3.11.11

أحلام الفتى الدائخ - الحلم الخامس عشر



الحلم الخامس عشر: مذاق مختلف للامتحانات

كنت أجلس في الصف الثالث أو ربما الرابع في حجرة ضيقة إلى حد ما، اكتشفت بعد لحظات أنها لجنة امتحان .. هكذا بدأ الحلم فجأة و دون مقدمات كالمعتاد .. كان امتحانًا في مادة اللغة العربية (الورقة الأولى؛ على غرار أوراق امتحان الباطنة الثلاثة التي أنهيت امتحانها منذ أيام) للمرحلة الثانية من الثانوية العامة، المعروفة محليًا بالصف الثالث الثانوي .. كان الامتحان طويلاً مزعجًا و مليئًا بأسئلة كثيرة من خارج المنهج، ما جعل الأمر متشابهًا إلى حد كبير مع ما جرى فعليًا في امتحانات الباطنة، لا أعادها الله ..

أتذكر سؤالاً بالتحديد، استرعى انتباهي، ليس لذاته بل ربما لما سأذكره بعد قليل .. كان السؤال عبارة عن قطعة من قصة ليوسف القعيد اسمها الفرعون1 (رقم 1 ليس خطأ مطبعيًا) .. قصة قصيرة تحكي عن فرعون أمر باستصلاح أرض ليزرع فيها ثورًا ذهبيًا، فأحضر لها أفضل طمي في مصر، و خلطه بعسل النحل الذهبي الصافي، و شمع النحل، ليكون تربة جيدة لاستزراع هذا الثور، كي يقدمه قربانًا للآلهة ..

جلست أكتب و أكتب و أكتب كما لم أفعل من قبل .. بعدما استيقظت شعرت أنني كنت أشبع شعوري بالعجز في مواجهة أسئلة امتحانات الباطنة الخزعبلية .. أذكر أنني أجبت أول سؤالين في الحلم في ثلاثين صفحة !

كانت كراسات الإجابة كتلك التي يستهلكها الطلبة في المدارس، لا كراسة الامتحانات القياسية التي اعتدنا عليها .. أخذت أكتب و أكتب، ثم إذا بزميل في المقعد الذي هو أمامي يتساءل عن مغزى هذا السؤال العجيب الخاص بقصة الفرعون1، و التي ليست مقررة علينا من الأصل .. أجبته أني لا أعرف شيئًا، و أنني ذاهب لأشتري بعض الأشياء ..

تركت اللجنة – التي كانت في الحي الثالث من المنطقة الصناعية في العاشر من رمضان – لأجد نفسي في منطقة سبورتنج في لمح البصر .. كان الوقت ليلاً، رغم أن الامتحان كان في الصباح الباكر .. اشتريت عددًا من مجلة العربي  الكويتية و تصفحته لأجد قصة الفرعون1 منشورة فيها "بشكل حصري"، و هو ما يعني أنها نشرت يوم الامتحان، إمعانًا في التعقيد و الإرباك ..

تصفحت القصة سريعًا، و عرفت منها تلك التفاصيل التي رويتها منذ عدة سطور، و تذكرت أن سؤال الامتحان كان عبارة عن مغزل يدوي و قد غُمس في شمع و عسل نحل و وضع كما هو – و ليس صورة منه – في ورقة الأسئلة .. كان هذا هو رأس السؤال، أما السؤال فكان عن استخدامات العسل في مصر الفرعونية، أو شيء من هذا القبيل ..

عدت للجنة مرة أخرى، لأكمل إجابة الامتحان، الذي بدأنا نتناقش فيه مبدين تذمرنا من صعوبة الأسئلة .. لا أذكر أن مراقبين – أيًا كان عددهم – كانوا يمرون بنا، بل كان الأمر مفتوحًا جدًا .. لست أدري ماذا كانت تمثل تلك الورقة التي سحبتها، و لست أدري عمّ كانت تتحدث بالضبط، لكنني وجدتها فجأة تحت يدي اليسري كأنما نبتت من العدم، في ذلك الفراغ بيني و بين الجالس جواري في اللجنة .. كانت صفراء بعض الشيء و عليها كتابة لست أذكرها، لكنني أذكر أنني وقعت عليها بيسراي بسلاسة تامة، بينما كنت أواصل الكتابة بيميني بسرعة شديدة، قائلا لجاري إنه يمكن أن يأخذ توقيعي من هنا، و شعرت لحظتها أنني كمن يوقع "أوتوجرافًا" ..

تركت اللجنة مرة أخرى و لست أدري ما السبب، لكنني قررت العودة إليها سريعًا .. كنت أطير في الهواء – وضعي المفضل في أغلب أحلامي – كأنني أنزلق على سطح أملس، طيرانًا انسيابيًا هادئًا مريحًا للأعصاب، بالرغم من أن ما كان يحيط بي لحظتها ليس بهذه الشاعرية .. كان الوقت نهارًا، رغم أنه كان ليلاً منذ لحظة، و لا أدري ماذا فعلت تحديدًا لكنني قررت العودة مرة أخرى للجنة .. واصلت طيراني الإنزلاقي مستكشفًا المنطقة من حولي .. كانت كأنها سور بجوار شريط قطار، و السور من العلو بحيث لا ترى شيئًا مما وراءه، لكنك تعرف قطعًا أنه شريط سكك حديدية .. كنت أطير بحذاء السور حتى وصلت إلى منعطف أوصلني إلى منطقة أسفل عدد من الكباري المتقاطعة .. كنت أنزلق بالمقلوب على السطح السفلي للكوبري، بدلا من أن أسير أسفله، و قد لاحظت انتشارًا كثيفًا للقوات الخاصة، بذلك الزي المميز الذي ذكر بالفرقة 777 ..
ناورت أولئك النفر من القوات الخاصة، و راوغتهم حتى وصلت لباب اللجنة، الذي اكتشفت للمرة الأولى منذ بداية الحلم أنه يقع في كهف عظيم من كهوف منطقة العاشر من رمضان، و إني أطلب منك أن تتجاوز عن هذه النقطة الجغرافية، فهي ليست أسوأ ما في الحلم بالتأكيد ..

عبرت بوابة الكهف، التي كانت باتساع مسجد محمد علي تقريبًا، و اكتشفت أن الكهف من الداخل متسع بصورة تذهل الألباب، أما اللجنة ذاتها فكانت قبوًا في قاع الكهف، لا بد كي أصل إليه أن أدمر كل الفضائيين المتمركزين في أنحاء متفرقة من الكهف .. توجهت إلى الغرفة الأولى، أو الفجوة الأولى في الكهف، لأكتشف أنها القيادة المركزية التي يتولاها والدي، فما كان مني إلا أن ضربت الباب بقبضة يدي التي تحولت كقبضة فتى الجحيم Hell Boy اليمني، و إن زادت عليها أنها أخرجت عددًا من الزوائد الميكانيكية بعدما اصطدمت بباب الفجوة، منتشرة داخل الغرفة التي اشتعلت نارًا، و فتحت لي فجوة زمكانية في أرضيتها كي انتقل إلى اللجنة مباشرة ..

غصت في أرضية الغرفة كأنني أسبح في طبق من الهلام، و اختفى المشهد تمامًا ليبدأ حلم آخر مختلف شكلاً و موضوعًا ..

كان الحلم الثاني قصيرًا نوعًا ما، و لم تكن فيه تفاصيل كثيرة، اللهم إلا أن عميدنا الحالي، و عميدنا السابق، قررا – أو ربما قد استجابا لدعوة من أحد الطلاب – كي يلعبا مباراة كرة قدم ودية .. لم أشهد المباراة، بل شهدت هذا الحفل الصغير الذي أقيم قبلها، و الذي حضره العميد السابق بنسختين منه، نسخة شابة و نسخة في عمره الحالي، بينما فقد العميد الحالي نصف وزنه على الأقل، أما ما كان في المباراة فلست أدريه، فقد استيقظت ..

31.10.11

السيف

 
عندما بدأت في كتابة هذه القصة منذ ثمان سنوات مضت، كانت مجرد فكرة مشوشة عن سيف أسطوري خارق له من الصفات ما يجعل المرء يفغر فاه لن أحرقها ها هنا بالطبع، بل أترككم للقصة و بدأت الكتابة لأتوقف بعد الفصل الثالث، و تجرفني الدراسة و الانشغال بالامتحانات في نهرها الذي لا يهدأ، ثم عاودت التفكير فيها و الكتابة في العام التالي، لكنني نظرت إلى أسلوب السرد فوجدته ليس بالنضج الذي أصبحت عليه، فأعدت كتابة ما كتبت ثم زدت عليها فصلاً آخر، ثم توقفت، ثم عاودت الكرة بحذافيرها في العام التالي ثم الذي يليه، و هكذا حتى كتبت هذه القصة أربع مرات متتاليات، عرفت فيها المعنى الحقيقي لقول الأصفهاني "فإنه ما من كتاب يخطه ابن آدم إلا و نظر إليه و قال لو زيد هذا لكان أحسن، و لو نقص هذا لكان مما يستحسن، فكل أمر ابن آدم ينقصه التمام، و كل عمل مهما جد فيه لا يبلغ الإتمام".

ثم عقدت العزم، بعد عامين على إنهائها، أن أنشرها، فأعدت كتابتها للمرة الخامسة و الأخيرة، و لولا أني عقدت العزم لظللت أعيد فيها و أزيد إلى يوم يتوفاني الله. و ها هي بين أيديكم، و ليس لي رجاء إلا أن تحوز شيئًا من إعجابكم، فهذا غاية ما أتمنى و أبتغي.

يمكنكم تحميل القصة من هنا



25.9.11

أحلام الفتى الدائخ - الحلم الرابع عشر



الحلم الرابع عشر: أشياء في السياسة، و أشياء في الطب

كعادة كل أحلامي، بدأ الحلم بداية مشوشة مرتبكة، لكنني استطعت بسهولة التعرف على المكان، رغم التغير الكبير الذي طرأ عليه، و الذي أكاد أقول جعله شيئًا آخر لا علاقة له بالأصل على الإطلاق .. قاطنو الإسكندرية يعرفون منطقة الأزاريطة و تفاصيلها، على الأقل بما يخدم وصفي و سردي للأحداث ..

البداية كانت على الكورنيش في مواجهة أرض كوتة و تلك الملاهي العرجاء المجاورة لها، حيث بداية شارع شامبليون الذي ينتهي بميدان الخرطوم حيث كليتي حفظها الله من كل سوء .. هذا ما هو كائن على أرض الواقع، أما ما كان في الحلم فلا علاقة له من قريب أو بعيد بكل هذا ..

كنت أسير على الكورنيش، شاعرًا أنني "أسبح" أو "أنزلق" فوق الأرض انزلاقًا سريعًا، كأنني أركب سيارة تسير بسرعة تتجاوز الستين كيلومترًا في الساعة – و لا تسل كيف حسبت سرعتي، فالأمر كله إحساس داخلي – في الاتجاه المؤدي إلى المنشية، ثم نظرت إلى يساري فرأيت المساحة التي تشغلها أرض كوتة – أرض المعارض السكندرية، أو هكذا جعلوها – قد شغلتها عدة مبان هائلة الحجم عظيمة الاتساع لا يمكن بحال أن تستوعبها المساحة الأصلية للأرض الفضاء أصلاً، و الأدهي من ذلك هذا الطابع القوطي المميز الذي صبغها كلها، حتى شعرت أنني انتقلت لعصور أوروبا المظلمة، رغم أن هواء بحر الإسكندرية كان يصدمني عن يميني ..

السور نفسه الموجود على أرض الواقع كان محيطًا بتلك المباني، بكل ما يحمله من قذارة و رسوم و إعلانات .. وجدت نفسي فجأة داخل الأسوار كأنني طرت فعبرت طريق الكورنيش في لمح البصر – و هو ما لا أستطيعه و أنا في كامل وعيي – و اخترقت السور دون أن يمسسه أو يمسسني سوء، و انطلقت بنفس الانزلاق السريع اتجول بين تلك المباني ..

كان المبنى الأقرب للكورنيش هو مسجد البارون "......"، و لست أذكر حقًا اسم البارون، لكنه كان اسمًا شاعريًا موسيقيًا حزنت حقيقة أنني نسيته .. ثم انطلقت فإذا وراءه كنيسة لم أدر لها اسمًا، لكنها كانت بضخامة المسجد تقريبًا، و كلاهما حمل شيئًا من آيا صوفيا بالإضافة للطابع القوطي الذي صبغها من أعلاها إلى أسفلها .. القباب الواسعة المفلطحة تحديدًا هي التي أعطتني هذا الإيحاء القوي ..

لسبب ما لست أدري ما هو شعرت و أنا أنزلق بين تلك المباني كأنني أسير في شوارع قصر المنتزه – القصر الرئاسي ذو الحديقة الغناء، و قبلة العشاق الليلية ..

واصلت انطلاقي الانزلاقي، و إن هي إلا ثوان حتى غابت الشمس أو كادت – و قد كان الوقت عصرًا منذ لحظات – بينما وصلت إلى منطقة تشبه – لو أنك تذكر هذا المشهد من الأفلام الأمريكية – المنطقة الواقعة بين بنايتين، بكل ما فيها من فوضى و صناديق قمامة و سلالم حريق و قطط و كلاب ضالة .. كان هذا هو المكان الذي وصلته، و إذا بي أرى عجبًا ..

كانوا مجموعة من الرجال مجتمعين، جالسين على مقاعد خشبية كتلك المنتشرة في المقاهي الشعبية، يجلس أحدهم في الصدارة بينما يتحلق الباقون حوله في نصف دائرة .. لم أنتبه تمامًا لعددهم، و أظنهم ما بين الأربعة و الخمسة، و يقف خلفهم و حولهم عدد آخر من الأشباح لم أتبين لمن هم، لكنني عرفت من الجالسين على المقاعد، و هذا هو العجب ذاته ..

أما الجالس في الصدارة فكان حازم صلاح أبو إسماعيل، و أما المتحلقون حوله فقد تبيّنت منهم العوا و عمرو موسى، و أغلب الظن أن الباقين الذي لم أتبينهم هم بقية المترشحين للرئاسة؛ البرادعي و حمدين صباحي و أبو الفتوح، في تأثر واضح مني لمشهد اجتماعهم منذ أيام، ثم استمعت لشيء من حديثهم فكانوا يتحدثون عن السفارة الإسرائيلية، و هنا كان موطن العجب الثاني ..

كانوا يتحدثون عن أن إمدادات السفارة من الوقود  في تضاؤل مستمر لوجود تسرب حاد في "قعر" السفارة، و هي فرصة جيدة لإمداد السفارة بوقود مغشوش يمكن معه أن نفجرها عن بعد .. العجيب أن الكلام بدا لي منطقيًا جدًا لحظتها، و التمعت أمامي صور تعبيرية – إن صح التعبير – عن السفارة و هي طائرة في الفضاء و الوقود يتسرب منها كأنها برميل مثقوب، ثم مشهد آخر و النار تلتهم السفارة و تفجرها تفجيرًا ..

لم أكن واقفًا استمع، بل كنت أواصل انزلاقي الذي لازمني من بداية الحلم، إلا أنني تباطئت قليلاً كأنني أنزلق بالتصوير البطيء، و أخذت أطوف حولهم كالشبح؛ أراهم و لا يرونني، و أحلق فوق رؤوسهم كأنني أحرسهم .. ثم انطلقت مبتعدًا و أشرقت الشمس مرة أخرى، و اختفى المشهد كلية من أمامي ..

وجدت نفسي فجأة في الطابق الرابع من مستشفى الشاطبي للأطفال، وسط جمع غفير من زملائي، كأننا في امتحان أو ما شابه، و كلنا نرتدي الأردية البيضاء و نبدو على أتم استعداد، و هو ما عزز شعوري بجو الامتحانات .. المستشفى قريبة من مكان المشهد الأول، لذا لم أتعجب كثيرًا من وجودي فيها .. ثم وجدت أن نفرًا من الأساتذة يدعونا للمرور على الحالات لتفقدها و تقييمها، لأكتشف لحظتها أننا أصبحنا جميعًا أطباء امتياز، و أن هذا الجمع الغفير سيشن هجومًا مريعًا على المرضى لفحصهم، إلا أن ظني قد خاب لسبب سأذكره لاحقًا ..

دخلت إلى الحجرة الأولى إلى يميني، حيث العناية المركزة – في الحلم فقط لا الحقيقة، ففي الحقيقة تحتل دورة المياه هذا الموقع – لأجد طفلة كنت أتابع حالتها عندما كنت أؤدي تدريبي العملي في المستشفى .. وجدتها راقدة و قد انتفخت من الكورتيزون الذي كانت تتعاطاه كعلاج لحالتها المزمنة، فتوجهت إليها متسائلاً عن سر تواجدها ها هنا ..

لم تكن الفتاة هي نفسها، و لم تكن الأم هي نفسها، لكن الإحساس الذي غمرني لحظة رؤيتهما أنها هي ذات الطفلة و هي ذات الأم .. على أية حال لم أصل إلى إجابة محددة لسؤالي، فبدأت أتفحص الطفلة، لأجدها بالإضافة لما هي فيه من آثار علاج الكورتيزون قد أصيبت بحول عجيب؛ فكل عين تتحرك منفردة دون رابط أو ضابط، حتى شعرت أن عينيها عروستا ماريونيت معلقتين بخيوط يحركهما أحد العابثين و قد جلس خلف المقلتين ..

تركتها و خرجت من الغرفة، و قد يأست من الوصول لجديد، بالإضافة لشعور عميق بـ"الدهولة" و انعدام التوازن غمرني إثر رؤيتي إياها، و لمحت على البعد أحد أساتذتي يجري مسرعًا، و كنت أود سؤاله عن حالة هذه الطفلة لكنه ابتعد سريعًا، و على كل، فقد صرفت اهتمامي عن الأمر برمته لما رأيت ما آل إليه الطابق الذي أنا فيه ..

وجدت أن الممر بأكمله قد امتلأ بأكوام الرمل و الأسمنت و الحجارة، و أجزاء من الحائط قد تهدمت – و لم تكن هذه هي الحال قبل أن أدخل الغرفة – و زملائي أجمعين واقفين يحاولون الانتقال من طرف الممر الذي أنا فيه للطرف الآخر، مرورًا بأكوام الرمل و الحجارة هذه، و لم يقترب أي منهم من أي حجرة من الحجرات المتناثرة يمينًا و يسارًا، فانطلقت معهم لأجدهم متباطئين للغاية، ثم اكتشفت السر عندما تقدمت خطوات ..

على جانبي الممر كانت صناديق بيبسي و سفن أب مفتوحة على مصراعيها، مثلجة و جاهزة للشرب، في عبوات جديدة سعة لتر و نصف، متاحة مجانًا لمن أراد، كعرض ترويجي لهذا الشكل الجديد من المشروب الغازي .. كانت الزجاجة إسطوانية طويلة، ربما بطول ثلاثين سنتيمترًا، رفيعة بقطر قد لا يتجاوز السبعة سنتيمترات، و قد زُينت بنقوش جديدة تمامًا على سطحها الخارجي .. أخذت زجاجتين، و أنا استمع إلى مندوب بيبسي الذي أخذ يؤكد مرارًا و تكرارًا أن الزجاجات مجانية تمامًا لمن شاء أن يحمل ما شاء، و أنها هدية من شركة بيبسي ..

فتحت زجاجة سفن أب لأجدها قد فارت و أغرقتني، و استيقظ من نومي دون أن ارتشف منها شيئًا ..

22.9.11

أحلام الفتى الدائخ - الحلم الثالث عشر


الحلم الثالث عشر: ما بين النوم و اليقظة

بت أعاني في الفترة الأخيرة من اضطرابات في نومي، جعلت عشر ساعات متصلة من النوم أمرًا مستحيلاً، و لم يعد من الممكن أن تمر هذه الفترة دون أن استيقظ ثلاث مرات أو أربع، دون أي سبب واضح في كثير من الأحيان، استيقاظًا لا هو المذهب للنوم الجالب لليقظة و الانتباه، و لا هو الخالي من الهلاوس و الأوهام، ليتمزق نومي كل ممزق، و أفقد لذة فقدان الوعي المتصل الهاديء .. في الماضي التليد كان بإمكاني النوم لخمس عشرة ساعة متصلة دون أن أفيق إلا في نهاية الرحلة، أما الآن فلم يعد هذا في الإمكان على الإطلاق ..

و رغم أن هذا يسبب لي الكثير من الإزعاج و الإرهاق، إلا أنه أفرز في الوقت ذاته عددًا من المواقف، تقع كلها في تلك المنطقة الرمادية ما بين النوم و اليقظة، لست أنكر أنها أضحكتني حد الوقوع أرضًا، رغم أنها تقلقني لأسباب قد أذكرها لاحقًا .. على أية حال، فإنني أظن أن أبلغ مثالين على تلكم المواقف هذان اللذان سأرويهما ها هنا ..

أما الأول فأحب دائمًا أن أحكيه من نهايته، و نهايته كانت و أنا جالس وسط العائلة الكريمة في مساء أحد الأيام، و إذا بأمي تتساءل في اندهاش عن سر هذا البيض النيئ الذي لوث المطبخ، و تبقت آثار منه على حوض الأطباق و الصنبور، في ظل غياب تام لأي دليل يشير إلى قلي أو سلق أو ما شابه ..

و لأننا جميعًا كنا نجهل تمامًا عم تتحدث، فقد أبدينا دهشتنا مما تقول، و قد كنت أكثرهم دهشة و استغرابًا، لشعوري الدفين أن شيئًا ما مما تقول متعلق بي، لكنني لست أذكر و لا أستطيع أن أتذكر متى و لا أين و لا كيف و لا لماذا ..

ثم على حين غرة اشتعلت شمعة الذاكرة داخل تلافيف مخي الصدئة، و تذكرت ما كان ..

كان هذا في الليلة التي سبقت هذا المساء المليء بالدهشة و التساؤل .. أذكر أنني كنت أحلم، لكن عن أي شيء كان هذا الحلم فلست أذكر على الإطلاق، لكنني من ملابسات الحادث أقول إنه كان يتعلق بشكل أو بآخر بالطبخ و المطبخ .. استيقظت في جوف الليل، أو بمعنى أدق قمت عن السرير لكنني لم استيقظ بعد، و لا يزال الحلم دائرًا في مخيلتي، ثم توجهت إلى المطبخ ..

أذكر أن المصباح كان مضاءً، فاتجهت مباشرة إلى الثلاجة، و أخرجت منها بيضة انتقيتها بعناية، و لا زلت حتى هذه اللحظة اتساءل عن سر تدقيقي في الانتقاء، لكنني على يقين أنني لن أعرف قط .. تمتمت بأصوات غير مفهومة، و بعدما اطمئننت إلى البيضة و أنها هي المطلوبة، توجهت بها إلى الحوض و كسرتها على الصنبور، ثم وضعت كل نصف في يد، و أخذت أنقل المح من نصف إلى آخر، بينما الزلال يتساقط ذاهبًا إلى شبكة الصرف، حتى إذا فصلت كلاهما – المح و الزلال – أسقطت المح في يمناي، ملقيًا بالقشرة في صندوق القمامة القريب مني، ثم ضغطت مح البيضة الكائن في يميني فتفتت عنه ذلك الغشاء الذي يجعله شيئًا واحدًا، و لوث لونه الأصفر يمناي، التي وضعتها فوق يسراي و حركتهما سويًا كأنني أغسلهما في الوضوء، ثم مسحت شفتاي بالمح و أنا اتمتم أن كل شيء سيصير على خير ما يرام، و أن المقادير ستخرج مضبوطة هذه المرة (و هو الأمر الذي يجعلني أظن أن الحلم كان متعلقًا بالطبخ و المطبخ)، ثم غسلت يداي دون فمي، و أطفأت الأنوار و عدت إلى سريري أكمل نومي كأن شيئًا لم يكن ..

العجيب و المثير للدهشة ليس أنني نسيت تمامًا كل هذا، و لم أكن لأتذكره لولا أن أمي ذكرته، لكن العجيب هو أنني عندما تذكرت هذه التفاصيل، تذكرتها تجري أمامي كأشباح أحلامي .. ضبابية مشوشة أتذكر أغلبها كأحاسيس و خبرات شعورية أكثر منها صورًا  و مشاهدات، و هو الأمر الذي يعني أنني كنت لا أزال أحلم، رغم أنني – طبقًا لقوانين الطب التي درستها، أو هكذا أظن – تغيرت من وضع النائم إلى وضع المستيقظ، و هما وضعان يتمايز فيهما نشاط المخ تمايزًا كبيرًا، إلا إذا كان نشاط مخي واحدًا في الحالتين، و هو أمر لا استبعده حقيقة !

أما الموقف الثاني فكان مزعجًا و مثيرًا للتوتر طوال حدوثه، لكنني لم أتمالك نفسي من الضحك حقًا عندما تذكرته في الصباح ..

بدأ الأمر باستيقاظي – استيقاظًا حقيقيًا هذه المرة، و إن كان مشوبًا ببلبلة المستيقظ لتوه – على وخز قوي في جانب صدري الأيسر، مع فشل مزر في التقاط أنفاسي .. استيقظت ملتاعًا مفزوعًا و لم يكن بخاطري سوى شيء واحد؛ هذه ذبحة صدرية غير مستقرة، أو لقرائي من الأطباء Unstable Angina .. كان هذا أول ما جال بخاطري لأسباب عدة، أولها أنني حتى وقت قريب – أربع سنوات مضت – كنت على شفا حفرة منها، و لأن الوخز جاء في الجانب الأيسر، و لأنني لم أكن قادرًا بحال على التقاط أنفاسي و كلما حاولت فشلت و ازداد الألم أكثر ..

كنت مفزوعًا و لا شك، و أحاول بشتى الطرق أن أذهب الألم و أن التقط أنفاسي، و سيطرت عليّ فكرة واحدة: لا بد أن ابتلع قرص نيتروجلسرين الآن و دون إبطاء، لكن السؤال المنطقي: من أين لي بهذا ؟!

والدي يمتلك مكتبة عريضة من الأدوية، لكنه لم يضف إليها أدوية الذبحة الصدرية بعد، و هو ما يعني أنني إما أن ألقى حتفي، أو أن أذهب لأقرب صيدلية لأشتري منها .. لست أدري أي شيء اخترت من هذا، لكن الأكيد أن القرار الذي حظي بالتنفيذ هو أنني عدت إلى النوم كجوال الرمل .. جثة تغط في نوم عميق احتل البحث عن النيتروجلسرين كل مشاهده ..

كنت أبحث في لهفة محمومة .. اعتصر ذاكرتي عل قرصًا فر هنا أو هنالك، أو أتى خطأ إلى منزلنا، و عندما أعياني التفكير، أخذت أبحث في تلافيف مخي عن مصدر آخر للنيتروجليسرين غير الأدوية، و قفز لذهني أن أبحث عن طعام يحمل بين جزيئاته تلك المادة التي أصبحت معلقًا بها كقشة الغريق ..

أعياني التفكير مرة أخرى فاستيقظت لأكمل البحث المحموم، خاصة و أن الوجع كان على حاله لم يتغير، إن لم يكن قد زاد عن السابق .. قمت عن مرقدي و أخذت أتجول في المنزل .. ذهبت إلى الصيدلية التي يحتفظ فيها والدي بأدويته و بحثت فلم أجد، ثم ذهبت إلى المطبخ فلم أجد لدينا أي شيء من اللحوم المصنعة – اللانشون، البلوبيف، البسطرمة – و التي هي غارقة في النترات كمواد حافظة، و مكسبات للون الأحمر الزاهي ..

أعياني التفكير مرة ثالثة فعدت إلى النوم العميق هذه المرة بلا أحلام و لا إزعاج، اللهم إلا بعض المناوشات حول أفضل سبيل لعلاج ما أنا فيه قبل أن يتطور الأمر إلى ما لا تحمد عقباه، و لست أدري كيف كان ليتطور، و هو الذي لو كان به شيء مما توهمت لقضى عليّ من أول مرة استيقظت فيها، لكن حالة البلبلة و الاضطراب كانت أكبر من أن اتنبه لأي تفاصيل ..

عندما استيقظت في الصباح الباكر و أخذت أفكر – و أنا في كامل وعيي – فيما حدث في تلك الليلة الطويلة، و أتدارس هذا الألم الذي ألمّ بي و أحلله، وجدت أن الأمر لم يتعد التهابًا بسيطًا في الغشاء البلوري المبطن للقفص الصدري، لكن عقلي الباطن مدفوعًا بحالة التوتر التي أعيشها تلك الأيام – و لدراسة الطب فيها النصيب الأكبر – أحالت أبسط الأشياء إلى مشكلة كبرى، زادها بلة حالة اللانوم و اللايقظة التي بت أعاني منها مؤخرًا ..

قلت في بداية الحديث أن ما يحدث يقلقني بقدر ما يضحكني، و هو يقلقني ليس لأنه يعني مباشرة أن دفاعاتي النفسية ضد صروف الضغط العصبي تنهار شيئًا فشيئًا، و أولى دفاعاتي هي اللاوعي الذي أطلق عقاله أثناء نومي فيقتص لي من كل ما حدث طوال النهار، بل لأنني أدرك أنا ما أواجهه الآن ليس سوى غيض من فيض، و أن الضغط العصبي الحقيقي آت بضراوة و هو لا يشبه هذا الذي أنا فيه إلا في الاسم، و هو ما يعني أنني قد أصبح نزيلاً ممتازًا في أي مصحة نفسية مع أول اختبار حقيقي في هذه الحياة ..

إلا أنني رغم هذا التفكير السوداوي المقبض، أؤمن إيمانًا عميقًا أنه ما من هم يأتي فيقصم ظهر ابن آدم، إلا و يأتي معه فرجه ..

13.9.11

نفسي أطلع رقاصة !


لا بد أن العنوان قد صدمك – و ربما لم يفعل – و هو الشعور ذاته الذي انتابني عندما عشت هذا الموقف عندما كنت في الصف الرابع الإبتدائي .. كانت فتاة جديدة وفدت إلى مدرستنا و انضمت إلى فصلنا، و لم أكن أرتاح لها كثيرًا .. لم أكن اجتماعيًا – و لا زلت في الواقع – و كان من الصعب أن اتآلف بسرعة مع الغرباء – و لا زلت أيضًا – إلا أن هذا لم يكن وحده السبب وراء عدم ارتياحي لها .. كنت أشعر أن بها شيئًا مريبًا عجيبًا، حتى اسمها لم يكن مستساغًا بالنسبة لي – و أظنه كذلك حتى هذه اللحظة .. ميرام .. من أي جحيم أتى هذا الاسم ؟!

لنعد للموقف المعنيّ .. كنا ننتظر دورنا في طابور طويل ينتهي عند مُعلمتي إحسان – أنعم الله عليها ببركة العمر و حسن الخاتمة – كي نصحح التمرين اللغوي الذي أنهيناه للتو، و على حين غرة فوجئت بها و قد انتفخت أوداجها، و أحمر وجهها الأسمر، و جحظت عيناها و علا صوتها الذي كان عاليًا دومًا، و إذا بها تنظر بكل هذا التوعد و التهديد الكائن في ملامحها إلى هذه الميرام و تقول: "يا قليلة الأدب يا معفنة .. في بنت محترمة تقول كده ؟! في بنت محترمة تقول أنا عاوزة أبقى رقاصة ؟!"

أما ما حدث فهو أن جارتها عندما بلغها دورها في التصحيح وشت بما كان بينهما من حديث عن المستقبل، و الذي صدمتها فيه ميرام بهذا القول العجيب، الذي أورثني صدمة أضافت سببًا آخر فوق أسبابي كي أتوجس خيفة من هذه الفتاة ..

و لعلك تتساءل، لم أقص على مسامعك هذا الموقف ؟ أما الإجابة فستأتي لاحقًا في سياق هذا المقال، و لكن دعني قبلها أقص عليك موقفًا آخر ..

في حقيقة الأمر هو ليس موقفًا بالتحديد، بل عدة مواقف تدور حول سؤال رئيس: "نفسك تطلع إيه لما تكبر ؟!" .. و الحقيقة الدامغة التي لا نقاش فيها أنني قد التحقت بكلية الطب منذ خمس سنوات، و هو ما يعني أن "الفاس وقعت في الراس" و لربما وصلت إلى العَجُز، و هو ما يعني أيضًا أن إجابة هذا السؤال قد قيلت و قيلت حتى شبعت و شبع السامعون منها، لكنني أرى رغم هذا أن القطار لا يقف بالضرورة ها هنا ..

و أعنى بهذا القطار إجابة السؤال؛ فجسديًا أنا لم أصبح شيخًا بعد، و لا يزال بي بقية من قوة الشباب و عزمه، اللذين استهلك أغلبهما إرهاق النفس و الروح في مقاومة صنوف العذاب في هذه الدنيا، لكن المحصلة واحدة في النهاية، و هي أنه يمكنني اعتبار دراسة الطب محطة لا نهاية خط ..

و حقيقة الأمر أنني لم أر نفسي مطلقًا في ثوب الطبيب البشري، و كلما سألني أحدهم هذا السؤال في صغري فإن إجابة من ثلاث كانت تتراقص في ذهني ..

أما الأولى فهي مدرس لمادة التاريخ الفرعوني، أو باحث فيه، أنقب في الصحاري و استكشفها، ممنيًا نفسي باكتشاف كاكتشاف كارتر الأسطوري .. مقبرة كمقبرة توت عنخ آمون تُفتح على يديّ، رغم أنني لا أتحمل الحر كثيرًا أو قليلاً، حتى و إن كنت أفضله على البرودة، إلا أنه يظل خيارًا مدمرًا بالنسبة لي ..

و أما الثانية فهي مهندس إليكترونيات و مبرمج، رغم أن مرأى الأرقام يربكني، و ليس من شيء في الوجود يقلب كياني رأسًا على عقب كعلم الرياضيات، و ليس من شيء يشعرني بغبائي المستتر و الظاهر كالعمليات الحسابية على اختلاف ضروبها ..

و أما الثالثة فهي طبيب بيطري، رغم أنني كنت أخشى القطط كالموت حتى بلوغي السادسة تقريبًا، و لا زلت أخشى الكلاب ما صغر منها و ما كبر، و أخشى الاقتراب من الدجاج و الإوز و سائر الطيور حتى لا تنقرني بمنقارها، و أكره الاقتراب من البهائم ما كان منها على أربعة أو ما كان منها على اثنتين ..

و لا يعني هذا أنني أكتب هذا المقال أندب حظي العاثر الذي أوقعني في هذه الكلية المملة الهادمة للذات الروح و البدن، المدمرة لذكريات الماضي و أحلام المستقبل، بل على العكس تمامًا، فأنا أحب علم الطب و أراه كما رآه الشافعي يرحمه الله أنبل العلوم و أشرفها بعد علوم الشرع، لكن هذا لن يمنعني في الوقت نفسه أن أعلن أن كليتي الموقرة لا تنتمي بحال لا للكليات، و لا للطب، و من يقول بغير هذا فهو إما أعمى عمى لا شفاء منه أو متواطيء في تلك الجريمة النكراء التي تُرتكب في كل لحظة بحق عقولنا ..

على أية حال، فلعلك لاحظت أنني اخترت ثلاثة أشكال مختلفة للمستقبل، ليس لي فيها ناقة و لا جمل، و المؤهلات التي تطردني منها أكثر مما تشدني إليها، ثم إذا بي أختار الاختيار الرابع الذي لم يكن على اللائحة إطلاقًا، لارسم طريقي في الحياة به لأعوام مديدة قادمة، إن مد الله في عمري و خرجت منها سالمًا ..

و لربما فسر هذا لم أرى أن المحطة النهائية لم تحن بعد، و أن قطاري لم يبلغ نهاية طريقه حتى الآن، و لربما فسر هذا شعوري الدائم أنني لست أنا الذي يجب أن يكون، و أن "أنا" آخر ينتظرني في مكان ما لنتحد سويًا و نصبح "أنا" ثالثًا يفعل ما عجزت عنه و عجز عنه هذا الآخر ..

و لعلك لاحظت في الوقت ذاته – و هو أمر لا يحتاج نباهة في الواقع – أن الاختيارات الأربعة هي على النقيض تمامًا من أمنية ميرام التي افتتحت بها هذا المقال، و هذا يقودني للتساؤل الذي يشغل بالي حاليًا، من جملة ما يشغل بالي: أينا كان على صواب ؟

عندما سمعت تلك الكلمة من مُعلمتي مد الله في عمرها صُدمتُ صدمة حقيقية .. لم أتصور لحظتها أن أي شخص قد يتمنى لنفسه هذه المهنة المدمرة بكافة المقاييس، على المستوى الأخلاقي و الاجتماعي و النفسي .. دمار شامل .. لكنني عندما أنظر لاختيارها في هذه اللحظة الراهنة، بعد أن كسرتُ حاجز الثانية و العشرين أتساءل بصدق: أينا كان على صواب ؟

لربما كان اختيارها هذا – إن كان حقًا و صدقًا، و لست أظنه كذلك بالطبع – نابعًا من دراسة أشد عمقًا للواقع مما هي عليه دراستي، التي بنيت أركانها على عدد من المعطيات تتمثل في أن الدين و العلم و العمل هم الأساس، و أن ما بعدهم سيأتي حتمًا، بينما بنت هي دراستها على أن ما بعدهم يأتي قبلهم، ثم فليأتوا أو لا يأتوا، فالأمر سواء ..

لربما كانت تقرأ الواقع بصورة أفضل، و قد رأت أن الآية قد انقلبت فصارت اختياراتي الأربعة كهشيم تذروه الرياح، لا تكفل لمن اختارهم أي عيش كريم، بينما اختيارها يتهافت وراءه الناس رغم احتقارهم لمن يختارونه، في تناقض عجيب مريب .. لربما كان الأمر كذلك ..

لكنني على أية حال لا أصلح راقصة بالطبع، و في الوقت ذاته فإن المقابل الذكوري للراقصة لا يتفق معي بأية حال، و لا داعى للحديث عنه، فهو مخجل أيًا كانت درجة تلميحي إليه، حتى إنني كتبت توصيفه و مسحته ثلاث مرات قبل أن أقرر ألا أكتبه أو أدونه، و أي مهنة ذكورية خارجة على القانون – كي تتفق مع انحطاط مهنة الراقصة – لا تتفق مع إمكانياتي، لا الجسدية و لا النفسية، و لا تتفق مع طموحاتي في ترك بصمة مؤثرة بيضاء في تاريخ الكرة الأرضية ..

على أية حال، فإنني استخلص مما سبق حقيقتين أراهم جليتين؛ أما الأولى فهي أن الاختيارات التافهة قد تبدو هي الأقرب لفهم الواقع، و الأقرب لفهم من أين تؤكل الكتف إن شئنا الدقة، لكنها تظل في كل الأحوال اختيارات تافهة، لا تقدم و لا تؤخر، و لا تزيد و لا تنقص، و لا تترك خلف من اختارها إلا بصمة سوداء فاحم لونها لا تسر الناظرين بكل تأكيد ..

لربما كان اختيار ميرام هو الاختيار المؤدي مباشرة و دون حواجز إلى حياة رغدة كتلك التي ننشدها جميعًا، لكنها ستعيش و تموت كأنما هي هباء منثور لا يذكره أحد إلا بما لا يسر، و لربما كانت اختياراتي الأربعة مجتمعة – و غيرها – هي الاختيارات المؤدية مباشرة و دون حواجز إلى شظف العيش و صعوبته، و مكابدة ألوان التعب و الشقاء، لكنني في النهاية أراهن على الأثر على المدى البعيد، و هو رهان يبدو لكثيرين – و إلا لما انقلبت الآية من الأساس – رهانًا غبيًا خاسرًا ..

و أما الحقيقة الثانية فهي أن من اخترع لفظة "قطار الحياة" كان عبقريًا بحق، لكنه لم يكن دقيقًا بما يكفي؛ فالحياة ليس قطارًا يرتحل من محطة إلى أخرى حتى ينتهي بالقبر فيتكوم راكبه فيه، بلا سبيل للعودة للخلف، بل إن القطار نفسه هو المحطات .. كل عربة من عرباته العديدة هي مرحلة في حياتك، و بعدد ما في هذا القطار من عربات فحياتك ثرية أو فقيرة، و بقدر ما و من تحتويهم تلك العربات فحياتك ثرية أو فقيرة .. و كما أن تنقلك من عربة إلى أخرى هو أمر ميسور، فكذلك تنقلك من مرحلة لأخرى ذهابًا و عودة هو أمر ميسور .. ربما تترنح قليلا و ربما يستغرق منك الأمر بعض الوقت، لكن ما دام تنقلك يتم في إطار من العقلانية و المنطق فهو أمر ميسور .. بالطبع فإن وصول القطار إلى محطته الأخيرة هو الوصول الأول و الأخيرة، و لا سبيل للعودة منه إلا يوم نبعث، لكنني أتحدث عن الذهاب و العودة بينما نحن على هذه الأرض ..

ربما تحن في لحظة إلى يوم من أيام طفولتك البعيدة – حتى و إن كنت تراءها طفولة بائسة مثلي، لكن لها طعمًا مختلفًا لست تنكره رغم هذا .. ربما يتراءى لك أن تترك كل ما أنت فيه و تجرب شيئًا آخر .. لونًا آخر للحياة .. ربما و ربما و ربما .. كل الاحتمالات ممكنة طالما تراها كذلك .. لا تركن إلى عربة واحدة حتى تتجمد فيها، فهذا لن يضيف للعربة شيئًا، و سيأخذ منك الكثير ..

يموت من يرى أن ما هو فيه هو نهاية المطاف، و أنه قد وصل إلى المحطة التي سيظل فيها إلى أن يأخذه قطار حياته أخذًا حثيثًا إلى قبره .. يموت قبل أن يموت بكثير ..

على أية حال فإنني أعتذر منك إن كنت سببت لك صداعًا بلا طائل، فلست أراني قد قلت جديدًا بأية حال من الأحوال، اللهم إلا تشويهي لسمعة ميرام شر تشويه، و قذفها بكل شائنة تقريبًا، فإن قابلتها يومًا فأبلغها مني السلام و اعتذاري، و أخبرها أنني لم أكن أقصد، من وراء حديثي هذا كله، شرًا قط ..

1.9.11

طبيب القصر


تدور طائفة لا بأس بها من القصص الخيالية التي تصنف تحت ما يسمى في الإنجليزية Fantasy في فلك مجموعة محددة من الأفكار، تنحصر غالبًا في الأميرة التي تعاديها ساحرة شريرة، تلقي عليها بصنوف السحر و التعاويذ، فتلقيها في غيابات النوم العميق الأبدي اللانهائي، أو تقلبها ضفدعًا أو قطة أو ما شاءت من بني الحيوان، حتى يأيتها الموعود، الذي ينقذها مما هي فيه، و يزيل عنها سحر السحرة و تعاويذ المشعبذين، ثم تكون له و يكون لها، و تنتهي القصة بالبنين و البنات ..

قصتنا هذه المرة ليست كأولئك، رغم أنها تنتمي للمناخ نفسه، من قصور و قلاع، و ملوك و ملكات، و أمراء و أميرات، و حاشية متخمة بالنبلاء الطفيلين الذين يعيشون مع الملك و على الملك، و يتنفسون نفاقه و رياءه، و قد كان هو منهم ..

طفيلي كما ينبغي له أن يكون .. برغوث بشري متكامل الصفات، يتكئ على قدر هائل من الثقة بالنفس التي تكاد تصل إلى حد الانفجار، و يستند إلى قدر مهول من سعة الحيلة و الخبث جعلته يتفلت من مكائد دُبرت له بعدد شعر رأسه، الذي شاب بعضه لفرط ما رأى، لكنه رأى بالإضافة لما شيّبه ما نعّمه، فظل على ما هو فيه ..

و ما كان فيه أنه كان يشي بالكل، فالكل لديه سواء تحت حذائه، يصعد على أجسادهم و يتقرب بهم إلى الملك، الذي ازدادت محبته له رغم بغض الجميع له، و ارتفعت مكانته عنده رغم احتقار الجميع له، لكنه كان ينظر إليهم أجمعين كهباء منثور، طالما أنه قد ضمن العرش و ما فيه و مَن فيه ..

أما مَن في العرش فكان ملكًا ذا سلطان و هيبة، ثم أصبح ذا شيطان و خيبة، منذ أن أسلم أذنه إلى كل هماز بسوء مشاء بين الناس بما يضر و لا ينفع، و يؤخر و لا يقدم، و يهدم و لا يبني ..

أراك تتساءل أين الطبيب فيما يحدث؛ فالجو ممتليء بمؤامرات الحكم و السلطة، و طالبو الجاه و المنصب من الوشاة و المنافقين، و أين جو الخيال و الفانتازيا وسط رائحة الدم و السلطة التي تنتشر بين الكلمات .. أراك تتساءل، و هكذا كانت الأميرة في تلك اللحظة الفارقة في حياتها ..

كانت و أخوها على غير جبلة الوالد و الوالدة .. طيفان رقيقان كأنما اقتطعا من قوس قزح أو ندى الصباح، حالمان كفرسان المائدة المستديرة، ممتلآن بأمال عريضة تقاطعت – لسوء حظهما – مع آمال البرغوث البشري، فانقلب قوس قزح ظلمة، و اختفى ندى الصباح من على أوراق الشجر، و سقطت الأميرة طريحة الفراش ..

و كانت آمال البرغوث أن يعلو بناؤه أكثر و أكثر، و لم يكن له أن يفعل هذا إلا إذا وضع جسدًا بمنزلة جسد الأميرة تحت قدميه، و لم يكن جلالة الملك ليرفض طلبًا كهذا لصفيه و نديمه ..

يقول الناس إن آلام النفس أقسى من آلام الجسد ألف مرة، لكن النفس ليست كيانًا مسطحًا، بل هي كتلة متجانسة متنافرة من المشاعر و الانفعالات، مليئة بالتضاريس و الهضاب و المرتفعات، و الجرح فيها لا يلتئم بندبة خطية من نسيج ليفي ميْت فاقد لكل معاني الحياة، بل جرحها يلتئم – إن التأم – بجرح آخر أشد غورًا و أعمق سبيلاً، فلا سبيل إلى التئام و لا طريق إلى نسيان ..

فليؤتى بكل طبيب .. فليؤتى بكل نابغة في الطب .. فليؤتى بكل عبقري خبير تجرع صنوف العلاج و طرق التطبيب فليطببها .. فليؤتى بأي طبيب كان .. آتوني بهم أو لأقتلنهم أجمعين ..

و لا يجيب نداء الملك الملتاع الغاضب سوى طبيب واحد ..

طبيب واحد وحيد أتى من آخر بقعة في المملكة، و الأميرة على فراش الموت، نفس يخرج في هواء الأرض و نفس يصعد إلى جو السماء .. طبيب واحد وحيد في مقتبل عمره يحمل في قلبه عزم الشباب و حكمة الشيوخ أتى يقبل المهمة التي تنحى عنها الجميع ..

إذا رأيته شعرت أنه عصا المكنسة .. نحيف حتى تظن أنه غير موجود، بأنف رفيع حاد كالموسى و عينان حادتان صافيتان تخترقانك اختراقًا .. وجه حاد القسمات طيبها تشعر إذا نظرت إليه بهيبة، لكنها هيبة ترتاح إليها و تطمئن لصاحبها، و تفتح قلبك له على مصراعيه، تمامًا كما فعلت الأميرة ..

لم يكن يعرف شيئًا عن صراعات القصر و خبايا الحكم و دسائس السلطان، لكنه أدرك بحدسه أن الجو مشحون بطاقة سلبية رهيبة كاتمة للأنفاس مطبقة على الأنفس .. لم يكن غريبًا بالنسبة له أن تسقط الأميرة في مثل هذا الجو المشحون، فعدم سقوطها هو العجب ذاته ..

جس نبضها في هدوء و تفحصها في سرعة الخبير الذي يعرف أين يضع يده و متى يرفعها .. نظر إلى والديها في صمت ثم حول بصره إلى أخيها و أشار إليه دون كلام أن يبقى و أن يخرج جلالته و جلالتها .. الملك الغاضب الملتاع لم يعتد هذه المعاملة الآمرة، لكنه انصاع في آلية غريبة، مدفوعًا – ربما – بسحر شخصيته القوية، و انصرف ..

قال الطبيب إن أخته كجسد ليس بها شيء، لكن نفسها مهشمة ألف قطعة .. قال الطبيب إنه يريده أن يحكي، فروى، و سأله فأجاب .. لملم أدواته و أغلق حقيبته و طلب أن يتركوه يتجول في القصر، ففي القصر علاج الأميرة مما فيها ..

فتحت له الأبواب و ترك له الحبل على الغارب .. تجول و تفحص و رأى و سمع، ثم في النهاية أعلن أن شفاء الأميرة اليوم .. اليوم عند غروب الشمس تقوم الأميرة من مرقدها ..

 جلس إلى الأميرة و أمسك يمناها برقة كمن يمسك بلورًا يخشى عليه الكسر .. نظرت إليه تلك النظرة الخاوية التي تملأ عينيها منذ عدة أسابيع، فسكب عليها الشيء الكثير مما بداخله فتنفست بعمق .. أضاء عينيها بريق غاب عنها منذ أسابيع، و انفرجت شفتاها بشيء لم تنطقه، لكنه سمعه يدوي في أذنه .. أطبق على يداها بيده الأخرى و اقترب منها في صمت ثم دعاها للنهوض فنهضت ..

كان الجمع ينتظر في قاعة العرش .. الملك و الملكة و الأمير و البرغوث البشري، الذي صار كالبرغوث حقًا لا يفارق سيده .. دخل عليهم القاعة تتأبط يمناه .. تسير الهوينى لكنها تسير ثابتة .. نظرة عينيها تقول الكثير لكن من يفهم ما تقوله قليلون، و شفتاها المزمومتان تصرخان بجبال من الكلمات لكن الصم أكثر ممن يسمعون ..

وقفا في منتصف القاعة قبالة الملك الذي ألجمته الدهشة، كما ألجمت زوجه، فيما بدت البغضاء من عيني البرغوث تكاد تحرق الأرض و من عليها فتذرها قاعًا صفصفًا، لا ترى فيها عوجًا و لا أمتًا .. تركها و تقدم منفردًا و انحنى إجلالاً ثم تحدث ..

قال إن الأميرة لم تمرض بجسدها، بل إن روحها تمزقت كل ممزق .. قال إنه لا يعجب لهذا بقدر ما يعجب أنه تأخر جدًا .. كل شيء في القصر يدعو للسقم و المرض، و كل شبر يدعو للهلاك و العدم .. قال إن الملك يخطيء كل يوم ألف مرة إذ يصاحب مثل هذه الطفيليات و البراغيث المسماة بالنبلاء و الصفوة، و أنهم ليسوا نبلاء و ليسوا صفوة، بل مجموعة من المنتفعين الذين اعتادوا العيش على الملك، فلا هم نفعوه، و لا هو أمن شرهم ..

قال إن القصر امتلأ جوه برغبات مريضة في الوصول لهذا العرش .. مؤامرات تحاك بليل و بنهار، و أقنعة تغطي كل الوجوه، و خلف الوجوه أقنعة أخرى تغطي نفوسًا نتنة .. قال إن الأميرة لم تسقط صريعة المرض لأن ذا البرغوث أرادها لنفسه، بل كانت هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير ..

قال إن القصر تمايز إلى نور و ظلمة .. ظلمة تأكل من النور يومًا تلو الآخر، و نور ينزوي انزواءً .. قال و قال و قال، و الملك يستمع مبهوتًا كأنه لم يستمع لأحد من قبل، و كأنه يصطدم بفنون القول لأول مرة .. بهت كأنما يساق إلى موت، و اندفع من خلفه البرغوث يصرخ ..

قال إن هذا الطبيب يهذي و يخرف، و إنه يطمع لنفسه في ملك عريض إذ يحاول أن يكسب الملك إلى صفه بإن يوهمه أنه الناصح الأمين، و إنه يتقرب إلى الأميرة بحجة علاجها، لكن مراده من وراء هذا خبيث .. قال الطبيب أنه بمثل هذا ابتلع الظلام كل نور في القصر .. مثل هذا من البشر لا يجد ما يمشي به بين الناس إلا الوشاية و خبيث القول و العمل، و أن أذن الملك ملأت قلبه و عقله خَبَثًا و زورًا عندما أنفذت كلام هذا البرغوث إليه ..

قال إن المُلك يفسد إذا صار في مهب ريح الوشاية السَموم .. قال إن الأميرة ليست مريضة، بل هي الوحيدة ذات الصحة و العافية، و أن من سواها في هذا القصر مرضى حتى الثمالة .. قال و قال و قال، و الملك و الملكة و الأمير يستمعون في صمت، و برغوث بني البشر يرغي و يزبد أن اقتلوا هذا الأفاق المنافق الكذاب، و للمرة الأولى ينظر إليه الملك باحتقار ..

قال الطبيب و روى مما رأي .. هل كان ذا الذي أرسلته إلى أقاصي الأرض بعيدًا عن أهله و أحبابه، جلالتك، لجرم ارتكبه، أم لوشاية من واش لم تتكلف حتى عناء التحقق منها ؟ هل ذا الذي أقطعته أرضًا يموت الفرس الأدهم تعبًا قبل أن يبلغ منتهاها، جلالتك، يستحقها، أم لحلو كلام و معسول حديث نافقك به أقطعتها إياه ؟ هل ذا الذي إلى يمينك يستحق منزلته، أم وصلها على أجساد العباد ؟ هل ترى، جلالتك، أنك حقًا الملك، أم أنك سلّمت المُلك إلى هؤلاء ؟

ثم قام الملك عن عرشه، و أشار إلى الحرس أن اطحنوا هذا البرغوث طحنًا فلا تذروا منه لحمًا و لا عظمًا .. قال للطبيب أن له أن يسأله ما يشاء، فقد أراه ما لم يكن يرى، و أسمعه ما لم يكن يسمع، فسأله الرحيل .. أمسكت الأميرة بيده فزعة جزعة .. قالت إنه كمن يمنحها هواء الدنيا ثم يكممها بيديه، فكيف يرحل .. قال إن هواء الدنيا لا يمنحه أحد لأحد، و هو لم يفعل شيئًا إلا أنه أزاح الغطاء، فلها أن تملأ صدرها كما شاءت .. هو طبيب يداوي، لكن ما بعد الدواء هو شأنها هي فحسب ..

قال للملك إن الطفيليات تتكاثر في الظلمة، و تنمو على العطايا و المنح، و هي في كل الأحوال لا فائدة من ورائها، و لا نفع منها يرتجى .. قال إنه قد أتم ما أراد و ما أريد، و إنه لا مستقر له ها هنا بعد الآن ..

سار مبتعدًا تحوطه غلالة خفيفة من ضباب المساء، تتابعه الأميرة من نافذتها، و قد خيل إليها أن نورًا ينبعث منه، ثم خيل إليها كأنما استحال يمامة طارت مبتعدة ثم استحالت نقطة نور في السماء، لكنها لم يتسن لها أن تعرف الحقيقة قط ..

27.7.11

وردة الدنيا الناعمة

 كان يقول لها دومًا إن لها اسمًا غريبًا، و كان يقول إن مبعث غرابته شيئان؛ اسمها ذاته، و اقتران هذا الاسم باسم أبيها الذي يغتال شاعرية اسمها في مقتل .. كان يخبرها كلما أراد أن يثير نفسها الطفلة أن "جيرمين" هو اسم لا معنى له، و لربما كان يعني في السنسكريتية القديمة كذا و كذا، و ينهال عليها بأوصاف تجعلها تدق الأرض مغتاظة تنهاه عما يفعل، لكنه يستمر مستمتعًا بتلك الروح العذبة النقية التي تجتاحها .. كان يقول هذا، لكنه كان يشعر أنه لا يعنيها حقًا، أو حتى مزاحًا، فرغم عدم إدراكه لمعنى اسمها، إلا أنه كان يشعر دائمًا أنه متسق مع شخصيتها، و أنه يعني كل تفصيلة فيها، و كل همسة تهمس بها ..

عندما قال أحمد مكي على لسان "حزلئوم" أن دنيا سمير غانم – جيرمين – لم تلحق بجيهان، و لم تلحق بنرمين، جالت بخاطره فكرة ابتسم لها في البداية، ثم اتسعت ابتسامته عندما استقرت و استوت .. جيهان تعني الدنيا بالفارسية، و نرمين تعني الوردة الناعمة بالتركية، فلربما كان جيرمين هي مزيج من الاثنين .. وردة الدنيا الناعمة ..

وردة الدنيا الناعمة، التي تذكره دائمًا أن هذه الدنيا ليست شظف العيش و مرارة الكد فحسب، بل فيها من المتعة ما يجعلها مكانًا صالحًا للحياة .. أدرك لحظتها لم كان شعوره الدائم أن اسمها متسق مع كل شيء فيها، و أن اسمها يعنيها شكلاً و موضوعًا ..

لم تكن ناعمة بتلك الصورة التي تتقافز إلى الأذهان كلما ذكرت تلك الكلمة، حتى يظن المرء أنها صارت مرادفًا للميوعة و الخلاعة، بل كان فيها شيء من القوة الناعمة إن صح التعبير .. شيء من الخشونة و الرجولة و قد امتزجا بذلك الدلال المحبب إلى النفس، و شيء من رجاحة العقل التي تختلط بطفولية تجعلها فريدة من نوعها؛ نضج و رعونة في آن ..

كان كلما شعر أن الدنيا قد قاربت تقصم ظهره، و أن صدره يضيق فلا يتسع لأنفاسه تذكرها، و تذكر همسها في أذنه أن الدنيا لا تضيق إلا لتنفرج، و لا تنفرج إلا لتضيق، و أن من لا يدرك هذا كمن لا يدرك أن الشمس تشرق في الصباح ..

بعدما استنبط تفسيرًا لاسمها – و قد طارت سعادة عندما سمعته منه، كأنما هي طفلة جيء لها بملابس العيد – أخذ يفكر فيه مليًا؛ وردة الدنيا الناعمة .. كان – للمفارقة – يشكو حساسية مرضية مفرطة تجاه الورد البلدي، ما جعله يضحك ملء فيه عندما استقر ذلك المعنى في نفسه .. قدره ألقاه إلى وردة، هي الوحيدة التي يمكن أن يموت لو لم يضممها إليه !

وردة الدنيا الناعمة، التي شعر عندما رآها للمرة الأولى أن شيئًا ما يناديه أنها له، كانت تمثل رغم كل هذا عقبة في حياته .. كان في كثير من الأحيان يشعر أنها تكبله عن فعل الكثير، لكنه رغم هذا كان يستلذ بتلك الأغلال، و يسوق لنفسه المبررات لِمَ لَمْ يفعل كذا، أو يلحق بكذا، أو يتغاضى عن كذا، ثم يكتشف مع الوقت أن ما فعله – تحت تأثيرها – و ظن أنه قد أخطأ فيه هو عين العقل، و هو ما يعيده لتلك الدائرة المفرغة التي لا تنتهي .. هي، و هي من جديد، و هي إلى الأبد !

تنهد تنهيدة طويلة و هو يطوي آخر صفحة من سجل صورهما معًا، و أرجع رأسه إلى الوراء يريحها على ظهر المقعد، مطبقًا جفنيه على دمعة فرت رغمًا عنه، و أخذ يتمتم بالفاتحة في خشوع ..

29.6.11

الطبيب

دون أن أقول ما سيوجب اعتذاري ..
دون سباب .. أو شجار ..
ودون اصدار ألفاظ مدنسة ..
في حق ذاتك التي جعلتها ..
_دون اعتراض منا_ مقدسة ..
مع كل تقدير قلت استحققته ..
و على كل منا _عينا_ فرضته ..
الطبيب .. لا بالقسوة .. ولا التعالي ..
بل الطبيب .. يا صاحب المعالي ..
كالبلسم ..
به الجراح تندمل ..
و به الالام تنمحي ..
الطبيب كالصباح بعد ليل معتم ..
يعيد الامل الى نفوس .. لكم ذاقت من مرار العلقم ..
الطبيب كالحبيب .. و ان لم تعرفه ..
دمع له .. إن ألم مريضه يذرفه ..
بسم المريض على فراشه يفرحه ..
و ما لحبيب أن يهين حبيبه .. أو يجرحه ..
صفة الطبيب ..
و عفوا ان أخطأت معلومتي ..
فذا فهمي على قدر طاقتي ..
لا من الطب بل الطيب ..
من الخلق الذي يجعل من المرء .. مدرسة ..
لا من خلق و ان رفع الذكر .. ترك الذكرى منكسة

27.5.11

كلام بجــح

ده اللي ممكن بعض القراء الأعزاء يقولوه في النهاية .. بس بصراحة أنا كاتم في نفسي و معبي من زمان ، فقلت أخلص نفسي .. الموضوع ثورة 25 يناير كلها على بعضها .. يتهيألي التمجيد و المديح فيها اتقال كفاية .. و لازم حد يطلع يشتم شويتين و يتشتم، علما بأن أنا كنت من المتحمسين جدا للثورة بس أنا حاقف عند مواقف صغيرة كده و أقول رأيي و أخلع قبل ما أنضرب

الموقف الأول : ساعة لما أعلنوا ان صاحبنا تنحى ، وطلع عمر سليمان مدلدل و مكبوس .. أنا كنت ساعتها في المنشية و سمعنا هوجة من شارع جانبي .. الأول افتكرناهم بلطجية ، و بعدين لقيت الناس اتلموا حوالين محل بقالة كان عنده تلفزيون- الحتة دي بتفكرني بالراديو اللي كان بيبقى في القهاوي زمان - و بعدين الناس كلها تجري و تصرخ من الفرحة و أنا أولهم .. كنت بجد فرحان لأن الريس المخلوع - باحب الكلمتين دول على بعض أوي - كان حسسنا أنه خلاص طلعلنا في البخت في أخر شكلاتاية في العلبة. هنا حصل موقفين وسط الأفراح اللي انتصبت .. الأول لما لقيت الناس بتقول " أوووووه .. خلعوا حسني " رحت عامل فيها زلوطة الأقرع ووقفت قلتلهم كده غلط ..قولوا "" أوووووه .. خلعنا حسني " ، لأن احنا اللي خلعناه مش الجيش .. رد راجل كبير كده في الخمسينات ، يا عم الجيش هو اللي شاله ، هنا بقى الراجل نرفزني بجد .. و دي كانت المرة اللي تأكدت فيها من نظرية التقديس .. و الموقف ده حارجعله لما نرجع لقضية الجيش
الموقف التاني في نفس التوقيت .. ان اختي اللي متغربة كلمتني و قالتلي ايه اللي انتوا بتعملوه ده .. الناس فرحانه ليه ، هما كانوا نزلوا اساسا عشان يشيلوا حسني ولا يحققوا طلباتهم .. بصراحة حسيت ان أختي قاسية ع الناس شويتين لكني رديت عليها ان الناس فرحانين بس لأن اللزق اتفك و صاحبنا غار .. لكن أكيد هما مدركين ان الثورة لسه ما نجحتش .. ولللأسف طلعت أنا اللي غلطان و أختي صح

الموقف الثاني : انتظارنا لتصريحات الجيش و اللي بدأت أحس منها بتلاعب بالكلمات - جايز لأنني أنا أساسا شاطر في اللعبة دي - ووعود مؤجلة و خلافه ، في نفس الوقت اللي لقيت الناس فيه فريقين كبار أوي .. الأول مطمئن تماما لنزاهة الجيش ، و معتبر ان الجيش الأب الروحي للثورة و القائد و الزعيم و المضحي .. و الثاني بيقول - والله أعلم مدى الصحة من الخطأ - ان الجيش ناسه الكبيرة كانوا زيهم زي النظام واكلين شاربين متظبطين .. و ان هما من أفسد مؤسسات مصر داخليا و ان فيهم العبر لكن .. مالناش غير الجيش دلوقتي و مثيله من هذا الكلام .. المهم اني حاولت أفرض وجهة نظري أو على الأقل أعرضها و قلت ان المثل قال حرص ولا تخونش وقلت اننا حطمنا كل أصنامنا و استبدلناهم بصنم الجيش المقدس - نظرية التقديس - وقلت ان الجيش ما كانش حامي حمى الثورة ولا نيلة ، بل انني لما ركزت شوية لقيت ان الجيش كان أكتر المواقف حيادية .. و فضل ماسك العصاية من النص لأخر وقت - لحد جمعة التنحي قبل الصلاة كان بيقولنا اقبلوا و اقعدوا - لحد يعني أما اتطمن وحط في بطنه بطيختين تلاته ان الشعب هو اللي حايكسب المعركة دي .. خصوصا وان تصريحات الجيش كانت موازية تماما للموقف الأمريكي - وده مش اتهام بالعماله لكن توضيح لنقطتين مهمين أولهم ان الجيش لعب اللعبة صح زي أمريكا ما لعبتها صح بس االفرق ان نصيب الجيش عندنا يسمح بينما رصيد أمركا يقع تحت فئة المدين بل و المتهم ، النقطة التانية اننا لازم ننتبه ان السياسيين في مصر كانوا حريصين على عدم اغضاب البيت الأبيض ، مش لأن أمريكا كانت ع الباب ولا حاجة - أساسا أمريكا النهارده ماتقدرش تدخل حرب عسكرية نهائيا - لكن لأننا ولمؤاخذة - رغم هرمنا و تاريخنا اللي بالكام ألف و كل الخيال العلمي اللي حافظينه صم ده و اللي كنا بنحشي بيه اجاباتنا في امتحانات الدراسات - عايشين شحاتين و مش عارفين حتى نأكل نفسنا .. المهم انني لقيت الردود من نوعية اني مخون الجيش زيادة عن اللزوم ، وانني عاوز الناس تعمل التحام مع الجيش و ان و ان ، حاولت أشرحلهم بس ان المثل قال حرص ، ماحدش سمع قلت أزود الجرعة و قلت ان الجيش ما ضربش فينا مش عشان كرم أصله بل اسببين ، أولهم انه خاف من الانقسام جواه لأن الجيش و المجندين مش متعودين انه يضرب في ابن بلده زي بتاع الشرطه وده اللي كان باين في خبر صغنون ماحدش عبره لما اتقال ان حسني مبارك طلب فض الاعتصامات بالقوة لكن الجيش انقسم فأعلن انه لن يتدخل " معنى كده ان كان فيه ناس عايزة تضرب جوه القيادة بتاعة الجيش ، و الدليل على كده انني سمعت من ناس كتير جدا ان صحابهم في الجيش قالولهم احنا لو كان اتقالنا اضرب ، كنت حاضرب .. ما تنساش برضه ان الريس المخلوع كان ابن الجيش وان مش سهل عليهم الناس تقوللهم احنا عايزينها مدنية، أما السبب التاني فلأن لو حصل التحام بين الشعب و الجيش .. كانت النتيجة غالبا قمع الثورة لكن على حساب خساير كبيرة جدا في الجيش .. ولس فاكر كلمة الراجل المحلل العسكري اللي قال كلمتين ما طلعهوش بعدها خالص .. قالك الدبابة و لا المدرعة حتهد عمارة بس في 5 ولا6 عماير حتحدفهم بنابالم و يضربوا فيهم ، يعني الجيش كان حيخسر أكتر بكتير من رصيده عندنا .. المهم اتهاجمت شوية و بعدين زهقت من كتر الجدال و قررت أني التزم الصمت و أكتفي بالمشاهدة

الموقف التالت : و هي الايمان الراسخ ان أمريكا و اشرائيل و الغرب العظيم شعوب قاهرة قادرة ، و ان لو أميركا عايزة تدخل مصر حاصحى الأاقي تلات أربع أمريكان عندنا في الشقة .. وده كان دليل تاني- غير تقديس الجيش و نسب الفضل اليه - ان المصريين لسه ما أدركوش انهم هما اللي ثاروا ، و ان قوة الشعب فوق قوة أي حد .. ماحدش كان متصور مده جبروت الشعب ساعتها ، لدرجة ان ماحدش ساعتها صدقني لما قلت ان أمريكا غير قادرة اقتصاديا على القيام بأي هجوم عسكري ، لأن و لمواخذة المواطن الأمريكي اللي هناك واللي عارف مدى قوته و انه هو اللي بيحكم ، مش حايسمح يروحوا يضيعوا فلوسه على حرب و هما اقتصادهم كان واقع .. بس برضه الأفلام كلت مخ العيال و الناس كانت متخيلة الكوماندوز حييجوا يروقونا بعلقة و يربونا

الموقف الرابع: والمرحلة التانيه للتقديس هو تقديس الثورة بكل ما فيها - و ما تنسوش ان الثورة كل ده ما حققتش مطالبها أساسا - فالشباب بقوا أبطال ، و الناس بقت رموز ، والشعرا هجموا على الثورة يستغلوها في زيادة رصيدهم حتى و ان كان في صورة تريقة على استغلالها لدرجة اني لقيت اعلان عن حظاظة التحرير ، و لقيتلك الناس كلها بقت شهدا - و مع كامل احترامي للشهدا بجد - لكن البلطجية اللي ماتوا وهما بيثبتوا الناس ولا بيسرقوا ولا بيهجموا على القسم عشان يحرقوه - ودي قضيه و حكاية عايازالها عشرين مرة لوحدها لكن موجزها ان الشرطة مخطأة لأن رصيد ظلمها عند الشعب كان كبر أوي ، و لأنهم هربوا المساجين و سابوا الاقسام في توقيت واحد و غيره ، بينما الشعب مخطيء لأن مافيش أي مبرر انه يروح يولع في الأقسام و يموت الشرطه ، مش الديمقراطية اللي احنا بننادي بيها برضه فيها اعتبار للقانون - المهم ان لا اللي قلتهم قبل كده ولا اللي نازل يعاكس بنات في التحرير ، ولا اللي نازل عشان يبان انه كوول ، ماهو كل صحابي نازلين .. ولا واحد من دول للأسف شهيد .. الشهيد اللي نزل التحرير أو أي مكان تاني و مات مدافعا عن ماله و عرضه و دمه .. نقطة صعبة بس هي دي الحقيقة اللي لازم نعرفها ونقف عندها

الموقف الخامس: مولد كلمة الاسلاميين .. و بصراحة أنا ياخي مش قابل الكلمة .. ما أنا مسلم بس مش تبع أي حد ، و بهدين مالهم الاسلاميين ، مش جزء من البلد دي ، لو انت خايف من سيطتهم نافسهم .. ولا انت قاعد تشتكي فيهم و تشتم - ودي نرجعلها في الموقف السادس- و تقول ليهم أرضية و شعبية ، ماهم كانوا زيك زيهم مقروفين و ممنوعين من السياسة .. الفرق لما اتفتحلهم الباب اشتغلوا بايديهم و سنانهم و انت قعدت تقول بص بيشتغلوا ازاي عايزين يمسكوا البلد ، ما يمسكوا البلد لو هي دي ارادة الاغلبية ، هما ولا غيرهم .. انا ما عنديش مانع ان حتى واحد من فلول الوطني ينجح بنزاهة لمجلس الشعب ، لأن معناها ان الناس عندها ثقة و أمل فيه كفاية انهم يتغاضوا عن كونه محسوب على النظام السابق .. ما تنزل و تشتغل ، يقوللك المدة مش كفاية ، طب مانت عمال بتضيع في الوقت ، أنا واحد من اللي قالوا لأ ، لكن لما النتيجة جت نعم مافتحتش بقي ، الناس اختارت و أنا معاهم .. مش هي دي الديمقراطية اللي نزلنا نعيط و ننادي عليها ، ولا احنا بقى بننقي خيار .. مثلا لو عمرو موسى كسب الانتخابات الرئاسية - أنا حابقى حزيين جدا - بس الناس اختارت فمش حانطق بكلمة .. يبقى انت النهارده عمال تقوللي اسلاميين و اخوان و سلف و مقضيينها شتايم في بعض و معارك فيسبوك بدل ما تنزل تعرف الناس بفكرك و تعملك قاعدة ، لو ما نفعتكش الدورة دي تنفعك الجاية ..و أنا بقولها أنا مش فارق معياي مين يوصل لمجلس الشعب مادامت الناس اختارته - حتى لو لسه نضجنا السياسي بسيط و لسه المواطن الغلبان حاينتخب فلان عشان كبير عيلته قال له ولا عشان خدله مية ولا ميتين جنيه- ده اختيار الناس ، ولو في تشريع و قانون و حساب صح ، اللي يغلط من اي تيار سياسي حايتحاسب و الناس شوية شوية حاتتعلم ازاي تنقي ، يبقى ما تقوليش ان الاخوان و السلف حياكلوا البلد ، انزل و اعمل شغل و انت ممكن تغلبهم ، و بصراحة كون الناس دي قالت حاننزل في 50 % ده كرم منهم و حفاظ منهم على نسيج الشعب ، و أرجع , أقول أنا مش بادافع عن أي تيار ، فالاخوان و السلف - كغيرهم - لهم من الأخطاء الكثير ، لكن أنا باتكلم عن الديمقراطية و الشغل الصح والكلام اللي المفروض يتعمل

الموقف السادس : الثورة خسرت البلد ،و البلد بتنهار و حلو يا حلو .. و بعدين؟؟ أولا لازم نفهم ان أي ثورة ليها خساير اقتصادية ، مش معنى اننا خسرنا كام مليار ولا قفلنا كام مصنع يبقى الثورة بوظت البلد ، اتخيل بيتك نليان تراب وبتكنسه ، حاتشملك شوية تراب و بعدين البيت حيروق و يبقى فلة .. احنا بنكنس بلد بحالها مش بيت ، و بتشيل نظام بمخلفاته مش تراب ، بعدين تيجي بقى أقولك ايه اللي بيخرب البلد ، مش حاقول المطالب الفئوية لكن حاقول السلوك العام .. قصدي ايه ، قصدي ان المطالب الفئوية في أغلب الأوقات كانت مشروعة جدا - و ان اعترضت على بعض أساليب الطلب زي تعطيل المواصلات و خلافه- و في ناس كانت بجد مظلومة .. مشكورة الحكومة عملت اللي تقدر عليه ، بس حد وقف و سأل نفسه السؤال ده ، الحكومة حاتجيب من فين؟ تكونش ليها عمة ماتت في كندا مثلا؟ اه الفلوس بطلت تتسرق بس سعادتك بطلت تشتغل فبدل ما الفلوس تيجي و تتسرق ، سعادتك ضيعتها .. بدل ما تشتغل أكتر و تنتج - وما عادلكش حجة ، المليم دلوقتي بيرجع للبلد و ليك- قعدت - بعد ماخدت حقك و انتفذت مطالبك - على المكتب ، تزوغ و تيجي متأخر زي زمان بل يمكن أسوأ ، ماهو مديرك خايف يكلمك لا تطلعه مختلس ولا حرامي ولا تفتش وراه .. و ترجع تقوللي الاقتصاد و البلد ، بالذمة ما اتكسفتش لما سمعت ان اليابانيين عوضوا كل خسايرهم عشان كل واحد ياباني استرجل و اشتغل ساعتين مجانا ، و انت بعد ما رفعولك مرتبك و دلعوك لسه مافيش دم و مش بتشتغل ، اصل خد بالك انت ما نزلتش الثورة لا عشان مصر ولا تراب مصر و لا اهراماتها ولا الكلام العبيط ده ، انت نزلت عشان عايز تعيش مبسوط و مرتاح ، تعرف تربي العيال من غير ما تشتغل حمار في ساقية ، و تعرف تنبسط في بلدك و سط أمك و ابوك ، مش تسافر بلاد الناس لمجرد انك نفسك تعرف البني ادم ده بيعاملوه ازاي .. هي هي نفس القضية ، الاحزاب كلها لا بتشتغل ولا نيلة ، ولا بتبذل أي مجهود ، و قاعدة تقوللك الاسلاميين حياكلوا البلد و يقطعوا ايدينا و يحرموا المكرونة البشامل .. ما تنزل تشتغل و تتعب و توصل رأيك للناس ، مش جايز واحد فكرته زي فكرتك بالظبط بس مش متخيل ان في حد زيه في البد دي؟ ..

الموقف السابع : الشخصنة .. ده بقى اسلوب زفت و بأكرهه جدا .. احنا عايزين نذم في الثورة ، نمسك البرادعي نخليه خمورجي و عميل ، و الواد وائل ماسوني ،و حنكش ده كان ماشي مع النظام و غيره و عيره ،و الحقيقة ربنا سترها و معظم الناس فهمت اللعبة دي ، لكن في مصيبة اننا بقينا بنشخصن كل حاجة و ندمجها ببلوة منيلة تانية هي جلد الرموز .. ازاي؟ نبص كده .. السلفيين .. نشوفلنا شيخ بيحب يهزر و لسانه بيفلت منه و نشيرله كام فيديو و السلفيين اهم ، بتوع البرادعي و التغيير .. ده عميل أمريكاني اسرائيلي مريخي مشترك .. اخوان .. صبحي صالح وفر علينا كتير بصراحة .. ليبراليين .. علمانيين .. و خلافه ، و بكده تحولت مصر الي فرق تدافع عن نفسها بالهجوم على الأخرين .. و اللي بيدافع ما يجيبش جون يا بلد ، أمال ايه حكاية الجلد دي .. اقولك أنا فلان الفلاني ده راجل زي الفل و تاريخه مشرف ، يغلط علطة واحدة بكلمة واحدة تزعل طرف واحد .. تقوم الدنيا ما تقعدش و يبقى رجل حلوف من ثلاثي القرنيات و نشتم فيه و نخلي و نسوي .. أمثلة كتير .. أخرهم المعتز بالله .. طب تيجي أقولك حاجة .. تعالى نتفق ان البشر بيخطئوا و ان حتى انت بتغلط ، تعالى نتفق على حاجة تانية ، ان البد منيلة و اي حد في اي منصب بيتعب فعلا و طالع عينه .. حاجة تالته .. اهل السياسة مكارين يعني بيعرفوا ينقوا الكلام ، فلما يغلط في كلمة ولا تصريح يبقى الرجل مش مركز ، طب مش مركز ليه؟ علشان دماغه مشغولة بحال البلد .. يبقى تمام أوي .. ما يتكلم و يعك راحته مادام بيشتغل و شغله الكويس باين و منور .. حاجة رابعة .. رجاءا .. ما تحكمش على المواقف من أشخاص لأننا حاننتهي لتقديس البعض و تحقير البعض الاخر ، بس اوعى تحكم على الاشخاص من المواقف .. لأن كل واحد ليه مواقف حلوة و مواقف وحشة ، و موازين الناس بتتختلف حسب أولوياتهم .. أما أعمل ايه بقى ان شاء الله؟؟ تسألني أقولك في كل خلاف أو قضية شوف أراء الكل من غير ما تحط اعتبار لمين اللي بتكلم ، اوزن الكلام ده كله كده في دماغك و قيمه ، و بعدين قيفه على حسب قناعاتك و قول رأيك .. مش جايز عدت ع الشيخ المرادي و لقطها العلماني؟ و مش جايز العلمياني من قلقه جانبه الصواب؟ مافيش حد دايما مواقه صح .. بس دايما في موقف صح.. وصل المراد ولا؟

الموقف الأخير : لما الدنيا كانت بدأت تقفل في وشي ، ايام لما خدت قرار انني حابطل أتكلم في السياسة و اسيب الناس تجرب و تتعلم - و ممكن كان رأيي غلط فأبقى أنا اللي أجرب و أتعلم - واحد قاللي كلمة مضحكة أوي ، بس من نوع شر البلية ما يضحك .. قاللي أنا خلاص مش حاحرق دمي .. أنا بس عايز اقول للمصريين: حظا أفضل الثورة القادمة .. الكلمة كان ليها معاني قوية فعلا ، بس أنا مش باقولها استعراضا ولا تسليه ، باقولها لأن في مصيبة أكبر بمراحل و هي وقفات النهارده و الثورة التانية .. الناس بقت فرحانة بالثورات و المظاهرات ولا ايه؟ بقت هوجة و الله يا جدعان .. ثورة ايه و نيلة ايه .. انت عملت زي تلميذ دخل امتحان مش محضر فسقط ، لما جه يعيد الامتحان حتى ما حاولش يبص على غلطاته في الامتحان الأولاني .. ما أكيد حاتسقط .. أنا ماليش دعوه ولا عارف ولا عايز أعرف مين اللي نازل ولا نازل ليه .. هما كلمتين زانقينني بصراحة و عايز اقولهم .. غير نفسك .. انت و أنا وكل واحد فينا عمل السهل .. نزلنا في الميادين و صبرنا و نادينا لما صوتنا اتنبح كام يوم لحد ما شلنا النظام ، شماعة فشلنا راحت خلاص ، لكن كام واحد فينا استرجل صح و عمل الصعب و عمل ثورة على فساده الشخصي و عدم كفائته في العمل و كل ده .. كام واحد ، تقوللي ده علاقته ايه حاقولك.. انت نازل عشان الناس ما اتحاسبتش و طلعوا براءات .. امال انت فاكر ايه؟؟ ، جاي تحاسب الناس بعد تلات أربع شهور! ، ده لو حرامي غشيم كان وضب أموره .. بلا هبل ، انت سبت حقك من الأول علشان اديت فرصة رغم ان الناس صوتها اتنبح فيه ورق بيتحرق و مستندات بتختفي .. يبقى ما تلومش عير نفسك .. اعرف غلطك و اتعلم منه ، بتقوللي الفلوس ما رجعتش مش حاقوللك ثق في فلان ولا فلان ، حاقوللك مانت لا بتشتغل ولا بتتنيل و بتخسر البلد على المدى البعيد فلوس أكتر .. حتقوللي الاسلاميين حيمسكوا البلد ، أرجع و اقولك انت اللي ما اشتغلتش صح من أول ساعة عرفت فيها ان في منافسة .. حتقوللي مجلس رئاسي و دستور دلوقتي حاقولك مش انت اللي قلت ديمقراطية .. اقبل اختيار الشعب ، أنا قلت لا في التصويت و مع ذلك حادافع عن نتيجة نعم لأن ده خيار الشعب ، حتى و ان كان جوايا قناعات ان ناس كتير انضحك عليها .. بس برده ، أنا مش حافرض وصايتي على حد .. حاسيب الشعب يجرب و يغلط و يتعلم ، ساعتها ممكن اقول ان جيل أولادي حيختار صح .. و مش حايستنى رأي كل واحد يمسك فيه .. بحد أنا بارجع للكلمة بتاعة حظا أفضل و اقولك مش شرط ثورة تانية ، لأن اللي انت ثرت علشانه ممكن يتحقق لو انت بس استرجلت.

Related Posts with Thumbnails
 
Share
ShareSidebar