لدينا اليوم عدد من المواضيع لنتحدث فيها، علي رأسها ما أراه أصبح مزعجًا للغاية .. الدراسة العملية .. المفترض حسب العرف أن كلية الطب هي كلية عملية، لكن أخبروني بعد أن تقرأوا ما هو آت أين هي الدراسة العملية بالضبط في كل ما بحدث .. أشعر في بعض الأحيان أن كليتنا هذه تحولت في غفلة منا إلي كلية نظرية .. !
لنبدأ بالمشرحة .. أقل ما يقال عن الجثث التي ندرس عليها - هذا إن وجدت أصلاً بالصورة الكافية - هو أنها غير آدمية علي الإطلاق .. ما بين أن أحدث الجثث الموجودة قد قدمت للكلية في عهد الملك فاروق الأول ملك مصر و السودان - كما ينبيء وضعها و حالتها - و ما بين مشهد الجثث المهرتل من كثرة التفعيص و اللغوصة فيها سواء من قبل الطللبة أو المعيدين .. و رغم أن الأمر دراسة، أي أننا لا نفعل هذا التشوبه بغرض العبث، لكنه تمثيل بشع بالجثث يجعلك تتساءل في خوف لو أن مصيرك أصبح هاهنا في لحظة من اللحظات، كيف ستكون ؟!
و بعد هذا و ذاك يأتي عامل المشرحة ليزيد الطين بلة كالمعتاد، فهو عادة لا يكتفي بإخفاء الجثث الجيدة لمن يدفع أكثر، بل إنه في المعتاد يخفي الجثث المهترئة أيضًا لمن يدفع أكثر .. أي أنك في كلتا الحالتين ستدفع أيا كان مستوي البني آدم الذي ستذاكر عليه، ثم إن تصرفه هذا به نوع من النتانة .. مسألة أن يدفع الطلاب لعامل المشرحة كي يخرج لهم الجثث هي أصلاً مرفوضة -رغم أنني شخصيًا اضطر في النهاية لهذا، وسط صمت السادة المعيدين و الأساتذة من منطلق "سييبهم يسترزقوا"- فهم ليسوا ملكه و لا بقية أهله علشان يتصرف فيهم بمزاجه، لكنه لا يترك حتي الرديء ببلاش من باب إنه خلاص مش حيتشاف فيه حاجة فمالوش لازمة دفع الفلوس .. بس علي مين ؟ لا بد أن أدخل بها .. يعني حتدفع حتدفع ..
من التالي ؟ .. الهستولوجي .. و للسادة غير المتخصصين، فالهستولوجي مادة تهتم بدراسة أنسجة الجسم السليمة تحت الميكروسكوب .. من البداية المادة نفسها "مالهاش عازة يابوي" .. شيء لزج و قميء ابتلينا به ليس له له ملامح و لا تدري له استفادة بعد التخرج .. أذكر أول محاضرة هستولوجي في العام الدراسي الأول في الكلية - شوف الموضوع لسه في بدايته - أخبرنا رئيس القسم، الذي هو المحاضر في الوقت ذاته، بكل أريحية: "علي فكرة يا جماعة مادة الهستولوجي مادة دمها تقيل و مش لذيذة خالص .. السنة اللي فاتت سقط فيها 400 طالب من أصل 1200 .. فخدوا بالكوا يعني" .. أخدك ربنا يا شيخ .. استقبال كأنه دلو ماء نتن و بارد و علي الريق ..
نعود للجزء العملي الخاص بهذه المادة لنجد مجموعة منوعة و شاملة من مسببات الخنقة تهجم عليك من كل حدب و صوب و اللي جدع يحاسب - غالبًا ما حدش بيطلع سليم ..
أولاً الميكروسكوبات نفسها هي بالضبط الخالق الناطق و يا سبحان الله التي اكتشف بها ألكسندر فلمنج فطر البنسليوم في أوائل القرن قبل الماضي .. ما زلنا نعمل بميكروسكوبات ضوئية تعتمد علي ضوء الشمس، رغم وجود أنواع أحدث تعتمد علي المصابيح الكهربية، و هذه تخرج عادة أيام الامتحانات فقط، و لهذا فمن الطبيعي جدًا أن تسمع هذه الجملة تترد بكثرة "يا كابتن .. وسع من قدام الشباك"، و من الطبيعي أكثر أن تجد الطلبة و قد حملت الميكروسكوب بالعينة هيلا هوب و علي الشباك، لتوفير أقصي إضاء ممكنة .. بعض الميكروسكوبات لا ينفذ منها الضوء أصلاً، و هذه في الأغلب تعمل بالنور الداخلي للإنسان الناتج عن إيمانه العميق بأن الله حسبه و وكيله فيما يحدث فيه من هذه المادة و هذه الكلية ..
ثم تأتي العينات التي نراها تحت الميكروسكوب .. قمة من قمم الأداء الثوري في عالم الرخامة .. ما بين زيادة في الصبغة تحيل العينة سوادًا، و جدع شوف حاجة .. و ما بين تقطيع سيئ يجعل العينة "متطبقة فوق بعضيها" بصورة تستحيل معها الرؤية الواضحة .. و ما بين تثبيت سيئ يجعل العينة مكرمشة كأنها قرطاس لب .. هذا بالإضافة للشكوي المعتادة من كل سكاشن الهستولوجي: " هو فين الكلام اللي بيقولوه بالظبط هنا هو .. أنا شابف حاجات بمبي و حاجات بنفسجي و بس " و تكون الإجابة المعتادة في كل سكاشن الهستولوجي: "تخيل .." !
و الآن مع هادمة اللذات و مفرقة الجماعات و معذبة الطلبة و الطالبات .. الكيمياء الحيوية .. البيو يعني .. هذه المادة استحقت هذا اللقب لما فيها من توهان يجعل الانتحار هو أقرب الحلول إليك - منطقًا و قلبًا .. ما علينا ..
مشكلة سكاشن هذه المادة هي أنها ببساطة و من المنطقي أن تكون في معمل يجري فيه الطلاب التجارب الكيميائية بأيديهم، لأنهم في النهاية سيتعاملون مع مريض و ليس ورقة امتحان يرتبون فيها الكلام بشكل منمق ليحصدوا الدرجات و خلاص علي كده .. المشكلة هي في هذه البساطة و المنطقية التي يجب أن يكون عليها الحال، لأنه و بكل فخر - وفقر -لا يوجد معمل .. !
تخيل كلية عريقة و عرقانة - بجهود طلابها - مثل كليتنا و ليس فيها معمل للكيمياء .. المعمل قيد التطوير من العام قبل ما قبل الماضي .. ليه، بيصنعوا مسرّع جزيئات و لا مفاعل ذري ؟ .. بعض من المناضد و الحواجز الزجاجية و دمتم ..
طبعًا مشهد الطلاب في الصالة الخارجية للقسم ملتفين حول مجموعة من المناضد يقف إليهم المعيد أو المعيدة الغلبان/الغلبانة ليـ/تشرح لهم دروس العملي، التي غالبًا ما تسير هي أيضًا بأسلوب التخيل و الهلاوس، هذا المشهد يدعو للحيرة، و يجعل من لا يعرف يتساءل في دهشة و براءة: هو فيه إيه ؟
ربما المادة الوحيدة التي ستنجو من مقصلة لساني اليوم هي مادة الفسيولوجي - علم وظائف الأعضاء - لأنه تقريبًا القسم الوحيد الذي يمشي بشيء من النظام في الدروس العملية، رغم أنه علي النقيض تمامًا في المحاضرات ..
وعدتكم بعدد من المواضيع لهذا اليوم و في الواقع لم يكن لدي سوي هذا .. عدوهالي المرة دي و أشوفكم علي خير ..
هناك 6 تعليقات:
بعض الميكروسكوبات لا ينفذ منها الضوء أصلاً، و هذه في الأغلب تعمل بالنور الداخلي للإنسان الناتج عن إيمانه العميق بأن الله حسبه و وكيله فيما يحدث فيه من هذه المادة و هذه الكلية
هههههههههه
فى الحقيقة المقال اكتر من رائع
بجد ينفع يتدرس فى مدرسة المقال الساخر
مقال لذيذ جدا
وتعبيرات فظيعة
انا حسيتة اوى لانى كنت فى احد الكليات العملية ..اذا اعتبرنا ان كلية الزراعة احد الكليات العملية
كنا بنستخدم نفس الميكروسكوبات العتيقة دى بتاعة الشباك
ومبنى الكيماء لما كانت عربية بتعدى من شارع الجامعه كان بيتهز
بصراحة البوست ده جميل اوى وعيشنى فى جو جميل .. بغيظك صح ؟ ..هههه
بس طبعا موضوع التشريح ده بالنسبة لغير المتخصصين
بيبقى موضوع مقرف اوى وغير متخيل
ان يبقى قدامى جثة واقعد الغوص فيها
يععععع
:(
بس كان ليا اصحاب فى كلية طب بيقولو نفس الكلام
تحياتى ليك من كل قلبى
ملحوظة : تمت اضافة المدونة لدليل الصباغ للمدونات
مدونة جميلة وقصص محزنة وان كانت مكتوبة بلغة ساخرة.
مدونة كاريكاتور العرب:
http://arabcaricature.blogspot.com
والله انت حاجة من اتنين على كلامك ده إما كائن من مجرة أندرميدا N95
أو إنك مكشوف عنك الحجاب يعني لما كل حاجة كده يا روح ... جبت امتيازات إزاي . سيب الكلام ده للزيي الفشلة امثالي أصحاب الجيد جدا والمقبول يقولو الدنيا ضلمة انما انت على كل ده تعمل كده يبقى انت كده أكيد PDA وسط مجموعة من النوكيا 3310 إن كان الدح مرض ربنا يشفيك إن حاجة حلوة بقى ربنا يخدك وتبطل تنفخنا يا بعيد
ملاحظة جد : من غير زعل انت عارف إني عمرى ما أحقد طبعا صح :) ؟
امتياز و لا ضعيف .. اكلنا في الهم واحد .. دا ياراجل ابن أبو الفقي شخصيًا بيشتكي، عاوزني أنا مشتيكيش
خرافة المقال خرافة...... اهوكدة ولا بلاش يا عم ورينا الكلام الجد شوية واللى انا اكتشفته انك بتعرف تتكلم جد اهو المهم ولا كبرت يا عبد وبقالك ناس بتخش تقرا ....فرفش وزقطط وبخصوص اول محاضرة هستو فاكرها والله زى دلوقتى.....كانت محاضرة اخر لزازة اى والله حاجة كدة تشرح النفس وتفتح شهيتها يا عم انت ظالم الراجل .... الشهادة لله الراجل بيشرح فى الكورس تمام تمام عايزين اية اكتر من كدة؟ اية حننهب ولا اية؟يبقى الشهادة لله ولا مش الشهادة لله هو انا قلت حشيشيبقى انا قلت بذر.... وسلملى على جاد
يا إبي عبد جامد جدا في النثر ,لا اعتقد حد في كلتينا في مستواه ( عاوز ربع جنيه على الكلمتين دول يا ريس) انا مش شايف حاجة في لمقال غير مستوى عبدالرحمن العادي اللي انا متعود عليه أمال لو شفته القصص بقى حتعملوا إيه ؟ حتتحزمو وترقصولو ؟
إرسال تعليق