16.8.09

الاستخدام الجائر و العبيط للإنترنت

كنت قد انتويت أن اكتب تدوينة عن "ظاهرة بظاظو" و ما حدث و ماذا يحدث و ماذا من الممكن أن يحدث، لكن نظرة البعض، الذين قرأوها بشكل حصري، اتفقت مع نظرتي في أنها جنحة سب و قذف، لا ينقصها سوى تحريك الدعوى القضائية .. لهذا ترونني قد عدلت عن الأمر برمته، لكنني لا زلت أكتب ..
على أية حال، أستطيع تلخيص تدوينة بظاظو في جملة "ديمقراطية النباح، و أبطال الورق"، و أظن هذا يكفي لتعرف ماذا كنت أنتوي أن أقول ..

لكن الأخبار السارة لا تنقطع في بلد كهذه .. أنا لا أعني الأخبار السارة حقًا، لكنني أعني تلك التي نقول عنها كذلك من باب الدعابات السوداء .. آخر هذه الأخبار السارة هو خبر تطبيق الشركات لسياسة الاستخدام العادل و الرشيد للإنترنت، رافعين شعار "محدودية اللامحدود .. عبط بلا قيود" ..

بعد أن أرغيت و أزبدت، و أرتفع ضغط دمي، و أصابني ما أصابني، جلست أتأمل هذا الذي حدث .. ما حدث و يحدث مثله كثير، يضعنا في فئة "بلدان الحصريات"، تلك البلدان التي تجد فيها كل عجيب و غريب، كأنها متحف لهذه الأشياء، و نحن في هذا نتشابه مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكن حصرياتنا حصريات "غلسة" ..
نحن البلد الوحيد الذي تحتسب في رسوم النظافة بناء على استهلاكك للكهرباء، و لا تسل ما العلاقة .. لو أنك لا تضيء غير مصباح واحد من فئة "الوناسة"، لكنك قد حوّلت شقتك لحظيرة خنازير، تنتج كميات من القمامة تضعك في مصاف العشرة الكبار، لوجدت أن رسوم النظافة المطلوبة منك لا تذكر، لأن استهلاكك للكهرباء صفر على اليسار .. أما لو كنت من تعساء الحظ كثيرو الاستهلاك، فهذا يعني أنك من أكبر منتجي القمامة في العالم، و تستحق فاتورة تقصم ظهرك ..

نحن البلد الوحيد الذي يفتتح رئيس وزرائه و محافظ سلمًا كهربائيًا يصل ما بين ضفتي طريق، و توضع لوحة رخامية من الحجم الكبير تسجل هذا الحدث التاريخي .. حدث هذا عندنا في الإسكندرية أمام محطة قطارات سيدي جابر ..

نحن البلد الوحيد الذي يستخدم في الناس الصناديق المعدة لاستقبال وفود القمامة في صنع المخلل و غسل الخضروات لصنع السلاطات في المطاعم، بينما تسرق عجلات هذه الصناديق و محاورها المعدنية، لأنها من الصلب، و تباع بالشيء الفلاني ..

فقط و حصريًا في مصر، و لن تجد هذا في أي بلد آخر .. و عندنا فقط تعتبر الحكومة أن الشعب الذي تحكمه يستخدم الإنترنت بصورة جائرة و عبيطة، لذلك أطلقت سياسة الاستخدام العادل و الرشيد للإنترنت ..
نحن شعب نحب، بل نعشق نظرية المؤامرة، لكننا هذه المرة محقون .. عندما صدر هذا القرار، تعالت الأصوات أن القرار سياسي بالدرجة الأولى، هدفه الحد من استخدام الناس للإنترنت التي فتّحت عيونهم و آذانهم على الشيء الكثير مما كان خافيًا عنهم، و مما كانت الحكومة تذيع كلمتها فتكون هي الكلمة الفصل فلا يسأل أحد بعدها .. أما الآن، فكلام الحكومة و تلفيقها أصبح كـ"الطبيخ الحمضان"، لا ينظر إليه و لا يفكر فيه أحد، و السبب هو هذا الاختراع السافل المنحط الحقير الوغد المسمى بالإنترنت ..

وجهة النظر هذه لا تنقصها الوجاهة .. شاهد رد فعل الناس الآن و رد فعلهم قبل عدة سنوات .. حتى القنوات الفضائية لم تصنع هذا التأثير، و هذا "الفوقان" ..
حركة 6 أبريل .. الحركة بدأت و تشكلت و تبلور كل شيء فيها على الفيس بوك .. لم يعد هناك حاجة لمكان اجتماعات و منشورات و كلمة سر و و و .. الأمر بدأ و انتهى في الفضاء التخيلي، و هذا ما يقض مضجع النظام فعلاً ..

على أن الأمر برمته يدل على غباء شديد، متغلغل حتى النخاغ في العقلية الحكومية المصرية .. تبدو هذه السياسة بنظرة بعيدة عن التحيز ضد الحكومة سياسة عقلانية جدًا .. الكثيرون يشتكون من بطء التحميل و التصفح و من الضغط على الشبكة، و المبرر الذي تقوله الشركات هو أن كثيرًا من المستخدمين يستهلكون السعة في تحميل الأفلام و الأغاني و الألعاب و كل هذه الأمور الترفيهية، و هو ما يجعل من يستخدمون الإنترنت في الأمور الجادة يجدون صعوبة في العمل و تتأخر أعمالهم .. و من هنا تأتي هذه السياسة لتحد من أولئك "المفاجيع"، و تتيح الفرصة للغلابة كي يجدوا كيلوبايتات يومهم التي يلهثون خلفها ليل نهار ..

لكن نظرة واحدة – غير متحيزة أيضًا – ستحيل هذه السياسة إلى ثوب مهلهل .. بطء التحميل و التصفح يرجع أصلا إلى "الحشر" .. الشركة "تحشر" 7 ملايين مستخدم على الخط الذي لا يتحمل أكثر من 4 ملايين .. قل لي من أين يمكن أن يوفر الخط سعة لكل هذا ؟ إن البطء يبدو رد فعل مهذب من هذا الكابل البحري، الذي لو كان بشريًا لشـ .... لشتمنا بأعلى الصوت بسبب هذا الذي يحدث ..
تفاهة الاستخدام لا يُقضى عليها بهذه السياسة، بل بأساليب أخرى، أكذب لو قلت أنني أعرف شيئًا منها، لكنها حتمًا موجودة .. لا يوجد أمر يخلو من البدائل ..

ثم الدليل الأكبر على الغباء هو هذا التتابع .. أعلنت الشركات تخفيض الأسعار، ثم بعدها بأسبوعين أعلنت هذه السياسة .. ماذا كان سيحدث لو أنها أبدلت هذا مكان ذاك ؟ .. كانت لتمتص غضب الناس امتصاصًا، و لربما كان رد فعلهم أهون بكثير مما نراه اليوم ..
ثم إن اسم هذه السياسة في حد ذاته سبة في جبيننا .. سياسة الاستخدام العادل و الرشيد للإنترنت .. و هذا يعني أنك كنت تستخدم الإنترنت بظلم و جور و عبط و سفه قبل ذلك ..

و بالإضافة لكل ما سبق، تتجلى مظاهر "النتانة اليهودية" في السعات التحميلية المقررة لكل خط .. 25 جيجابايت للخطوط ذات السرعة 512 كيلو/ثانية على سبيل المثال، و هو أقل بكثير – حسب ما سمعت، و الله أعلم – مما يمكن أن تتحمله هذه السعة قبل أن ينفجر الخط و يقول "حقي برقبتي" .. ثم إن هذا التحديد مظهر آخر من مظاهر الغباء المستفز .. هناك غباء تقف أمامه ضاحكًا، و هناك غباء تقف أمامه تريد لطم صاحبه، و هناك غباء لن تقف أمامه لأنك ستموت بحسرتك .. لا أحتاج بالطبع لأخبرك أي نوع من الغباء كان هذا القرار ..

ماذا لو أنك جعلتها 50 جيجابايت ؟ .. لن يصل شخص لهذا الكم إلا إذا كان لا ينام، و يظل على مدار 25 ساعة في اليوم و الليلة يقوم بتحميل أي شيء و كل شيء يقع تحت يده .. أنت في أسوأ الظروف تضمن أن المشترك لن يستهلك و لو نصف السعة المحددة له، فلماذا لا تمتص غضبه، و تعلن سعات أكبر أنت تعلم قبل غيرك أنها مجرد كلام و حبر على ورق ؟

عندما انتويت أن أكتب هذه التدوينة، لم يكن قرار وزير الاتصالات الذي يقول إن سياسة الاستخدام العادل و الرشيد ستطبق على المستخدمين الجدد لمدة شهرين، من أجل الدراسة و الإحصاء و كثير من هذا الهراء .. و لا يبدو أن هذا القرار من فئة "لقد قررنا هذا منذ زمن، لكننا نسينا أن نقول" بل هو حتمًا من فئة "لم نقرر، و لم نفكر أن نقرر، و لم نكن لنفكر أن نقرر شيئًا كهذا، لكنكم اضطررتمونا لهذا يا .... " ..

على أية حال، هناك رأيان في تفسير هذا القرار:
الرأي الأول، و أنا أميل إليه: يقول بإن الحركة و الانتفاضة التي انتفضها المشتركون كانت موجعة، و منذرة بكارثة .. خصوصًا و أننا كشباب، الفئة الأكثر استخدامًا للإنترنت، أصبحنا نرى أنه بإمكاننا أن نفعل .. لم نعد كما مضى نرى أن كل شيء ليس له إلا أن يتم بالقوة الجبرية، و أنه ليس لنا خيار في أي شيء، إلا ماذا سنأكل اليوم .. مجموعة الفيس بوك المنادية بوقف الاشتراكات احتجاجًا على هذا القرار انضم لها في يومها الأول أربعة آلاف مشترك، و العهدة على الراوي ..
الرأي الثاني: يقول بإن أصحاب الكلمة المسموعة قد بعثوا ما يشبه الشكوى، للإدارة الأمريكية، يقولون فيها إن النظام المصري يمنع و "يغتت" فيما منحه باراك أوباما للعالمين العربي و الإسلامي من تسهيلات تقنية، و هو ما ألمح إليه في خطابه الأخير بالقاهرة .. حقيقة، لست أظن الولايات المتحدة تهتم بأن يتمتع الشعب المصري بقدرة على تحميل كل الأفلام التي يهواها لدرجة أن تضغط على النظام المصري – أيًا كان ممثله – حتى يحل هذه الأزمة، هذا بالإضافة إلى أنها "مش فاضية للعب العيال ده" .. لكن ديدن النظام المصري في الإصغاء، ككلب لكلمة سيده، كلما ما أشارت الولايات المتحدة – تحديدًا – مجرد إشارة، و "تصدير الطرشا" للشعب المصري – تحديدًا – يجعل هذا الرأي على شيء من الوجاهة ..

على أية حال، هذه حلقة أخرى في مسلسل إطلاق النار المتبادل بين الحكومة و الشعب، و الذي يبدو أنه لن ينتهي إلا بانتهاء أحد الطرفين، يدينا و يديكم طولة العمر، و عنصر جديد يضاف لقائمة الحصريات التي لا تنتهي، و مثال جديد على خبث ابن آدم، و كيف يمكن أن يبيعك الهواء، ثم يسرق منك ثمنه الذي غالى فيه من الأصل ..

قبل أن أختم، تذكرت شيئًا في خضم هذه الأزمة .. ما دامت الحكومة تخاف على الشعب من الاستهلاك السفيه للإنترنت، لماذا لا تحجب المواقع الإباحية، و هي قادرة على ذلك، و التي تلتهم – و لست أبالغ – نصف وقت الشباب على الإنترنت ؟ إذا كانت من فئة "الدفاع عن الحرية" فهي كذوب لا ريب، تكذبها هذه السياسة التي أعلنتها، و إن كانت تخشى المعارضة فهي بلهاء لا ريب، لأن من سيعارض قرارًا كهذا، سيغمس نفسه في العار إلى يوم يبعثون .. الحق أقول، إنني لأشتم في هذا رائحة المؤامرة ..

14.8.09

ماتفوت طبـــك

حافوت الطب ورايا
و ألبس عمة و عبايه
و أعمل دقن شبرين
و حابرم الشنبين
و أسمي نفسي سيدنا
و أقول اني مخاوي
حاجة احتراف عفاريت
مش زي الباقي .. هاوي
و أجيب حلة قديمة
و حبة زعفران
و أقول بخيمة لئيمة
على أشتاتا أشتوت
يليها كام شتيمة
أطلع يا أمشخوت
يا مارد يا أبو سيفين
بتقول جنودك مالهم
ليه بس زعلانين؟
اه، عايزين فطارهم
فخدة نملة هندي
عبرت المحيط
و شعرة من بطن ايد
عيل يكون عبيط
و كيلو لحمة ضاني
تكون من ديل خروف
امه نعجة سوداني
و بتعرف تقرا الحروف
و أبوه يكون تور
قرنه اتكسر في الحرب
أصله بلاد اشور
و صاحبه هراه ضرب
و عرف ديك من الصين
معاه باسبور ايطالي
مولود بقاله يومين
و يكون على صاحبه غالي
-و منين أجيبهم يا سيدنا؟
-تلاقي لو تدور
-طب أرجوك ساعدنا
-ممكن سندوح يقدر
-و مين سندوح يا شيخنا؟
-ده عفريت من المطاريد
فاتح كام شركة بريد
الطلب الناقص يجيبه
أما بياخد نصيبه
-طب شوفه يحتاج كام؟
-خمسينه بالتماام
يدفع صاحبنا أوام
أرمي حبة بخور
و أقول هجام جخام
و الطبق يلف يدور
أمد ايدي ف كيس
و أجيب عمل صغير
و أقول مبارك
حاجتتك أنقضت*
ارجع تجد مراتك
و كل الشرور مضت
و ادي كام تلاف جنيه
من غير شقا و علام
و الشهرة ايه يا عالم
مطلوبٌ في الأفلام
ماتفوت طبك يا صاحبي
و افتحلك حتى مقلى
بكرة عربية كبده
تبقى م الطب أبقى

* تقرأ بالفصحى

Related Posts with Thumbnails
 
Share
ShareSidebar