هكذا شرد فكره للحظات ثم أفاق ليتابع ممارسة تلك العادة ، لكن شيئا ما لفت انتباهه ، تلك المجموعة من الركاب .. كان قد حللهم سابقا كعادته ، لكن شيئا غريبا يحدث أمامه الآن ، لقد تغير تصنيفهم تماما ، بدوا أكثر حيوية ، أكثر سعادة .. لا ، ليست هذه الكلمة التي يبحث عنها وا التصنيف الذي يجب أن يدرجهم به .. أكثر دفئا .. نعم ، هذه هي الكلمة التي يبحث عنها ، و لكن الدفء دوما له مصدر .. نبهته تلك الجملة الأخيرة إذ ترددت في ذهنه أن هناك فردا قد زاد في المجموعة ، فتاة في أوائل العقد الثالث من عمرها .. هذا كل ما يتذكره عنها ، الشيء الآخر الذي يذكره هو أنه بمجرد أن وقعت عيناه عليها شعر بذات الدفء ، كأنه لقي شخصا يعرفه منذ زمن بعيد ، شخص مقرب إليه ، بل شخص انتظره وقتا طويلا ثم لقيه .. لا ، ليس أيا من هذا ، شعور بالدفء لم يعهده من قبل ولا يستطيع تفسيره ، كأنه أشعة الشمس لها أذرع تضمه ، تنسيه كل شيء يعرفه ، و تمحو كل مشاعره ، الجيد منها و السيئ لتذره كأنما ولد طفلا من جديد لا يعرف سوى هذا الدفء ..
اعتاد هذا الدفء بسرعة ، و بسرعة أكبر مضى الوقت ، أو هكذا شعر و الفتاة تغادر القطار مع تلك المجموعة لتأخذ معها ذلك الدفء ، تاركة خلفها قليلا منه بداخله ، لكنه - على قلته - كاف ليغير ذلك السبب الذي لأجله يحب ركوب القطار ، و الذي يجعله يقلب نظره بين ركابه ، فهو يبحث عن هذا الشعور الذي يفتقده ، يريد أن يحياه مرة أخرى ، يريد أن يستكمل ذلك القليل بداخله.