الا لشدة حاجة ، يعرف جيدا أنني لا أطيقه
-لو كنت قلت ذلك يا مولاي لما خرجت برجالي من هناك
حاول الملك أن يستعيد هدوءه سائلا ابنه: صدقت يا را ، صدقت .. ثم سأله في استنكار و قلق : لا تقل لي انك وافقت؟!
- أوافق علام يا ابتاه ، أنت تعرف جيدا أنني لن أتزوج هكذا ..و ان كان فيستحيل أن تكون ابنة هذا الرجل .. ثم أخذ يروي له..
عندما سمع الأمير كلمات تارام ملك الشمال ، أصابته صدمة للحظة ، اذ توقع كل عرض و تخيل رده الا هذا العرض .. و لم يكن ذهوله لغرابة العرض و عدم توقعه فقط ، بل لأنه سرعان ما أدرك أن رفض هذا العرض ستتبعه بعض استنكارات من تارام و أسئلة لو أجاب عنها بصراحة أو ما يقرب اليها لما خرج و أعضاء وفده من عند تارام و لقامت الحرب بين المملكتين .. أثرى هذا التخيل في ذهنه ما يعرفه عن جنون تارام و طغيانه .. لكنه سرعان ما تمالك نفسه و رسم تلك الابتسامة التي علمها ايه معلمه و مربيه و كان يسميها "ابتسامة الوقت" لأنها تكسب صاحبها الوقت ليفكر في رد دون أن يبدو أنه تأخر بسبب خوف أو تفكير أو سواهما ..
و لكن أي ابتسامات تجدي مع رجل في مثل دهاء تارام .. اذ سرعان ما استدار دورة كاملة و قال للأمير: فما قولك يا بني؟
كانت اللهجة كأنها تسخر منه كيف أوقعه تارام بسهولة .. الا أن را-هيمين سرعان ما رد : ان كان الرد الذي تريده ردي كرا-هيمين الرجل ، فكيف يرفض رجل الزواج بامرأة جمعت الجمال و نبل الأصل و المال و كل ما يبتغيه الرجل في امرأته .. و لكني في قصرك و ضيف بلاطك لا بصفتي الشخصية و انما جئت رسولا عن والدي ، أحمل منه عرضا أعود اليه برد ، و أكون تجاوزت حدود النبل الذي لا ترضى لابنتك زوجا سواها ان قطعت ردا دون العودة اليه و ان أحببت هذا و ملت اليه .. أوليس كذلك جلالتك؟
تغيرت ملامح تارام الساخرة و المليئة بزهوة النصر الى الهدوء و الاعجاب و الحنق أيضا .. الهدوء لأنه لم يكن يملك ردا على كلام الفتى ، و الاعجاب بسرعة بديهته و كيف استل نفسه من المأزق ، و الحنق اذ لم تفلح مخططاته .. و في هدوءه الذي يجاهد يخفي خلفه كل ما يعتمل في نفسه أجاب قائلا: صدقت أيها الأمير الرسول..
ثم أشار لكاتم سره أن يسمح للنبلاء بالدخول و استكمال مجلسهم و ما ستعقبه من احتفالات بوفد الحلفاء على حد وصفه.
تبسم الملك با-هيب قائلا يربت على كتف ابنه: أحسنت صنعا يا بني ، و الله لو كان والدك في مثل موقفك لما أجاب بأحسن من هذا
ثم استطرد متنهدا: لقد أحسن موار-هن تعليمك ، رحمه الله .. لولا خيانته تلك ..
-نعم لقد أحسن تعليمه الاخلاق و الحكمة و حسن التصرف .. قالتها الملكة و قد جاءت تطمأن على ابنها و قد نبئوها بعودته بينما كانت تزور موتى الاسرة في طرف حديقة القصر ..
ثم أكملت في كلمات تحمل بين طياتها الانكار و اللوم : و لازلت غير متصورة كيف لرجل أن يعلم شيئا نبيلا على هذا النحو ثم يخون ..
و كأنما ذكرت الملك بجرح قديم .. فقال في لهجة المدافع: لقد أشار كل شيء ضده عندئذ .. و حتى الان لم يظهر ما يبرأ ساحته
قالت الملكة: و ان .. ثم أثرت أن تنهي النقاش بينها و بين زوجها لتطمئن على ابنها و تسمع منه تفاصيل رحلته
جلس الأمير بعد أن أذن له أبواه بنيل قسط من الراحة بعد سفره ، و بعد أن اطمأن قلباهما عليه ، مفكرا في أيام صباه و معلمه موار-هن .. و كيف أن كثيرا مما هو عليه الان بفضل الله ثم بفضله .. ليس لأن أباه كان أبا سيئا بل لأنه كان مشغولا بتثبيت أركان ملكه حينئذ فلم يجد من يوكل اليه بابنه سوى صديقه الصدوق و مستشاره المخلص ، تذكر الكثير .. تذكر كيف كانت علاقته بمعلمه و صديق أبيه .. و كيف كانت صداقته بأبناء المعلم و الذين طالما تعجب كيف أنهم كانوا جميعا أبناءه و ينادونه أبي لكنهم كانوا يستمرون باخباره أنهم ليسوا اخوة .. كان صغيرا و لم يفكر في السؤال عن الامر حينئذ .. و لم يجرؤ أن يسأل عنه عندما كبر ، لعلمه بما كان يثيره الامر في صدر والديه .. و لم يكن يستطيع أن يسأل الأولاد أنفسهم ، اذ اختفوا تماما مع ما حدث لأبيهم و لم يعرف مصيرهم أحد .. و هكذا نشأ بلا صديق سوى نارزا مربيته ..
و لما تذكر نارزا ، تذكر الغوغاء و ما كان من أمره و اياهم قبل رحلته تلك .. و ابتسم و قد تمدد في فراشه يشعر براحة بال عما فعل ، و عما انتوى أن يفعل
ملحوظة: أعتذر عن طول مدة الانقطاع عن الكتابة في هذه القصة
6.7.09
تذكرت
كنت قد انتويت ، لما وجدت نفسي غير قادر على كتابة شيء، أن ابحث في دفاتري القديمة .. و أكتب بعضا مما كنت كتبت سلفا من شعر و سواه .. و كنت قد انتويت أيضا أن أكتب بضعة مرات عن ملاحظاتي حول ما تغير في الشارع المصري بما انني منذ قدوم الاجازة و أن انسان " شوارعجي" .. ثم حدث شيئ غير تماما ما يجب أن أكتبه .. لقد حدث و أن تذكرت المعتصم .. يغرف كثير منا المعتصم و يجهله الكثير .. يعرفه البعض من خطبة الجمعة ، و البعض الاخر من كتب الشعر و الشعراء .. أنا عرفته عندما كنت في الثامنة أو التاسعة من عمري ، كنت قد أشتريت ثلاث سلاسل من كتب الأطفال .. احداها عن غزوات الرسول الكريم محمد صلى الله و رضي عليه و سلم ، أما الاخرى فكانت عن الصحابة أبرزهم .. و كانت الثالثة عن الخلفاء المسلمين .. و قرأت سيرة المعتصم و قرأت القصة التي ذكرها له التاريخ ، أو لنقل التي لا نزال نسمع بها من سيرته .. اذ حدث ان اغار الروم على قرية أهلها من المسلمين و أسروا نسائها فنادت أحداهم قائلة: وامعتصماه ..
سمع المعتصم هذا فصاح في أخيه الصغير قائلا: " يا عم نشرة ايه .. شوفلنا ماتش و لا فيلم ولا أي حاجة مفيدة " ، و أحيانا اخرى ينهض من أمام التلفاز ليجلس على حاسوبه يلعب أو يتابع الفيس بوك ، و ذات مرة جلس على الياهو لكي يحاول اضاعة الوقت .. عفوا ، هذا انا و كثير منا .. أما المعتصم فقد ترك كوبا كان قد انتوى أن يشرب منه ، و قال لبيك لبيك ..و أرسل رسالة الى ملك الروم قائلا : " من خليفة المسلمين المعتصم الى كلب الروم، سأرسل لك جيشا أوله عندك و اخره عندي" ، ثم سار بجيشه حتى وصل الى عمورية أكبر مدنم فحاصرها حتى هزمها " ..
لا أعرف ماذا اقول فكفى ما قيل و لكن ما ذكرني هو ما حدث لـ مروة الشربيني - رحمها الله - .. لا أريد أن أبدأ في الحديث عن ضعف المسلمين و العرب حتى هانوا ، ولا أريد الخوض في صراع اذا ما كان حجابها دافعا لقاتلها أم لا أن يفعل ما فعل ، ولا أريد أن أتحدث عن الفارق بين حكوماتنا و قد شاهدت النخوة و الحمية تأخذهم و قد أحمرت وجوههم غيرة على ابنتهم فتبجح غير واحد منهم قائلا انهم اتخذوا الاجراءات المناسبة و ياليته ما عدد فخورا هذه الاجراءات .. و بين المعتصم ، و لا أريد الخوض في أمر المسلمين أيام المعتصم و الان .. و يا ترى لو نادى فينا حكامنا فهل سنخرج في جيش أوله عند من اعتدى علينا و أخره عندنا .. و لا أريد الحديث عن الذين اهتموا لوفاة مايكل جاكسون ، أو لشريط جديد لمطرب أيا كان ، أو لمباراة كرة أكثر مما أهتموا لما حدث .. لن أتحدث عن أحد و لكنني سأقول ما حدث .. كنت أجلس أمام التلفاز و تلك من المرات القليلة ، اذ أن أغلب وقت فراغي أقضيه في اللعب على الحاسب ، و كنت أقلب فثبتت على قناة النيل الاخبارية ، و تلك من المرات القليلة أيضا عندما لا أجد ما أشاهده .. و سمعت الخبر و فهمت أن مصرية ما قتلت في المانيا بداخل المحكمة .. لا أقول ان اهتمامي القصير بالموضوع و محاولة معرفة أبعاده حتى انتهت تغطية الخبر ، تمحي ذنبي اذ نسيت الموضوع تماما و لم اكترث له و انشغلت بتفاهاتي عن متابعته .. ما حدث و ذكرني هو دخولي على الفيس بوك و قرأت بعض العناوين و وجدت رابطا عرفت فيه حقيقة الأمر ، سرعان ما مر أمامي شريط ذكريات .. تذكرت المعتصم ، تذكرت محمد الدرة .. تذكرت ذات مرة شاهدت فيها التلفاز وقد وقفت امراء فلسطينية تشكي و تستغيث بنا المسلمين ، و تذكرت ما حدث مني عندما سمعت عن مروة - رحمها الله - .. تذكرت كل هذا .. الان تتسع أفكاري أكثر أتذكر هوان أبنائنا على حدودنا مع اسرائيل ، أتذكر اغلاقنا المعابر في وجه الفلسطينين و تبجح البعض بقول "دول يستاهلوا .. هما اللي باعوا أرضهم" .. و ضحكت كمدا اذ تذكرت قوله تعالى في سورة التوبة" و ان أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ... التوبة 6 " صدق الله العظيم ، و أسائل هؤلاء : ما بالكم بما يجب علينا نحوهم الان؟ ..تذكرت كيف رفضنا اغاثة غزة بل كيف كان الوقود الذي حرك جيوشا دمرتها وقودا عربيا ، تذكرت كيف دسنا أحلام أبنائنا على شواطيء ليبيا و سواها في زوارق الموت .. تذكرت كيف أيئسنا جيلا كاملا ، بل أجيالا من أبنائنا من أوطانهم فأصبحت جميع أحلامهم منسوجة في عالم وردي يختلف عما رأوه في بلادهم ثم نطلب منهم أن يتغنوا بحب مصر ..تذكرت صديقا قال لي ذات يوم أنه لو طلب اليه ان يعمل كجاسوس لعمل فبلدك ليست هواءا مباركا تتنشقه ولا ماءا طاهرا تتغنى به و انما بلدك من تحتضنك و ترعاك ، تذكرت فرقة العرب و ضعفهم و هوانهم .. و تحسرت اذ تذكرت الناس يلومون حكوماتهم على عدم قيام وحدة عربية بينما يسيء بعض العرب معاملة من ذهب لكسب العيش عندهم من عرب أخرين .. و البعض الاخر يسب شعبا عربيا بأكمله و يصفه بانعدام الاصل و الخسة ، تذكرت أنني كشاب أخطط لمستقبلي كان علي أن افكر ألف مرة لأني مسلم ، و ألفا أخرى لأني عربي .. و الافا أخرى لأني مصري ان كان حتى حلمي في ذلك العالم الوردي خارج بلادي سيتحقق ام لا .. تذكرت ما حدث لأجمل ما كان في مصر و هم أناسها و كيف تغيروا عن شهامتهم و كرمهم و طيبتهم ..و كيف حولهم ضيق العيش لشعب اخر ما عاد يحتمل في كثير من الاحيان ، تذكرت كيف أكلنا لأعوام مبيدات مسرطنة و لم يحاسب المسئولين ، تسائلت كيف هرع الجميع يتباكى نفاقا و يسرف في دموع التماسيح بكاءا على طفل واحد لقي ربه ، بينما ما فعل أحدهم شيئا لقطارات حملت اسرا الى الموت ، و لا اهتموا بعبارات أطعمت أسرا بأكملها أباءا و أمهات يرون ابنائهم بأعينهم تتقاذفهم الامواج لتطعمهم لليم بقروشه ، تذكرت بلادي التي نتغنى فيها بمشروع للقراءة للجميع بينما الاولى أن نقيم مشروع الطعام للجميع ، تذكرت كيف أقسمت سيدة فقيرة لأمي انهم أمضوا ثلاثة ايام يبحثون عن الخبز في القمامة فلم يجدوه حتى ، تذكرت كيف جعلنا قدوة أبنائنا لسنوات شخصا أبله يتحدث بطريقة كمن أصابته عاهة و يكثر من الشتائم و يهز مؤخرته ، تذكرت مرة سألت مذيعة الدكتور فاروق الباز لماذا لا يظهر في البرامج و ان كان ذلك لانشغاله فأجابها انه لانشغالهم هم بالفنانين و الراقصين و انه لم يظهر لأن أحدا لم يطلب منه ، تذكرت بلادي التي تباع أرضها و ثرواتها بثمن بخس ، تذكرت كيف و قد دخلت احد الكليات المسماة بكليات القمة لأجد نفسي أمضي سنوات من عمري هباءا ، تذكرت و لو حاولت أن أتذكر -رغم ضعف ذاكرتي- لتذكرت ما يكفيني لأكتب مواضيع و مواضيع .. ختام القول ، لقد اثرنا الكسل ، و أدمنوا العمل .. لقد استعمرونا بلا سلاح ، لقد ملكوا رغيف خبزنا فذللنا لهم .. لقد قلدوا أحسن ما عندنا و قلدنا أسوأ ما عندهم .. بايدينا يا سادة وصلنا لما نحن فيه من ضعف ،و الضعيف لا يهاب ، و من لا يــُهاب يـــُـــذل ..
4.7.09
استرجل !
لم أضع هذا الإعلان المستفز جدًا جدًا جدًا لأنني معجب به، لا سمح الله، بل لأنه فاتحة هذا الحديث، و لا أقول أحد أسبابه ..
ببساطة شديدة و كأنه أمر غير ذي بال، وصمني - و كثيرين معي - هذا الإعلان و إخوانه بأننا "مش رجالة"، لأننا ببساطة لا نشرب هذا الشامبو المعبأ في صفائح، رغم أن البعض قد يكون مبرره هو أنه لا يستسيغ طعم شراب الشعير، و لو أنني لا أشربه لسبب آخر، هو أنني لا أثق البتة في جملة "خال من الكحول" المكتوبة عليه، خصوصًا في بلد كمصرنا المهروسة، يبيع فيها الجزارون لحوم حيوانات نافقة و مسمومة و مذبوحة على غير الشريعة الإسلامية و مريضة على أنها لحوم درجة أولى فاخرة .. بالمناسبة، هذه اللحوم هي اللحوم المجمدة و المصنعة – كاللانشون و البسطرمة – و لا يستطيع أحد أن يقول إنه لم يقربها في حياته بدعوى أنه يأكل لحومًا بلدية طازجة، لأن تسعين بالمائة من المطاعم و الفنادق تعتمد عليها في وجباتها ..
على كل ليس هذا موضوعنا .. لن أقول من أعطى هذا الرجل الحق أن يصمني بهذه النقيصة، أو من أعطاه الحق ليقرر شيئًا كهذا، أو .. أو .. لن أقول شيئًا من هذا، لكنني سأتساءل و إياكم: ما هي الرجولة حقًا ؟
أعلم أن حديثي سيبدو مملاً و مكررًا و معادًا، و أنها المرة الألف التي تسمع فيها الحديث ذاته .. إذا رأيته كذلك، فلا أقل من أن تعتبره من قبيل "و ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين"، و ثق أنك لن تخرج صفر اليدين ..
يخلط الكثير منا بين الذكورة و الرجولة .. الذكر هو الكائن الحي الذي يحمل الأعضاء التناسلية المذكرة، و هي في حالتنا كبشر القضيب و الخصيتان و ما خفي في جوف الإنسان من باقي الأعضاء، و ما يستتبع ذلك من مظاهر ثانوية، كنمو الشعر و العضلات و ما شابه .. هذا هو الذكر، لكن الرجل شيء آخر ..
الرجل هو الشخص القادر على تحمل مسئولية، بكل ما تعنيه كلمة مسئولية من معنى .. و رغم أن التعريف جاء بصيغة المذكر، لكن صفة الرجولة قد تنطبق على النساء أيضًا، و هنا مربط الفرس، الذي يجعلنا لا نخلط بين الذكورة و الرجولة ..
سيدة كأم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، هل يمكن أن تصف وقوفها إلى جانب زوجها النبي محمد صلى الله عليه و سلم، و مؤازرتها إياه، و التخفيف عنه .. هل يمكن أن تصف هذا بشيء غير أنها رجولة و تحمل لمسئولية عظيمة ؟ .. هي في هذا الموقف الجليل ليست برجل واحد، بل بألف رجل ..
سيدة كشجر الدر، وقل فيها ما تشاء، هل يمكن أن تصف إدارتها الحرب و قد مات السلطان قائد الجيش و الكر و الفر على أشده، و محاولتها لم شمل المسلمين و حماية جيشهم من انفراط عقده و ضياع هيبته .. هل يمكن أن تصف هذا بشيء غير أنها رجولة و تحمل لمسئولية عظيمة ؟ .. هي في هذا الموقف الجليل ليست برجل واحد، بل بألف رجل ..
الأمثلة كثيرة، لا يحتويها حديث كحديثي .. هؤلاء كنّ رجالاً لا لأنهن ارتدين سراويل تعتنق مذهب "حوش اللي وقع منك"، أو سلاسل تعلق في رقابهن كرخصة الكلب، أو لأنهن يدخنّ اللفافة تلو الأخرى كمحرقة نفايات طبية، أو لأنهن يشربن هذا أو ذاك .. كن رجالاً لأنهن تحملن المسئولية ..
قل لي بالله عليك أين هي المسئولية التي تحمل همها و أنت تسير في الطرقات كالحيران التائه، تخرج من شارع إلى آخر إلى ثالث .. تتسكع .. تتسكع و تجرع "بيريل" أو "ريد بول" - من الخمور المقنعة التي يكتبون عليها "خالي من الكحول" بينما هي مصنفة في الأساس على أنها "بيرة قليلة الكحول" - أو ربما "سقارة" و أخواتها من الخمور الصريحة .. تتسكع و تدخن كأنك جذوة فحم .. تتسكع و يد في الهواء تشير بها و يدك الأخرى على سروالك مخافة سقوطه .. هذا يا عزيزي هروب من المسئولية، و هروب من الدنيا و من كل شيء ..
نعم .. أعرف أن الدنيا في زمننا هذا، و في مستقبل الأيام التي نراها بعيوننا الضالة المتشائمة هي كالقبر المظلم، و بعيون المتفائلين منا كطريق طويل جدًا قد ينتهي بشعاع نور .. أعرف هذا، و لست أكذب عليك و أدعي غيره، لكن الدنيا لن تتغير من تلقاء نفسها، و لن يغيرها إلى ما تريد إلا أنت، فغيرك يعمل لنفسه، و ليس لديه وقت ليوفر لك راحة لم تعمل أنت من أجلها ..
لست أقصد بهذا الحديث هذا المشروب السخيف "بيريل"، و حملته الإعلانية الأكثر من وقحة و مستفزة، وحده، لكنني أعني نمطًا من التفكير أصبح سائدًا و ينتشر بقوة منذ فترة .. هو نمط يفرغ الرجولة من كل معنى لها و يختصرها في مظاهر كاذبة، تجعل الواحد منا يظن نفسه فتى الفتيان و سليل الفرسان لأنه التزم بهذه المظاهر، بينما هو في الواقع يفرغ نفسه من مضمونها شيئًا فشيئًا ..
لست من عشاق نظرية المؤامرة، لأنني أراها هروبًا من الواقع و إلقاءّ باللوم على غيرنا كي يرتاح البال و الخاطر، و لا ينغص حياتَنا تقصيرُنا، لكن الأمر يستحق هذه المرة .. ألق نظرة على هذا الجمع الغفير من الشباب "المسترجل"، و قل لي بالضبط متى قال لا في وجه ظالم، أيًا كان هذا الظالم ؟ .. لا تجعلنا نعقد الأمور و نذهب بالمسألة لمستويات عالية من المسئولية ..قل لي متى صنع معروفًا لنفسه أو لغيره، بحيث يذكره أحدهم – أيًا كان هذا الـ"أحدهم" – بخير ؟ .. متى غيّر، متى طور و حدث ؟ متى نصح أحدًا بخير ؟
لست من عشاق نظرية المؤامرة، لكن الأمر يبدو كما لو كان حملة منظمة لإبعاد الشباب عن الحياة، و إدخالهم في غياهب الجب و ظلمات التيه، كي يرتع من أراد فسادًا و يمرح، و يظل من أراد على كرسيه ما شاء، لا يجد هذا أو ذاك رادعًا، و يدًا قويًا تلطمه على صدغه جزاءً وفاقًا ..
أعلم أن هؤلاء قد لا يكونون على هذه الدرجة من السوء، و فيهم أناس أعرفهم، لكنهم ينحدرون نحو الهوة ببطء، و لكن بثبات ..
أيها السادة "المسترجلون" في كل بقاع الأرض: إذا كنتم تعنون بالرجولة الذكورة، فاخلعوا ملابسكم و أرونا الدليل، أما إذا كانت الرجولة هي المرادف المنطقي للمسئولية، فأنتم بلا شك قد ضللتم الطريق ..