23.10.10

أحلام الفتى الدائخ - الحلم التاسع


الحلم التاسع - زواج مملوكي

بدأ الحلم بمشهد تكرر، و ما زال يتكرر كثيرًا هذه الأيام: أنا جالس إلى الحاسب أطالع كتابًا لأحمد خالد توفيق .. رأيتني أطالع صفحات من كتابه "الحافة" - و كان مما طالعت قبل أن أخلد للنوم - لكن الموضوع و المحتوى لم يكونا ينتميان بحال إلى هذا الكتاب .. الكتاب يتحدث في الأساس عن الأشخاص أو الأشياء التي هي على الحافة بين الخيال و الحقيقة، أو العلم و الأسطورة، لكن طقوس الزواج المملوكي ليست من هذه الفئة بكل تأكيد ..

أطالع كتاب الحافة، لأجد أن الصفحة المعروضة تتحدث عن طقوس الزواج المملوكي .. لا أذكر من المكتوب إلا جملة تقول: "و أبلغ مثال على هذه الطقوس هو ما عرضه فيلم ثورة المماليك" ..

عندما استيقظت أدركت إن فيلم "ثورة المماليك" هذا ليس سوى فيلم "المماليك" الذي شاهدته منذ أزمان، و هو فيلم قام ببطولته عمر الشريف، نبيلة عبيد، حسين رياض، و بطل حلم الليلة: عماد حمدي .. الفيلم يحكي قصة مشوهة عن ثورة المصريين ضد المماليك بعد عصور الاستبداد، مع كثير من البهارات الرومانسية، و الأحبة الذين فرقتهم يد الغدر، و الثوار، إلخ إلخ .. شاهدت الفيلم في عصر البله المغولي الذي كان يجلعني أصدق كل شيء و أنبهر بكل شيء، و قد شفيت منه و الحمد لله، لأنبهر بكل شيء و أصدق كل شيء و لكن بعد إعمال عقلي، و لست أدري ما الذي قفز بهذا الفيلم إلى سطح عقلي في هذا اليوم ..

لقطة من الفيلم احتلت النصف السفلي من الصفحة، اكتشفت بعد لحظة أنها ليست لقطة ثابتة، بل مشهد حي من الفيلم سرعان ما وجدت نفسي قد غصت فيه بحيث يحتل مجال رؤيتي تمامًا، لكنني لا أظهر فيه، بل أنا مشاهد عن كثب ليس إلا ..

المشهد الذي رأيته في حلمي كان له مقابل في الفيلم، إلا إن الشيء المشترك الوحيد بين الاثنين هو جو الحجرة المظلم المتوجس، و وقفة عماد حمدي - جزء منها في الواقع ..

هناك من يقابل عمر الشريف، و هناك من تقابل نبيلة عبيد في هذا المشهد الذي أراه في حلمي، لكنهما لا يماثلنهما في أي شيء، بل لقد بدا لي هذا الذي من المفترض أنه عمر الشريف قريبًا من الصورة ثلاثية الأبعاد لأمير فارس - لعبة الحاسب الشهيرة - و يكاد يكون جيك جلينهال الذي قام بدور أمير فارس في الفيلم الذي عرض الصيف الماضي .. أما شبيهة نبيلة عبيد فلا أدري عنها شيئًا، و لست أظنه يهم ..

يقف عدد من الحراس إلى حوائط الحجرة .. أستطيع أن أرى منهم ثلاثة يقفون في صلابة، و إن بدا عليهم فضول لمعرفة ما يجري، بينما هنالك في منتصف الحجرة ما يشبه منصة تقديم القرابين، وُضع عليها محرق هائل يطلق دخان البخور في غزارة و بلا انقطاع، و أمامه وقف عماد إلى يمين نبيلة و قد أحنيا رأسيهما قليلاً، و مد عماد ذراعه الأيسر في الهواء، و كذلك فعلت نبيلة بذراعها الأيمن، لتستقر على ذراعيهما لفافة من قماش أبيض مائل للصفرة ربطت بإحكام قرب طرفيها بشريطين رفيعين، و إلى جوار المحرق وقف الشريف بينما انطلق عماد في تلاوة شيء ما بلغة غامضة، و بصوت أقرب للتمتمة ..

نطق عمر بشيء ما، أظنه كان "ابتعدي من هنا"، فإذا بنبيلة تُقذف للخلف كأنما يد عملاقة قد انتزعتها و ألقتها، بينما واصل عماد تمتمته، و لم يتحرك إلا ليحفظ اللفافة من الوقوع ..

تراجعت نبيلة حتى ارتمت على أحد المقاعد القريبة في مظهرها من "الفوتيهات"، ثم وضعت كفها الأيمن على جبهتها متألمة، فانصهرت جبهتها و تكون تجوبف طولي، لكن العجيب أن ما بدا لم يكن لحمًا و عظمًا قد احترقا، بل كان أقرب إلى سبيكة من الرصاص صنعت فيها فجوة باستعمال لهب الأكسي-ستيلين .. في هذه اللحظة أبيض بؤبؤاها و بدت أشبه بإنسان آلي على وشك تدمير الكرة الأرضية ..

سألها عمر عن الساعة، فوضعت أطراف أصابعها في ذلك التجويف الذي تكون في جبهتها و أجابته، ثم سألته عن مصير عماد، الذي انتهى من تلاوته التي لا أعرف ماذا قال فيها، و تنبه أخيرًا إلى أن شيئًا ما خارج نطاق سيطرته يحدث ..

أجاب عمر، و هو ينظر إلى وجه عماد الذي اكتسى بتعبير عدم فهم و شيء من الخوف: "سيلقى مصيره المناسب" .. لحظة قوله هذا اقتربت الكاميرا - التي أرى بعينها - من وجه عمر، فبدت لي قسمات وجهه قاسية للغاية، منذرة بمصير أسود حالك السواد، و لا شيء أقل من ذلك .. لحظتها أيضًا تأكدت من انطباعي أن هذا هو أمير فارس ..

و كما يحدث في أفلام الخيال العلمي التي تتحدث عن الانتقال الآني، فيتطاول الشخص - كأنه قطعة من المطاط تُشد - مع خفوت تدريجي لصورته، يتبعهما اختفاءه ثم ظهوره في مشهد آخر بتتابع عكسي، حدث هذا مع عماد حمدي، فاختفى من المشهد، الذي تغير كلية ليحل محله مشهد آخر ينتمي إلى قصص الرعب التي تمتلأ بالتنانين و السحرة و رائحة العصور القديمة، و قد كان الأمر كذلك ..

المشهد مصبوغ بلون أحمر قان دموي، تستطيع تمييز الموجودات فيه بصعوبة، لكنني أستطيع تمييز سلسلة جبلية تملأ المشهد بأكمله .. يظهر فرس معلق في الهواء بطريقة الانتقال الآني ثم ظهر من بعده عماد بالطريقة ذاتها، لكنه امتطى الجواد بالمقلوب، و أطال النظر إلى ما ظنه كوكبة من الفرسان آتية تجاهه .. كانت هذه الكوكبة تنطلق من حيث أرى المشهد، لكن الفرس انطلق لا يلوي على شيء و كأنما رأى شيطانًا، لكنه لم يكن شيطانًا واحدًا، بل عدة شياطين ..

كانت مجموعة من التنانين الصغيرة، كأنما هي خفافيش متضخمة، برؤوس - أو بجماجم إن شئنا الدقة - آدمية .. انطلقت التنانين في أثر عماد، و انطلق هو لا يلوي على شيء .. وصل إلى كهف يهبط السقف فيه إلى حد مريع حتى يصنع ممرًا ضيقًا يكفي لمرور شخص واحد فحسب، فانطلق عماد، حتى إذا مر من هذا المضيق ارتفع حتى بلغ السقف، و ترك سرب التنانين ينطلق كسرب من النفاثات في خط مستقيم غير ملتفتين إلى ذلك الفارس في الأعلى، و لما اطمأن عماد أن التنانين قد تركته، عاد أدراجه ..

تغير المشهد، و أصبح يغطيه السواد فلا تدري له أرضًا من سماء، لكنني أميز البنايات و الناس يمشون عند مستوى معين، فأعرف أن هذا المستوى هو الأرض .. أنظر للمشهد كأنني من طائرة هيليكوبتر، و على المدى أرى عماد آتيَا طائرَا بفرسه يهبط إلى الجمع الذي ينتظره، و الذي ألمح فيه عددَا من التنانين قد تخفى في هيئة بشر، لكن بلون أخضر مميز، و قد اتضح لي خطأ هذا الانطباع في اللحظة التالية ..

هبط عماد إلى الأرض وسط ترحيب الجميع، و انتظارهم له في الواقع، لاكتشف أن هؤلاء هم نواة الانتفاضة الفلسطينية القادمة، و أننا في عام 2111 أو شيء قريب من هذا التاريخ ..

استيقظت من النوم و الجميع يشد على يد عماد مؤازرًا .. استيقظت من النوم مطمئنًا أن الانتفاضة الفلسطينية في أيد أمينة ..

Related Posts with Thumbnails
 
Share
ShareSidebar