الحلم الخامس عشر: مذاق مختلف للامتحانات
3.11.11
أحلام الفتى الدائخ - الحلم الخامس عشر
الحلم الخامس عشر: مذاق مختلف للامتحانات
25.9.11
أحلام الفتى الدائخ - الحلم الرابع عشر
22.9.11
أحلام الفتى الدائخ - الحلم الثالث عشر
29.4.11
أحلام الفتى الدائخ - الحلم الثاني عشر
كان النهار الذي سبق حلمي هذا قد شهد المرة الأولى التي أتجول فيها في مستشفى الشاطبي للأطفال متدربًا .. كنت أتفقد مع صديق لي الحالات المحجوزة، نسأل الأم عما حدث و كيف حدث، و نحاول أن ننمي حسنا الطبي و مهاراتنا العملية، و كان من نصيبنا أن نصطدم في أولى تجاربنا بحالة لطفل أصابته نوبة حادة من تكسر كرات الدم الحمراء، نتيجة تفاعل مناعي معين يُكوّن فيه الجهاز المناعي أجسامًا مضادة لكراته الحمراء، ما استلزم حجزه بالمستشفى ..
و بعيدًا عن الطفل و حالته، فإن ما رأيته ليلتها في منامي أثبت لي نظريتي القديمة لتفسير هذه الأحلام العجيبة التي أراها، و هي أن أحلامي ما هي إلا تفريغ للواقع الذي مررت به أو كنت شاهدًا عليه بصفة عامة، لكنه ليس "تفريغًا" فحسب، بل هو يعكس في الوقت ذاته عقلا باطنًا أشبه بطبق السلاطة، لا تستقيم فيه حقيقة أو يستوي فيه واقع، بل كلٌ مقلوب رأسًا على عقب، و ربما مقلوب بلا رأس و لا عقب .. على أية حال، فبعض الحالات القليلة جدًا تستثنى من هذا بالطبع، كتلك التي أوردتها في الحلم العاشر ..
بدأ الحلم بمشهد لا أذكر منه الآن تفاصيلاً كثيرة للأسف، لكنني أذكر مضمونه النهائي: هناك طفل نحن – و لست أدري من هم "نحن" هؤلاء، اللهم إلّاي – بحاجة إلى تأمينه و إنقاذه من مجموعة تحاول خطفه، لأن دمه يحمل أجسامًا مضادًا لفيروس خطير، و تلك المجموعة تحاول الحصول عليه للاستفادة منه، و الحصول عليه لن يكون إلا عن طريق "تصفية دم" الطفل كلية – و هي العملية القريبة إلى حد ما من أحد الطرق العلاجية المقترحة لحالة الطفل الذي شاهدته في المستشفى؛ إذ يجري تبديل دمه بدم آخر نقي من الأجسام المضادة، لإيقاف عملية التكسير المستمرة للدم .. كان الاجتماع حادًا بقدر ما أذكر، و كان هناك شخص ضخم الجثة عظيم المنكبين و الوجه أبيض الشعر يصرخ و يضرب بيده على المنضدة أن تأمين هذا الطفل "مسألة حياة أو موت" ..
تغير المشهد سريعًا لأجد نفسي بصحبة الأب الذي يحمل ابنه الرضيع نسير في شارع مظلم، فتقدمت الأب محاولاً التأكد من أن هذا المنعطف لا يحمل من يختبيء وراءه، و قد كنت محقًا .. برز لي على حين غرة شخص تعرفت عليه على الفور – لا أدري ألأنني رأيته من قبل، أم هو إحساس محض أنني أعرفه – فعدت أدراجي مسرعًا أحث الأب على الهرب، لأكتشف أنه يجري "بالتصوير البطيء" حرفيًا، فأخذت الطفل منه و انطلقت أنا أجري، لأكتشف أنه ليس الأب وحده يجري بالتصوير البطيء، بل كل مَن في المشهد باستثنائي ..
بلغت نهاية الشارع، لاكتشف أنني كنت بالقرب من منزلي منذ البداية، و أن هذا الشارع هو ذاته الذي كانت فيه مدرستي الابتدائية؛ إذ ببلوغي نهايته كنت أقف أمام كوبري كليوباترا حاملاً الطفل بين يدي، أختبيء من سيارة الإسعاف القادمة من بعيد بسرعة جنونية، و التي أدركت نتيجة لإحساس غامض أنها سيارة زائفة، ستتصنع حمل الطفل إلى المستشفى لتسلمه لتلك المجموعة فيما بعد ..
و لمن لا يعرفون المنطقة – و هم كُثر و لا شك – فإن كوبري كليوباترا يصل ما بين شارع أبي قير، وبين ميدان تتفرع منه عدة شوارع رئيسة، لعل أهمها شارع ألبرت الأول – الذي ينتهي عند المدينة الجامعية – و شارع توت عنخ آمون – الذي كنت فيه منذ لحظات – و شارع مصطفى كامل، حيث مقر نقابة الأطباء بالإسكندرية .. كنت أقف عند بداية شارع توت عنخ آمون عندما اختبأت من سيارة الإسعاف المسرعة، و اندفعت مسرعًا نحو مكتب تابع لهذه المجموعة التي أعمل معها من أجل تأمين الطفل – و المكتب على أرض الواقع هو مقر جمعية رسالة في الإسكندرية – أطلب تأشيرة "هروب" خارج البلاد من أجل تأمين الطفل بشكل كامل ..
لم أحصل على مبتغاي؛ إذ ظهرت مشكلة جواز سفري بني اللون الذي لا يصلح للهروب، بالإضافة إلى بعض المشاكل الأخرى التي لا أذكر منها شيئًا الآن، لكنني على أية حال استيقظت قبل أن أحلها جميعًا، أو حتى بعضًا منها، و يبدو – في النهاية – أنني لم أنجح في إنقاذ هذا الطفل المسكين ..
23.4.11
أحلام الفتى الدائخ - الحلم الحادي عشر
اعتدت أن تعكس أحلامي اضطراب عقلي و تبلبل فكري أينما راح و حيثما حل، أكان هذا الاضطراب سلبًا أو إيجابًا؛ أكان الاضطراب نتيجة فرح طاغي أو اكتئاب مدمر .. اعتدت هذا، و اعتدته أكثر في فترة الامتحانات، مصاحبًا للضغط العصبي المريع الذي يملأ جنباتي وقتها، و هو الضغط الذي أشعر أنه آخذ في الزوال عامًا وراء عام، و كأنني لم أعد أبالي ..
هذه المرة سبقت اختبار مادة طب الأطفال .. أول اختبار بهذا الحجم من الدرجات منذ بداية العام، و في مادة كطب الأطفال ندرس فيها فروع الطب الباطني دفعة واحدة و نمتحن فيها دفعة واحدة دون تجزئة .. و رغم هذا الوصف المريع إلا أنني أحببت هذا الفرع من الطب، و تراودني نفسي أن أكمل ما بقي لي من حياة كطبيب متخصصًا فيه ..
على أية حال، فلم يكن هذا الحلم هو وحيد عصره، بل هو الثاني في سلسلة تألفت من ثلاثة أحلام، لست أذكر الكثير من أولاها، اللهم إلا مشهد كنت أرقد فيه على شريط السكة الحديدية منتظرًا قطارًا عملاقًا بحجم التيتانك كي يمر من فوقي، و لست أذكر من الثالث أكثر من أنني كنت أقاتل من أجل شيء ما، في مكان ما كأنه ساحة تدريب أوليمبية، مع وجود الكثير من المسوخ المزعجة، أما هذا الحلم، فأتذكره بالتفصيل ..
كنت أجري مستقبلاً ناصية شارعنا متوجهًا نحو بناية عظيمة تحتل الناصية بأكملها و حتى مسافة ثلاثين مترًا أو أكثر، يخرج منها دخان كثيف، أبيض ناصع البياض في الطوابق السفلى، و أسود فاحم السواد في الطوابق العليا .. أما هذه البناية التي تشتعل بهذا الحريق فهي على أرض الواقع ليست إلا أرضًا خرابًا استغلها صاحبها كمكان انتظار للسيارات، و بجوار هذه الأرض الخربة بناية صغيرة عتيقة من ثلاثة طوابق كان من المفترض أن يضمها صاحب الأرض إلى أرضه ليخرج علينا ببرج شاهق يسد عنا ما بقي من ماء و هواء، إلا أن هذا لم يحدث، و بقيت البناية كما هي؛ مسكنًا لعجوز متقاعد و مهندس يقضي أغلب وقته في أوروبا ..
انطلقت نحو البناية أريد معرفة سبب الحريق، و لست أدري ما الرابط الذي يوجد بين هذا المشهد و بين فيلم الرجل العنكبوت في جزئه الأول، الذي ينقذ فيه الرجل العنكبوت عددًا من الضحايا من مبنى اشتعل بنار عظيمة، الذي جعلني أشعر أن هذا المشهد في حلمي قد اقتطع من هذا الفيلم؛ فلا البناية كالبناية، و لا الشارع كالشارع، و لا أنا بكل تأكيد كالرجل العنكبوت ..
دفعت الباب الرئيس و دخلت، و انطلقت أنهب السلالم نهبًا، التي بدت لي لحظتها كتلك التي في البناية الحقيقية تمامًا، بذلك الطابع العتيق المنتمي لأربعينات القرن الماضي، حيث الدرجات الرخامية و "الدرابزين" المعدني الرفيع الذي يرتبط بدرجات السلم بقوائم معدنية رفيعة، تتخللها فراغات واسعة، تكشف من يعتلي السلم صاعدًا أو هابطًا .. انطلقت أنهب السلالم نهبًا، حتى بلغت الطابق الأول، لاصطدم بباب يبدو لمن خبر مثله أنه باب حجرة داخلية على الطراز العتيق الذي ينتمي إليه سلم البناية، فهو طويل يفوق الأمتار الثلاثة طولاً، و ضيق لا يتعدى المتر و ربع المتر عرضًا، و مزخرف بتلك الزخارف التي تجعلنا نقول في تعجب: "لقد كان أهل ذلك الزمان أناسًا مرتاحين بحق" .. طرقت الباب لأجد عجبًا ..
وجدت أمي و والدتها التي توفيت منذ عام، و جمع آخر من النسوة لا أعرفهن، يرتدين البياض بالكامل، من منبت الشعرإلى أخمص القدم، وجدتهن كلهن متحلقات حول تلفاز يبدو عتيقًا بحق، و قد انتبهن له بكل حواسهن، و كتلة خشب كأنها جذع شجرة ترقد في المنتصف يتصاعد منها دخان أبيض كثيف، هو ذلك الدخان الذي شاهدته يتصاعد من الطوابق السفلى للمبنى عندما كنت بالشارع .. سألتهن ماذا هنالك و ما خطب هذا الدخان، فأجابتني جدتي أنها تشعر بضيق في التنفس و لذلك أشعلت كتلة الخشب هذا ..
تراجعت، أو لربما كان الوصف الأدق هو أنني جريت مبتعدًا، تاركًا الباب مفتوحًا خلفي و قد عاود الجمع ما كنّ يفعلن، و راودني شعور قوي أنني ما كنت أتحدث إلا لنفر من الجن و العفاريت الذين سكنوا هذا المنزل و تلونوا بصورة أمي و جدتي، و هاته الجمع من النسوة، و الحق أن هذا الشعور منفردًا أصابني برعب شعرت به في انقباضة عضلات بطني عندما استيقظت ..
انطلقت إلى الطابق الثاني في محاولة لمعرفة مصدر الدخان المتصاعد من هذا الطابق، و في الطريق إلى باب الشقة الثانية تأكد شعوري أن المنزل مسكون و لا ريب، و هو ما جعل فكرة أنني محاصر و أنهم – ساكنو المنزل من الجن و العفاريت و مَن والاهم – قد يؤذونني تسيطر عليّ و تزيد رعبي و توتري أطنانًا، خاصة و أنك في عالم الحلم لا تلعب بقواعد محددة .. كل شيء مفتوح ..
وقفت أمام باب الشقة الذي انفتح، و لا أذكر هل لأنني فتحته أم هو انفتح من تلقاء ذاته، و داخلني شعور عجيب .. كنت أشعر كما لو أني أرى من خلال ماسحات زجاج السيارات، بحيث يكون إغلاق جفوني و فتحها كمرور الماسحات صعودًا و هبوطًا، و مع كل صعود و هبوط ينكشف أمامي جزء من المشهد الذي هو عبارة عن ساحة واسعة خالية تقريبًا، اكتشفت فيما بعد أنها الشيء الوحيد التي تحتويه الشقة بالإضافة إلى نافذة واسعة يقف فيها شخص ما بكل هدوء و شاعرية، بينما الدخان الأسود الفاحم يتصاعد كثيفًا لا من داخل الشقة، لكن - فيما يبدو - من "أمام" النافذة ..
مع كل صعود و هبوط ينكشف أمامي جزء من المشهد الذي هو عبارة عن ساحة واسعة خالية تقريبًا، على أرضيتها وجه كأنما دهسه قطار، فجعله كالجعين المسوّى .. يظهر لي مع كل إغلاق و فتح جزء من هذا الوجه و اكتشف أنه برغم حالته هذه ينظر إليّ بعينين ناريتين، ليتأكد داخلي شعوري السابق أنني محاصر داخل بيت تسكنه العفاريت ..
أتراجع في خوف يرقى بلا شك إلى مرتبة الهلع و الرعب، و أحاول الخروج بأي ثمن من هذا المبنى الملعون، لأستيقظ من النوم تسابقني دقات قلبي، و أحاول جاهدًا أن استجمع شتات نفسي لأقنعها أن ما سبق كان حلمًا، ليس أكثر ..
24.2.11
أحلام الفتى الدائخ - الحلم العاشر

الحلم العاشر: إنني أرى المستقبل !
لست ممن يؤمنون بقدرة المرء على روية المستقبل، رغم أنني أؤمن بأن الله قد يرسل إشارات لعباده فيها إخبار بشيء من الغيب، و هي المبشرات التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، يراها الرجل الصالح أو تُرى له، لكن ما أراه في منامي ليس يندرج تحت هذا بالتأكيد ..
أقول هذا في البداية لأنني واجهت ثلاثة أحلام، لست أرى العجب فيهم، بقدر ما أراه فيما تلاهم و صاحبهم من أحداث ..
دعوني أسرد الحلم الأول ..
بدأ الحلم بشكل مفاجئ بمشهد انهيار أحد العقارات، و بشكل ما، أحسست المشهد قريبًا مما حدث في الحادي عشر من سبتمبر .. ركام و غبار و قطع من الحجارة متناثرة في كل مكان، و كومة عملاقة من بقايا المنزل المنهار، و أمام هذا المنزل وقف مجموعة يصرخون في فزع، لكن المدهش كان ثباتهم؛ فرغم أن سقوط المبنى و لا شك سيصنع موجة من التضاغط تطيح بأي واقف في محيطه، فإن هؤلاء ظلوا ثابتين، و إن كان الرعب باديًا عليهم .. شعرت لحظتها كما لو كانوا يواجهون موجة تضاغط ناشئة عن تصادم أغطية الأواني لا انهيار مبنى كامل ..
بعد انقشاع الغبار بلحظات بدأ الناس يجرون في كل اتجاه للهرب من توابع السقوط، و هو ما لم أستطع تفسيره في ضوء ثباتهم العجيب .. في غمرة هذا التدافع انبرى اثنان يحاولان العثور على أفراد أسرتهم .. كان من الواضح الصبغة الجنوب-شرق-آسيوية التي تصبغهم، و قدرت أنهم من كوريا ..
انضم آخرون إلى هذين، و شكلوا دائرة، و أمسكوا بكتاب أبيض لست أدري من أين جاء بالضبط، لكن ما شعرت به لحظتها أنه وسيلة تواصلهم مع المفقودين تحت الأنقاض .. كنت أراهم كما لو كنت أرى مشهدًا في السينما، فيه شخصان يقفان قبالة بعضهما البعض، و الكاميرا تدور من حولهم بسرعة نسبية مع إبطاء على فترات ثابتة، فتعطيك الإحساس بإنك تدور في آلة طرد مركزي، تتسارع حينًا و تبطء حينًا .. أعلم أن الوصف معقد، لكنه الأقرب لما شاهدته لحظتها ..
كان الكتاب في منتصف الدائرة، معلق في الهواء، فكلهم يمسونه لكنهم لا يمسكونه، و كلما مسه أحدهم أبطأ المشهد قليلاً مع الإبقاء على دوران الكاميرا، و أشعر لحظتها أن هذا الشخص يبذل مجهودًا ذهنيًا كي يركز و يرى ما خلف الغبار، و كلما استطاع أحدهم التركيز بما يكفي في أحد المفقودين، انضم إليهم هذا المفقود ليأخذ مكانه في الدائرة ..
و في لحظة معينة، و كأنما هذا هو آخر المفقودين، اكتسى المشهد بياضًا، كما لو كنت أواجه الشمس على حين غرة، ثم انقشع كل هذا، و وجد هذان الباحثان عن أسرتهما نفسيهما في وسط أحد الشوارع البعيدة، التي تبدو كما لو كانت قد اقتطعت من نيويورك، و قد أمسك كل منهما بيد الآخر، و شخص على مقربة منهما يمسك الكتاب الأبيض و يودعهما، لأستيقظ بعدها ..
حتى هذه اللحظة، فلا شيء جديد .. هلوسة أخرى من هلوساتي المتعددة التي ربما اعتدتم عليها، لكنني كما قلت لا أرى العجب في الحلم ذاته، بل فيما صاحبه من أحداث؛ فذا الحلم رأيته في الثاني عشر من ديسمبر 2010، و هو اليوم الذي شهدت فيه الإسكندرية أعنف طقس على الإطلاق، و عندما قرأت عناوين الصحف في اليوم التالي صدمت بعنوان بالخط العريض: انهيار مصنع في الإسكندرية !
حسنًا .. لننتقل إلى الحلم الثاني ..
كان هذا على قدر ما أذكر في الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر الفائت .. كان حلمًا مشوشًا هو الآخر، و لست أدري من أين بدأ و لا أي المشاهد قبل أيها، لكن هذا لا يهم على أي حال، فهذا الحلم تحديدًا أشعر أن قراءته من بدايته لنهايته لا تختلف كثيرًا عن قراءته من نهايته لبدايته ..
المشهد الأول كان القاعة الرئيسة في أحد الكنائس .. قداس هائل لست أدري أهناك كنيسة يمكن أن تستوعب هذا الكم من البشر أم لا، لكن ما لاحظته هو جو عام من الهرج و المرج، لست أدري أهو لمصيبة حلت، أم هو جو الاحتفال و المرح .. لا يمكنني التحديد، فالمشهد لم يدم إلا لحظة، لا تتيح التيقن من أي شيء، و حتى معرفتي بإن هذا قداس في أحد الكنائس جاء من إحساسي بالمشهد، لا من علامة مميزة فيه، كصليب أو غيره ..
انتقلت في لمح البصر إلى مشهد آخر، و كان الانتقال من مشهد القداس إلى المشهد الجديد خاطفًا، و يشبه تأثير Motion Blur في الفوتوشوب (أعتذر لمن ليست لديهم خبرة في هذا البرنامج عن هذا التشبيه، لكنه الأقرب إلى ما رأيت)، و سرعان ما وجدت أمامي حجرة ضيقة خالية من كل شيء إلا من رجل عجوز، يرقد متكومًا في أحد الأركان، ثم سطعت للحظة أمام عيني صورة البابا كيرلس الثاني الشهيرة، التي يشخص فيها للسماء متضرعًا، و احسست أنه ذاك الرجل المتكوم في أقصى الحجرة .. إحساسي أثناء الانتقال من الساحة إلى الحجرة أنني أنتقل إلى طابق أعلى في الكنيسة ..
شعرت للحظة أنني أطير، ثم تكرر نفس تأثير Motion Blur هذا، و وجدت أنني أعلى الكنيسة، لكن الغريب هو طراز المباني الذي شاهدته، إذ كان و لا ريب يشبه مباني أوروبا في القرن التاسع عشر، بالمسحة القوطية المميزة لتلك البنايات، و لسبب ما، شعرت أنني في براج عاصمة التشيك، و لا تسألني لم هذه تحديدًا .. ربما هو الجو الشرق-أوروبي المخيم على المشهد لحظتها ..
الكنيسة نفسها كانت تشبه كنائس تلك الحقبة من تاريخ أوروبا، و بدت أشبه بالقلعة .. انتقلت طائرًا من سطح الحجرة التي كنت بداخلها منذ لحظة متجهًا ناحية مجموعة أبراج قصيرة تنتمي للكنيسة أيضًا، مبنية فوق جزء آخر من السطه، تبدو كما لو كانت مصمتة لا قلب لها يحوي سلمًا كما هو متوقع، و و بين هذه الأبراج الأربع امتد سور عال للغاية، سرعان ما عرفت سبب وجوده ..
حلقت فوق هذا الجزء المحمي بالسور لأفاجئ بأسد غضنفرأسود اللون فاحمه ينظر إليّ في ترقب و تحفز، و أنا بالطبع لا أدري لي رأسًا من قدمين .. حاولت الهرب لكنني تجمدت للحظة كان قد ارتفع هو خلالها طائرًا كي يلحق بي، و هو ما جعلني أتعجب من وجود السور طالما باستطاعته الطيران ..
فررت منه في طيران انسيابي سلس، و أخذ ينتقل من سطح إلى آخر، و أنا من شرفة إلى أخرى، حتى بدا عليه التعب على ما يبدو، فتسملت مهمة مطاردتي أربع لبؤات سوداوات مثله تمامًا، و لا زلت أطير حتى أنهكهن التعب فأسلمن مطاردتي إلى شبل صغير رمادي اللون سرعان ما تركني .. الغريب أن هذه المطاردة المحمومة لم تتجاوز مساحة لا تزيد كثيرًا عن مساحة الغرفة التي أكتب منها هذا الذي تقرأون ..
هبطت بسلام إلى شرفة أحد المنازل، بينما ذاك الشبل البائس يراقبني من سطح المنزل المقابل، و بدا أن المشهد العام انتقل لحي شعبي في قلب القاهرة، بعد أن كنا في براج ..
قبل أن استيقظ مباشرة سطعت للحظات مشاهد شعرت أن موضعها الطبيعي كان في بداية الحلم قبل أن انتقل للحجرة الفارغة .. القاعة الرئيسة مرة أخرى، لكنهم كانوا على ما يبدوا يحتفلون ببعض المتخرجين حديثًا من الكليات، و قد تأكد لي هذا من آخر مشهد مر أمامي قبل أن استيقظ، إذ كانت إحداهن ترتدي قبعة التخرج و تمسك بما يبدو أنه شهادة تقدير ملفوفة و مربوطة بشريط من حرير، و تبتسم في فخر و انتصار، لكن المشهد كان مهزوزًا لدرجة منعتني من التيقن من أي شيء .. كل هذا الوصف أكتبه نتيجة إحساسي باللحظة أكثر منه مشاهدة حسية ..
ذكرت أن هذا الحلم كان في الأسبوع الأخير من ديسمبر 2010، و غني عن التذكير ما حدث في الإسكندرية في ليلة رأس السنة .. أذكر أن إحدى ضحايا هذا التفجير كانت طالبة قد أنهت لتوها دراستها، و كانت قد كتبت على صفحتها على فيسبوك ما معناه أنها تتمنى لو تتحقق أمنيات ما بعد التخرج في العام الجديد ..
على أية حال، لننتقل إلى الحلم الثالث ..
إنني أعتبر هذا الحلم هو درة هذه الأحلام الثلاثة، ربما لأنه تنبأ (و اسمحوا لي باستخدام كلمة تنبأ) بالشيء الأهم على الساحة الآن ..
يبدأ الحلم بمشهد أرى نفسي مع مجموعة من زملائي في الكلية، بالإضافة إلى بعض الزميلات أيضًا، نجتمع كلنا في حجرة هي بياض في بياض؛ أرضية بيضاء و حوائط بيضاء، مع إضاءة زرقاء خافتة أعطتني الإحساس أننا في فيلم من أفلام الخيال العلمي، لكن الحقيقة أننا كنا في أحد مقرات أمن الدولة يُحقق معنا جميعًا بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم .. لمحت صديقي الذي أعرفه بميله لتيار الإخوان المسلمين، و صديقًا آخر ينتمي للحزب الرمادي الذي ينتمي إليه أغلب المصريون، و لمحت وجوهًا أخرى أكدت لي أننا كزملاء دراسة – كلنا – في نفس القفص ..
استمر التحقيق لدقائق اقتادونا بعدها لحجرة أخرى لنشاهد أدوات التعذيب .. من الواضح بالطبع أنهم لم يجدوا منا نفعًا، فقرروا استعمال الشدة .. أذكر أن هذه الحجرة كانت هي نفسها الشقة القابعة في الطابق الأرضي من البناية التي أسكن فيها، و التي تسكنها عجوز شمطاء لا استسيغها، لم أعجب كثيرًا عندما جعلت شقتها مقر حفلات التعذيب الأمنية .. الفارق الوحيد هو الارتفاع الشاهق الذي أصبح عليه سقف الشقة .. ربما كان هذا ليستوعب أحجام أدوات التعذيب الضخمة التي كانوا يعرضونها علينا ..
نسيت أن أقول أنني عند انتقالي من مكتب أمن الدولة حيث الاستجواب إلى تلك الشقة البائسة، راودني إحساس قوي أن شقتنا كانت هي مقر أمن الدولة الذي كنا فيه منذ لحظات .. على أية حال، فقد هربت ..
كان الباب مفتوحًا، و لا أحد يحرسنا .. نظرت إلى صديقي الرمادي و قلت إنني سأهرب، و ربما حررتهم فيما بعد .. انطلقت أجري بطول الشارع الذي أسكن فيه في الحقيقة .. كان جريًا عجيبًا؛ فأنا أنطلق بسرعة أشعر أنها مهولة، لكنني لم أبرح مكاني بعد، بينما نهاية الشارع تقترب مني و تبتعد .. انتهى هذا المشهد سريعًا عندما وجدت نفسي أمشي بجوار سور معدني، بدا و كأنه يحيط بمبنى جهاز أمن الدولة، الذي لا أدري ما الذي أتى به هاهنا ..
شعرت أثناء سيري أن هذا المكان هو في الأصل استاد الإسكندرية، لكن مرأى القصر الذي يبدو خلف الأسوار ليس له علاقة بأي ملاعب رياضية .. أسير بجوار السور و الليل قد خيم حولي – و هو كذلك منذ بداية الحلم – لأفاجئ بشرطي ينبت من العدم يجلس بجوار حجيرة خشبية للحراسة يسألني بشكل مباشر: لم هربت ؟
نظرت إليه مندهشًا في الوقت الذي جاء أخي ليعرف ماذا يحدث .. لا أذكر إجابتي تحديدًا، لكنها كانت شيئًا من قبيل: ثورة، أو لن نسكت .. شيء من هذا القبيل، أو ربما أظن أنه شيء من هذا القبيل لتأثري بالأحداث الحالية .. أيًا كان ما قلته لحظتها، فقد نبهت أخي أننا سنجري، و ألقيت قنبلة يدوية صغيرة الحجم كانت في يدي ناحية السور، و انطلقنا نجري مبتعدين بينما ظل الشرطي مكانه .. نظرة سريعة إلى الخلف أدركت معها أن القنبلة اصطدمت بأحد الأعواد المعدنية التي تشكل السور، فارتدت إلى الخلف، و هو ما يعني أنها لن تنفجر و لن تحدث الأثر المطلوب .. ضغطت زر الإيقاف – و لا تسل أين هو جهاز التحكم هذا، فلست أدري، لكن المشهد لحظتها بدا بمثل هذا التأثير تمامًا – فتجمد المشهد، ثم ضغطة أخرى على زر العودة إلى الخلاف فرجع المشهد بكافة تفاصيله بينما أنا واقف في مكاني، حتى وصلنا إلى اللحظة التي أرمي فيها القنبلة، فأزحتها قليلا عن موضعها، و أعدت تشغيل المشهد و انطلقت مبتعدًا، لتهبط خلف الأسوار، و تفجر كل ما في المكان ..
دون مقدمات وجدت نفسي مع أخي على دراجة هوائية، بعد أن كنا نجري على أقدامنا، و سلكنا طريقًا فرعيًا لتتبدل الأرض من تحتنا، فبعد أن كانت أسفلتًا صارت طينًا، و أصبحنا في كفر الدوار .. كنا ذاهبين إلى منزل جدتي، حيث الراحة و إعداد الحقائب للهرب من السلطات التي تطلب رأسي ..
صعدنا، لأجد أمي جالسة أمام الحاسوب تتابع صفحتها على فيس بوك، و هو رابع المستحيلات بالطبع إن لم يكن خامسها .. لم يكن بيت جدتي كما هو في الواقع، لكنه يحمل الكثير من روحه .. أخبرت أمي أنني سأهرب، و أنني سأحزم بعض حاجياتي و انطلق، ثم استيقظت ..
حسنًا ..
ماذا أريد أن أقول بعد كل هذا ؟ .. لا شيء .. بقدر إنكاري لإمتلاكي لأي قدرة خارقة توصلني بعالم ما وراء الطبيعة، بقدر ما أتمناها؛ ربما كي أعوض في عالم ما وراء الطبيعة ما أفتقده في عالم الطبيعة ..
أيًا كان الأمر، أكنتم ممن يعيشون أمام الطبيعة أو ممن يعيشون وراءها، أرجو أن تكون قد استمتعتم بما قرأتم ..
23.10.10
أحلام الفتى الدائخ - الحلم التاسع
الحلم التاسع - زواج مملوكي
بدأ الحلم بمشهد تكرر، و ما زال يتكرر كثيرًا هذه الأيام: أنا جالس إلى الحاسب أطالع كتابًا لأحمد خالد توفيق .. رأيتني أطالع صفحات من كتابه "الحافة" - و كان مما طالعت قبل أن أخلد للنوم - لكن الموضوع و المحتوى لم يكونا ينتميان بحال إلى هذا الكتاب .. الكتاب يتحدث في الأساس عن الأشخاص أو الأشياء التي هي على الحافة بين الخيال و الحقيقة، أو العلم و الأسطورة، لكن طقوس الزواج المملوكي ليست من هذه الفئة بكل تأكيد ..
أطالع كتاب الحافة، لأجد أن الصفحة المعروضة تتحدث عن طقوس الزواج المملوكي .. لا أذكر من المكتوب إلا جملة تقول: "و أبلغ مثال على هذه الطقوس هو ما عرضه فيلم ثورة المماليك" ..
عندما استيقظت أدركت إن فيلم "ثورة المماليك" هذا ليس سوى فيلم "المماليك" الذي شاهدته منذ أزمان، و هو فيلم قام ببطولته عمر الشريف، نبيلة عبيد، حسين رياض، و بطل حلم الليلة: عماد حمدي .. الفيلم يحكي قصة مشوهة عن ثورة المصريين ضد المماليك بعد عصور الاستبداد، مع كثير من البهارات الرومانسية، و الأحبة الذين فرقتهم يد الغدر، و الثوار، إلخ إلخ .. شاهدت الفيلم في عصر البله المغولي الذي كان يجلعني أصدق كل شيء و أنبهر بكل شيء، و قد شفيت منه و الحمد لله، لأنبهر بكل شيء و أصدق كل شيء و لكن بعد إعمال عقلي، و لست أدري ما الذي قفز بهذا الفيلم إلى سطح عقلي في هذا اليوم ..
لقطة من الفيلم احتلت النصف السفلي من الصفحة، اكتشفت بعد لحظة أنها ليست لقطة ثابتة، بل مشهد حي من الفيلم سرعان ما وجدت نفسي قد غصت فيه بحيث يحتل مجال رؤيتي تمامًا، لكنني لا أظهر فيه، بل أنا مشاهد عن كثب ليس إلا ..
المشهد الذي رأيته في حلمي كان له مقابل في الفيلم، إلا إن الشيء المشترك الوحيد بين الاثنين هو جو الحجرة المظلم المتوجس، و وقفة عماد حمدي - جزء منها في الواقع ..
هناك من يقابل عمر الشريف، و هناك من تقابل نبيلة عبيد في هذا المشهد الذي أراه في حلمي، لكنهما لا يماثلنهما في أي شيء، بل لقد بدا لي هذا الذي من المفترض أنه عمر الشريف قريبًا من الصورة ثلاثية الأبعاد لأمير فارس - لعبة الحاسب الشهيرة - و يكاد يكون جيك جلينهال الذي قام بدور أمير فارس في الفيلم الذي عرض الصيف الماضي .. أما شبيهة نبيلة عبيد فلا أدري عنها شيئًا، و لست أظنه يهم ..
يقف عدد من الحراس إلى حوائط الحجرة .. أستطيع أن أرى منهم ثلاثة يقفون في صلابة، و إن بدا عليهم فضول لمعرفة ما يجري، بينما هنالك في منتصف الحجرة ما يشبه منصة تقديم القرابين، وُضع عليها محرق هائل يطلق دخان البخور في غزارة و بلا انقطاع، و أمامه وقف عماد إلى يمين نبيلة و قد أحنيا رأسيهما قليلاً، و مد عماد ذراعه الأيسر في الهواء، و كذلك فعلت نبيلة بذراعها الأيمن، لتستقر على ذراعيهما لفافة من قماش أبيض مائل للصفرة ربطت بإحكام قرب طرفيها بشريطين رفيعين، و إلى جوار المحرق وقف الشريف بينما انطلق عماد في تلاوة شيء ما بلغة غامضة، و بصوت أقرب للتمتمة ..
نطق عمر بشيء ما، أظنه كان "ابتعدي من هنا"، فإذا بنبيلة تُقذف للخلف كأنما يد عملاقة قد انتزعتها و ألقتها، بينما واصل عماد تمتمته، و لم يتحرك إلا ليحفظ اللفافة من الوقوع ..
تراجعت نبيلة حتى ارتمت على أحد المقاعد القريبة في مظهرها من "الفوتيهات"، ثم وضعت كفها الأيمن على جبهتها متألمة، فانصهرت جبهتها و تكون تجوبف طولي، لكن العجيب أن ما بدا لم يكن لحمًا و عظمًا قد احترقا، بل كان أقرب إلى سبيكة من الرصاص صنعت فيها فجوة باستعمال لهب الأكسي-ستيلين .. في هذه اللحظة أبيض بؤبؤاها و بدت أشبه بإنسان آلي على وشك تدمير الكرة الأرضية ..
سألها عمر عن الساعة، فوضعت أطراف أصابعها في ذلك التجويف الذي تكون في جبهتها و أجابته، ثم سألته عن مصير عماد، الذي انتهى من تلاوته التي لا أعرف ماذا قال فيها، و تنبه أخيرًا إلى أن شيئًا ما خارج نطاق سيطرته يحدث ..
أجاب عمر، و هو ينظر إلى وجه عماد الذي اكتسى بتعبير عدم فهم و شيء من الخوف: "سيلقى مصيره المناسب" .. لحظة قوله هذا اقتربت الكاميرا - التي أرى بعينها - من وجه عمر، فبدت لي قسمات وجهه قاسية للغاية، منذرة بمصير أسود حالك السواد، و لا شيء أقل من ذلك .. لحظتها أيضًا تأكدت من انطباعي أن هذا هو أمير فارس ..
و كما يحدث في أفلام الخيال العلمي التي تتحدث عن الانتقال الآني، فيتطاول الشخص - كأنه قطعة من المطاط تُشد - مع خفوت تدريجي لصورته، يتبعهما اختفاءه ثم ظهوره في مشهد آخر بتتابع عكسي، حدث هذا مع عماد حمدي، فاختفى من المشهد، الذي تغير كلية ليحل محله مشهد آخر ينتمي إلى قصص الرعب التي تمتلأ بالتنانين و السحرة و رائحة العصور القديمة، و قد كان الأمر كذلك ..
المشهد مصبوغ بلون أحمر قان دموي، تستطيع تمييز الموجودات فيه بصعوبة، لكنني أستطيع تمييز سلسلة جبلية تملأ المشهد بأكمله .. يظهر فرس معلق في الهواء بطريقة الانتقال الآني ثم ظهر من بعده عماد بالطريقة ذاتها، لكنه امتطى الجواد بالمقلوب، و أطال النظر إلى ما ظنه كوكبة من الفرسان آتية تجاهه .. كانت هذه الكوكبة تنطلق من حيث أرى المشهد، لكن الفرس انطلق لا يلوي على شيء و كأنما رأى شيطانًا، لكنه لم يكن شيطانًا واحدًا، بل عدة شياطين ..
كانت مجموعة من التنانين الصغيرة، كأنما هي خفافيش متضخمة، برؤوس - أو بجماجم إن شئنا الدقة - آدمية .. انطلقت التنانين في أثر عماد، و انطلق هو لا يلوي على شيء .. وصل إلى كهف يهبط السقف فيه إلى حد مريع حتى يصنع ممرًا ضيقًا يكفي لمرور شخص واحد فحسب، فانطلق عماد، حتى إذا مر من هذا المضيق ارتفع حتى بلغ السقف، و ترك سرب التنانين ينطلق كسرب من النفاثات في خط مستقيم غير ملتفتين إلى ذلك الفارس في الأعلى، و لما اطمأن عماد أن التنانين قد تركته، عاد أدراجه ..
تغير المشهد، و أصبح يغطيه السواد فلا تدري له أرضًا من سماء، لكنني أميز البنايات و الناس يمشون عند مستوى معين، فأعرف أن هذا المستوى هو الأرض .. أنظر للمشهد كأنني من طائرة هيليكوبتر، و على المدى أرى عماد آتيَا طائرَا بفرسه يهبط إلى الجمع الذي ينتظره، و الذي ألمح فيه عددَا من التنانين قد تخفى في هيئة بشر، لكن بلون أخضر مميز، و قد اتضح لي خطأ هذا الانطباع في اللحظة التالية ..
هبط عماد إلى الأرض وسط ترحيب الجميع، و انتظارهم له في الواقع، لاكتشف أن هؤلاء هم نواة الانتفاضة الفلسطينية القادمة، و أننا في عام 2111 أو شيء قريب من هذا التاريخ ..
استيقظت من النوم و الجميع يشد على يد عماد مؤازرًا .. استيقظت من النوم مطمئنًا أن الانتفاضة الفلسطينية في أيد أمينة ..
10.9.10
أحلام الفتى الدائخ - الحلم الثامن
هذا واحد من الأحلام التي تمنيت كثيرًا أن استيقظ فلا أكملها، لكنني على العكس من البعض الذين يدّعون استطاعتهم إنهاء الحلم في منتصفه إذا لم يعجبهم .. أنا على العكس منهم؛ إذ لا استطيع إلا أن أكمله و لا استيثقظ إلا إذا انتهى أو أيقظني مؤثر خارجي ..
بداية الحلم كانت شخصية، و مترتبة على آخر ما تحدثنا فيه أنا و أسرتي قبل أن أنام .. حديث عن قطعة أرض من ميراث جدي يرحمه الله و صراع مرير بين الوارثين من أجل لا شيء و بلا داع سوى جشع الإنسان اللامحدود للمال و رغبة البعض و عشقهم لأكل المال الحرام ..
كنت أقف كواحد من الوارثين مع بقيتهم على قطعة الأرض المتنازع عليها .. كنا واقفين بجمود و في أوضاع مسرحية، و لو شئت الدقة لقلت إننا كنا نقف كأننا سنلتقط صورة لملصق فيلم سينمائي من فئة أفلام الحروب والأساطير، حيث تُلتقط الصورة من زاوية سفلية تعطي إحساسًا بعظم الحجم، و بالتالي عظم المكانة، بالإضافة إلى قليل من الدوران اليسير يمنة أو يسرة و رفع الرأس لإعطاء إحساس عام بالهيبة .. كنا نقف في جمود مستفز، أدركت بعد استيقاظي أنه تعبير عن حالة اللاسلم و اللاحرب التي تحيط بهذا الإرث .. على أية حال، فجمودنا هذا لم يستمر ..
فوجئت باثنين من أصدقائي يقفان بلباس فلاحيّ - أحدهما على الأقل على قدر ما أذكر - و قد استقطعا قطعة من الأرض على شكل حرف T و يريدان أن يمداها بالماء، و لست أدري ما العلاقة، لكنني استندت إلى وجودهم لإقرار حقي المشروع في هذه الأرض، لكن الأمور سريعًا ما انقلبت بوصول فيروز - الممثلة لا المطربة - التي اكتشفت أنها كانت من أصدقاء جدي الآخر - و ليس صاحب الأرض - و قد أتت لتدلي بدلوها في الأمر بصحبة سائقها النوبي .. العجيب في الأمر أنها كانت بالأبيض و الأسود، فيما كنا جميعًا بالألوان، حتى سيارتها كانت من طراز الخمسينات على أقل تقدير ..
و على الرغم من شعوري عندما جاءت بأن الموقف قد تعقد، فإن هذا الشعور انقلب فجأة إلى الضد، لكنه لم يدم كثيرًا، إذ خيّم الليل سريعًا و لم نصل إلى شيء، و انطلقت مكتئبًا أريد أن أروّح عن نفسي ..
هنالك شارع ما، لست أدري موقعه على الأرض تحديدًا، لكنه يتكرر كثيرًا في أحلامي .. نفس التقاطع و الميدان و الإشارات المرورية، لكن ما يختلف من مرة لأخرى هي ما يحيط بهذا الشارع من مبان و عقارات .. هذه المرة كانت مساحات شاسعة من الفراغ تتناثر فيها مبان متفرقة أشبه بالقصور و المنتجعات، و لسبب ما - ربما يتعلق بالإرث - كان هذا المكان هو منطقة العجمي بالإسكندرية ..
أسير مهمومًا و الليل البهيم فوق رأسي يغلفني، و النجوم ساطعة؛ إذ لا توجد مصابيح للإضاءة إلا النذر اليسير، لكنها كافية برغم كل شيء أن أرى كل شيء بوضوح .. أسير شاعرًا ببرودة في جسدي فسرتها بسيري ليلاً مرتديًا ملابس خفيفة للغاية، و أدركت عند استيقاظي أن هذا كان بسبب تحرري من أغلب ملابسي قبل نومي، مع نسيم المروحة الممتزج بنسائم باردة آتية من الشرفة المفتوحة .. أسير و أرفع رأسي للسماء متأملاً، فأرى مذنبًا - أو هكذا ظننته في البداية - يلتمع في السماء يحيط به عدد من الشهب التي كانت تسير في مسارات دائرية كأنها تشكيل من الطائرات يؤدي عرضًا عسكريًا لا شهبًا تحترق في طبقات الجو العليا، ثم اختفى كل شيء ..
أخذت أفكر قائلاً: "عجبًا لهذا المذنب ! يقطع آلاف و ملايين الكيلومترات ثم يأتي ليحترق ها هنا، فأي أمر عجيب هذا !" .. أفكر في هذا بينما أسير متوجهًا إلى إحدى دور السينما، في سابقة لم تحدث من قبل، و لا أظنها ستحدث أبدًا .. أفكر في هذا و استمع إلى حديث اثنين حول النيازك التي ستهبط إلى الأرض، فاسترجع مشهد المذنب الذي رأيته منذ لحظات و استرجع معلوماتي عن المذنبات، لاكتشف أنهم على حق .. هذا ليس مذنبًا، بل نيزك ضخم يهبط إلينا بسرعة جنونية ..
اصبحت أمام السينما، فسمعت جلبة التفت لمصدرها لأجد أنه النيزك الذي أصبح فوق رأسي تقريبًا، فأخفضها لأجده يقع فوق السينما فيحيلها ترابًا و أنقاضًا في لحظة، و كأنها ضغط زر Delete أو ربما Shift + Delete ..
ثم توالت النيازك ..
استحالت السماء حمراء كالدم، لكنه دم قان سرعان ما اكتسى بصفرة النيران البرتقالية فأخذ طابعًا مقبضًا يشعرك بدنو أجلك .. لحظتها تمنيت بحق أن استيقظ، لكنني لم استطع .. النيازك تتوالى و الكل يجري بعيدًا عنها و عن مواقع سقوطها ..
النيازك تسقط بزاوية حادة صانعة ذيلاً عظيمًا من الدخان الأسود الممتزج ببرتقالية النيران التي تشتعل في جو السماء فيذكرك بمشهد انفجار القنابل النووية المحدودة، و الارتجاجات الأرضية تفقد الناس توازنهم فيتخبطون في جريهم الهلوع الملئ بصرخات الفزع و الرعب، بينما أجري أنا صامتًا كأنني قد أخرست ..
على غير توقع أجد أختي الصغرى تجري إلى جواري، و لا أدري تحديدًا ما أتى بها إلى هنا، لكنني آخذها في كنفي و نجري سويًا في الأرض المفتوحة منطلقين بعيدًا عن مواقع سقوط النيازك التي صنعت فوهات هائلة خلفنا جعلت الرجوع مستحيلاً .. أسمع أحدهم يقول "هرمجدون"، أو لعله نطقها بالإنجليزية Armageddon مشيرًا إلى الاعتقاد الغربي أن معركة آخر الزمان ستنتهي بكارثة تسقط فيها المذنبات تباعًا لتنهي الحياة على الأرض قبل أن تقوم القيامة .. حقيقة، و بعيدًا عن كل هذا الذي يحيط باللفظ من روايات و حكايات، فإن وقع الكلمة ممتزجًا مع ما شاهدت كان مروعًا بحق ..
على حين غرة يسقط نيزك في اتجاه معاكس لكل النيازك ليصطدم بمحطة وقود نبتت من العدم، كأنما نبتت لتصطدم بالنيزك تحديدًا، و دوى انفجار مروع ليجد الجميع - بما فيهم أنا و أختي - أننا قد حوصرنا بين السقوط المتوالي للنيازك و بين هذا الانفجار الذي أطح بمقدمة الصفوف الهاربة ..
وجدت نفسي دون وعي أعلق على سقوط هذا النيزك خارج السرب: "أي سخف هذا !" .. واصلت الجري للحظات بعد أن غيرت اتجاه الركض، لكنني استيقظت و لست أدري تحديدًا إلام أنتهت الأمور، و لست أريد العودة كي أعرف ..
14.8.10
أحلام الفتى الدائخ - الحلم السابع
الحلم السابع - شيء ما في سوق زنانيري
كي تحسن تصور ما سأحكيه، سابدأ روايتي ببعض التفاصيل الجغرافية .. شارع أبي قير، أو طريق الحرية، هو من الشوارع الرئيسة في الإسكندرية، و هو مواز في أغلب الأحيان لشريط الترام .. عند محطة ترام كليوباترا هنالك شارع طويل يصل ما بين شريط الترام و شارع أبي قير، ليتقاطع مع شريط الترام ثم يكمل المسيرة حتى يصل بك إلى أول شارع السوق - سوق زنانيري - حيث تبدأ أحداث الحلم ..
كنت عائدًا من السوق، و الظلام حولي يقول إني في منتصف الليل أو أبعد، و أحمل بيدي كيسين بلاستيكيين لا أدري ما محتواهما، لكنهما ثقيلان بما يكفي ليمنعا يداي من التحرك بحرية، و يبقيانهما في وضع التدلي دائمًا .. أسير، بينما على البعد أجد مخبولاً كلاسيكيًا من أولئك الهائمين على وجوههم في الطرقات؛ شعر منكوش أكرت مليء بالقاذورات، و سروال قصير يكشف عن ساقين مشعرتين قذرتين، و أسنان مهشمة صفراء، و كلام غير مترابط البتة ..
يحاول هذا المخبول مضايقتي، و ينجح بشكل مستفز، بينما أنا عاجز عن رده لما في يداي، ثم أفاجيء بحائط بشري أبلغ أنا - بقامتي التي تقترب من المترين إلا ربعًا - ركبتيه بشق الأنفس .. أفاجيء بهذا الحائط البشري يعزله عني، و يمنعه أن يصل إليّ، فأتقوّى و أصرخ فيه كي يرحل، فيرحل بالفعل، بينما فتاة صغيرة تناوشه و تجري ضاحكة ..
ما زلنا نسير بلا توقف، لنعبر جميعنا - أنا و الحائط و الفتاة و المخبول - شريط الترام، لكن المخبول يسبقنا و يختفي، بينما أبطئ أنا المسير قليلاً لأجد أن الحائط البشري و الفتاة قد اختفيا أيضًا ..
يعود المخبول ممتطيًا كتفي أجدهم، الذي يبدو من ملابسه أنه من "معلمي الوكالة"، و يشير إلى لافتة حانوت شهير يقع على شريط الترام صارخًا: "انظر .. إنه limbster" و هي الكلمة التي كانت مكتوبة على اللافتة، لاكتشف أن حانوتًا آخر حل محل هذا الحانوت الشهير، و ليس مشتركًا بينهما سوى المكان ..
لا أملك تفسير هذا، لكن كلمة limbster هذه تعني - في الحلم على الأقل - الجزار، و هكذا تحول حانوت الألبان - و هذا هو الحال في الواقع - إلى جزارة يتجه إليها هذا المخبول محاولاً، فيما يبدو، أن يسطو عليها، فأركض محاولاً إيقاف هذه المهزلة ..
أدخل الحانوت لأكتشف أنه يبيع عملات معدنية قديمة و حديثة، و هنالك شخص ظننته مالك الحانوت يجلس بقرب الباب و ينظر في لامبالاة مستفزة إلى ذلك المخبول و هو يفرغ أحد الصناديق مما بها من عملات ذهبية، أكتشفت أنها من فئة السنت الأمريكي، لكنها أضخم بكثير و تكاد تقارب حجمًا ريال السلطان حسين أو أكبر قليلاً، و مصكوكة من الذهب ..
و لأنني من مدمني جمع العملات، فإن لعابي قد سال لمرأى هذه العملات النادرة و العجيبة، فغرفت بيدي بعضًا منها، و وضعته في جيبي، لكن على ما يبدو فإن ضميري قد وخزني، فأعدت هذه العملات إلى صندوق آخر، كل هذا و ذا الرجل ينظر إلينا جميعًا - أنا و المخبول و آخرون لا أدري ماذا يفعلون تحديدًا في الحانوت - نظرة لامبالاة مستفزة ..
أعدت الصندوق لصاحب الحانوت، لأفاجئ بالرجل قد انقلب هذا المخبول، أما الرجل نفسه فلا أدري أين ذهب، فأطبقت يداي على عنقه و التفت إلى الجانب الآخر - حيث كان هذا المخبول منذ دقائق، و حيث كان يفتح الصناديق يفرغ ما فيها - لأفاجئ بملكة إنجلترا تمسك بكتاب يتحدث عن أسطورة الملك آرثر و فرسان المائدة المستديرة، و السيف المسحور الذي كان مغروسًا في صخرة، و قد أخذت هذا الكتاب من أحد الأرفف التي لم تكن موجودة من قبل، لكنني لم أهتم بهذه النقطة كثيرًا ..
أخرجت الملكة السيف المسحور من قلب الكتاب، و تأملته .. كان سيفًا ذهبيًا ليس فيه ما يميزه سوى لونه، لكنه كان صغيرًا ليحمل لقب سيف، و شعرت أن خنجر هي اللفظة الأدق لتصفه .. تحدثت إلى الملكة قائلاً، و لم أزل ممسكًا بالمخبول: Your Majesty, The Avillon ..
هذا الـ Avillon كنت أعني به السيف و الكتاب معًا، و إن كنت أشير للسيف بصورة خاصة، و هو شيء تعجبت منه، إذ أنني أعرف الاسم الحقيقي لهذا السيف، و هو Excalibur، لكنني بعدما استيقظت رجحت أني قلت هذا لأنها كانت الكلمة ذاتها التي وُضعت عنوانًا للكتاب التي كانت الملكة تمسك به ..
أعطتني السيف و الكتاب، فأمسكت السيف بشمالي التي كانت حرة، بينما اليمنى تمسك المخبول، و أشرت للكتاب فتجمد في مكانه معلقًا في الهواء، ثم مزقته فتاتًا صغيرة بالسيف، و لم يزل بعد معلقًا في الهواء، ثم استدرت بالسيف و أطلقت صيحة بطولية - لست أدري ما جدواها - و أغمدت السيف حتى مقبضه في صدر المخبول، و أنا أشرح ما يحدث للجمع الواقف ينظر إليّ في جمود، و ملخص شرحي أن تفتيت الكتاب كان هو الطريقة الوحيدة للقضاء على هذا المخبول قبل أن يفعل شيئًا ما لست أذكره، و لا أظن أنني ذكرته في شرحي، لكنه كان سيفعله ..
أشرت للكتاب بيسراي التي عادت حرة مرة أخرى .. أشرت له براحتى اليسرى كلها فعاد كما كان بعد أن كان مفتتًا، و ابتسمت للملكة - على قدر ما أذكر - ثم استيقظت ..
11.8.10
أحلام الفتى الدائخ - الحلم السادس
الحلم السادس - الملك الذي عاد
بداية الحلم هذه المرة كانت مشوشة، و أشبه بفيلم يحاول فيه المخرج الإيحاء بالفوضى العارمة، عن طريق المونتاج المتقاطع و الزوايا غير المستقرة و البعيدة عن بؤرة الحدث، لكن ملخص ما أذكره هو أن مؤامرة قد حيكت ضد جلالة الملك - الذي لا أعرفه و لست أدري في أي مملكة أو كوكب هو - و أن ابنه قد وقع في يد أحد أمناء القصر الذي تعهده بالرعاية حتى يدبر له طريقة للهرب .. ابنه هذا رضيع في الواقع، و تهريبه كان عن طريق ماموث فضائي حمله لواحدة من الممالك الحليفة لمملكة أبيه الموجودة على كوكب آخر، و التي كانت - لسوء حظه - في حرب طاحنة مع أحد أعدائها ..
يتغير المشهد حيث أراني أسير جوار أحد أصدقائي الذي يعرفه الجميع بعدو المرأة، فإذا به يسير إلى جوار فتاتين حسناوتين يتحدث إلى إحديهما بشيء من الاهتمام، و لست أدري حقًا ما أتى بي أو به داخل هذه القصة التي لا ناقة لنا فيها و لا جمل، اللهم إلا أنني أشاهدها، لكنني و لسبب ما أقرر أنا أن أسير على يديّ ممسكًا بالسور الحديدي الأملس الذي نجلس عليه - أنا و صديقي و فتاتيه - فانطلق حتى أصل لتلك المملكة التي وصل إليها الأمير الرضيع، لأجد أسدًا مدرعًا يعلو ظهره قوس عظيم و سهام، كذلك القوس الذي كان القدماء يصنعونه في الحروب ليطلقوا به الحراب العظيمة، محاكين في ذلك المنجنيق .. قوس عظيم و سهام على ظهره، و يقف إلى جواره ذلك الماموث الذي نقل الأمير الرضيع في البدء، و يتناقشون في مصير هذا الرضيع، الذي يجب أن يعود ليستعيد ملكه، و الطريق إلى هذا يجب أن يمر بانتصار حلفائه على أعدائهم حتى يساعدوه على أعدائه ..
ثم يتغير المشهد مرة أخرى فأجد أنني في وسط ساحة فارغة إلا من مادة الوجود و مادة العدم، اللتان تستعملهما المملكة الحليفة في حربها ضد أعدائها، و يستخدمهما أعداؤهم كذلك، و هاتان المادتان تشبهان الحجارة إلا أنهما تتفتام إلى أجزاء صغيرة سوداء يتحكم فيها الطرفان ليوجها بها الضربات ..
أجدني منخرطًا في التحكم في مادة الوجود، و أحاول السيطرة على مادة العدم التي ينفلت عقالها كل حين، فيما يتصارع الفريقان عن طريق التحكم في المادتين، ثم انسحب أنا شيئًا فشيئًا، و استيقظ، و لست أدري أعاد الملك أم لا ..
14.7.10
أحلام الفتى الدائخ - الحلم الخامس
لسبب ما فإن أول ما طرأ إلى ذهني في بداية هذا الحلم - أو عندما تذكرته فور استيقاظي - هو قصة جول فيرن الشهيرة "عشرون ألف فرسخ تحت الماء" .. على أية حال، ليس للقصة من قريب أو بعيد أي علاقة بما حدث ..
أراني واقفًا على شاطيء صخري أعتلي إحدى صخوره، أنظر إلى الأفق و البحر الصاخب، و السماء ملبدة بالغيوم، و ذلك اللون الرمادي الذي أكره الشتاء بسببه، و على البعد توجد بحيرة صغيرة تتصل بالبحر عن طريق فتحة ضيقة - بوغاز لو أردت الدقة .. عند هذه البحيرة يرقد تنين مائي ضخم، يذكرك فور رؤيته بذلك التنين الذي صمموه في فيلم The Seventh Voyage of Sinbad لكن لونه مائل للزرقة، و بجواره يرقد العفريت الذي يقوده .. عفريت من الجن أخضر اللون يشبه الغوريللا على رأسه خوذة لها اللون نفسه، أو ربما هي جزء من تكوين رأسه لا أكثر ..
أراقب المشهد، لأجد أن التنين نائم لكن صوت شخيره مزعج للغاية، و يوّلد أثناء نومه الكثير من الرذاذ، ما يثير غضب العفريت، فيتشاجران، لكن الواضح أنه شجار الأحبة؛ مزاح ليس إلا .. مزاح ينقلب على حين غرة إلى مأساة حينما ينزلق التنين إلى بركة من الطين الأخضر، الذي اكتشف إنه مسحور يقتل بمجرد الملامسة، و يصيب الضحية بالاختناق التدريجي، بينما تنزلق كما ينزلق المرء في الرمال المتحركة .. في البداية سقط التنين في البركة، فهب العفريت لإنقاذه ليسقط بدوره بينما نجا التنين، و في النهاية أنقذ أنا العفريت من بركة الطين القاتلة تلك ..
نسيت أن أخبركم أنني كنت في رحلة برفقة اثنين من الإغريق، نبحث عن شيء ما لست أذكر كنهه تحديدًا، لكنه كان شيئًا مقدسًا فُقد من أحد المعابد اليونانية، و كان هذا التنين هو وسيلة السفر و التنقل ..
بعد أن أخرجت العفريت من البركة، أتى أحد رفاقي، و أمسك بقطعة من طين أخضر، لكنه أدكن من الطين القاتل - ما يعني أنه ليس بخطر - و وضع قدر غمسة إصبع من الطين القاتل في الطين الآمن و أعطانيها قائلاً إنها قد تحميني في يوم من الأيام ..
انطلقنا نحن الثلاثة نستشرف الأفق، لأفاجئ بالمشهد يتغير كلية، و رفيقاي الإغريقيان يتحولان إلى اثنين من زملائي في الكلية، و الشاطيء الذي كنا عليه وجدته قد استحال شاطيء الشاطبي المواجه لمكتبة الإسكندرية .. انطلقنا نسير، و ننظر إلى اللافتات التي ملأت المكان حولنا، و على الجانب الآخر من الشاطيء، لنجد أننا لسنا في الإسكندرية، بل في مملكة يارا - التي تتحدث العربية - التابعة لمملكة تايلاند ..
نحاول تدبير طريقة للعودة إلى الديار، لنقابل أستاذًا جامعيًا إنجليزيًا من المهتمين بالشأن الداخلي المصري، يخبرنا إنه قادم من أجل مؤتمر أو لقاء عن مصر، يقام هنا في مملكة يارا، و إنه يستطيع تدبير طريقة للعودة إلى مصر بعد انتهاء المؤتمر، و يدعونا للحضور فنوافق، على أمل أن تنتهي هذه المشكلة ..
سرنا معه و قد فوجئنا أن المؤتمر مقام في أحد الأسواق الشعبية، التي اتخذت مسحة جنوب-شرق آسيوية بامتياز، بأولئك الباعة المتراصين تحت أقمشة تظلل عليهم مشدودة بين أربعة قوائم .. وصلنا المكان المنشود، الذي لم يكن سوى "شادر" كهذه الشوادر التي يقيمها المرشحون في الانتخابات، و قد اصطفت المقاعد الخشبية في صفوف أمام منصة بدائية يجلس إليها المتحدثون في هذا المؤتمر الذي اكتشفنا أنه عن انجازات وزارة التعليم العالي في مائة عام ..
جلست في المقدمة، بينما جلس رفيقاي في الصفوف الخلفية - كعادتهما في الحياة الواقعية - و بدأت الكلمة الافتتاحية بفيلم قصير يستعرض هذه الإنجازات، التي لا اذكر منها سوى إدخال رقم الجلوس لأول مرة في مصر عام 1889 - على وجه التقريب ..
تشوشٌ في الإرسال، و تشوهٌ في الصورة، لينتهي الحلم باستيقاظي مندهشًا من كل هذا ..
8.1.10
أحلام الفتى الدائخ - الحلم الرابع
كعادة أحلامي تبدأ فجأة و دون مقدمات، إذ أجد نفسي في غرفة ما أرتدي البالطو الأبيض، و بجواري أحد زملاء الدراسة .. اكتشفت فيما بعد أن هذه الغرفة هي بالطابق السادس أو السابع من المستشفى الميري، الذي انتقل من الأزاريطة إلى ميدان الرصافة بمحرم بك .. كنت أتحدث إلى أحد المرضى أشرح له كيفية إعداد "الراوتر" الخاص به للاتصال بالإنترنت، و كيف يتم تعريف الجهاز لديه على خدمة الإنترنت اللاسلكية، بينما كان صديقي "يعالج" أحد الرسوم الهندسية الخاصة بإحدي الشقق ..
و بينما نحن على هذا الحال، حدث أن أتى نذير أن حادثة على الطريق قد وقعت، و أن الإسعاف سينقل ضحاياها إلى المستشفى، فنزلت أنا وصديقي إلى الشارع لأداء الصلاة، لاكتشف في منتصف الطريق أنه أصبح صديقًا آخر ..
وصلنا المسجد الذي كان يضع على عتبته مجموعة من المجسات و سماعات عملاقة ينطلق منها صوت القارئ يتلو القرآن، و كلما ضغط أحدهم على المجسات الموجودة في العتبة خفت الصوت شيئًا فيشيئًا، حتى إذا خفت الصوت تمامًا، كان معنى ذلك إكتمال العدد لتبدأ الصلاة، و استيقظ أنا من النوم ..
11.9.08
أحلام الفتى الدائخ - الحلم الثالث
يبدأ الحلم بمشهد تظهر فيه نشوي مصطفي كما كانت في فيلم أحلام الفتي الطائش - أي في صورة طبيبة بيطرية - و هي تدخل شقتها التي وضعت في مدخلها طستًا فوقه مرطبان زجاجي عظيم و داخل الطست هناك "سيد قشطة" صغير ما أن رآها حتي خرج من الماء و ضحك لها بأسنانه السوداء حالكة السواد، بينما تنظر إليه شذرًا و تسبه قائلة: "يا حلقوم .. يا بلعوم" .. ثم ينتقل الحلم بي إلي أنني سأتولي تهريب هذا السيد قشطة إلي موطنه الأصلي فأهرب به إلي ألمانيا لأكتشف أنه أصبح دبًا قطبيًا بني اللون ..
دخلت به معرضًا للإلكترونيات و الأجهزة المنزلية، و قد أبدي تفهمًا كبيرًا للإنجليزية و إن بدا عليه بعض الغباء، حيث سنحصل من هناك علي وسيلة لتهريبه إلي موطنه الأصلي - القطب الشمالي - و لذا فقد وقفنا طويلاً أمام عدد من التلفزيونات الـ LCD لنختار منها ما سينقلنا إلي هناك، حيث سيفتح هذا التلفزيون فجوة في الزمان و المكان - الزمكان - لننتقل منها للقطب الشمالي، لكنني للأسف استيقظت مباشرة بعد أن دخلت في الشاشة بعد الدب و لم أعرف - و يا حسرتاه - إلي أين ذهبت بالضبط ..
12.7.08
أحلام الفتى الدائخ - الحلم الثاني
رأيت أنني و المهيس الأكبر ذاهبين إلي مكان ما لحضور حفل خطوبة أخته، و لمعلوماتكم، فإن أصغر أخت للمهيس الأكبر تكبره بفارق زمني جعلها تتزوج و هو في السابعة (!) .. المهم أننا ذهبنا، و كان الحفل في مدينة السلعوة، و تحديدًا في قاعة أفراح السلعوة ..
وجدنا القاعة لم تجهز بعد، ففررنا أن ننتظر في خرابة بجانب القاعة، و نمنا في الشارع جوارها، و لأنا في مدينة السلعوة، فلا بد لنا من حماية أنفسنا من السلعوة، و قد كان .. لبس كل واحد منا (كرنبة) كاملة فوق رأسه لتحميه من خطر السلعوة، و إن هي إلا ثوان حتي جهزت القاعة و بدأنا حفل الزفاف ..
كانت القاعة عبارة عن منحدر في المنتصف فيه العروسان، و منطقتان مرتفعتان علي الأجناب لجلوس المدعوين .. بينما العروس مع العريس في (الكوشة) إذ بنا نجدها إلي جوارنا - أنا و المهيس الأكبر - تتحدث معنا و لست أذكر فيم .. المهم أنها جلست معنا فترة حتي حانت الزفة فقفزت من جانبنا لتجلس بجوار العريس، ثم خرجت الزفة من المنحدر، و صوت عمر دياب يغني في الخلفية "ظلموه .." بينما خرجت العروس من المنجدر حيث كانوا حولاء و خلفها العريس يلطم حاملا ذيل فستانها ..
ملحوظة قصيرة قبل أن نكمل .. تلك التي قلت إنها أخت المهيس الأكبر ليست أخته في الواقع، لكن هذا هو الإحساس الذي راودني لحظتها، فالوجه الذي رأيته و الذي من المفنرض أنه لأخت المهيس الأكبر هو لآنسة أخري تمامًا هي حاليًا في عداد المخطوبين .. و لكن دعونا من هذه النقطة ..
كجزء من برنامج الفرح، أعلنت أستاذة من طب المنصورة أنها تجري دراسة علي الأزواج الجدد و كيفية تقسيم الشقة .. أعطتهم غرفة 6 × 6 و طلبت منهم تجهيزها بحيث تفي بكافة احتياجات المنزل .. و بعيدًا عن التفاصيل، فقد توصلا إلي وضع الأطفال المنتظرين فوق الأرفف التي امتلأت بها جدران الحجرة و الاستغناء تقريبًا عن الحمام ..