28.12.09

الوصايا الألف .. العشرة الرابعة

أوصيك يا هذا وصية فاقد الشيء، الذي هو - حتمًا - لن يعطيه ..

الوصية الواحدة و الثلاثون: لا تتزوج من كان جمالها مشاعًا للجميع، فأغلب الظن أنك لن تتزوجها وحدك، و أن ألف عين تزوجتها قبلك
الوصية الثانية و الثلاثون: أولى مراتب الفشل أن ترغب فيه
الوصية الثالثة و الثلاثون: كن أنت، فإن لم تستطع فلا تكن غيرك
الوصية الرابعة و الثلاثون: أحلامك أوامر .. أنت من سينفذها
الوصية الخامسة و الثلاثون: يموت المرء و في نفسه شيء لم يحققه بعد .. اعمل جاهدًا أن تجعل هذا الشيء كأصغر ما يمكن
الوصية السادسة و الثلاثون: ما نقص من مالك ما وعظك، و ما زاد في مالك ما أطغى قلبك
الوصية السابعة و الثلاثون: بعض الرغبات تقتل، فاقتلها قبل أن تفعل
الوصية الثامنة و الثلاثون: إن كنت ترضى العيش بذلة، فلا تمتشقن الحسام اليمانيا
الوصية التاسعة و الثلاثون: اغترف من اللهو ما شئت، لكن إذا وقعت الطامة فلا تبك
الوصية الأربعون: لا تجعل من نفسك عذرًا يبرر الآخرون به أخطاءهم

و إن كان لنا في العمر بقية، فعشرة كل حين ..

26.12.09

القوة هي الحل، و أشياء أخرى


"جريدة الدستور – الإسكندرية – حسام الوكيل:
اعتصم ما يزيد علي 500 طالب وطالبة بكلية طب الإسكندرية أمام مكتب د. محمود الزلباني- عميد الكلية- احتجاجاً علي الاعتداء علي أحد طلاب الإخوان المسلمين أثناء توزيعه مذكرات علي الطلبة بأمر من أحد وكلاء الكلية.
وأكد محمد محفوظ- أحد الطلاب المعتصمين- أن طلاب الإخوان يقومون بجمع الامتحانات السابقة في المواد المختلفة وتجميعها في مذكرة تشمل أهم الأسئلة وأشار إلي أنه أثناء قيام محمد النمر- أحد طلاب الإخوان بالفرقة الرابعة بالكلية- بتوزيع المذكرة علي الطلبة قام وكيل الكلية بمصادرة المذكرات وأمر عدد من العمال بالاعتداء علي الطالب، حتي أصيب بكدمات وسحجات مختلفة ونزيف في الأنف والفم، الأمر الذي دفع مئات الطلاب إلي الاعتصام أمام مكتب عميد الكلية لمطالبته بالتحقيق في الواقعة مطالبين بإقالة وكيل الكلية الذي يمارس أعمال تعسفية مع الطلاب ويعتدي عليهم ورفعوا لافتات تفيد نفس المعني، إلا أن عميد الكلية رفض مقابلة الطلاب وقال: أنا اللي قلت له يعمل كده ولو مش عاجبكم روحو اشتكوني."

حدث هذا يوم الثلاثاء الماضي، الثاني و العشرون من ديسمبر، و رغم أنني لم أشهد الواقعة، لا في حينها أو حتى يومها، إلا أنني سمعت بها من أناس أثق بهم .. محمد النمر أعرفه شخصيًا و أثق به، لكنني سأحاول أن أتحدث من منظور موضوعي بحت .. رغم تعاطفي و تصديقي الكامل لرواية النمر، إلا أنني سأحاول جاهدًا التزام خط الوسط ..
لنبدأ من العام الماضي .. جذور المسألة تنتمي إلى العام الماضي، عندما صدر قرار بتعيين الدكتور أحمد عثمان أستاذ طب و جراحة العيون في منصب وكيل الكلية لشئون الطلاب، و هو الوكيل المعني في الخبر المذكور أعلاه .. أنا لا أنتمي لتيار بعينه – الإخوان مثلاً – حتى تبرر به عدم ارتياحي له، بل أعتبر نفسي من فئة المصريين المموهين، الذي يسيرون مع التيار الذي يشعرون أنه على حق .. دكة الاحتياطي السياسي إذا أردت تعبيرًا أدق ..
المهم أنني رغم هذا لم أشعر بالراحة منذ تعيين د. أحمد عثمان في منصب الوكيل، و ذلك من جملة التغيرات التي حدثت في الكلية، و لعل أهمها و أكثرها اتصالاً بموضوعنا هذا هو إغلاق كافة السبل الممكنة أمام أي نشاط طلابي "غير رسمي"، و اللارسمية هنا تعني عدم الانتماء لاتحاد الطلاب ..

بالطبع كان نصيب تيار الإخوان، و التيار الإسلامي بشكل أعم، من هذا التضييق هو نصيب الأسد، باعتبارهم تيار محظور من قبل الدولة من الأساس، بل إنني أذكر أن أحد أصدقائي المقربين قال لي أنه – أي د. أحمد عثمان – انتقل من وظيفة عميد كلية الطب بجامعة بيروت العربية إلى وظيفة وكيل كلية الطب بجامعة الإسكندرية، لا لشيء إلا ليفعل هذا .. ليقطع ألسن الجميع ..

لا أريد تحويل المقال لوصلة عزف منفرد في سب هذا الرجل، و التشنيع ضده، لأنني إذ أفعل هذا أجعل من نفسي عرضة للشرب من الكأس ذاته، لكنني أذكر الوقائع ليس إلا .. المهم أن العام الماضي لم يسلم من واقعة كهذه، لكنها مرت بسلام .. الحق أنها مُررت بذكاء ..
كنت جالسًا أنا و نفر من الأصدقاء نراجع ما سنمتحن فيه بعد لحظات، و إذ بنا نفاجيء بصوت يعلو، و صراخ يأتي من مكان قريب، لنكتشف أن أحد زملاءنا كان يقوم بالعمل ذاته الذي أثار مشكلة هذه المرة، و قد أتى أحد العمال ليصرفه، فتصرف هذا الزميل العزيز بمنطق "خدوهم بالصوت" و جعجع بالشيء الكثير، و الحق أنه لم يكن على حق في كثير مما قال لحظتها، بل شعرت أنه يريد كسب تعاطف أكثر من كسب موقف .. على أية حال، ما يدفعني للقول أنها مُررت بذكاء أن كل ما حدث هو أن تركه العامل يكمل كلامه، ثم حمل الطاولة و الورق بعيدًا، و فض التجمع القائم .. لا ضوضاء .. لا اعتداء .. لا مشاكل .. و السؤال هنا، لماذا لم يتم الأمر بهذه الطريقة هذه المرة أيضًا؟
في مكالمته مع برنامج 90 دقيقة صرح د.أحمد عثمان وكيل الكلية أن الجامعة لها نظام وقواعد يجب أن يتم احترامها وليس من المسموح تجميع الملازم والمذكرات كما أنه ليس من المسموح عمل أحزاب داخل الحرم الجامعى، أو استخدام الميكروفون كما فعل الطالب، وأنكر د. أحمد عثمان أن يكون قد تم الاعتداء على الطالب داخل الحرم الجامعى، حسب ما كتبته اليوم السابع .. مسألة تقنين طبع و تجميع الملازم طرحت خصيصًا بسبب التيار الإسلامي .. مذكرة بثلاثة جنيهات تحوي 90 بالمائة من المطلوب، و هي قشة النجاة لمن أراد الانتقال للعام المقبل و كفى، و هي مضمونة لأنها لا تخترع شيئًا جديدًا .. مجرد تجميع، رغم أنني أشهد أن بعضها كان يخرج أحيانًا عن المنهج، لكنها في النهاية كانت جيدة ..

فيما يفعل الإخوان هذا، كان المقابل في اتحاد الطلاب – الجهة الرسمية – هزيلاً .. مجهود ضعيف، يمر أمامي و أمام الكثيرين كالحلم .. الشيء الوحيد الذي أفلح، و ما زال يفلح فيه اتحاد الطلاب هو تنظيم الرحلات، و الحفلات، و الندوات .. أمور مهمة، لكنها ثانوية، و البعض مثلي و مثل كثيرين لن تهمهم هذه الأشياء .. و حتى لا أكون جاحدًا، هناك أيضًا بعض المراجعات المجانية في الدروس العملية في المواد المختلفة ..
و هكذا حتى يظهر الضعيف، لا بد للطرف الجيد أن يختفي، و هذا ما حدث .. بالطبع ليس هذا هو السبب الوحيد، فتيار الإخوان محظور من قبل الدولة– رسميًا – و موقف الكلية لن يخالف موقف الدولة الرسمي بطبيعة الحال، و كل طريقة تضعفه هي إسهامة و إضافة للدولة، و خطوة تعلي من شأنها، لكنها هذه المرة اتخذت طابعًا عنيفًا بعض الشيء ..

السؤال الأول الذي تبادر إلى ذهني بعدما حدث ما حدث هو لماذا استخدام القوة رغم أن الدبلوماسية كانت كفيلة بحل الموقف تمامًا ؟ .. استدعاء صغير في نهاية اليوم إلى حجرة الوكيل أو العميد، و إنذار شديد اللهجة يوجه إليه على نطاق ضيق، و ينتهي الأمر .. لا ضوضاء .. لا مشاكل .. حدث هذا مع زميل آخر – لا ينتمي للإخوان – لكنه ابتدع هو و مجموعة من زملائه جمعية يحاولون بها خلق كيان مواز للجمعية العلمية و الاتحاد، و كانت النتيجة هي إنذار عنيف و تهديد بالفصل التام إذا تكررت نشاطات هذه الجمعية ..
لكن الواضح من الأمر أن التصرف جاء "عميانيًا" كدفاع الأسود و الفهود عن عرينها: "اللي حيقرب حاشرّحه، و مفيش تفاهم" .. أن يهبط وكيل الكلية من مكتبه، و رئيس الحرس الجامعي، من أجل طالب يوزع بعض المذكرات فهذا دليل لا على قوة التيار الإسلامي كما قال البعض، بل على ضعف التيار الرسمي، و احتمائه بالقوة المفرطة في مواجهة أي موقف .. يعزز هذا التحليل ما حدث في اليوم التالي تحسبًا لمظاهرات متضامنة، أن طوقت الكلية بسيارات الأمن، و أغلقت الأبواب جميعًا إلا باب واحد، للتحكم في الداخلين و الخارجين ..
بالطبع لم يبدأ الأمر بنزول الوكيل في نفر من القوات الخاصة و المدرعات، للإمساك بالطالب المنشق و تأديبه .. لا بد أن الأمر بدأ بهدوء .. حوار هاديء من فئة: "مش قلت لك يا محمد ما تعملش كده ؟ .. يا فلان، لم الورق ده"، و عندما بدأ العامل في لملمة المذكرات، اندفع محمد لحمايتها، لأنها ببساطة تكلف مالاً .. العامل الذي ينفذ هذا الأمر أكاد أجزم أنه من فئة أفراد الأمن المركزي: اضرب يعني اضرب .. مقاومة بسيطة من محمد، ليحمل الأوراق بعيدًا بهدوء، ليفاجأ بالعامل يحاول جذبها بعيدًا بالقوة كأنها مخدرات أو أقراص إباحية ستحرز .. و هكذا اشتعل الموقف ..

و التزامًا بخط الوسط، فمحمد كان مخطئًا من البداية .. الأمر يحتوي على مخاطرة كبيرة، و القيام به يمثل تحديًا لا فائدة من ورائه، بل يجلب وخيم العواقب، بالإضافة إلى أنه أنذر من قبل على ما أظن، لكن هذا بالطبع لا يبرر ما حدث ..
الاستخدام المفرط للقوة لا يعني سوى الضعف .. نسبة من يميلون للدكتور أحمد عثمان مقارنة بنسبة من لا يميلون إليه قليلة للغاية، و هم غالبًا مجموعة الطلاب من قيادات الاتحاد المستفيدين مباشرة منه، أما الغالبية العظمى، فالعمى إليهم أقرب من تصديقه .. هذا بالطبع يعني أن خط الدفاع الخلفي مفقود .. عندما أعلن عبد الناصر تأميم القناة، كان يعلم المآسي و الويلات التي يمكن أن يجرها هذا القرار على الشعب، لكنه كان مطمئنًا إلى أنهم في ظهره يأمنّونه و يأمنّون قراراته، و يستطيع الاعتماد عليهم .. ها هنا ليس من شيء كهذا، بل كل الخطوط الخلفية مكشوفة، و هو بالطبع ما يدفع الإدارة – متمثلة في شخصه – لاستخدام أعنف الوسائل لتحقيق المطلوب من ناحية، و لإخافة القلة الباقية من ناحية أخرى .. "اضرب المربوط يخاف السايب" في أبهى حالاته ..
ثم إن الاعتداء بالضرب على أحد الطلاب داخل كلية طب الإسكندرية لم يحدث من قبل على قدر علمي، و هي سابقة يجب أن تسجل، و تدل في الوقت ذاته على انخفاض مستوى التعامل إلى درجة مزعجة و مقلقة ..

من استمع لفقرة 90 دقيقة التي تناول فيها معتز الدمرداش هذا الموضوع لا بد و أنه سمع عجبًا، و خرج أكثر حيرة مما دخل .. الطالب يؤكد أنه ضرب، و الوكيل – بطبيعة الحال – يؤكد أن الطالب يفتري .. شخصيًا، أنا أصدق كل حرف قاله محمد .. هو صديق أشهد له بالالتزام و الاحترام، و شهود الحادث هم أصدقائي الذين لا استطيع أن أشكك في صدقهم و صدق شهادتهم، لكنني لن أتوقف طويلاً عند هذه النقطة، بل أريد أن أذهب لأبعد منها ..
ما يلفت الأنظار هو كم الجرأة التي تحدث بها د. أحمد عثمان على الهواء مباشرة لينكر واقعة شاهدها العشرات على الأقل، و التقطت لها العدسات صورًا، بل و محاولة قلب الأمر على محمد، و اتهامه بالكذب و التلفيق، و أنه هو الذي بدأ بالضرب و التعدي على رجل يكبر والده بعشرة أعوام على الأقل .. الحقيقة أن هذه السياسة أصبحت سياسة الحكومة الرسمية: أنا أنا و ما سواي سرابُ، و كل ما فوق التراب ترابُ ..
يذكرني هذا بنكتة سمعتها منذ أيام عن جهاز جديد لكشف الكذب، يعتمد على صوت المتحدث دون توصيل أي أقطاب بجسمه .. بدأ المسئول الفرنسي الحديث عن برج إيفل، و أصالة الشعب الفرنسي و الأجبان الفرنسية، و كيف كان الفرنسيون أول من هبط على سطح القمر، فبدأ الجهاز في الصفير .. جاء دور المسئول الأمريكي ليتحدث فقال كلامًا عن قوة الاقتصاد الأمريكي، و عبقرية الشعب الأمريكي، و كيف أنه ساهم في حفر قناة السويس، فانطلق الجهاز يصفر .. ثم جاء دور المسئول المصري، فقال: "في الواقع .." و قبل أن يكمل كان الجهاز قد انفجر !

أعلم أن هذا الموقف سيأخذ فترة من الزمن ثم يفقد سخونته و يرقد على الرف بجوار زملائه الذين طواهم النسيان .. هل يذكر أحدكم مثلاً ما فعله عبد الله بظاظو الصيف الماضي ؟ .. الموضوع كان ساخنًا جدًَا، و استضيف الفتى في عدة محطات و عدة جرائد، و الآن ؟ .. لا شيء .. لهذا أعلم مسبقًا أن الأمر سيأخذ وقته ثم يمضي، و لهذا فأنا لست أكتب و استهلك كل هذه المساحة من أجل تحليل الموقف، أو الحصول على "جنازة أشبع فيها لطم" و أفرغ شيئًا من الغيظ بداخلي، بل الحقيقة أن هذه الحادثة فتحت الباب أمامي كي أتحدث في عدة نقاط طالما رغبت أن أتحدث فيها ..

أولى هذه النقاط طرحتها بالفعل، و هي استخدام القوة المفرطة في مواجهة أي موقف، أيًا كانت مواصفاته .. هاهنا هذا الحادث على سبيل المثال لا الحصر .. استرجع بذاكرتك كل الأحداث الماضية التي تعاملت فيها الحكومة مع أي موقف، و صنّف رد الفعل .. أزمة اللاجئين السودانيين .. المظاهرات .. الأزمات الغذائية و المائية المختلفة، كلها نفس السياسة و نفس التعامل .. القوة الغاشمة ..
النقطة الثانية هي الطريقة التي وضعها نظام ثورة يوليو لاختيار القيادات، و هي من اسوأ سيئاته و أشنعها .. "أهل الثقة قبل أهل الكفاءة" و ربما بدلاً من أهل الكفاءة ..
أنا لم أدرس كل القرارات التي اتخذها د. أحمد عثمان حتى أحكم عليه، لكن ما أراه أمامي كطالب يجعلني على درجة من اليقين أنه ليس الكفاءة الإدارية التي يمكنها أن تتحمل مسئولية كلية الطب في فترة حرجة كهذه الفترة التي تحاول فيها الحصول على الاعتماد، بحيث تصبح شهادتها على قدر من المصداقية لدى العالم الخارجي، لكنه بالطبع يستطيع أن يخرس الإخوان، و التيار الإسلامي، و كافة الأصوات التي ليست على هواه، و يجعل الجميع نائمًا في عسل أسود سرمدي، فلا ينشغل الطلبة سوى بالدراسة ثم الدراسة ثم الدراسة، و يقل الصداع الناشئ عنهم في رؤوس القوم .. يكفي تصرفه في الواقعة التي نتحدث عنها ..
و حتى لا أصبح محصورًا في هذا المثال الضيق، فلنستعرض سويًا أي مسئول في مصر .. الأمر ليس بحاجة لذكاء لمعرفة أن أهل الكفاءة يحصلون على أفضل أنواع "الصابون" ليبتعدوا عن المنصب قبل أن يقتربوا منه، أما أهل الثقة و مسّاحو الجوخ و المداهنين فهم الأقرب و الأبقى ..
ربما كانت نية نظام الثورة صالحة، و لم يرد سوى الحصول على المخلصين من أبناء الوطن، في ظل أجواء سياسية متقلبة، و مرحلةُ ولاء المرء فيها يحدد مصيره، لكن الأمر تحول لكارثة .. الكارثة ليست في من هو أهل الثقة هذا الذي سيتولى المنصب .. المشكلة في من سيختار أهل الثقة هؤلاء ؟ .. من الذين سيعتبرونهم من الثقات ؟
نظرة واحدة تجلعنا ندرك أن الفاسدين الصغار لم يأتوا إلا لأنهم أهل ثقة الفاسدين الكبار، و هو ما يعني أن سلسلة الفساد متشابكة من الرأس إلى أصغر صغير في النظام، فالكل يختار من هو تحت قدميه، و الطيور على أشكالها تقع..

النقطة الثالثة قتلت حديثًا و بحثًا في الصحف و المجلات، و طرحها د. أحمد عثمان على عجل في حديثه لقناة المحور، ألا و هي ممارسة العمل السياسي في الجامعات المصرية .. هدف النظام المصري أن يجعل الشباب جانبًا .. هذه الطاقة المهولة لا بد لها أن تذهب في أي شيء، إلا أن تصبح فوق رؤوسنا، و هي إن توفرت الفرصة ستصبح كذلك، لأن رؤوسم ليست نقية أو طاهرة .. لكن المتمعن يجد أن العمل السياسي مباح بشدة في الجامعات المختلفة، فنظرة واحدة تجعلك ترى أن معظم قيادات الاتحادات الطلابية هم في الأساس أعضاء في الحزب الوطني، و كل نشاط يتصل بالحزب و النظام مرحب به و مسموح، باعتباره نشاطًا يعلي من شأن الوطن و يدفعه للأمام، و نصيب هذا من الحقيقة في أغلب الأحوال يكافئ حبة الخردل ..
الأمر لا يزال في بدايته، و أغلب الظن أننا سنرى عجبًا في الأيام القادمة .. إما أن يهدأ الموضوع بسرعة غير طبيعية، أو أن يشتعل إلى آفاق لسنا نتوقعها، أو أن يظل الحال على ما هو عليه، كما يحدث دائمًا في هذا الوطن البائس ..

21.12.09

الوصايا الألف .. العشرة الثالثة

أوصيك يا هذا وصية فاقد الشيء، الذي هو - حتمًا - لن يعطيه ..

الوصية الواحدة و العشرون: لا تنظر نهاية الطريق و أنت لم تضع قدمًا فيه بعد
الوصية الثانية و العشرون: كثيرون من يستمعون للنصيحة، قلة يعملون بها
الوصية الثالثة و العشرون: ستفشل إن كنت وحدك .. صدقني
الوصية الرابعة و العشرون: لا تنظر خلفك، فإنما جعلت عيناك من الأمام
الوصية الخامسة و العشرون: لا تجعل جل تركيزك في أقرب أهدافك .. ستحققه بنجاح ساحق، لكنك لن تصل لهدفك الأسمى
الوصية السادسة و العشرون: من عاش نذلا لم يمت مستورًا .. بل مكسورًا
الوصية السابعة و العشرون: أنت لا تملك الدليل .. أنت لا يحق لك الكلام
الوصية الثامنة و العشرون: صوتك العالي دليل ضعف موقفك، فإذا تكلمت يداك ضاع موقفك
الوصية التاسعة و العشرون: من عاش الألم يعرف كيف يرسم البسمة
الوصية الثلاثون: الحكمة ليست كلامًا منمقًا .. كثيرون ينمقون حديثهم، لكنهم يهذون

و إن كان لنا في العمر بقية، فعشرة كل حين ..

13.12.09

الوصايا الألف ... العشرة الثانية

أوصيك يا هذا وصية فاقد الشيء، الذي هو - حتمًا - لن يعطيه ..

الوصية الحادية عشرة: لا تجعل النظر إلى وجهك كالنظر إلى قفاك
الوصية الثانية عشرة: لا تيأس .. اليائسون كالجحارة تهبط إلى القاع، أما الطموحون و المتفائلون فكأجنحة الطير، تحملهم لأعلى
الوصية الثالثة عشرة: لا تقتل .. القتل ليس فقط سكينًا تودعه صدر أخاك، بل أن تسفه منه و هو على حق، و تكذبه و هو على صدق، و تثبط فيه بهجة الحياة .. هذا هو القتل بعينه
الوصية الرابعة عشرة: كن مستمعًا جيدًا .. نصف مشاكل الدنيا تأتي ممن يتجاهلون الآخرين
الوصية الخامسة عشرة: تأكد دومًا من خطوطك الخلفية .. الجاهل من يتقدم بظهر مكشوف
الوصية السادسة عشرة: السفيه من سفه غيره، و استكثر خيره، و استقلّ ضيْره
الوصية السابعة عشرة: لا تتكبر .. إبليس خرج من رحمة الله بهذه الخصلة
الوصية الثامنة عشرة: نصف الناس جهلة و النصف الآخر يدعون العلم، و لكن خير لك أن تكون جاهلاً عن أن تدعي العلم
الوصية التاسعة عشرة: انزع عنك ثوب الحياء في اثنتين: في الحق و في الباطل .. أما الحق فكي لا يكون عقبة تحول بينك و بين إحقاقه، و أما الباطل فإكرامًا للحياء
الوصية العشرون: اصبر .. اصبر .. اصبر ..

و إن كان لنا في العمر بقية، فعشرة كل حين ..

10.12.09

جهار ضغط و سماعة - الحلقة الثالثة عشر

انتهت معركة الفرقة الثالثة منذ زمن، و بدأت منذ زمن أيضًا معركة الفرقة الرابعة .. الحق يقال أنها تبدو أخف وطأة من تلك التي سبقتها، ربما بفضل هذا النظام الجديد الذي ابتكروه، و ربما لأن المعركة السابقة بالفعل هي أم المعارك .. على أية حال فقد مرت، و لست أريد العودة إليها و لو ملئت أضلاعي ذهبًا ..
ما سأتحدث معكم فيه هذه المرة ليس له علاقة مباشرة بالفرقة الرابعة و موادها، لكنها كانت العامل المحفز لما سأتحدث عنه .. من المعروف طبعًا أن الطبيب لا بد له أن يمارس المهنة أثناء دراسته كي يكتسب الحس الإكلينيكي و الخبرة اللازمة كي يعمل بكفاءة و احترافية، و لو أن كثيرًا من الأطباء في عهدنا الحاضر لا يفترقون عن العطارين القدامى في شيء، اللهم إلا البالطو الأبيض .. على أية حال، فقد وضعت خططًا من أجل هذا منذ أن التحقت بالكلية، لكنها كلها باءت بالفشل لأسباب عديدة، أهمها في نظري أنني لم أكن أمتلك الخلفية العلمية و النظرية للأمراض التي سأراها و الاختبارات السريرية و المعملية التي سأطلبها أو أجريها، و بهذا تكون استفادتي من التدريب قريبة من الصفر، اللهم إلا إذا اعتبرنا تدربي على الاعتياد على جو المستشفى و التعامل مع المرضى هي استفادتي الوحيدة ..
المهم أنه و ابتداء من هذا العام، و اعتمادًا على العام السابق، بدأت الرؤية تتضح، و بدأ التدرب في المستشفى يكتسب أهمية، خصوصًا و أننا بدأنا بالفعل مرحلة التعامل مع الأمراض المختلفة و كيفية تشخيصها و علاجها و ما إلى ذلك .. و هكذا ارتديت البالطو و ذهبت في زمرة من الأصدقاء نريد أن نجعل من وقت فراغنا شيئًا مفيدًا ..
بالطبع لست أكتب لأتحدث عن تفاصيل طبية لن تهم أحدًا، حتى و لو كان من زملاء المهنة، لأنني ببساطة لم أتابع أي حالة لأكثر من أن تستقر حتى تحتجز في المستشفى أو تنتقل إلى الرفيق الأعلى، فقسم الاستقبال المستشفى الجامعي تنحصر مهمته في هذا الجزء من العملية الطبية: اجعل المريض مستقر الحالة حتى نهتم نحن به في الداخل .. أكتب إليكم لأن فترة ثلاثة أسابيع رأيت فيها الكثير من العجيب و الغريب ..
الحق أقول أنني مللت من كثرة سبي و لعني لهذا النظام الصحي، لذلك قررت حقًا أن أتوقف عن ذلك، لكن ما سأتحدث عنه هنا ليس النظام الصحي، بقدر ما هو المريض المصري المسكين، و الطبيب الأكثر إثارة للشفقة من المريض، و لو أن الحديث سيجرني دون أن أشعر كي أسب و ألعن في النظام الصحي المصري، لأنه السبب المباشر في هذه المآسي التي يحياها هذا المواطن المطحون ..
يأتيك المريض بوجه بائس من متاعب الحياة زاده المرض بؤسًا، يتساوى في ذلك من جاء مريضًا مزمنًا يتابع أو يشتكي من أحد المضاعفات، بالمريض الذي يشتكي عرضًا حادًا و مرضًا بسيطًا .. الكل في الهم سواء، و الشعور العام واحد، أننا وقعنا في الفخ .. فخ المرض الذي تزيده الحكومة مأساوية، و تجعل منه كابوسًا مقيمًا .. تكلفة التشخيص عالية، و تكلفة العلاج أعلى .. المريض يأتي المستشفى الحكومي يملأه شعور لأنه لا يستطيع الإتيان بقيمة تعريفة الكشف في عيادة خاصة، و الانتظار على الألم أشد إيلامًا و أكثر مرارة من الوقوع في فخ المستشفيات الحكومية ذات السمعة التي لا نحتاج للتعريف بها ..
ربما كانت أحد عيوبي أنني صموت أغلب الوقت، أو لو شئنا الدقة "متنح" أغلب الوقت، لكن الحق أنني أراقب .. أراقب ما يحدث و من يحدثه و لماذا في محاولة مني و التحليل، لكن هذا لا يعني بالطبع أنني "الفيلسوف الطبيب"، فهذا من المستبعد حقًا .. على أية حال، أفادني هذا كثيرًا في تلكم الأيام القلائل التي قضيتها هناك، و أول ما استرعى انتباهي هم الأطباء أنفسهم ..
البعض يتعامل بالفعل مع المريض باعتباره "سفير رحمة" اختاره الله، و وهبه عقلاً يعي العلم الطبي، و قلبًا يشعر و يستشعر آلام البشر، كي يخفف هذا الألم عن المرضى، و لا يزيد إلى ألمهم الجسدي ألمًا نفسيًا أقسى و أمضّ، و البعض يتعامل من منطلق عجيب، مفاده أن هؤلاء المرضى هم مجموعة من المدّعون، الذين يريدون الحصول على خدمة طبية "ببلاش" و هم أصحاء، أو يريدون الحصول على إجازات أو .. أو .. و البعض يتعامل من منطلق أنهم مجموعة من الجهلة الغوغائيين "اللي خسارة فيهم اللقمة" و بالتالي "خسارة فيهم الطب"، و البعض عدواني بطبعه، و هذا لست أدري كيف سمح له أهله أن يلتحق بكلية الطب من الأصل ..
بعض المرضى يدعون، نعم .. أشهد بأنني رأيت مجموعة من هؤلاء .. معظمهم جهلة، نعم .. يطبقون المثل الشعبي "ما يعرفش الألف من كوز الدرة" بدقة و إخلاص، لكنهم في كل الأحوال بشر ..
أذكر حالة توليتها، كانت لمسجل سرقات، أثناء جلسة المحكمة فاجأ الجميع بقيئ دموي، و إغماء .. القيء حدث، و وقعت بعض نتائجه السلبية من انخفاض في ضغط الدم و فقدان السوائل و خلافهما، لكنه يدعي الإغماء ليهرب من المحكمة و من السجن بالطبع .. أذكر في هذه الحالة أن الحكيمة، رئيسة التمريض، قالت للنائب المسئول عن القسم في هذه النوبة "مسجون، قاتل، بكون فيه إيه بالذي .. ياخد حقه في العلاج، و يغور في ستين داهية بعد كده"، و الحق أن النائب لم يكن معترضًا من البداية، لكنني أذكر الموقف لأنها قالت بالضبط المبدأ الذي أسير وفقًا له، و لأن آخرين بالفعل يعترضون، و يكون رد فعلهم في حالة كهذه "برّه، دا بيستعبط" ..
و بمناسبة الحديث عن الأطباء، فليس منطقيًا أن أمر على نقطة توزيع المسئولية عليهم مرور الكرام .. يسير النظام الصحي في المستشفى اعتمادًا على طبيب مقيم "نائب" مسئوليته اعتماد كافة الأوراق و التقارير و الطلبات التي تتم أثناء نوبته، و التي يقوم بها الأطباء الآخرين، و هم إما في مرحلة الامتياز، أو هم على شاكلتي، ما زالوا يتدربون .. المهم أن كل هذا الحمل - اعتماد كل شيء و التأكد من صحته و مراجعته - يقع على كاهل شخصين فحسب في كل نوبة .. هذا الشخصان مطلوب منهما أن يجريا الكشف على كل الحالات، لأنه رغم وجود أطباء قد يفوق عددهم عدد المرضى، إلا أن توقيع النائب يعني تحمله مسئولية ما سيفعل مع المريض تحملاً تامًا، و هذا ما يدفعه بالطبع، للتأكد من كل حالة و إجراء الكشف عليها حتى لا يحاسب ظلمًا على ما يفعله الآخرون .. و هكذا نجد أن هذين الطبيبين - في نهاية الأمر - يتحولان إلى الطبيبين الوحيدين بالعنبر، لأنهما ببساطة أصحاب الأمر و النهي فيه ..
في أوقات الهدوء النسبي، ليس هناك أي مشكلة من أي نوع، لكن لو زاد الضغط قليلا على العنبر، لأصبحت النتيجة أن مريضين فحسب هم من يتلقون الخدمة الصحية في لحظة ما، فيما ينتظر الآخرون حتى يفرغ النائبان من التأكد من أن الطبيب الذي تحت إمرته يعمل بكفاءة، و يسير في الطريق الصحيح .. أتحدث هنا عن تأثير ذلك على المريض، لأن تأثيره على الطبيب أمر مفروغ منه .. "كالّو" في اليأفوخ دون ذرة شك .. الأمر ليس ضغط عمل، بل هي أرواح سيسأل عنها الآن و في الآخرة، و ليس من مجال يذكر للخطأ ..
إذا تركنا كل هذا جانبًا، و حاولنا النظر للأمور نظرة متفائلة، نجد أن الميزة الوحيدة في كل هذه الفوضى - أسرّة لا تكفي، و أجهزة معاقة ذهنيًا و بدنيًا، و أطباء لا يمكنهم العمل دون الرجوع للنائب الذي تتحول دماغه جراء ذلك إلى عش زنابير، و مرضى لا يتعاونون لأنهم لا يعرفون .. نجد أن الميزة الوحيدة و الأهم في كل هذا هي أن الطبيب أثناء تدربه يرى الحالات المرضية التي درسها كأشياء نظرية و كلمات مطبوعة على الورق، يجدها ماثلة أمامه بكل ما فيها، حتى تلك المضاعفات النادرة التي لا تحدث غالبًا .. تجدها في المريض المصري شاخصة أمامك، و هو ما يعني بالنسبة لي كطبيب فرصة مثالية لكي أرى ما لن أراه مستقبلا إذا كتب لي و عملت بالخارج ..
لكن هذه الميزة في الوقت ذاته تثير غصة في الحلق .. صار المعتاد بالنسبة لي أن أرى مريض السكر يشتكي من ارتفاع ضغط الدم و أمراض القلب المختلفة، رغم أن كليهما من المضاعفات التي تحدث على المدى الطويل، و من المفترض أن تحدث في واحد كل عشرين، و ليس ألا أجدها إلا واحد كل عشرين ..
أصبح من المعتاد أن أري مريض الكلى يشتكي من كبده، التي تضررت نتيجة الغسيل أو الأدوية أو الماء المسمم الذي يشربه .. نعم، هي ميزة أن أرى ما لا يرى، لكنها في الوقت ذاته كارثة أن أراه بهذا الحجم ..
و على الرغم من هذه المأساوية و التراجيدية التي أتحدث بها، فإن الأمر لا يخلو من طرافة، مردها غالبًا جهل المريض، أو اختلاف اهتمامه عن اهتمام الطبيب، بمعنى أنني كطبيب أرى مأساة أمامي تتمثل في صفراء مخيفة، و تليف في الكبد مفزع، و احتمال دخول الكليتين حلبة المرض، لكن ما يشتكي منه المريض هو بعض الدوار و الضعف !
على هذه الشاكلة كانت إحدى الحالات لرجل في الثمانين من عمره، أصيب بجلطة في المخ قبلاً، و يعاني من ضيق في الشريان الأودج الأيمن في الرقبة، و ضعف متقدم في السمع، و كل ما أتى به أهله ليشتكي منه هو دوار و سقوط لا إرادي كلما سار بضع خطوات !
كنت أتحدث لزوجته، و رغبت لحظتها فعلاً أن أخرج عن أدبي .. "يعني يا حاجة الراجل تمانين سنة، و ودانه ضايعة، و شرايين رقبته ضيقة، و مش عاوزاه يدوخ" .. مثل هذه الأشياء تجعل الطبيب يكاد ينفجر، و لو أنه من المفترض أن تحترم مشكلة المريض، لأنه لا يعلم مثلما تعلم، و ما يعيق حياته هو ما يراه مأساة، أما ما لا يشعر به، أو يراه شيئًا ثانويًا، فلن يعيره أي اهتمام، لكن هذا لا يمنع أن أشعر ببعض الحنق بسبب تفكير البعض، الذي - في مثل حالتنا هذه - يتوقع أداءً أعلى أو على الأقل مثلما سبق، من رجل بكل هذا التاريخ المرضي !
و بعيدًا عن استفزاز المرضى، فإن موقفًا حدث لي ليس يمكنني أن أنساه .. مريض يعاني من ارتفاع حاد في ضغط الدم، وصل إلى 200 على 100، و باعتبار أنه مريض بقصور في الشرايين التاجية الثلاثة، و بالسكر قبل كل هذا، فإن ضغط دم كهذا يعد كارثة .. جاء مع ابنه الذي سألني أن أقيس له الضغط، إذ أنه يشعر بصداع شديد، و قد قاسوا ضغط الدم في مركز طبي فكان الرقم الذي ذكرته .. نسيت أن أخبركم أن قسم الاستقبال لا يحوي سوى جهازين لقياس ضغط الدم، و باعتبار أن ضغط الدم من العلامات الحيوية، التي لا بد من قياسها في كل حالة، يمكن أن تستشعروا حجم المأساة التي يعيشها الطبيب، الذي يضطر "لركن" المريض جانبًا لحين وجود جهاز لا يستخدمه أحد .. و حتى إن وجد هذا الجهاز، فهو غالبًا جهاز معاق ذهنيًا، تنتفخ بالونته في غير الاتجاه المطلوب، و يرتفع الزئبق مليئًا بفقاقيع الهواء، و ربما ارتفع دون أن تنفخ البالونة أصلاً، و صمام التحكم في الهواء يعمل بسياسة التفريغ الشامل أحادي الاتجاه، إذ يفرغ الهواء دفعة واحدة دون تمكينك أن تهبط بمستوى الزئبق ببطء، و "ينفخك" أنت شخصيًا قبل أن ينفخ البالونة أو يسمح بمرور الهواء إليها ..
المهم .. جلس الرجل و ذهبت لإحضار جهاز قياس الضغط لأدخل في دوامة ليست بالقصيرة، وصل الرجل معها لمرحلة أصبح يهذي بمعنى الكلمة من الألم، و يضرب رأسه في السرير و في الحائط، ما جعل أحد الأطباء يعطيه قرصًا مخفضًا للضغط يمتص أسفل اللسان، و هو ما أدى في النهاية لأن يهدأ، و ينخفض ضغطه أربعين مليمترا زئبقيًا .. أخذ يشتكي لي، و أنا أحاول تهدئته، و كيف أنهم - أي الأطباء - يتدربون عليه، و أنه قد أتى من يومين ليقوم برسم كهربائي للقلب، ففشل الأطباء في ذلك، و الحق أن هذا ليس لعيب فيهم، بل لعيب في الجهاز، الذي تكاد تكون شاشته "الكاروهات" أقل عيوبه تأثيرًا على استعماله ..
وعدته أن أقوم أنا بنفسي بعمل رسم القلب الكهربي الخاص به، و هو ما جعله يظن أنني طبيب قلب متخصص، و لو علم أنني من زمرة الذين يتدربون عليه، لخلع نعله و أوسعني ضربًا !
الحق أنني لم أكن أخدعه، إذ أنني بالفعل متمكن إلى حد بعيد من توصيل الأقطاب و تشغيل الجهاز، و ما ينقصني هو كيفية تفسيره، و كان هذا هو السؤال الذي سألني إياه بعد أن أتممت الرسم "ها يا دكتور .. إيه الأخبار؟" .. سبحان من ألهمني وقتها ردًا قلت به الحقيقة دون أن أخبره بها .. أخبرته أنني لست أستطيع تفسيره، لكنني أجيد عمله، و هو ما دفعه إلى السؤال الثاني "مش حضرتك تخصصك باطنة برضك ؟" فأجبته أنني سأتخصص كطبيب باطني، لكنني لم أتخصص بعد، و لو علم أنني لم أتخرج حتى من الكلية .. الله وحده يعلم ماذا كان سيفعل !
لست أستطيع نسيان هذا الموقف، لأنه وضعني في مأزق، و لأنها من المرات القلائل التي أحسن فيها التصرف إلى حد بعيد، خصوصًا فيما يتعلق بالحوار مع الآخرين، و لأنه علمني كيف يمكنني أن أخرج من مأزق طالما فكرت في حلول مختلفة له .. هذا الموقف هو: كيف تبرر وجودك كطالب تنقصك الكثير من الخبرات و المعلومات، أمام مريض فيه ما فيه، و ليس يحتمل أن يعبث به أحد ؟
على أية حال، كانت تجربة مفيدة و مثيرة و ممتعة، لكنها جعلتني أرى مستقبلي كطبيب محاطًا بغلالة سوداء ..

7.12.09

الوصايا الألف .. العشرة الأولى

أوصيك يا هذا وصية فاقد الشيء، الذي هو - حتمًا - لن يعطيه ..

الوصية الأولى: لا تثق بكل ما تسمع، حتى و إن كان من يتحدث هو لسانك
الوصية الثانية: لا تبك على من مات .. إن فارقك إلى جنة، فهو في مكان ليست دنيانا التي تبكي مفارقته إياها منه في شيء، و إن فارقك إلى نار، فليس حقًا أن تبكي من هو مثله
الوصية الثالثة: عد بما تستطيع، و لو كان كل ما تستطيع هو ألا تستطيع
الوصية الرابعة: لا تكذب .. لا تتجمل
الوصية الخامسة: إذا أخطأ غيرك، فلا تجعل من نفسك جلاده، فسوف يأتي اليوم الذي يكون هو فيه جلادك
الوصية السادسة: المال أو أخوك .. دس المال و اختر أخاك
الوصية السابعة: من بغى بسيف الحق، بُغي عليه بسيف الباطل
الوصية الثامنة: لا تحاول من أجل المحاولة، فهذا مضيعة للوقت و الجهد و المال .. حاول من أجل هدف واضح، أو توارى جانبًا و اصمت
الوصية التاسعة: ما تختاره الآن يشكل مستقبلك، فترو و لا تتعجل
الوصية العاشرة: من قال أنا عالم فقد وضع قدمًا على أول طريق الجهل

و إن كان لنا في العمر بقية، فعشرة كل حين ..

2.12.09

بلد الدخان الهابط إلى أسفل - الفصل السابع/ الجزء الثاني

الفصل السابع - أوراق حكومية

"السلام عليكم .. إزاي الصحة ؟" .. قالها عبد الواحد محييًا سكرتيرة فاروق، فردت و الابتسامة تعلو وجهها:
- و عليكم السلام يا باشمهندس .. الحمد لله على كل حال ..
- فاروق جوه ؟
- الدكتور لسه داخل ما بقالوش ..
و نظرت لساعتها ثم تابعت:
- تلات دقايق ..
- لازم الدقة قوي يعني .. طب أنا داخل له ..
- طب ثواني أدي له خبر ..
- لا لا لا .. دا أنا عاوزها مفاجأة ..
و أجلسها بإشارة من يده، و توجه إلى باب حجرة فاروق و فتح بابها دون مقدمات و قال و هو يصرخ:
- سلّم نفسك الإنكار مش حيفيدك ..
لثوان ارتبك فاروق و ثبت نظره إلى ذلك الواقف بالباب، و لم يلبث أن انفجر ضاحكًا و هو يقول:
- يخرب بيت طاستك يا أخي .. اقفل الباب و اتنيّل ادخل ..
أغلق عبد الواحد الباب و تقدم، فيما أكمل فاروق:
- يعني أسود فحمة، و داخل قفش، و بتصرخ، و سلم نفسك و الإنكار و مش الإنكار .. هو إيه يا بني، حد قال إني عاوز أموت بالسكتة القلبية ؟
تعانقا يضحكان، و أكمل فاروق:
- يعني لولا إن السكرتيرة عارفة إننا صحاب الروح بالروح كانت قالت الدكتور فاروق مصاحب مجانين ..
- يا عمي فك شوية من النشا اللي أنت عايش فيه ده .. عاوز أعرف يعني فيها إيه لو الدكتور يعيش فريش كده ..
- هو اللي بتعمله ده بتسميه "فريش" .. و بعدين طب ما أنا عايش أهه، وفل الفل، بس لازم شوية وقار، على الأقل احترامًا للمهنة اللي أنا بامارسها .. أنا باتعامل مع أقدس حاجة خلقها ربنا .. روح البني آدم ..
بدأت علامات الضحك و الابتسام تخفت شيئًا فشيئًا، و قال عبد الواحد:
- المهم، أنت عامل إيه ؟
- الحمد لله على كل حال .. ماشية و لسه عايشين ..
- تخيل بقى قابلت مين من يومين كده ؟
- مين ؟ .. جورج بوش ؟
- لا يا عم، باتكلم بجد ..
صمت فاروق للحظة مفكرًا، ثم قال:
- مين يعني ؟ .. حد من قرايبك في السودان ؟
- و دول حأعمل عليهم نشرة، كفاية السحابة السودا اللي هما جايين فيها ..
ضحك فاروق و سأله:
- مين بقى ؟
- بندر ..
- بندر ؟ .. بندر مين ؟
- بندر القطرنجي .. تعرف حد بالاسم ده غيره ؟
ظهرت على وجه فاروق علامات تذكر ذكرى بعيدة، و قال:
- يااااااه .. ده عمر تاني يا بني .. و ده عترت عليه فين ده ؟
- تخيل فين ؟ .. كنت حأدوسه بالعربية !
- و حصل إيه ؟
- لا خير الحمد لله .. أنا كنت باسوق و أنا سرحان و فقت، و هو كان ماشي و هو سرحان و فاق .. خبطة نونو كده بس ما حصلش منها حاجة الحمد لله ..
بدت علامات الاهتمام على فاروق، و انحنى للأمام مستندًا إلى مكتبه، و سأل:
- و الواد ده عامل إيه دلوقتي، و إيه اللي جابه مصر أصلاً ..
- تقريبًا مشاكل والده ف سوريا ..
- هو قال لك كده ؟ و لا تخمين ..
- تخمين، بس هو اتضايق لما سألته .. على كل هو حيقعد ف مصر رسمي خلاص ..
- يآنس و يشرف .. هو سكن و لا لسه ..
- من زماااان .. دا بقى له حاجة بتاع تلات شهور هنا ..
- و لا آلو و لا إزيكوا و لا أي حاجة كده ..
- أنت عارف الواد ده موعود بالمصايب .. بيصعب عليا قوي ..
- طب معاك نمرة تليفونه ؟
- أكيد ..
و أخرج هاتفه المحمول يمليه الرقم، و فاروق يتساءل:
- ألا عملت إيه بخصوص الأرض ؟
أعاد عبد الواحد هاتفه إلى جيبه و هو يسأل فاروقًا:
- ألا قول لي الأول .. أنا معطلك عن حاجة ؟
- لا لا أبدًا .. أنا بأحب آجي بدري شوية علشان لو فيه حاجة متأخرة أخلصها، بس مفيش ..
- طب حلو .. بص يا سيدي ..
و اعتدل في جلسته، و تابع:
- عملت الشكوى اللي طلبها سيادة العقيد محسن، و قدمتها له النهاردة و قال لي إنه حيتابع الموضوع بنفسه و يتصل بي يقول لي إيه آخر التطورات .. على فكرة ..
صمت لحظة ثم تابع، فيما قطع فاروق تساؤله الذي كان على طرف لسانه:
- الراجل ده ذوق جدًا .. نادرًا ما بألاقي حد من الشرطة بالنضافة دي ..
- الطيور على أشكالها تقع .. أنت لو ما كانش قلبك أبيض، كنت وقعت في حيص بيص ..
- آه و الله .. تخيل ..
مد عبد الواحد ساقه و انزلق قليلاً في مقعده عاقدًا يديه فوق رأسه، و قال:
- تخيل بقى لو ما كنتش أنا أعرفك و أنت ما تعرفش العقيد محسن .. كنت اتسورت .. بلد علشان تاخد فيها حقك .. حقك، مش حق غيرك .. علشان تاخده لازم كوسة و وسايط !
- ده بيفكرني بكلمة قالها لي أبو واحد زميلي أيام الثانوي .. قال لي البلد دي مش ماشية براسها، دي ماشية بـ"و لا مؤاخذة" اللي في الناحية التانية من الجسم ..
- المقعدة ؟
- طبعًا هو استخدم اللفظ الصريح، بس معاه حق .. مفيش بلد في الدنيا فيها اللي بيحصل عندنا ده ..
التفتا إلى الباب إثر طرق خفيف من السكرتيرة التي فتحت الباب بعد الطرق و قالت:
- أستاذ ممدوح وصل يا دكتور ..
- طب ثواني و دخليه ..
ثم التفت إلى عبد الواحد و قال:
- أول عيان وصل يا باشا .. اتكل أنت بقى ..
- ماشي يا سيدي .. ألا قول لي ..
ثم أكمل و هو يقوم عن مقعده:
- أخبار الحاج عبد الغفار إيه ؟
- هو جيمي قال لك ؟
- اتصلت بيه علشان نتفق ع المصيف، فاعتذر و حكى لي ع الموضوع ..
- حاجة بسيطة، و عملية أبسط، بس دقيقة شوية .. يوم في المستشفى، و يوم كمان يستريح، و بعد كده خروج، و يقعد بقى تلات شهور لغاية ما كل حاجة تتحسن و يرجع يمشي على رجليه تاني ..
- إن شاء الله .. بس شكلها فركش السنة دي م المصيف .. أنا حتى حاسس إني ما ليش نفس .. الواد خميس كان ..
و احتبست الكلمات في حلقه، فقال محاولاً الإفلات من الموقف:
- المهم استأذن أنا، و أسيبك للعيانين .. بركة إنك بخير .. سلام ..
شيعه فاروق بنظراته، التي لم ير عبد الواحد أن طبقة رقيقة من الدمع قد كستها:
- و مين له نفس يا عُبد .. مين له نفس ..
***
تمطأ إسماعيل بقوة كقط استيقظ لتوه، و تثاءب و هو يفرك عينيه اللتين أضناهما كثرة النظر إلى الأوراق و المكاتبات و المذكرات و الإعلانات، ثم حك رأسه يحاول أن يزيل الشحنات الساكنة التي تراكمت بين خصلات شعره الأكرت من كثرة التفكير، و إثر طرق خفيف على باب حجرة مكتبه قال:
- اتفضل يا حسين ..
دخل ابنه مبتسمًا، فتابع:
- عاوز تنزل طبعًا ؟
- ميزتك يا باب إنك قاريني .. ما بأحتاجش أطوّل في الكلام و أكتر ..
ابتسم إسماعيل و قال:
- يا بني أنا بنقرا جيناتي أنا .. المهم، حتروح فين ؟
- أنا اتفقت مع إيهاب و طلعت إننا نطلع سينما، بس مستني الموافقة الملكية ..
و اتبعها بابتسامة تزلف و تملق ابتسم لها إسماعيل، و قال:
- حتدخلوا فيلم إيه ؟
- الفيلم بتاع أحمد حلمي الجديد ..
- آسف ع الإزعاج ؟
فرقع حسين بأصابعه و قال:
- يا حلاوتك يا سمعة يا بتاع السيما أنت ..
- احترم نفسك يا ولد .. الحكاية كلها إن الواد دا داخل دماغي ..
- يعني موافق ؟
- بس المهم تدخلوا الفيلم دا فعلاً، مش تشوفوا حتة بت مقلوظة على بوستر بتاع فيلم أجنبي تقوموا تدخلوه علشان اللحمة .. فاهم ياض ؟
- عيب يا بابا .. و دا كلام ..
- دا كلام و نص يا روح بابا ..
ثم قام عن مكتبه و توجه إليه و قال:
- المهم بس ما تتأخرش .. يعني حداشر بالكتير تكون هنا، و طبعًا ما تنساش إن في اختراع اسمه التليفون ممكن أجيبك من قفاك بيه ..
- عارف يا بابا ..
قالها بشيء من الضيق فرد إسماعيل:
- حبيت أفكرك بس، رغم إني لغاية دلوقتي ما استعملتش الميزة دي في الموبايل ..
ثم دفعه برفق و قال:
- يا لا يا بطل .. بالسلامة، و ابقى خليك فاكر تجيب معاك لبن و أنت جاي .. عارف لو نسيت ..
- لا مش حأنسي .. سلام ..
و انطلق فيما نادى إسماعيل زوجه:
- لو قاعدة ف الإنتريه خليكي .. أنا جاي لك ..
و اتجه إلى حجرة المعيشة يثني ظهره و ركبتيه و جذعه محاولاً الخروج من حالة التيبس التي أصابته من كثرة الجلوس إلى المكتب يراجع ما تم في شأن جهاز الأشعة المحترق، و الجفت الجراحي الغير مطابق للمواصفات ..
- وصلت لإيه يا إسماعيل ؟
- مسخرة .. دا أنا كنت قاعد على خازوق مش كرسي رئيس مجلس إدارة ..
- يا ستار يا رب .. ليه يعني ؟
- بصي يا ستي ..
ملأ صدره بالهواء و قال:
- الأول بس ابعدي البصل دا عن عيني، مش ناقصة تدميع .. و بعدين مش تخلصي البتاعة دي ف المطبخ ..
- يا خويا تعبت من كرسي المطبخ المأتب ده .. فوّت يا راجل، ما أنا اللي بانضف ..
- نهايته .. بصي يا ستي ..
ملأ صدره بالهواء مرة أخري و غاص في الأريكة الوثيرة و تابع:
- الجزمة ابن الكلب الأولاني بتاع الصيانة .. جزمة و ابن كلب و يستاهل ضرب الجزم .. الواد بتاع الأشعة قدم ييجي ميت طلب إنهم يشوفوا صرفة في جهاز التكييف اللي بايظ، و هو يصلبت فيه، و يا ريته بيصلبت فيه بذمة .. السلك المستخدم أرفع م المطلوب، و الجهاز يشتغل يوم و هوب .. ووووووش، يوّلع، و الجهاز بتاع الأشعة وووش معاه .. ابن كلب واطي .. مش عارف ليه يعني قلة الأدب دي ..
- يكون عاوز يكهن الجهاز و يجيب واحد من شركة له فيها معرفة و يسلك له قرشين ؟
- أنا قلت كده برضك، بس لزومها إيه قلت الأدب دي .. كان يقول إن الجهاز لا يصلح و إنه لازم يتكهن، و ما كانش حد حيعارضه، لأن الجهاز قديم فعلاً ..
- و الموضوع حيخلص على إيه بعد ده كله ؟
- دي كده فيها خيانة أمانة .. الواد العبيط مش واخد باله إنه ماضي على نفسه عقد، فيه بند إنه مسئول عن كل أجهزة المستشفى، ما لم يذكر اسم مختص آخر، فيما يتعلق بمسألة الصيانة، و إن إخلاله بمسئوليته فيما يتعلق صيانة أي جهاز تحت إيده يعتبر خيانة للأمانة، و يقاضى بموجب مواد القانون فيما يختص بخيانة الأمانة .. و ديني لأكون مربيه و موديه ف داهية ..
- يا خويا هدي أعصابك .. بلاش التنشنة دي ..
أنهت ما بيدها من أصابع محشي الكوسة، و نفّضت ما علق بيديها من بقايا خليط الأرز و الخضرة و البصل، و حملت الصينية و الأوعية ذاهبة للمطبخ و زوجها يشيعها بكلماته:
- خليكي أنت في المحشي بتاعك ده بالبصل و عينك المدمعة و سيبيني أنا أفش غلي شوية .. أنا حانفجر ..
و بينما هي في المطبخ تفرغ مما بيدها من صوان و أوعية، تذكر ما كان بينه و بين مسئول قسم المشتريات، فضحك بملء فيه، بل لا نكذب لو قلنا قهقه، ما جعل زوجه تسأله و هي ما زالت في مطبخها:
- بتضحك على إيه يا إسماعيل ؟
- دا البأف التاني بتاع المشتريات .. تعالي بس أنت الأول و بعدين أحكي لك ..
الحق أن ما فعله مع مسئول قسم المشتريات كان يستحق التصوير و التسجيل .. حتى هو نفسه لا يزال غير مصدق أنه فعل ما فعل ..
- طبعًا الواد دلوقتي مفتوح معاه تحقيق رسمي و شكله حيلبس قضية اختلاس وش يعني .. بس أنا جبته على جنب و حبيت أعرف منه و امشيها ودي في الأول، لأنه أصلاً معرفة من زمان قوي .. ماحبتش أفتح على بوابة جهنم من أولها، قلت يمكن ييجي بالذوق .. لقيته بيبقبق و يتهته و يلغبط في الكلام، و بعدين شويتين لقيته بيقول كلام تاني خالص و شايط و أنت بتكلمني كده ليه، و أنا عملت اللي فيه المصلحة و مش عارف إيه و أبصر إيه .. لقيتني مرة واحدة هبيت فيه، قلت له بص ياض .. أنا دكتور آه، رئيس مجلس إدارة مستشفى قد الدنيا ماشي، لكن أنا أصلا من القباري و أمي من كرموز ..
- يا خبر أبيض ..
- صبرك بالله .. قلت حتبق معايا و مش حتيجي بالذوق، حأكون مفرج عليك اللي يسوى و اللي ما يسواش و أخليهم يبيعوا منك الكيلو بقرش .. فاهم ؟
- و عمل إيه ؟
- و الله أنا مش عارف أنا قلت الكلمتين دول إزاي أصلاً، بس الواد بلّم و تنّح و قر بكل حاجة .. ابن الرفضي جاب الجفت من شركة شغال فيها واحد قريبه، و سجل الفاتورة بسعر، و دفع سعر أقل، و الباقي في جيبه .. و الدكتور التاني رئيس قسم العمليات استلم و الحجة اللي اتقالت له إن ده الجفت المتوفر في السوق حاليًا، و إن العمليات ممكن تأخر أكتر من كده، لو انتظرنا وصول الرسايل اللي حيكون فيها الجفت اللي إحنا عاوزينه ..
- بس أنت شلقت له خالص يعني .. كان في حد حاضر ؟
- لا .. ما أنا مش حبعبع بكل ده و في ناس نضيفة قاعدة .. اسمي برضه دكتور و رئيس مجلس إدارة .. المهم في الآخر حولته تحقيق رسمي .. ما دام هي قلة أدب، يبقى يتربى أحسن .. نومة البورش حتعلمه، هو و الدغف التاني بتاع الصيانة ..
- طب أشرب الينسون و روّق دمك .. كفاية حرقة أعصاب ..
- أنا ما حارق دمي غير إن الاتنين بياخدوا مرتب يتحسدوا عليه .. بيعضوا الإيد اللي اتمدت لهم ليه ؟ .. ليه النتانة و قلة الأدب دي ..
- في ناس طبعها كده .. تحسن لها بس هيا في الآخر واطية .. الحمد لله إن ربنا كشفهم و خلّصك منهم ..
- بأقولك إيه ..
و ضغط زر تشغيل التلفزيون و أخذ يستعرض المحطات المختلفة و تابع:
- أنا بأقول نتفرج على حاجة أحسن من السيرة النكد دي ..
- طب اربط هنا .. خلي الفيلم ده جميل ..
و رغم أنه كان – ظاهريًا – يتابع الفيلم معها، إلا أن ذهنه كان في واد آخر ..
***

Related Posts with Thumbnails
 
Share
ShareSidebar