25.9.11

أحلام الفتى الدائخ - الحلم الرابع عشر



الحلم الرابع عشر: أشياء في السياسة، و أشياء في الطب

كعادة كل أحلامي، بدأ الحلم بداية مشوشة مرتبكة، لكنني استطعت بسهولة التعرف على المكان، رغم التغير الكبير الذي طرأ عليه، و الذي أكاد أقول جعله شيئًا آخر لا علاقة له بالأصل على الإطلاق .. قاطنو الإسكندرية يعرفون منطقة الأزاريطة و تفاصيلها، على الأقل بما يخدم وصفي و سردي للأحداث ..

البداية كانت على الكورنيش في مواجهة أرض كوتة و تلك الملاهي العرجاء المجاورة لها، حيث بداية شارع شامبليون الذي ينتهي بميدان الخرطوم حيث كليتي حفظها الله من كل سوء .. هذا ما هو كائن على أرض الواقع، أما ما كان في الحلم فلا علاقة له من قريب أو بعيد بكل هذا ..

كنت أسير على الكورنيش، شاعرًا أنني "أسبح" أو "أنزلق" فوق الأرض انزلاقًا سريعًا، كأنني أركب سيارة تسير بسرعة تتجاوز الستين كيلومترًا في الساعة – و لا تسل كيف حسبت سرعتي، فالأمر كله إحساس داخلي – في الاتجاه المؤدي إلى المنشية، ثم نظرت إلى يساري فرأيت المساحة التي تشغلها أرض كوتة – أرض المعارض السكندرية، أو هكذا جعلوها – قد شغلتها عدة مبان هائلة الحجم عظيمة الاتساع لا يمكن بحال أن تستوعبها المساحة الأصلية للأرض الفضاء أصلاً، و الأدهي من ذلك هذا الطابع القوطي المميز الذي صبغها كلها، حتى شعرت أنني انتقلت لعصور أوروبا المظلمة، رغم أن هواء بحر الإسكندرية كان يصدمني عن يميني ..

السور نفسه الموجود على أرض الواقع كان محيطًا بتلك المباني، بكل ما يحمله من قذارة و رسوم و إعلانات .. وجدت نفسي فجأة داخل الأسوار كأنني طرت فعبرت طريق الكورنيش في لمح البصر – و هو ما لا أستطيعه و أنا في كامل وعيي – و اخترقت السور دون أن يمسسه أو يمسسني سوء، و انطلقت بنفس الانزلاق السريع اتجول بين تلك المباني ..

كان المبنى الأقرب للكورنيش هو مسجد البارون "......"، و لست أذكر حقًا اسم البارون، لكنه كان اسمًا شاعريًا موسيقيًا حزنت حقيقة أنني نسيته .. ثم انطلقت فإذا وراءه كنيسة لم أدر لها اسمًا، لكنها كانت بضخامة المسجد تقريبًا، و كلاهما حمل شيئًا من آيا صوفيا بالإضافة للطابع القوطي الذي صبغها من أعلاها إلى أسفلها .. القباب الواسعة المفلطحة تحديدًا هي التي أعطتني هذا الإيحاء القوي ..

لسبب ما لست أدري ما هو شعرت و أنا أنزلق بين تلك المباني كأنني أسير في شوارع قصر المنتزه – القصر الرئاسي ذو الحديقة الغناء، و قبلة العشاق الليلية ..

واصلت انطلاقي الانزلاقي، و إن هي إلا ثوان حتى غابت الشمس أو كادت – و قد كان الوقت عصرًا منذ لحظات – بينما وصلت إلى منطقة تشبه – لو أنك تذكر هذا المشهد من الأفلام الأمريكية – المنطقة الواقعة بين بنايتين، بكل ما فيها من فوضى و صناديق قمامة و سلالم حريق و قطط و كلاب ضالة .. كان هذا هو المكان الذي وصلته، و إذا بي أرى عجبًا ..

كانوا مجموعة من الرجال مجتمعين، جالسين على مقاعد خشبية كتلك المنتشرة في المقاهي الشعبية، يجلس أحدهم في الصدارة بينما يتحلق الباقون حوله في نصف دائرة .. لم أنتبه تمامًا لعددهم، و أظنهم ما بين الأربعة و الخمسة، و يقف خلفهم و حولهم عدد آخر من الأشباح لم أتبين لمن هم، لكنني عرفت من الجالسين على المقاعد، و هذا هو العجب ذاته ..

أما الجالس في الصدارة فكان حازم صلاح أبو إسماعيل، و أما المتحلقون حوله فقد تبيّنت منهم العوا و عمرو موسى، و أغلب الظن أن الباقين الذي لم أتبينهم هم بقية المترشحين للرئاسة؛ البرادعي و حمدين صباحي و أبو الفتوح، في تأثر واضح مني لمشهد اجتماعهم منذ أيام، ثم استمعت لشيء من حديثهم فكانوا يتحدثون عن السفارة الإسرائيلية، و هنا كان موطن العجب الثاني ..

كانوا يتحدثون عن أن إمدادات السفارة من الوقود  في تضاؤل مستمر لوجود تسرب حاد في "قعر" السفارة، و هي فرصة جيدة لإمداد السفارة بوقود مغشوش يمكن معه أن نفجرها عن بعد .. العجيب أن الكلام بدا لي منطقيًا جدًا لحظتها، و التمعت أمامي صور تعبيرية – إن صح التعبير – عن السفارة و هي طائرة في الفضاء و الوقود يتسرب منها كأنها برميل مثقوب، ثم مشهد آخر و النار تلتهم السفارة و تفجرها تفجيرًا ..

لم أكن واقفًا استمع، بل كنت أواصل انزلاقي الذي لازمني من بداية الحلم، إلا أنني تباطئت قليلاً كأنني أنزلق بالتصوير البطيء، و أخذت أطوف حولهم كالشبح؛ أراهم و لا يرونني، و أحلق فوق رؤوسهم كأنني أحرسهم .. ثم انطلقت مبتعدًا و أشرقت الشمس مرة أخرى، و اختفى المشهد كلية من أمامي ..

وجدت نفسي فجأة في الطابق الرابع من مستشفى الشاطبي للأطفال، وسط جمع غفير من زملائي، كأننا في امتحان أو ما شابه، و كلنا نرتدي الأردية البيضاء و نبدو على أتم استعداد، و هو ما عزز شعوري بجو الامتحانات .. المستشفى قريبة من مكان المشهد الأول، لذا لم أتعجب كثيرًا من وجودي فيها .. ثم وجدت أن نفرًا من الأساتذة يدعونا للمرور على الحالات لتفقدها و تقييمها، لأكتشف لحظتها أننا أصبحنا جميعًا أطباء امتياز، و أن هذا الجمع الغفير سيشن هجومًا مريعًا على المرضى لفحصهم، إلا أن ظني قد خاب لسبب سأذكره لاحقًا ..

دخلت إلى الحجرة الأولى إلى يميني، حيث العناية المركزة – في الحلم فقط لا الحقيقة، ففي الحقيقة تحتل دورة المياه هذا الموقع – لأجد طفلة كنت أتابع حالتها عندما كنت أؤدي تدريبي العملي في المستشفى .. وجدتها راقدة و قد انتفخت من الكورتيزون الذي كانت تتعاطاه كعلاج لحالتها المزمنة، فتوجهت إليها متسائلاً عن سر تواجدها ها هنا ..

لم تكن الفتاة هي نفسها، و لم تكن الأم هي نفسها، لكن الإحساس الذي غمرني لحظة رؤيتهما أنها هي ذات الطفلة و هي ذات الأم .. على أية حال لم أصل إلى إجابة محددة لسؤالي، فبدأت أتفحص الطفلة، لأجدها بالإضافة لما هي فيه من آثار علاج الكورتيزون قد أصيبت بحول عجيب؛ فكل عين تتحرك منفردة دون رابط أو ضابط، حتى شعرت أن عينيها عروستا ماريونيت معلقتين بخيوط يحركهما أحد العابثين و قد جلس خلف المقلتين ..

تركتها و خرجت من الغرفة، و قد يأست من الوصول لجديد، بالإضافة لشعور عميق بـ"الدهولة" و انعدام التوازن غمرني إثر رؤيتي إياها، و لمحت على البعد أحد أساتذتي يجري مسرعًا، و كنت أود سؤاله عن حالة هذه الطفلة لكنه ابتعد سريعًا، و على كل، فقد صرفت اهتمامي عن الأمر برمته لما رأيت ما آل إليه الطابق الذي أنا فيه ..

وجدت أن الممر بأكمله قد امتلأ بأكوام الرمل و الأسمنت و الحجارة، و أجزاء من الحائط قد تهدمت – و لم تكن هذه هي الحال قبل أن أدخل الغرفة – و زملائي أجمعين واقفين يحاولون الانتقال من طرف الممر الذي أنا فيه للطرف الآخر، مرورًا بأكوام الرمل و الحجارة هذه، و لم يقترب أي منهم من أي حجرة من الحجرات المتناثرة يمينًا و يسارًا، فانطلقت معهم لأجدهم متباطئين للغاية، ثم اكتشفت السر عندما تقدمت خطوات ..

على جانبي الممر كانت صناديق بيبسي و سفن أب مفتوحة على مصراعيها، مثلجة و جاهزة للشرب، في عبوات جديدة سعة لتر و نصف، متاحة مجانًا لمن أراد، كعرض ترويجي لهذا الشكل الجديد من المشروب الغازي .. كانت الزجاجة إسطوانية طويلة، ربما بطول ثلاثين سنتيمترًا، رفيعة بقطر قد لا يتجاوز السبعة سنتيمترات، و قد زُينت بنقوش جديدة تمامًا على سطحها الخارجي .. أخذت زجاجتين، و أنا استمع إلى مندوب بيبسي الذي أخذ يؤكد مرارًا و تكرارًا أن الزجاجات مجانية تمامًا لمن شاء أن يحمل ما شاء، و أنها هدية من شركة بيبسي ..

فتحت زجاجة سفن أب لأجدها قد فارت و أغرقتني، و استيقظ من نومي دون أن ارتشف منها شيئًا ..





ليست هناك تعليقات:

Related Posts with Thumbnails
 
Share
ShareSidebar