هل هي شاقة حياة الملك ؟ .. بالطبع شاقة .. تمني كيرًا لو أنه أصبح فقط واحدًا من النبلاء .. نبيل لا هم له سوي رحلات الصيد و جمع الجواري و العبيد من الأسواق .. لكن حياة الملك !
يا لها من حياة .. الهوبوز في الأخدود الأعظم شرقًا هددون مملكته باستمرار بهمجيتهم المتوحشة .. و ملك إقليم البلخاي يهدده و يهدد المنطقة كلها، فهو ببساطة الأقوي و الأكثر نفوذًا، و يحق له أن يفعل ما يريد .. الغوغاء الذين يملأون الدنيا شغبًا في مملكته، و مجلس مشورة لا يشعر نحوه بالارتياح رغم ولائه و تنفيذهم الحرفي لأوامره ..
أي حياة هذه ؟ .. ظن في بداية ملكه أن الأمر لن يعدو جلوس علي العرش و جباية أموال و قليل من المجد في معركة أو اثنتين .. لكنه اكتشف أنه في طاحونة .. طاحونة اسمها القصر الملكي و مملكة النازوم .. مملكته التي أتعبته و أرهقته، لكنه لا ينكر أنها متعته بالكثير ..
زفر زفرة حادة، و انتبه لخطوات القادم بغير استئذان، يقول:
- صباح معطر بالورد و الياسمين .. علام الضجر يا أبي ؟
- حسنًا فعلت أن أسرعت بالمجيء ..
- رهن إشارتك يا مولاي ..
- اجلس ..
جلس را-هيمين بينما وقف والده و أخذ يذرع الحجرة جيئة و ذهابًا، فالتزم الصمت حتي يبدأه بالكلام، و لم تمض لحظات حتي قال:
- تعرف يا را أن الهوبوز لم يرحمونا طوال فترة الماضية .. هجمات متصلة متوحشة أضعفت الإقليم الشرقي من البلاد .. و هذا يستلزم بالطبع إعداد المزيد من الجنود لإرسالهم إلي هناك ليصدوا تلك الهجمات المتصلة .. لا أعرف بأي معدل يتكاثر هؤلاء القوم ؟
- و .. ؟
- و باختصار أريد أن أرفع قيمة ضريبة المسكن الدائم .. إنها تدر دخلاً معقولاً و لا بأس بزيادته لنواجه نقص الأموال في الخزينة و لنستطيع تجهز القوات التي ستذهب إلي هناك .. ما رأيك ؟
- في النهاية ليس رأيي وحده الذي يجب أن تأخذ به جلالتك .. يجب أن تعرض الأمر علي مجلس المشورة الملكية .. لكن إذا أردت رأيي بشكل شخصي فلست أري زيادة الضريبة أمرًا مجديًا ..
- كيف يا را ؟ .. إننا نواجه نقصًا حادًا في الأموال المخصصة للجيش و ضريبة المسكن الدائم توفر موردًا ممتازًا قابلاً للزيادة ..
- اسمح لي جلالتك أن أقول إن هناك بنود يُنفق عليها بصورة مبالغ فيها .. ينبغي أولاً أن نقتصد في المصروفات، ثم نفكر في الموارد ..
فرك الملك يمناه بيسراه ثم توجه إلي النافذة ينظر متأملاً معملاً فكره فيما قاله را-هيمين، ثم نظر لابنه و قال:
- نعم .. هذا أفضل .. و بعد ذلك نفكر أو لا نفكر في زيادة أي من الضرائب ..
عاد إلي موقعه الأول قريبًا من ابنه ثم قال:
- لا تنس استدعاء المستشار الملكي لشئون المال حتي نري ماذا يمكن خفضه ..
أخذ نفسًا قصيرًا كأنما يستعد لجولة جديدة من الحديث م تابع:
- دعك من هذا و لنتكلم فيما رغبت حقًا أن أتحدث فيه معك ..
صمت لحظة ثم تابع:
- تعرف الماك تارام ملك إقليم الشمال .. فكرت أن نعقد معه معاهدة لحماية حدودنا الشرقية المشتركة من هجمات الهوبوز .. الأخبار التي وصلتني تقول إنه مثلنا بل و أكثر بسبب الهوبوز .. لذا فإن اتفاقية تعاون بيننا ستقوينا و لن تضعف أحدًا .. فكرت أيضًا أن تكون أنت سفيري إليه ..
- فكرة جيدة .. لكن ما هو ما سنعرض و ماذا سنطلب منه بالضبط ؟
- دمج فيليقين من كلا الجيشين بتمويل مشترك .. و إذا اُعتدي علي إحدي الدولتين فإن الأخري ملزمة بالدفاع عنها..
- ألا تري أننا بذلك قد نتورط في حرب قد نخسر فيها الكثير ؟ .. من الأفضل - طالما أنه يُهاجم بصورة أعنف منا - ألا نضع هذا العرض، و إلا دمرنا نصف جشنا في الدفاع عن مملكته تاركين أرضنا عارية ..
- لكن لا بد من عرض مغر يقنعه بالتعاون ..
- فلنجعله عرضًا تجاريًا .. هذا أدعي لاستمالة عقله ..
زم الملك شفتيه مفكرًا، ثم قال:
- و استدع أيضًا المستشار الملكي لشئون التجارة .. نريد أن نري ماذا يمكننا أن نقدم و أن نقايض ..
قام عن مجلسه فقام الأمير أيضًا، إذ استشعر انتهاء المقابلة من طريقة القيام، و سارا سويًا و الملك يقول:
- علي كل استعد للرحلة .. حاول أن تبذل قصاري جهدك كي وافق، فنن بحاجة شديدة لهذا المدد ..
- لا خف يا والدي .. ليست أول مرة ترسلني سفيرًا .. أتيت لك بنيريانزو المرة السابقة ..
ابتسم الملك بزاوية فمه ثم قال:
- حسنًا .. لا تنس ما اتفقنا عليه ..
و تركه مفكرًا فيما سيفعل ف هذه المهمة الجديدة و هو لا يدري أن القدر يخبيء له الكثير ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق