‏إظهار الرسائل ذات التسميات أحلام الفتى الدائخ. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات أحلام الفتى الدائخ. إظهار كافة الرسائل

3.11.11

أحلام الفتى الدائخ - الحلم الخامس عشر



الحلم الخامس عشر: مذاق مختلف للامتحانات

كنت أجلس في الصف الثالث أو ربما الرابع في حجرة ضيقة إلى حد ما، اكتشفت بعد لحظات أنها لجنة امتحان .. هكذا بدأ الحلم فجأة و دون مقدمات كالمعتاد .. كان امتحانًا في مادة اللغة العربية (الورقة الأولى؛ على غرار أوراق امتحان الباطنة الثلاثة التي أنهيت امتحانها منذ أيام) للمرحلة الثانية من الثانوية العامة، المعروفة محليًا بالصف الثالث الثانوي .. كان الامتحان طويلاً مزعجًا و مليئًا بأسئلة كثيرة من خارج المنهج، ما جعل الأمر متشابهًا إلى حد كبير مع ما جرى فعليًا في امتحانات الباطنة، لا أعادها الله ..

أتذكر سؤالاً بالتحديد، استرعى انتباهي، ليس لذاته بل ربما لما سأذكره بعد قليل .. كان السؤال عبارة عن قطعة من قصة ليوسف القعيد اسمها الفرعون1 (رقم 1 ليس خطأ مطبعيًا) .. قصة قصيرة تحكي عن فرعون أمر باستصلاح أرض ليزرع فيها ثورًا ذهبيًا، فأحضر لها أفضل طمي في مصر، و خلطه بعسل النحل الذهبي الصافي، و شمع النحل، ليكون تربة جيدة لاستزراع هذا الثور، كي يقدمه قربانًا للآلهة ..

جلست أكتب و أكتب و أكتب كما لم أفعل من قبل .. بعدما استيقظت شعرت أنني كنت أشبع شعوري بالعجز في مواجهة أسئلة امتحانات الباطنة الخزعبلية .. أذكر أنني أجبت أول سؤالين في الحلم في ثلاثين صفحة !

كانت كراسات الإجابة كتلك التي يستهلكها الطلبة في المدارس، لا كراسة الامتحانات القياسية التي اعتدنا عليها .. أخذت أكتب و أكتب، ثم إذا بزميل في المقعد الذي هو أمامي يتساءل عن مغزى هذا السؤال العجيب الخاص بقصة الفرعون1، و التي ليست مقررة علينا من الأصل .. أجبته أني لا أعرف شيئًا، و أنني ذاهب لأشتري بعض الأشياء ..

تركت اللجنة – التي كانت في الحي الثالث من المنطقة الصناعية في العاشر من رمضان – لأجد نفسي في منطقة سبورتنج في لمح البصر .. كان الوقت ليلاً، رغم أن الامتحان كان في الصباح الباكر .. اشتريت عددًا من مجلة العربي  الكويتية و تصفحته لأجد قصة الفرعون1 منشورة فيها "بشكل حصري"، و هو ما يعني أنها نشرت يوم الامتحان، إمعانًا في التعقيد و الإرباك ..

تصفحت القصة سريعًا، و عرفت منها تلك التفاصيل التي رويتها منذ عدة سطور، و تذكرت أن سؤال الامتحان كان عبارة عن مغزل يدوي و قد غُمس في شمع و عسل نحل و وضع كما هو – و ليس صورة منه – في ورقة الأسئلة .. كان هذا هو رأس السؤال، أما السؤال فكان عن استخدامات العسل في مصر الفرعونية، أو شيء من هذا القبيل ..

عدت للجنة مرة أخرى، لأكمل إجابة الامتحان، الذي بدأنا نتناقش فيه مبدين تذمرنا من صعوبة الأسئلة .. لا أذكر أن مراقبين – أيًا كان عددهم – كانوا يمرون بنا، بل كان الأمر مفتوحًا جدًا .. لست أدري ماذا كانت تمثل تلك الورقة التي سحبتها، و لست أدري عمّ كانت تتحدث بالضبط، لكنني وجدتها فجأة تحت يدي اليسري كأنما نبتت من العدم، في ذلك الفراغ بيني و بين الجالس جواري في اللجنة .. كانت صفراء بعض الشيء و عليها كتابة لست أذكرها، لكنني أذكر أنني وقعت عليها بيسراي بسلاسة تامة، بينما كنت أواصل الكتابة بيميني بسرعة شديدة، قائلا لجاري إنه يمكن أن يأخذ توقيعي من هنا، و شعرت لحظتها أنني كمن يوقع "أوتوجرافًا" ..

تركت اللجنة مرة أخرى و لست أدري ما السبب، لكنني قررت العودة إليها سريعًا .. كنت أطير في الهواء – وضعي المفضل في أغلب أحلامي – كأنني أنزلق على سطح أملس، طيرانًا انسيابيًا هادئًا مريحًا للأعصاب، بالرغم من أن ما كان يحيط بي لحظتها ليس بهذه الشاعرية .. كان الوقت نهارًا، رغم أنه كان ليلاً منذ لحظة، و لا أدري ماذا فعلت تحديدًا لكنني قررت العودة مرة أخرى للجنة .. واصلت طيراني الإنزلاقي مستكشفًا المنطقة من حولي .. كانت كأنها سور بجوار شريط قطار، و السور من العلو بحيث لا ترى شيئًا مما وراءه، لكنك تعرف قطعًا أنه شريط سكك حديدية .. كنت أطير بحذاء السور حتى وصلت إلى منعطف أوصلني إلى منطقة أسفل عدد من الكباري المتقاطعة .. كنت أنزلق بالمقلوب على السطح السفلي للكوبري، بدلا من أن أسير أسفله، و قد لاحظت انتشارًا كثيفًا للقوات الخاصة، بذلك الزي المميز الذي ذكر بالفرقة 777 ..
ناورت أولئك النفر من القوات الخاصة، و راوغتهم حتى وصلت لباب اللجنة، الذي اكتشفت للمرة الأولى منذ بداية الحلم أنه يقع في كهف عظيم من كهوف منطقة العاشر من رمضان، و إني أطلب منك أن تتجاوز عن هذه النقطة الجغرافية، فهي ليست أسوأ ما في الحلم بالتأكيد ..

عبرت بوابة الكهف، التي كانت باتساع مسجد محمد علي تقريبًا، و اكتشفت أن الكهف من الداخل متسع بصورة تذهل الألباب، أما اللجنة ذاتها فكانت قبوًا في قاع الكهف، لا بد كي أصل إليه أن أدمر كل الفضائيين المتمركزين في أنحاء متفرقة من الكهف .. توجهت إلى الغرفة الأولى، أو الفجوة الأولى في الكهف، لأكتشف أنها القيادة المركزية التي يتولاها والدي، فما كان مني إلا أن ضربت الباب بقبضة يدي التي تحولت كقبضة فتى الجحيم Hell Boy اليمني، و إن زادت عليها أنها أخرجت عددًا من الزوائد الميكانيكية بعدما اصطدمت بباب الفجوة، منتشرة داخل الغرفة التي اشتعلت نارًا، و فتحت لي فجوة زمكانية في أرضيتها كي انتقل إلى اللجنة مباشرة ..

غصت في أرضية الغرفة كأنني أسبح في طبق من الهلام، و اختفى المشهد تمامًا ليبدأ حلم آخر مختلف شكلاً و موضوعًا ..

كان الحلم الثاني قصيرًا نوعًا ما، و لم تكن فيه تفاصيل كثيرة، اللهم إلا أن عميدنا الحالي، و عميدنا السابق، قررا – أو ربما قد استجابا لدعوة من أحد الطلاب – كي يلعبا مباراة كرة قدم ودية .. لم أشهد المباراة، بل شهدت هذا الحفل الصغير الذي أقيم قبلها، و الذي حضره العميد السابق بنسختين منه، نسخة شابة و نسخة في عمره الحالي، بينما فقد العميد الحالي نصف وزنه على الأقل، أما ما كان في المباراة فلست أدريه، فقد استيقظت ..

25.9.11

أحلام الفتى الدائخ - الحلم الرابع عشر



الحلم الرابع عشر: أشياء في السياسة، و أشياء في الطب

كعادة كل أحلامي، بدأ الحلم بداية مشوشة مرتبكة، لكنني استطعت بسهولة التعرف على المكان، رغم التغير الكبير الذي طرأ عليه، و الذي أكاد أقول جعله شيئًا آخر لا علاقة له بالأصل على الإطلاق .. قاطنو الإسكندرية يعرفون منطقة الأزاريطة و تفاصيلها، على الأقل بما يخدم وصفي و سردي للأحداث ..

البداية كانت على الكورنيش في مواجهة أرض كوتة و تلك الملاهي العرجاء المجاورة لها، حيث بداية شارع شامبليون الذي ينتهي بميدان الخرطوم حيث كليتي حفظها الله من كل سوء .. هذا ما هو كائن على أرض الواقع، أما ما كان في الحلم فلا علاقة له من قريب أو بعيد بكل هذا ..

كنت أسير على الكورنيش، شاعرًا أنني "أسبح" أو "أنزلق" فوق الأرض انزلاقًا سريعًا، كأنني أركب سيارة تسير بسرعة تتجاوز الستين كيلومترًا في الساعة – و لا تسل كيف حسبت سرعتي، فالأمر كله إحساس داخلي – في الاتجاه المؤدي إلى المنشية، ثم نظرت إلى يساري فرأيت المساحة التي تشغلها أرض كوتة – أرض المعارض السكندرية، أو هكذا جعلوها – قد شغلتها عدة مبان هائلة الحجم عظيمة الاتساع لا يمكن بحال أن تستوعبها المساحة الأصلية للأرض الفضاء أصلاً، و الأدهي من ذلك هذا الطابع القوطي المميز الذي صبغها كلها، حتى شعرت أنني انتقلت لعصور أوروبا المظلمة، رغم أن هواء بحر الإسكندرية كان يصدمني عن يميني ..

السور نفسه الموجود على أرض الواقع كان محيطًا بتلك المباني، بكل ما يحمله من قذارة و رسوم و إعلانات .. وجدت نفسي فجأة داخل الأسوار كأنني طرت فعبرت طريق الكورنيش في لمح البصر – و هو ما لا أستطيعه و أنا في كامل وعيي – و اخترقت السور دون أن يمسسه أو يمسسني سوء، و انطلقت بنفس الانزلاق السريع اتجول بين تلك المباني ..

كان المبنى الأقرب للكورنيش هو مسجد البارون "......"، و لست أذكر حقًا اسم البارون، لكنه كان اسمًا شاعريًا موسيقيًا حزنت حقيقة أنني نسيته .. ثم انطلقت فإذا وراءه كنيسة لم أدر لها اسمًا، لكنها كانت بضخامة المسجد تقريبًا، و كلاهما حمل شيئًا من آيا صوفيا بالإضافة للطابع القوطي الذي صبغها من أعلاها إلى أسفلها .. القباب الواسعة المفلطحة تحديدًا هي التي أعطتني هذا الإيحاء القوي ..

لسبب ما لست أدري ما هو شعرت و أنا أنزلق بين تلك المباني كأنني أسير في شوارع قصر المنتزه – القصر الرئاسي ذو الحديقة الغناء، و قبلة العشاق الليلية ..

واصلت انطلاقي الانزلاقي، و إن هي إلا ثوان حتى غابت الشمس أو كادت – و قد كان الوقت عصرًا منذ لحظات – بينما وصلت إلى منطقة تشبه – لو أنك تذكر هذا المشهد من الأفلام الأمريكية – المنطقة الواقعة بين بنايتين، بكل ما فيها من فوضى و صناديق قمامة و سلالم حريق و قطط و كلاب ضالة .. كان هذا هو المكان الذي وصلته، و إذا بي أرى عجبًا ..

كانوا مجموعة من الرجال مجتمعين، جالسين على مقاعد خشبية كتلك المنتشرة في المقاهي الشعبية، يجلس أحدهم في الصدارة بينما يتحلق الباقون حوله في نصف دائرة .. لم أنتبه تمامًا لعددهم، و أظنهم ما بين الأربعة و الخمسة، و يقف خلفهم و حولهم عدد آخر من الأشباح لم أتبين لمن هم، لكنني عرفت من الجالسين على المقاعد، و هذا هو العجب ذاته ..

أما الجالس في الصدارة فكان حازم صلاح أبو إسماعيل، و أما المتحلقون حوله فقد تبيّنت منهم العوا و عمرو موسى، و أغلب الظن أن الباقين الذي لم أتبينهم هم بقية المترشحين للرئاسة؛ البرادعي و حمدين صباحي و أبو الفتوح، في تأثر واضح مني لمشهد اجتماعهم منذ أيام، ثم استمعت لشيء من حديثهم فكانوا يتحدثون عن السفارة الإسرائيلية، و هنا كان موطن العجب الثاني ..

كانوا يتحدثون عن أن إمدادات السفارة من الوقود  في تضاؤل مستمر لوجود تسرب حاد في "قعر" السفارة، و هي فرصة جيدة لإمداد السفارة بوقود مغشوش يمكن معه أن نفجرها عن بعد .. العجيب أن الكلام بدا لي منطقيًا جدًا لحظتها، و التمعت أمامي صور تعبيرية – إن صح التعبير – عن السفارة و هي طائرة في الفضاء و الوقود يتسرب منها كأنها برميل مثقوب، ثم مشهد آخر و النار تلتهم السفارة و تفجرها تفجيرًا ..

لم أكن واقفًا استمع، بل كنت أواصل انزلاقي الذي لازمني من بداية الحلم، إلا أنني تباطئت قليلاً كأنني أنزلق بالتصوير البطيء، و أخذت أطوف حولهم كالشبح؛ أراهم و لا يرونني، و أحلق فوق رؤوسهم كأنني أحرسهم .. ثم انطلقت مبتعدًا و أشرقت الشمس مرة أخرى، و اختفى المشهد كلية من أمامي ..

وجدت نفسي فجأة في الطابق الرابع من مستشفى الشاطبي للأطفال، وسط جمع غفير من زملائي، كأننا في امتحان أو ما شابه، و كلنا نرتدي الأردية البيضاء و نبدو على أتم استعداد، و هو ما عزز شعوري بجو الامتحانات .. المستشفى قريبة من مكان المشهد الأول، لذا لم أتعجب كثيرًا من وجودي فيها .. ثم وجدت أن نفرًا من الأساتذة يدعونا للمرور على الحالات لتفقدها و تقييمها، لأكتشف لحظتها أننا أصبحنا جميعًا أطباء امتياز، و أن هذا الجمع الغفير سيشن هجومًا مريعًا على المرضى لفحصهم، إلا أن ظني قد خاب لسبب سأذكره لاحقًا ..

دخلت إلى الحجرة الأولى إلى يميني، حيث العناية المركزة – في الحلم فقط لا الحقيقة، ففي الحقيقة تحتل دورة المياه هذا الموقع – لأجد طفلة كنت أتابع حالتها عندما كنت أؤدي تدريبي العملي في المستشفى .. وجدتها راقدة و قد انتفخت من الكورتيزون الذي كانت تتعاطاه كعلاج لحالتها المزمنة، فتوجهت إليها متسائلاً عن سر تواجدها ها هنا ..

لم تكن الفتاة هي نفسها، و لم تكن الأم هي نفسها، لكن الإحساس الذي غمرني لحظة رؤيتهما أنها هي ذات الطفلة و هي ذات الأم .. على أية حال لم أصل إلى إجابة محددة لسؤالي، فبدأت أتفحص الطفلة، لأجدها بالإضافة لما هي فيه من آثار علاج الكورتيزون قد أصيبت بحول عجيب؛ فكل عين تتحرك منفردة دون رابط أو ضابط، حتى شعرت أن عينيها عروستا ماريونيت معلقتين بخيوط يحركهما أحد العابثين و قد جلس خلف المقلتين ..

تركتها و خرجت من الغرفة، و قد يأست من الوصول لجديد، بالإضافة لشعور عميق بـ"الدهولة" و انعدام التوازن غمرني إثر رؤيتي إياها، و لمحت على البعد أحد أساتذتي يجري مسرعًا، و كنت أود سؤاله عن حالة هذه الطفلة لكنه ابتعد سريعًا، و على كل، فقد صرفت اهتمامي عن الأمر برمته لما رأيت ما آل إليه الطابق الذي أنا فيه ..

وجدت أن الممر بأكمله قد امتلأ بأكوام الرمل و الأسمنت و الحجارة، و أجزاء من الحائط قد تهدمت – و لم تكن هذه هي الحال قبل أن أدخل الغرفة – و زملائي أجمعين واقفين يحاولون الانتقال من طرف الممر الذي أنا فيه للطرف الآخر، مرورًا بأكوام الرمل و الحجارة هذه، و لم يقترب أي منهم من أي حجرة من الحجرات المتناثرة يمينًا و يسارًا، فانطلقت معهم لأجدهم متباطئين للغاية، ثم اكتشفت السر عندما تقدمت خطوات ..

على جانبي الممر كانت صناديق بيبسي و سفن أب مفتوحة على مصراعيها، مثلجة و جاهزة للشرب، في عبوات جديدة سعة لتر و نصف، متاحة مجانًا لمن أراد، كعرض ترويجي لهذا الشكل الجديد من المشروب الغازي .. كانت الزجاجة إسطوانية طويلة، ربما بطول ثلاثين سنتيمترًا، رفيعة بقطر قد لا يتجاوز السبعة سنتيمترات، و قد زُينت بنقوش جديدة تمامًا على سطحها الخارجي .. أخذت زجاجتين، و أنا استمع إلى مندوب بيبسي الذي أخذ يؤكد مرارًا و تكرارًا أن الزجاجات مجانية تمامًا لمن شاء أن يحمل ما شاء، و أنها هدية من شركة بيبسي ..

فتحت زجاجة سفن أب لأجدها قد فارت و أغرقتني، و استيقظ من نومي دون أن ارتشف منها شيئًا ..

22.9.11

أحلام الفتى الدائخ - الحلم الثالث عشر


الحلم الثالث عشر: ما بين النوم و اليقظة

بت أعاني في الفترة الأخيرة من اضطرابات في نومي، جعلت عشر ساعات متصلة من النوم أمرًا مستحيلاً، و لم يعد من الممكن أن تمر هذه الفترة دون أن استيقظ ثلاث مرات أو أربع، دون أي سبب واضح في كثير من الأحيان، استيقاظًا لا هو المذهب للنوم الجالب لليقظة و الانتباه، و لا هو الخالي من الهلاوس و الأوهام، ليتمزق نومي كل ممزق، و أفقد لذة فقدان الوعي المتصل الهاديء .. في الماضي التليد كان بإمكاني النوم لخمس عشرة ساعة متصلة دون أن أفيق إلا في نهاية الرحلة، أما الآن فلم يعد هذا في الإمكان على الإطلاق ..

و رغم أن هذا يسبب لي الكثير من الإزعاج و الإرهاق، إلا أنه أفرز في الوقت ذاته عددًا من المواقف، تقع كلها في تلك المنطقة الرمادية ما بين النوم و اليقظة، لست أنكر أنها أضحكتني حد الوقوع أرضًا، رغم أنها تقلقني لأسباب قد أذكرها لاحقًا .. على أية حال، فإنني أظن أن أبلغ مثالين على تلكم المواقف هذان اللذان سأرويهما ها هنا ..

أما الأول فأحب دائمًا أن أحكيه من نهايته، و نهايته كانت و أنا جالس وسط العائلة الكريمة في مساء أحد الأيام، و إذا بأمي تتساءل في اندهاش عن سر هذا البيض النيئ الذي لوث المطبخ، و تبقت آثار منه على حوض الأطباق و الصنبور، في ظل غياب تام لأي دليل يشير إلى قلي أو سلق أو ما شابه ..

و لأننا جميعًا كنا نجهل تمامًا عم تتحدث، فقد أبدينا دهشتنا مما تقول، و قد كنت أكثرهم دهشة و استغرابًا، لشعوري الدفين أن شيئًا ما مما تقول متعلق بي، لكنني لست أذكر و لا أستطيع أن أتذكر متى و لا أين و لا كيف و لا لماذا ..

ثم على حين غرة اشتعلت شمعة الذاكرة داخل تلافيف مخي الصدئة، و تذكرت ما كان ..

كان هذا في الليلة التي سبقت هذا المساء المليء بالدهشة و التساؤل .. أذكر أنني كنت أحلم، لكن عن أي شيء كان هذا الحلم فلست أذكر على الإطلاق، لكنني من ملابسات الحادث أقول إنه كان يتعلق بشكل أو بآخر بالطبخ و المطبخ .. استيقظت في جوف الليل، أو بمعنى أدق قمت عن السرير لكنني لم استيقظ بعد، و لا يزال الحلم دائرًا في مخيلتي، ثم توجهت إلى المطبخ ..

أذكر أن المصباح كان مضاءً، فاتجهت مباشرة إلى الثلاجة، و أخرجت منها بيضة انتقيتها بعناية، و لا زلت حتى هذه اللحظة اتساءل عن سر تدقيقي في الانتقاء، لكنني على يقين أنني لن أعرف قط .. تمتمت بأصوات غير مفهومة، و بعدما اطمئننت إلى البيضة و أنها هي المطلوبة، توجهت بها إلى الحوض و كسرتها على الصنبور، ثم وضعت كل نصف في يد، و أخذت أنقل المح من نصف إلى آخر، بينما الزلال يتساقط ذاهبًا إلى شبكة الصرف، حتى إذا فصلت كلاهما – المح و الزلال – أسقطت المح في يمناي، ملقيًا بالقشرة في صندوق القمامة القريب مني، ثم ضغطت مح البيضة الكائن في يميني فتفتت عنه ذلك الغشاء الذي يجعله شيئًا واحدًا، و لوث لونه الأصفر يمناي، التي وضعتها فوق يسراي و حركتهما سويًا كأنني أغسلهما في الوضوء، ثم مسحت شفتاي بالمح و أنا اتمتم أن كل شيء سيصير على خير ما يرام، و أن المقادير ستخرج مضبوطة هذه المرة (و هو الأمر الذي يجعلني أظن أن الحلم كان متعلقًا بالطبخ و المطبخ)، ثم غسلت يداي دون فمي، و أطفأت الأنوار و عدت إلى سريري أكمل نومي كأن شيئًا لم يكن ..

العجيب و المثير للدهشة ليس أنني نسيت تمامًا كل هذا، و لم أكن لأتذكره لولا أن أمي ذكرته، لكن العجيب هو أنني عندما تذكرت هذه التفاصيل، تذكرتها تجري أمامي كأشباح أحلامي .. ضبابية مشوشة أتذكر أغلبها كأحاسيس و خبرات شعورية أكثر منها صورًا  و مشاهدات، و هو الأمر الذي يعني أنني كنت لا أزال أحلم، رغم أنني – طبقًا لقوانين الطب التي درستها، أو هكذا أظن – تغيرت من وضع النائم إلى وضع المستيقظ، و هما وضعان يتمايز فيهما نشاط المخ تمايزًا كبيرًا، إلا إذا كان نشاط مخي واحدًا في الحالتين، و هو أمر لا استبعده حقيقة !

أما الموقف الثاني فكان مزعجًا و مثيرًا للتوتر طوال حدوثه، لكنني لم أتمالك نفسي من الضحك حقًا عندما تذكرته في الصباح ..

بدأ الأمر باستيقاظي – استيقاظًا حقيقيًا هذه المرة، و إن كان مشوبًا ببلبلة المستيقظ لتوه – على وخز قوي في جانب صدري الأيسر، مع فشل مزر في التقاط أنفاسي .. استيقظت ملتاعًا مفزوعًا و لم يكن بخاطري سوى شيء واحد؛ هذه ذبحة صدرية غير مستقرة، أو لقرائي من الأطباء Unstable Angina .. كان هذا أول ما جال بخاطري لأسباب عدة، أولها أنني حتى وقت قريب – أربع سنوات مضت – كنت على شفا حفرة منها، و لأن الوخز جاء في الجانب الأيسر، و لأنني لم أكن قادرًا بحال على التقاط أنفاسي و كلما حاولت فشلت و ازداد الألم أكثر ..

كنت مفزوعًا و لا شك، و أحاول بشتى الطرق أن أذهب الألم و أن التقط أنفاسي، و سيطرت عليّ فكرة واحدة: لا بد أن ابتلع قرص نيتروجلسرين الآن و دون إبطاء، لكن السؤال المنطقي: من أين لي بهذا ؟!

والدي يمتلك مكتبة عريضة من الأدوية، لكنه لم يضف إليها أدوية الذبحة الصدرية بعد، و هو ما يعني أنني إما أن ألقى حتفي، أو أن أذهب لأقرب صيدلية لأشتري منها .. لست أدري أي شيء اخترت من هذا، لكن الأكيد أن القرار الذي حظي بالتنفيذ هو أنني عدت إلى النوم كجوال الرمل .. جثة تغط في نوم عميق احتل البحث عن النيتروجلسرين كل مشاهده ..

كنت أبحث في لهفة محمومة .. اعتصر ذاكرتي عل قرصًا فر هنا أو هنالك، أو أتى خطأ إلى منزلنا، و عندما أعياني التفكير، أخذت أبحث في تلافيف مخي عن مصدر آخر للنيتروجليسرين غير الأدوية، و قفز لذهني أن أبحث عن طعام يحمل بين جزيئاته تلك المادة التي أصبحت معلقًا بها كقشة الغريق ..

أعياني التفكير مرة أخرى فاستيقظت لأكمل البحث المحموم، خاصة و أن الوجع كان على حاله لم يتغير، إن لم يكن قد زاد عن السابق .. قمت عن مرقدي و أخذت أتجول في المنزل .. ذهبت إلى الصيدلية التي يحتفظ فيها والدي بأدويته و بحثت فلم أجد، ثم ذهبت إلى المطبخ فلم أجد لدينا أي شيء من اللحوم المصنعة – اللانشون، البلوبيف، البسطرمة – و التي هي غارقة في النترات كمواد حافظة، و مكسبات للون الأحمر الزاهي ..

أعياني التفكير مرة ثالثة فعدت إلى النوم العميق هذه المرة بلا أحلام و لا إزعاج، اللهم إلا بعض المناوشات حول أفضل سبيل لعلاج ما أنا فيه قبل أن يتطور الأمر إلى ما لا تحمد عقباه، و لست أدري كيف كان ليتطور، و هو الذي لو كان به شيء مما توهمت لقضى عليّ من أول مرة استيقظت فيها، لكن حالة البلبلة و الاضطراب كانت أكبر من أن اتنبه لأي تفاصيل ..

عندما استيقظت في الصباح الباكر و أخذت أفكر – و أنا في كامل وعيي – فيما حدث في تلك الليلة الطويلة، و أتدارس هذا الألم الذي ألمّ بي و أحلله، وجدت أن الأمر لم يتعد التهابًا بسيطًا في الغشاء البلوري المبطن للقفص الصدري، لكن عقلي الباطن مدفوعًا بحالة التوتر التي أعيشها تلك الأيام – و لدراسة الطب فيها النصيب الأكبر – أحالت أبسط الأشياء إلى مشكلة كبرى، زادها بلة حالة اللانوم و اللايقظة التي بت أعاني منها مؤخرًا ..

قلت في بداية الحديث أن ما يحدث يقلقني بقدر ما يضحكني، و هو يقلقني ليس لأنه يعني مباشرة أن دفاعاتي النفسية ضد صروف الضغط العصبي تنهار شيئًا فشيئًا، و أولى دفاعاتي هي اللاوعي الذي أطلق عقاله أثناء نومي فيقتص لي من كل ما حدث طوال النهار، بل لأنني أدرك أنا ما أواجهه الآن ليس سوى غيض من فيض، و أن الضغط العصبي الحقيقي آت بضراوة و هو لا يشبه هذا الذي أنا فيه إلا في الاسم، و هو ما يعني أنني قد أصبح نزيلاً ممتازًا في أي مصحة نفسية مع أول اختبار حقيقي في هذه الحياة ..

إلا أنني رغم هذا التفكير السوداوي المقبض، أؤمن إيمانًا عميقًا أنه ما من هم يأتي فيقصم ظهر ابن آدم، إلا و يأتي معه فرجه ..

29.4.11

أحلام الفتى الدائخ - الحلم الثاني عشر


الحلم الثاني عشر: عملية إنقاذ

كان النهار الذي سبق حلمي هذا قد شهد المرة الأولى التي أتجول فيها في مستشفى الشاطبي للأطفال متدربًا .. كنت أتفقد مع صديق لي الحالات المحجوزة، نسأل الأم عما حدث و كيف حدث، و نحاول أن ننمي حسنا الطبي و مهاراتنا العملية، و كان من نصيبنا أن نصطدم في أولى تجاربنا بحالة لطفل أصابته نوبة حادة من تكسر كرات الدم الحمراء، نتيجة تفاعل مناعي معين يُكوّن فيه الجهاز المناعي أجسامًا مضادة لكراته الحمراء، ما استلزم حجزه بالمستشفى ..

و بعيدًا عن الطفل و حالته، فإن ما رأيته ليلتها في منامي أثبت لي نظريتي القديمة لتفسير هذه الأحلام العجيبة التي أراها، و هي أن أحلامي ما هي إلا تفريغ للواقع الذي مررت به أو كنت شاهدًا عليه بصفة عامة، لكنه ليس "تفريغًا" فحسب، بل هو يعكس في الوقت ذاته عقلا باطنًا أشبه بطبق السلاطة، لا تستقيم فيه حقيقة أو يستوي فيه واقع، بل كلٌ مقلوب رأسًا على عقب، و ربما مقلوب بلا رأس و لا عقب .. على أية حال، فبعض الحالات القليلة جدًا تستثنى من هذا بالطبع، كتلك التي أوردتها في الحلم العاشر ..

بدأ الحلم بمشهد لا أذكر منه الآن تفاصيلاً كثيرة للأسف، لكنني أذكر مضمونه النهائي: هناك طفل نحن – و لست أدري من هم "نحن" هؤلاء، اللهم إلّاي – بحاجة إلى تأمينه و إنقاذه من مجموعة تحاول خطفه، لأن دمه يحمل أجسامًا مضادًا لفيروس خطير، و تلك المجموعة تحاول الحصول عليه للاستفادة منه، و الحصول عليه لن يكون إلا عن طريق "تصفية دم" الطفل كلية – و هي العملية القريبة إلى حد ما من أحد الطرق العلاجية المقترحة لحالة الطفل الذي شاهدته في المستشفى؛ إذ يجري تبديل دمه بدم آخر نقي من الأجسام المضادة، لإيقاف عملية التكسير المستمرة للدم .. كان الاجتماع حادًا بقدر ما أذكر، و كان هناك شخص ضخم الجثة عظيم المنكبين و الوجه أبيض الشعر يصرخ و يضرب بيده على المنضدة أن تأمين هذا الطفل "مسألة حياة أو موت" ..

تغير المشهد سريعًا لأجد نفسي بصحبة الأب الذي يحمل ابنه الرضيع نسير في شارع مظلم، فتقدمت الأب محاولاً التأكد من أن هذا المنعطف لا يحمل من يختبيء وراءه، و قد كنت محقًا .. برز لي على حين غرة شخص تعرفت عليه على الفور – لا أدري ألأنني رأيته من قبل، أم هو إحساس محض أنني أعرفه – فعدت أدراجي مسرعًا أحث الأب على الهرب، لأكتشف أنه يجري "بالتصوير البطيء" حرفيًا، فأخذت الطفل منه و انطلقت أنا أجري، لأكتشف أنه ليس الأب وحده يجري بالتصوير البطيء، بل كل مَن في المشهد باستثنائي ..

بلغت نهاية الشارع، لاكتشف أنني كنت بالقرب من منزلي منذ البداية، و أن هذا الشارع هو ذاته الذي كانت فيه مدرستي الابتدائية؛ إذ ببلوغي نهايته كنت أقف أمام كوبري كليوباترا حاملاً الطفل بين يدي، أختبيء من سيارة الإسعاف القادمة من بعيد بسرعة جنونية، و التي أدركت نتيجة لإحساس غامض أنها سيارة زائفة، ستتصنع حمل الطفل إلى المستشفى لتسلمه لتلك المجموعة فيما بعد ..

و لمن لا يعرفون المنطقة – و هم كُثر و لا شك – فإن كوبري كليوباترا يصل ما بين شارع أبي قير، وبين ميدان تتفرع منه عدة شوارع رئيسة، لعل أهمها شارع ألبرت الأول – الذي ينتهي عند المدينة الجامعية – و شارع توت عنخ آمون – الذي كنت فيه منذ لحظات – و شارع مصطفى كامل، حيث مقر نقابة الأطباء بالإسكندرية .. كنت أقف عند بداية شارع توت عنخ آمون عندما اختبأت من سيارة الإسعاف المسرعة، و اندفعت مسرعًا نحو مكتب تابع لهذه المجموعة التي أعمل معها من أجل تأمين الطفل – و المكتب على أرض الواقع هو مقر جمعية رسالة في الإسكندرية – أطلب تأشيرة "هروب" خارج البلاد من أجل تأمين الطفل بشكل كامل ..

لم أحصل على مبتغاي؛ إذ ظهرت مشكلة جواز سفري بني اللون الذي لا يصلح للهروب، بالإضافة إلى بعض المشاكل الأخرى التي لا أذكر منها شيئًا الآن، لكنني على أية حال استيقظت قبل أن أحلها جميعًا، أو حتى بعضًا منها، و يبدو – في النهاية – أنني لم أنجح في إنقاذ هذا الطفل المسكين ..

23.4.11

أحلام الفتى الدائخ - الحلم الحادي عشر


الحلم الحادي عشر: فيلم رعب !

اعتدت أن تعكس أحلامي اضطراب عقلي و تبلبل فكري أينما راح و حيثما حل، أكان هذا الاضطراب سلبًا أو إيجابًا؛ أكان الاضطراب نتيجة فرح طاغي أو اكتئاب مدمر .. اعتدت هذا، و اعتدته أكثر في فترة الامتحانات، مصاحبًا للضغط العصبي المريع الذي يملأ جنباتي وقتها، و هو الضغط الذي أشعر أنه آخذ في الزوال عامًا وراء عام، و كأنني لم أعد أبالي ..

هذه المرة سبقت اختبار مادة طب الأطفال .. أول اختبار بهذا الحجم من الدرجات منذ بداية العام، و في مادة كطب الأطفال ندرس فيها فروع الطب الباطني دفعة واحدة و نمتحن فيها دفعة واحدة دون تجزئة .. و رغم هذا الوصف المريع إلا أنني أحببت هذا الفرع من الطب، و تراودني نفسي أن أكمل ما بقي لي من حياة كطبيب متخصصًا فيه ..

على أية حال، فلم يكن هذا الحلم هو وحيد عصره، بل هو الثاني في سلسلة تألفت من ثلاثة أحلام، لست أذكر الكثير من أولاها، اللهم إلا مشهد كنت أرقد فيه على شريط السكة الحديدية منتظرًا قطارًا عملاقًا بحجم التيتانك كي يمر من فوقي، و لست أذكر من الثالث أكثر من أنني كنت أقاتل من أجل شيء ما، في مكان ما كأنه ساحة تدريب أوليمبية، مع وجود الكثير من المسوخ المزعجة، أما هذا الحلم، فأتذكره بالتفصيل ..

كنت أجري مستقبلاً ناصية شارعنا متوجهًا نحو بناية عظيمة تحتل الناصية بأكملها و حتى مسافة ثلاثين مترًا أو أكثر، يخرج منها دخان كثيف، أبيض ناصع البياض في الطوابق السفلى، و أسود فاحم السواد في الطوابق العليا .. أما هذه البناية التي تشتعل بهذا الحريق فهي على أرض الواقع ليست إلا أرضًا خرابًا استغلها صاحبها كمكان انتظار للسيارات، و بجوار هذه الأرض الخربة بناية صغيرة عتيقة من ثلاثة طوابق كان من المفترض أن يضمها صاحب الأرض إلى أرضه ليخرج علينا ببرج شاهق يسد عنا ما بقي من ماء و هواء، إلا أن هذا لم يحدث، و بقيت البناية كما هي؛ مسكنًا لعجوز متقاعد و مهندس يقضي أغلب وقته في أوروبا ..

انطلقت نحو البناية أريد معرفة سبب الحريق، و لست أدري ما الرابط الذي يوجد بين هذا المشهد و بين فيلم الرجل العنكبوت في جزئه الأول، الذي ينقذ فيه الرجل العنكبوت عددًا من الضحايا من مبنى اشتعل بنار عظيمة، الذي جعلني أشعر أن هذا المشهد في حلمي قد اقتطع من هذا الفيلم؛ فلا البناية كالبناية، و لا الشارع كالشارع، و لا أنا بكل تأكيد كالرجل العنكبوت ..

دفعت الباب الرئيس و دخلت، و انطلقت أنهب السلالم نهبًا، التي بدت لي لحظتها كتلك التي في البناية الحقيقية تمامًا، بذلك الطابع العتيق المنتمي لأربعينات القرن الماضي، حيث الدرجات الرخامية و "الدرابزين" المعدني الرفيع الذي يرتبط بدرجات السلم بقوائم معدنية رفيعة، تتخللها فراغات واسعة، تكشف من يعتلي السلم صاعدًا أو هابطًا .. انطلقت أنهب السلالم نهبًا، حتى بلغت الطابق الأول، لاصطدم بباب يبدو لمن خبر مثله أنه باب حجرة داخلية على الطراز العتيق الذي ينتمي إليه سلم البناية، فهو طويل يفوق الأمتار الثلاثة طولاً، و ضيق لا يتعدى المتر و ربع المتر عرضًا، و مزخرف بتلك الزخارف التي تجعلنا نقول في تعجب: "لقد كان أهل ذلك الزمان أناسًا مرتاحين بحق" .. طرقت الباب لأجد عجبًا ..

وجدت أمي و والدتها التي توفيت منذ عام، و جمع آخر من النسوة لا أعرفهن، يرتدين البياض بالكامل، من منبت الشعرإلى أخمص القدم، وجدتهن كلهن متحلقات حول تلفاز يبدو عتيقًا بحق، و قد انتبهن له بكل حواسهن، و كتلة خشب كأنها جذع شجرة ترقد في المنتصف يتصاعد منها دخان أبيض كثيف، هو ذلك الدخان الذي شاهدته يتصاعد من الطوابق السفلى للمبنى عندما كنت بالشارع .. سألتهن ماذا هنالك و ما خطب هذا الدخان، فأجابتني جدتي أنها تشعر بضيق في التنفس و لذلك أشعلت كتلة الخشب هذا ..

تراجعت، أو لربما كان الوصف الأدق هو أنني جريت مبتعدًا، تاركًا الباب مفتوحًا خلفي و قد عاود الجمع ما كنّ يفعلن، و راودني شعور قوي أنني ما كنت أتحدث إلا لنفر من الجن و العفاريت الذين سكنوا هذا المنزل و تلونوا بصورة أمي و جدتي، و هاته الجمع من النسوة، و الحق أن هذا الشعور منفردًا أصابني برعب شعرت به في انقباضة عضلات بطني عندما استيقظت ..

انطلقت إلى الطابق الثاني في محاولة لمعرفة مصدر الدخان المتصاعد من هذا الطابق، و في الطريق إلى باب الشقة الثانية تأكد شعوري أن المنزل مسكون و لا ريب، و هو ما جعل فكرة أنني محاصر و أنهم – ساكنو المنزل من الجن و العفاريت و مَن والاهم – قد يؤذونني تسيطر عليّ و تزيد رعبي و توتري أطنانًا، خاصة و أنك في عالم الحلم لا تلعب بقواعد محددة .. كل شيء مفتوح ..

وقفت أمام باب الشقة الذي انفتح، و لا أذكر هل لأنني فتحته أم هو انفتح من تلقاء ذاته، و داخلني شعور عجيب .. كنت أشعر كما لو أني أرى من خلال ماسحات زجاج السيارات، بحيث يكون إغلاق جفوني و فتحها كمرور الماسحات صعودًا و هبوطًا، و مع كل صعود و هبوط ينكشف أمامي جزء من المشهد الذي هو عبارة عن ساحة واسعة خالية تقريبًا، اكتشفت فيما بعد أنها الشيء الوحيد التي تحتويه الشقة بالإضافة إلى نافذة واسعة يقف فيها شخص ما بكل هدوء و شاعرية، بينما الدخان الأسود الفاحم يتصاعد كثيفًا لا من داخل الشقة، لكن - فيما يبدو - من "أمام" النافذة ..

مع كل صعود و هبوط ينكشف أمامي جزء من المشهد الذي هو عبارة عن ساحة واسعة خالية تقريبًا، على أرضيتها وجه كأنما دهسه قطار، فجعله كالجعين المسوّى .. يظهر لي مع كل إغلاق و فتح جزء من هذا الوجه و اكتشف أنه برغم حالته هذه ينظر إليّ بعينين ناريتين، ليتأكد داخلي شعوري السابق أنني محاصر داخل بيت تسكنه العفاريت ..

أتراجع في خوف يرقى بلا شك إلى مرتبة الهلع و الرعب، و أحاول الخروج بأي ثمن من هذا المبنى الملعون، لأستيقظ من النوم تسابقني دقات قلبي، و أحاول جاهدًا أن استجمع شتات نفسي لأقنعها أن ما سبق كان حلمًا، ليس أكثر ..

24.2.11

أحلام الفتى الدائخ - الحلم العاشر


الحلم العاشر: إنني أرى المستقبل !

لست ممن يؤمنون بقدرة المرء على روية المستقبل، رغم أنني أؤمن بأن الله قد يرسل إشارات لعباده فيها إخبار بشيء من الغيب، و هي المبشرات التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، يراها الرجل الصالح أو تُرى له، لكن ما أراه في منامي ليس يندرج تحت هذا بالتأكيد ..

أقول هذا في البداية لأنني واجهت ثلاثة أحلام، لست أرى العجب فيهم، بقدر ما أراه فيما تلاهم و صاحبهم من أحداث ..

دعوني أسرد الحلم الأول ..

بدأ الحلم بشكل مفاجئ بمشهد انهيار أحد العقارات، و بشكل ما، أحسست المشهد قريبًا مما حدث في الحادي عشر من سبتمبر .. ركام و غبار و قطع من الحجارة متناثرة في كل مكان، و كومة عملاقة من بقايا المنزل المنهار، و أمام هذا المنزل وقف مجموعة يصرخون في فزع، لكن المدهش كان ثباتهم؛ فرغم أن سقوط المبنى و لا شك سيصنع موجة من التضاغط تطيح بأي واقف في محيطه، فإن هؤلاء ظلوا ثابتين، و إن كان الرعب باديًا عليهم .. شعرت لحظتها كما لو كانوا يواجهون موجة تضاغط ناشئة عن تصادم أغطية الأواني لا انهيار مبنى كامل ..

بعد انقشاع الغبار بلحظات بدأ الناس يجرون في كل اتجاه للهرب من توابع السقوط، و هو ما لم أستطع تفسيره في ضوء ثباتهم العجيب .. في غمرة هذا التدافع انبرى اثنان يحاولان العثور على أفراد أسرتهم .. كان من الواضح الصبغة الجنوب-شرق-آسيوية التي تصبغهم، و قدرت أنهم من كوريا ..

انضم آخرون إلى هذين، و شكلوا دائرة، و أمسكوا بكتاب أبيض لست أدري من أين جاء بالضبط، لكن ما شعرت به لحظتها أنه وسيلة تواصلهم مع المفقودين تحت الأنقاض .. كنت أراهم كما لو كنت أرى مشهدًا في السينما، فيه شخصان يقفان قبالة بعضهما البعض، و الكاميرا تدور من حولهم بسرعة نسبية مع إبطاء على فترات ثابتة، فتعطيك الإحساس بإنك تدور في آلة طرد مركزي، تتسارع حينًا و تبطء حينًا .. أعلم أن الوصف معقد، لكنه الأقرب لما شاهدته لحظتها ..

كان الكتاب في منتصف الدائرة، معلق في الهواء، فكلهم يمسونه لكنهم لا يمسكونه، و كلما مسه أحدهم أبطأ المشهد قليلاً مع الإبقاء على دوران الكاميرا، و أشعر لحظتها أن هذا الشخص يبذل مجهودًا ذهنيًا كي يركز و يرى ما خلف الغبار، و كلما استطاع أحدهم التركيز بما يكفي في أحد المفقودين، انضم إليهم هذا المفقود ليأخذ مكانه في الدائرة ..

و في لحظة معينة، و كأنما هذا هو آخر المفقودين، اكتسى المشهد بياضًا، كما لو كنت أواجه الشمس على حين غرة، ثم انقشع كل هذا، و وجد هذان الباحثان عن أسرتهما نفسيهما في وسط أحد الشوارع البعيدة، التي تبدو كما لو كانت قد اقتطعت من نيويورك، و قد أمسك كل منهما بيد الآخر، و شخص على مقربة منهما يمسك الكتاب الأبيض و يودعهما، لأستيقظ بعدها ..

حتى هذه اللحظة، فلا شيء جديد .. هلوسة أخرى من هلوساتي المتعددة التي ربما اعتدتم عليها، لكنني كما قلت لا أرى العجب في الحلم ذاته، بل فيما صاحبه من أحداث؛ فذا الحلم رأيته في الثاني عشر من ديسمبر 2010، و هو اليوم الذي شهدت فيه الإسكندرية أعنف طقس على الإطلاق، و عندما قرأت عناوين الصحف في اليوم التالي صدمت بعنوان بالخط العريض: انهيار مصنع في الإسكندرية !

حسنًا .. لننتقل إلى الحلم الثاني ..

كان هذا على قدر ما أذكر في الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر الفائت .. كان حلمًا مشوشًا هو الآخر، و لست أدري من أين بدأ و لا أي المشاهد قبل أيها، لكن هذا لا يهم على أي حال، فهذا الحلم تحديدًا أشعر أن قراءته من بدايته لنهايته لا تختلف كثيرًا عن قراءته من نهايته لبدايته ..

المشهد الأول كان القاعة الرئيسة في أحد الكنائس .. قداس هائل لست أدري أهناك كنيسة يمكن أن تستوعب هذا الكم من البشر أم لا، لكن ما لاحظته هو جو عام من الهرج و المرج، لست أدري أهو لمصيبة حلت، أم هو جو الاحتفال و المرح .. لا يمكنني التحديد، فالمشهد لم يدم إلا لحظة، لا تتيح التيقن من أي شيء، و حتى معرفتي بإن هذا قداس في أحد الكنائس جاء من إحساسي بالمشهد، لا من علامة مميزة فيه، كصليب أو غيره ..

انتقلت في لمح البصر إلى مشهد آخر، و كان الانتقال من مشهد القداس إلى المشهد الجديد خاطفًا، و يشبه تأثير Motion Blur في الفوتوشوب (أعتذر لمن ليست لديهم خبرة في هذا البرنامج عن هذا التشبيه، لكنه الأقرب إلى ما رأيت)، و سرعان ما وجدت أمامي حجرة ضيقة خالية من كل شيء إلا من رجل عجوز، يرقد متكومًا في أحد الأركان، ثم سطعت للحظة أمام عيني صورة البابا كيرلس الثاني الشهيرة، التي يشخص فيها للسماء متضرعًا، و احسست أنه ذاك الرجل المتكوم في أقصى الحجرة .. إحساسي أثناء الانتقال من الساحة إلى الحجرة أنني أنتقل إلى طابق أعلى في الكنيسة ..

شعرت للحظة أنني أطير، ثم تكرر نفس تأثير Motion Blur هذا، و وجدت أنني أعلى الكنيسة، لكن الغريب هو طراز المباني الذي شاهدته، إذ كان و لا ريب يشبه مباني أوروبا في القرن التاسع عشر، بالمسحة القوطية المميزة لتلك البنايات، و لسبب ما، شعرت أنني في براج عاصمة التشيك، و لا تسألني لم هذه تحديدًا .. ربما هو الجو الشرق-أوروبي المخيم على المشهد لحظتها ..

الكنيسة نفسها كانت تشبه كنائس تلك الحقبة من تاريخ أوروبا، و بدت أشبه بالقلعة .. انتقلت طائرًا من سطح الحجرة التي كنت بداخلها منذ لحظة متجهًا ناحية مجموعة أبراج قصيرة تنتمي للكنيسة أيضًا، مبنية فوق جزء آخر من السطه، تبدو كما لو كانت مصمتة لا قلب لها يحوي سلمًا كما هو متوقع، و و بين هذه الأبراج الأربع امتد سور عال للغاية، سرعان ما عرفت سبب وجوده ..

حلقت فوق هذا الجزء المحمي بالسور لأفاجئ بأسد غضنفرأسود اللون فاحمه ينظر إليّ في ترقب و تحفز، و أنا بالطبع لا أدري لي رأسًا من قدمين .. حاولت الهرب لكنني تجمدت للحظة كان قد ارتفع هو خلالها طائرًا كي يلحق بي، و هو ما جعلني أتعجب من وجود السور طالما باستطاعته الطيران ..

فررت منه في طيران انسيابي سلس، و أخذ ينتقل من سطح إلى آخر، و أنا من شرفة إلى أخرى، حتى بدا عليه التعب على ما يبدو، فتسملت مهمة مطاردتي أربع لبؤات سوداوات مثله تمامًا، و لا زلت أطير حتى أنهكهن التعب فأسلمن مطاردتي إلى شبل صغير رمادي اللون سرعان ما تركني .. الغريب أن هذه المطاردة المحمومة لم تتجاوز مساحة لا تزيد كثيرًا عن مساحة الغرفة التي أكتب منها هذا الذي تقرأون ..

هبطت بسلام إلى شرفة أحد المنازل، بينما ذاك الشبل البائس يراقبني من سطح المنزل المقابل، و بدا أن المشهد العام انتقل لحي شعبي في قلب القاهرة، بعد أن كنا في براج ..

قبل أن استيقظ مباشرة سطعت للحظات مشاهد شعرت أن موضعها الطبيعي كان في بداية الحلم قبل أن انتقل للحجرة الفارغة .. القاعة الرئيسة مرة أخرى، لكنهم كانوا على ما يبدوا يحتفلون ببعض المتخرجين حديثًا من الكليات، و قد تأكد لي هذا من آخر مشهد مر أمامي قبل أن استيقظ، إذ كانت إحداهن ترتدي قبعة التخرج و تمسك بما يبدو أنه شهادة تقدير ملفوفة و مربوطة بشريط من حرير، و تبتسم في فخر و انتصار، لكن المشهد كان مهزوزًا لدرجة منعتني من التيقن من أي شيء .. كل هذا الوصف أكتبه نتيجة إحساسي باللحظة أكثر منه مشاهدة حسية ..

ذكرت أن هذا الحلم كان في الأسبوع الأخير من ديسمبر 2010، و غني عن التذكير ما حدث في الإسكندرية في ليلة رأس السنة .. أذكر أن إحدى ضحايا هذا التفجير كانت طالبة قد أنهت لتوها دراستها، و كانت قد كتبت على صفحتها على فيسبوك ما معناه أنها تتمنى لو تتحقق أمنيات ما بعد التخرج في العام الجديد ..

على أية حال، لننتقل إلى الحلم الثالث ..

إنني أعتبر هذا الحلم هو درة هذه الأحلام الثلاثة، ربما لأنه تنبأ (و اسمحوا لي باستخدام كلمة تنبأ) بالشيء الأهم على الساحة الآن ..

يبدأ الحلم بمشهد أرى نفسي مع مجموعة من زملائي في الكلية، بالإضافة إلى بعض الزميلات أيضًا، نجتمع كلنا في حجرة هي بياض في بياض؛ أرضية بيضاء و حوائط بيضاء، مع إضاءة زرقاء خافتة أعطتني الإحساس أننا في فيلم من أفلام الخيال العلمي، لكن الحقيقة أننا كنا في أحد مقرات أمن الدولة يُحقق معنا جميعًا بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم .. لمحت صديقي الذي أعرفه بميله لتيار الإخوان المسلمين، و صديقًا آخر ينتمي للحزب الرمادي الذي ينتمي إليه أغلب المصريون، و لمحت وجوهًا أخرى أكدت لي أننا كزملاء دراسة – كلنا – في نفس القفص ..

استمر التحقيق لدقائق اقتادونا بعدها لحجرة أخرى لنشاهد أدوات التعذيب .. من الواضح بالطبع أنهم لم يجدوا منا نفعًا، فقرروا استعمال الشدة .. أذكر أن هذه الحجرة كانت هي نفسها الشقة القابعة في الطابق الأرضي من البناية التي أسكن فيها، و التي تسكنها عجوز شمطاء لا استسيغها، لم أعجب كثيرًا عندما جعلت شقتها مقر حفلات التعذيب الأمنية .. الفارق الوحيد هو الارتفاع الشاهق الذي أصبح عليه سقف الشقة .. ربما كان هذا ليستوعب أحجام أدوات التعذيب الضخمة التي كانوا يعرضونها علينا ..

نسيت أن أقول أنني عند انتقالي من مكتب أمن الدولة حيث الاستجواب إلى تلك الشقة البائسة، راودني إحساس قوي أن شقتنا كانت هي مقر أمن الدولة الذي كنا فيه منذ لحظات .. على أية حال، فقد هربت ..

كان الباب مفتوحًا، و لا أحد يحرسنا .. نظرت إلى صديقي الرمادي و قلت إنني سأهرب، و ربما حررتهم فيما بعد .. انطلقت أجري بطول الشارع الذي أسكن فيه في الحقيقة .. كان جريًا عجيبًا؛ فأنا أنطلق بسرعة أشعر أنها مهولة، لكنني لم أبرح مكاني بعد، بينما نهاية الشارع تقترب مني و تبتعد .. انتهى هذا المشهد سريعًا عندما وجدت نفسي أمشي بجوار سور معدني، بدا و كأنه يحيط بمبنى جهاز أمن الدولة، الذي لا أدري ما الذي أتى به هاهنا ..

شعرت أثناء سيري أن هذا المكان هو في الأصل استاد الإسكندرية، لكن مرأى القصر الذي يبدو خلف الأسوار ليس له علاقة بأي ملاعب رياضية .. أسير بجوار السور و الليل قد خيم حولي – و هو كذلك منذ بداية الحلم – لأفاجئ بشرطي ينبت من العدم يجلس بجوار حجيرة خشبية للحراسة يسألني بشكل مباشر: لم هربت ؟

نظرت إليه مندهشًا في الوقت الذي جاء أخي ليعرف ماذا يحدث .. لا أذكر إجابتي تحديدًا، لكنها كانت شيئًا من قبيل: ثورة، أو لن نسكت .. شيء من هذا القبيل، أو ربما أظن أنه شيء من هذا القبيل لتأثري بالأحداث الحالية .. أيًا كان ما قلته لحظتها، فقد نبهت أخي أننا سنجري، و ألقيت قنبلة يدوية صغيرة الحجم كانت في يدي ناحية السور، و انطلقنا نجري مبتعدين بينما ظل الشرطي مكانه .. نظرة سريعة إلى الخلف أدركت معها أن القنبلة اصطدمت بأحد الأعواد المعدنية التي تشكل السور، فارتدت إلى الخلف، و هو ما يعني أنها لن تنفجر و لن تحدث الأثر المطلوب .. ضغطت زر الإيقاف – و لا تسل أين هو جهاز التحكم هذا، فلست أدري، لكن المشهد لحظتها بدا بمثل هذا التأثير تمامًا – فتجمد المشهد، ثم ضغطة أخرى على زر العودة إلى الخلاف فرجع المشهد بكافة تفاصيله بينما أنا واقف في مكاني، حتى وصلنا إلى اللحظة التي أرمي فيها القنبلة، فأزحتها قليلا عن موضعها، و أعدت تشغيل المشهد و انطلقت مبتعدًا، لتهبط خلف الأسوار، و تفجر كل ما في المكان ..

دون مقدمات وجدت نفسي مع أخي على دراجة هوائية، بعد أن كنا نجري على أقدامنا، و سلكنا طريقًا فرعيًا لتتبدل الأرض من تحتنا، فبعد أن كانت أسفلتًا صارت طينًا، و أصبحنا في كفر الدوار .. كنا ذاهبين إلى منزل جدتي، حيث الراحة و إعداد الحقائب للهرب من السلطات التي تطلب رأسي ..

صعدنا، لأجد أمي جالسة أمام الحاسوب تتابع صفحتها على فيس بوك، و هو رابع المستحيلات بالطبع إن لم يكن خامسها .. لم يكن بيت جدتي كما هو في الواقع، لكنه يحمل الكثير من روحه .. أخبرت أمي أنني سأهرب، و أنني سأحزم بعض حاجياتي و انطلق، ثم استيقظت ..

حسنًا ..

ماذا أريد أن أقول بعد كل هذا ؟ .. لا شيء .. بقدر إنكاري لإمتلاكي لأي قدرة خارقة توصلني بعالم ما وراء الطبيعة، بقدر ما أتمناها؛ ربما كي أعوض في عالم ما وراء الطبيعة ما أفتقده في عالم الطبيعة ..

أيًا كان الأمر، أكنتم ممن يعيشون أمام الطبيعة أو ممن يعيشون وراءها، أرجو أن تكون قد استمتعتم بما قرأتم ..

23.10.10

أحلام الفتى الدائخ - الحلم التاسع


الحلم التاسع - زواج مملوكي

بدأ الحلم بمشهد تكرر، و ما زال يتكرر كثيرًا هذه الأيام: أنا جالس إلى الحاسب أطالع كتابًا لأحمد خالد توفيق .. رأيتني أطالع صفحات من كتابه "الحافة" - و كان مما طالعت قبل أن أخلد للنوم - لكن الموضوع و المحتوى لم يكونا ينتميان بحال إلى هذا الكتاب .. الكتاب يتحدث في الأساس عن الأشخاص أو الأشياء التي هي على الحافة بين الخيال و الحقيقة، أو العلم و الأسطورة، لكن طقوس الزواج المملوكي ليست من هذه الفئة بكل تأكيد ..

أطالع كتاب الحافة، لأجد أن الصفحة المعروضة تتحدث عن طقوس الزواج المملوكي .. لا أذكر من المكتوب إلا جملة تقول: "و أبلغ مثال على هذه الطقوس هو ما عرضه فيلم ثورة المماليك" ..

عندما استيقظت أدركت إن فيلم "ثورة المماليك" هذا ليس سوى فيلم "المماليك" الذي شاهدته منذ أزمان، و هو فيلم قام ببطولته عمر الشريف، نبيلة عبيد، حسين رياض، و بطل حلم الليلة: عماد حمدي .. الفيلم يحكي قصة مشوهة عن ثورة المصريين ضد المماليك بعد عصور الاستبداد، مع كثير من البهارات الرومانسية، و الأحبة الذين فرقتهم يد الغدر، و الثوار، إلخ إلخ .. شاهدت الفيلم في عصر البله المغولي الذي كان يجلعني أصدق كل شيء و أنبهر بكل شيء، و قد شفيت منه و الحمد لله، لأنبهر بكل شيء و أصدق كل شيء و لكن بعد إعمال عقلي، و لست أدري ما الذي قفز بهذا الفيلم إلى سطح عقلي في هذا اليوم ..

لقطة من الفيلم احتلت النصف السفلي من الصفحة، اكتشفت بعد لحظة أنها ليست لقطة ثابتة، بل مشهد حي من الفيلم سرعان ما وجدت نفسي قد غصت فيه بحيث يحتل مجال رؤيتي تمامًا، لكنني لا أظهر فيه، بل أنا مشاهد عن كثب ليس إلا ..

المشهد الذي رأيته في حلمي كان له مقابل في الفيلم، إلا إن الشيء المشترك الوحيد بين الاثنين هو جو الحجرة المظلم المتوجس، و وقفة عماد حمدي - جزء منها في الواقع ..

هناك من يقابل عمر الشريف، و هناك من تقابل نبيلة عبيد في هذا المشهد الذي أراه في حلمي، لكنهما لا يماثلنهما في أي شيء، بل لقد بدا لي هذا الذي من المفترض أنه عمر الشريف قريبًا من الصورة ثلاثية الأبعاد لأمير فارس - لعبة الحاسب الشهيرة - و يكاد يكون جيك جلينهال الذي قام بدور أمير فارس في الفيلم الذي عرض الصيف الماضي .. أما شبيهة نبيلة عبيد فلا أدري عنها شيئًا، و لست أظنه يهم ..

يقف عدد من الحراس إلى حوائط الحجرة .. أستطيع أن أرى منهم ثلاثة يقفون في صلابة، و إن بدا عليهم فضول لمعرفة ما يجري، بينما هنالك في منتصف الحجرة ما يشبه منصة تقديم القرابين، وُضع عليها محرق هائل يطلق دخان البخور في غزارة و بلا انقطاع، و أمامه وقف عماد إلى يمين نبيلة و قد أحنيا رأسيهما قليلاً، و مد عماد ذراعه الأيسر في الهواء، و كذلك فعلت نبيلة بذراعها الأيمن، لتستقر على ذراعيهما لفافة من قماش أبيض مائل للصفرة ربطت بإحكام قرب طرفيها بشريطين رفيعين، و إلى جوار المحرق وقف الشريف بينما انطلق عماد في تلاوة شيء ما بلغة غامضة، و بصوت أقرب للتمتمة ..

نطق عمر بشيء ما، أظنه كان "ابتعدي من هنا"، فإذا بنبيلة تُقذف للخلف كأنما يد عملاقة قد انتزعتها و ألقتها، بينما واصل عماد تمتمته، و لم يتحرك إلا ليحفظ اللفافة من الوقوع ..

تراجعت نبيلة حتى ارتمت على أحد المقاعد القريبة في مظهرها من "الفوتيهات"، ثم وضعت كفها الأيمن على جبهتها متألمة، فانصهرت جبهتها و تكون تجوبف طولي، لكن العجيب أن ما بدا لم يكن لحمًا و عظمًا قد احترقا، بل كان أقرب إلى سبيكة من الرصاص صنعت فيها فجوة باستعمال لهب الأكسي-ستيلين .. في هذه اللحظة أبيض بؤبؤاها و بدت أشبه بإنسان آلي على وشك تدمير الكرة الأرضية ..

سألها عمر عن الساعة، فوضعت أطراف أصابعها في ذلك التجويف الذي تكون في جبهتها و أجابته، ثم سألته عن مصير عماد، الذي انتهى من تلاوته التي لا أعرف ماذا قال فيها، و تنبه أخيرًا إلى أن شيئًا ما خارج نطاق سيطرته يحدث ..

أجاب عمر، و هو ينظر إلى وجه عماد الذي اكتسى بتعبير عدم فهم و شيء من الخوف: "سيلقى مصيره المناسب" .. لحظة قوله هذا اقتربت الكاميرا - التي أرى بعينها - من وجه عمر، فبدت لي قسمات وجهه قاسية للغاية، منذرة بمصير أسود حالك السواد، و لا شيء أقل من ذلك .. لحظتها أيضًا تأكدت من انطباعي أن هذا هو أمير فارس ..

و كما يحدث في أفلام الخيال العلمي التي تتحدث عن الانتقال الآني، فيتطاول الشخص - كأنه قطعة من المطاط تُشد - مع خفوت تدريجي لصورته، يتبعهما اختفاءه ثم ظهوره في مشهد آخر بتتابع عكسي، حدث هذا مع عماد حمدي، فاختفى من المشهد، الذي تغير كلية ليحل محله مشهد آخر ينتمي إلى قصص الرعب التي تمتلأ بالتنانين و السحرة و رائحة العصور القديمة، و قد كان الأمر كذلك ..

المشهد مصبوغ بلون أحمر قان دموي، تستطيع تمييز الموجودات فيه بصعوبة، لكنني أستطيع تمييز سلسلة جبلية تملأ المشهد بأكمله .. يظهر فرس معلق في الهواء بطريقة الانتقال الآني ثم ظهر من بعده عماد بالطريقة ذاتها، لكنه امتطى الجواد بالمقلوب، و أطال النظر إلى ما ظنه كوكبة من الفرسان آتية تجاهه .. كانت هذه الكوكبة تنطلق من حيث أرى المشهد، لكن الفرس انطلق لا يلوي على شيء و كأنما رأى شيطانًا، لكنه لم يكن شيطانًا واحدًا، بل عدة شياطين ..

كانت مجموعة من التنانين الصغيرة، كأنما هي خفافيش متضخمة، برؤوس - أو بجماجم إن شئنا الدقة - آدمية .. انطلقت التنانين في أثر عماد، و انطلق هو لا يلوي على شيء .. وصل إلى كهف يهبط السقف فيه إلى حد مريع حتى يصنع ممرًا ضيقًا يكفي لمرور شخص واحد فحسب، فانطلق عماد، حتى إذا مر من هذا المضيق ارتفع حتى بلغ السقف، و ترك سرب التنانين ينطلق كسرب من النفاثات في خط مستقيم غير ملتفتين إلى ذلك الفارس في الأعلى، و لما اطمأن عماد أن التنانين قد تركته، عاد أدراجه ..

تغير المشهد، و أصبح يغطيه السواد فلا تدري له أرضًا من سماء، لكنني أميز البنايات و الناس يمشون عند مستوى معين، فأعرف أن هذا المستوى هو الأرض .. أنظر للمشهد كأنني من طائرة هيليكوبتر، و على المدى أرى عماد آتيَا طائرَا بفرسه يهبط إلى الجمع الذي ينتظره، و الذي ألمح فيه عددَا من التنانين قد تخفى في هيئة بشر، لكن بلون أخضر مميز، و قد اتضح لي خطأ هذا الانطباع في اللحظة التالية ..

هبط عماد إلى الأرض وسط ترحيب الجميع، و انتظارهم له في الواقع، لاكتشف أن هؤلاء هم نواة الانتفاضة الفلسطينية القادمة، و أننا في عام 2111 أو شيء قريب من هذا التاريخ ..

استيقظت من النوم و الجميع يشد على يد عماد مؤازرًا .. استيقظت من النوم مطمئنًا أن الانتفاضة الفلسطينية في أيد أمينة ..

10.9.10

أحلام الفتى الدائخ - الحلم الثامن


الحلم الثامن - أشياء في الأرض و أشياء من السماء

هذا واحد من الأحلام التي تمنيت كثيرًا أن استيقظ فلا أكملها، لكنني على العكس من البعض الذين يدّعون استطاعتهم إنهاء الحلم في منتصفه إذا لم يعجبهم .. أنا على العكس منهم؛ إذ لا استطيع إلا أن أكمله و لا استيثقظ إلا إذا انتهى أو أيقظني مؤثر خارجي ..

بداية الحلم كانت شخصية، و مترتبة على آخر ما تحدثنا فيه أنا و أسرتي قبل أن أنام .. حديث عن قطعة أرض من ميراث جدي يرحمه الله و صراع مرير بين الوارثين من أجل لا شيء و بلا داع سوى جشع الإنسان اللامحدود للمال و رغبة البعض و عشقهم لأكل المال الحرام ..

كنت أقف كواحد من الوارثين مع بقيتهم على قطعة الأرض المتنازع عليها .. كنا واقفين بجمود و في أوضاع مسرحية، و لو شئت الدقة لقلت إننا كنا نقف كأننا سنلتقط صورة لملصق فيلم سينمائي من فئة أفلام الحروب والأساطير، حيث تُلتقط الصورة من زاوية سفلية تعطي إحساسًا بعظم الحجم، و بالتالي عظم المكانة، بالإضافة إلى قليل من الدوران اليسير يمنة أو يسرة و رفع الرأس لإعطاء إحساس عام بالهيبة .. كنا نقف في جمود مستفز، أدركت بعد استيقاظي أنه تعبير عن حالة اللاسلم و اللاحرب التي تحيط بهذا الإرث .. على أية حال، فجمودنا هذا لم يستمر ..

فوجئت باثنين من أصدقائي يقفان بلباس فلاحيّ - أحدهما على الأقل على قدر ما أذكر - و قد استقطعا قطعة من الأرض على شكل حرف T و يريدان أن يمداها بالماء، و لست أدري ما العلاقة، لكنني استندت إلى وجودهم لإقرار حقي المشروع في هذه الأرض، لكن الأمور سريعًا ما انقلبت بوصول فيروز - الممثلة لا المطربة - التي اكتشفت أنها كانت من أصدقاء جدي الآخر - و ليس صاحب الأرض - و قد أتت لتدلي بدلوها في الأمر بصحبة سائقها النوبي .. العجيب في الأمر أنها كانت بالأبيض و الأسود، فيما كنا جميعًا بالألوان، حتى سيارتها كانت من طراز الخمسينات على أقل تقدير ..

و على الرغم من شعوري عندما جاءت بأن الموقف قد تعقد، فإن هذا الشعور انقلب فجأة إلى الضد، لكنه لم يدم كثيرًا، إذ خيّم الليل سريعًا و لم نصل إلى شيء، و انطلقت مكتئبًا أريد أن أروّح عن نفسي ..

هنالك شارع ما، لست أدري موقعه على الأرض تحديدًا، لكنه يتكرر كثيرًا في أحلامي .. نفس التقاطع و الميدان و الإشارات المرورية، لكن ما يختلف من مرة لأخرى هي ما يحيط بهذا الشارع من مبان و عقارات .. هذه المرة كانت مساحات شاسعة من الفراغ تتناثر فيها مبان متفرقة أشبه بالقصور و المنتجعات، و لسبب ما - ربما يتعلق بالإرث - كان هذا المكان هو منطقة العجمي بالإسكندرية ..

أسير مهمومًا و الليل البهيم فوق رأسي يغلفني، و النجوم ساطعة؛ إذ لا توجد مصابيح للإضاءة إلا النذر اليسير، لكنها كافية برغم كل شيء أن أرى كل شيء بوضوح .. أسير شاعرًا ببرودة في جسدي فسرتها بسيري ليلاً مرتديًا ملابس خفيفة للغاية، و أدركت عند استيقاظي أن هذا كان بسبب تحرري من أغلب ملابسي قبل نومي، مع نسيم المروحة الممتزج بنسائم باردة آتية من الشرفة المفتوحة .. أسير و أرفع رأسي للسماء متأملاً، فأرى مذنبًا - أو هكذا ظننته في البداية - يلتمع في السماء يحيط به عدد من الشهب التي كانت تسير في مسارات دائرية كأنها تشكيل من الطائرات يؤدي عرضًا عسكريًا لا شهبًا تحترق في طبقات الجو العليا، ثم اختفى كل شيء ..

أخذت أفكر قائلاً: "عجبًا لهذا المذنب ! يقطع آلاف و ملايين الكيلومترات ثم يأتي ليحترق ها هنا، فأي أمر عجيب هذا !" .. أفكر في هذا بينما أسير متوجهًا إلى إحدى دور السينما، في سابقة لم تحدث من قبل، و لا أظنها ستحدث أبدًا .. أفكر في هذا و استمع إلى حديث اثنين حول النيازك التي ستهبط إلى الأرض، فاسترجع مشهد المذنب الذي رأيته منذ لحظات و استرجع معلوماتي عن المذنبات، لاكتشف أنهم على حق .. هذا ليس مذنبًا، بل نيزك ضخم يهبط إلينا بسرعة جنونية ..

اصبحت أمام السينما، فسمعت جلبة التفت لمصدرها لأجد أنه النيزك الذي أصبح فوق رأسي تقريبًا، فأخفضها لأجده يقع فوق السينما فيحيلها ترابًا و أنقاضًا في لحظة، و كأنها ضغط زر Delete أو ربما Shift + Delete ..

ثم توالت النيازك ..

استحالت السماء حمراء كالدم، لكنه دم قان سرعان ما اكتسى بصفرة النيران البرتقالية فأخذ طابعًا مقبضًا يشعرك بدنو أجلك .. لحظتها تمنيت بحق أن استيقظ، لكنني لم استطع .. النيازك تتوالى و الكل يجري بعيدًا عنها و عن مواقع سقوطها ..

النيازك تسقط بزاوية حادة صانعة ذيلاً عظيمًا من الدخان الأسود الممتزج ببرتقالية النيران التي تشتعل في جو السماء فيذكرك بمشهد انفجار القنابل النووية المحدودة، و الارتجاجات الأرضية تفقد الناس توازنهم فيتخبطون في جريهم الهلوع الملئ بصرخات الفزع و الرعب، بينما أجري أنا صامتًا كأنني قد أخرست ..

على غير توقع أجد أختي الصغرى تجري إلى جواري، و لا أدري تحديدًا ما أتى بها إلى هنا، لكنني آخذها في كنفي و نجري سويًا في الأرض المفتوحة منطلقين بعيدًا عن مواقع سقوط النيازك التي صنعت فوهات هائلة خلفنا جعلت الرجوع مستحيلاً .. أسمع أحدهم يقول "هرمجدون"، أو لعله نطقها بالإنجليزية Armageddon مشيرًا إلى الاعتقاد الغربي أن معركة آخر الزمان ستنتهي بكارثة تسقط فيها المذنبات تباعًا لتنهي الحياة على الأرض قبل أن تقوم القيامة .. حقيقة، و بعيدًا عن كل هذا الذي يحيط باللفظ من روايات و حكايات، فإن وقع الكلمة ممتزجًا مع ما شاهدت كان مروعًا بحق ..

على حين غرة يسقط نيزك في اتجاه معاكس لكل النيازك ليصطدم بمحطة وقود نبتت من العدم، كأنما نبتت لتصطدم بالنيزك تحديدًا، و دوى انفجار مروع ليجد الجميع - بما فيهم أنا و أختي - أننا قد حوصرنا بين السقوط المتوالي للنيازك و بين هذا الانفجار الذي أطح بمقدمة الصفوف الهاربة ..

وجدت نفسي دون وعي أعلق على سقوط هذا النيزك خارج السرب: "أي سخف هذا !" .. واصلت الجري للحظات بعد أن غيرت اتجاه الركض، لكنني استيقظت و لست أدري تحديدًا إلام أنتهت الأمور، و لست أريد العودة كي أعرف ..

14.8.10

أحلام الفتى الدائخ - الحلم السابع


الحلم السابع - شيء ما في سوق زنانيري

كي تحسن تصور ما سأحكيه، سابدأ روايتي ببعض التفاصيل الجغرافية .. شارع أبي قير، أو طريق الحرية، هو من الشوارع الرئيسة في الإسكندرية، و هو مواز في أغلب الأحيان لشريط الترام .. عند محطة ترام كليوباترا هنالك شارع طويل يصل ما بين شريط الترام و شارع أبي قير، ليتقاطع مع شريط الترام ثم يكمل المسيرة حتى يصل بك إلى أول شارع السوق - سوق زنانيري - حيث تبدأ أحداث الحلم ..


كنت عائدًا من السوق، و الظلام حولي يقول إني في منتصف الليل أو أبعد، و أحمل بيدي كيسين بلاستيكيين لا أدري ما محتواهما، لكنهما ثقيلان بما يكفي ليمنعا يداي من التحرك بحرية، و يبقيانهما في وضع التدلي دائمًا .. أسير، بينما على البعد أجد مخبولاً كلاسيكيًا من أولئك الهائمين على وجوههم في الطرقات؛ شعر منكوش أكرت مليء بالقاذورات، و سروال قصير يكشف عن ساقين مشعرتين قذرتين، و أسنان مهشمة صفراء، و كلام غير مترابط البتة ..

يحاول هذا المخبول مضايقتي، و ينجح بشكل مستفز، بينما أنا عاجز عن رده لما في يداي، ثم أفاجيء بحائط بشري أبلغ أنا - بقامتي التي تقترب من المترين إلا ربعًا - ركبتيه بشق الأنفس .. أفاجيء بهذا الحائط البشري يعزله عني، و يمنعه أن يصل إليّ، فأتقوّى و أصرخ فيه كي يرحل، فيرحل بالفعل، بينما فتاة صغيرة تناوشه و تجري ضاحكة ..

ما زلنا نسير بلا توقف، لنعبر جميعنا - أنا و الحائط و الفتاة و المخبول - شريط الترام، لكن المخبول يسبقنا و يختفي، بينما أبطئ أنا المسير قليلاً لأجد أن الحائط البشري و الفتاة قد اختفيا أيضًا ..

يعود المخبول ممتطيًا كتفي أجدهم، الذي يبدو من ملابسه أنه من "معلمي الوكالة"، و يشير إلى لافتة حانوت شهير يقع على شريط الترام صارخًا: "انظر .. إنه limbster" و هي الكلمة التي كانت مكتوبة على اللافتة، لاكتشف أن حانوتًا آخر حل محل هذا الحانوت الشهير، و ليس مشتركًا بينهما سوى المكان ..

لا أملك تفسير هذا، لكن كلمة limbster هذه تعني - في الحلم على الأقل - الجزار، و هكذا تحول حانوت الألبان - و هذا هو الحال في الواقع - إلى جزارة يتجه إليها هذا المخبول محاولاً، فيما يبدو، أن يسطو عليها، فأركض محاولاً إيقاف هذه المهزلة ..

أدخل الحانوت لأكتشف أنه يبيع عملات معدنية قديمة و حديثة، و هنالك شخص ظننته مالك الحانوت يجلس بقرب الباب و ينظر في لامبالاة مستفزة إلى ذلك المخبول و هو يفرغ أحد الصناديق مما بها من عملات ذهبية، أكتشفت أنها من فئة السنت الأمريكي، لكنها أضخم بكثير و تكاد تقارب حجمًا ريال السلطان حسين أو أكبر قليلاً، و مصكوكة من الذهب ..

و لأنني من مدمني جمع العملات، فإن لعابي قد سال لمرأى هذه العملات النادرة و العجيبة، فغرفت بيدي بعضًا منها، و وضعته في جيبي، لكن على ما يبدو فإن ضميري قد وخزني، فأعدت هذه العملات إلى صندوق آخر، كل هذا و ذا الرجل ينظر إلينا جميعًا - أنا و المخبول و آخرون لا أدري ماذا يفعلون تحديدًا في الحانوت - نظرة لامبالاة مستفزة ..

أعدت الصندوق لصاحب الحانوت، لأفاجئ بالرجل قد انقلب هذا المخبول، أما الرجل نفسه فلا أدري أين ذهب، فأطبقت يداي على عنقه و التفت إلى الجانب الآخر - حيث كان هذا المخبول منذ دقائق، و حيث كان يفتح الصناديق يفرغ ما فيها - لأفاجئ بملكة إنجلترا تمسك بكتاب يتحدث عن أسطورة الملك آرثر و فرسان المائدة المستديرة، و السيف المسحور الذي كان مغروسًا في صخرة، و قد أخذت هذا الكتاب من أحد الأرفف التي لم تكن موجودة من قبل، لكنني لم أهتم بهذه النقطة كثيرًا ..

أخرجت الملكة السيف المسحور من قلب الكتاب، و تأملته .. كان سيفًا ذهبيًا ليس فيه ما يميزه سوى لونه، لكنه كان صغيرًا ليحمل لقب سيف، و شعرت أن خنجر هي اللفظة الأدق لتصفه .. تحدثت إلى الملكة قائلاً، و لم أزل ممسكًا بالمخبول: Your Majesty, The Avillon ..

هذا الـ Avillon كنت أعني به السيف و الكتاب معًا، و إن كنت أشير للسيف بصورة خاصة، و هو شيء تعجبت منه، إذ أنني أعرف الاسم الحقيقي لهذا السيف، و هو Excalibur، لكنني بعدما استيقظت رجحت أني قلت هذا لأنها كانت الكلمة ذاتها التي وُضعت عنوانًا للكتاب التي كانت الملكة تمسك به ..

أعطتني السيف و الكتاب، فأمسكت السيف بشمالي التي كانت حرة، بينما اليمنى تمسك المخبول، و أشرت للكتاب فتجمد في مكانه معلقًا في الهواء، ثم مزقته فتاتًا صغيرة بالسيف، و لم يزل بعد معلقًا في الهواء، ثم استدرت بالسيف و أطلقت صيحة بطولية - لست أدري ما جدواها - و أغمدت السيف حتى مقبضه في صدر المخبول، و أنا أشرح ما يحدث للجمع الواقف ينظر إليّ في جمود، و ملخص شرحي أن تفتيت الكتاب كان هو الطريقة الوحيدة للقضاء على هذا المخبول قبل أن يفعل شيئًا ما لست أذكره، و لا أظن أنني ذكرته في شرحي، لكنه كان سيفعله ..

أشرت للكتاب بيسراي التي عادت حرة مرة أخرى .. أشرت له براحتى اليسرى كلها فعاد كما كان بعد أن كان مفتتًا، و ابتسمت للملكة - على قدر ما أذكر - ثم استيقظت ..

11.8.10

أحلام الفتى الدائخ - الحلم السادس


الحلم السادس - الملك الذي عاد

بداية الحلم هذه المرة كانت مشوشة، و أشبه بفيلم يحاول فيه المخرج الإيحاء بالفوضى العارمة، عن طريق المونتاج المتقاطع و الزوايا غير المستقرة و البعيدة عن بؤرة الحدث، لكن ملخص ما أذكره هو أن مؤامرة قد حيكت ضد جلالة الملك - الذي لا أعرفه و لست أدري في أي مملكة أو كوكب هو - و أن ابنه قد وقع في يد أحد أمناء القصر الذي تعهده بالرعاية حتى يدبر له طريقة للهرب .. ابنه هذا رضيع في الواقع، و تهريبه كان عن طريق ماموث فضائي حمله لواحدة من الممالك الحليفة لمملكة أبيه الموجودة على كوكب آخر، و التي كانت - لسوء حظه - في حرب طاحنة مع أحد أعدائها ..

يتغير المشهد حيث أراني أسير جوار أحد أصدقائي الذي يعرفه الجميع بعدو المرأة، فإذا به يسير إلى جوار فتاتين حسناوتين يتحدث إلى إحديهما بشيء من الاهتمام، و لست أدري حقًا ما أتى بي أو به داخل هذه القصة التي لا ناقة لنا فيها و لا جمل، اللهم إلا أنني أشاهدها، لكنني و لسبب ما أقرر أنا أن أسير على يديّ ممسكًا بالسور الحديدي الأملس الذي نجلس عليه - أنا و صديقي و فتاتيه - فانطلق حتى أصل لتلك المملكة التي وصل إليها الأمير الرضيع، لأجد أسدًا مدرعًا يعلو ظهره قوس عظيم و سهام، كذلك القوس الذي كان القدماء يصنعونه في الحروب ليطلقوا به الحراب العظيمة، محاكين في ذلك المنجنيق .. قوس عظيم و سهام على ظهره، و يقف إلى جواره ذلك الماموث الذي نقل الأمير الرضيع في البدء، و يتناقشون في مصير هذا الرضيع، الذي يجب أن يعود ليستعيد ملكه، و الطريق إلى هذا يجب أن يمر بانتصار حلفائه على أعدائهم حتى يساعدوه على أعدائه ..

ثم يتغير المشهد مرة أخرى فأجد أنني في وسط ساحة فارغة إلا من مادة الوجود و مادة العدم، اللتان تستعملهما المملكة الحليفة في حربها ضد أعدائها، و يستخدمهما أعداؤهم كذلك، و هاتان المادتان تشبهان الحجارة إلا أنهما تتفتام إلى أجزاء صغيرة سوداء يتحكم فيها الطرفان ليوجها بها الضربات ..

أجدني منخرطًا في التحكم في مادة الوجود، و أحاول السيطرة على مادة العدم التي ينفلت عقالها كل حين، فيما يتصارع الفريقان عن طريق التحكم في المادتين، ثم انسحب أنا شيئًا فشيئًا، و استيقظ، و لست أدري أعاد الملك أم لا ..


14.7.10

أحلام الفتى الدائخ - الحلم الخامس


الحلم الخامس - مملكة يارا و التنين المائي، أشياء أخرى ..

لسبب ما فإن أول ما طرأ إلى ذهني في بداية هذا الحلم - أو عندما تذكرته فور استيقاظي - هو قصة جول فيرن الشهيرة "عشرون ألف فرسخ تحت الماء" .. على أية حال، ليس للقصة من قريب أو بعيد أي علاقة بما حدث ..

أراني واقفًا على شاطيء صخري أعتلي إحدى صخوره، أنظر إلى الأفق و البحر الصاخب، و السماء ملبدة بالغيوم، و ذلك اللون الرمادي الذي أكره الشتاء بسببه، و على البعد توجد بحيرة صغيرة تتصل بالبحر عن طريق فتحة ضيقة - بوغاز لو أردت الدقة .. عند هذه البحيرة يرقد تنين مائي ضخم، يذكرك فور رؤيته بذلك التنين الذي صمموه في فيلم The Seventh Voyage of Sinbad لكن لونه مائل للزرقة، و بجواره يرقد العفريت الذي يقوده .. عفريت من الجن أخضر اللون يشبه الغوريللا على رأسه خوذة لها اللون نفسه، أو ربما هي جزء من تكوين رأسه لا أكثر ..

أراقب المشهد، لأجد أن التنين نائم لكن صوت شخيره مزعج للغاية، و يوّلد أثناء نومه الكثير من الرذاذ، ما يثير غضب العفريت، فيتشاجران، لكن الواضح أنه شجار الأحبة؛ مزاح ليس إلا .. مزاح ينقلب على حين غرة إلى مأساة حينما ينزلق التنين إلى بركة من الطين الأخضر، الذي اكتشف إنه مسحور يقتل بمجرد الملامسة، و يصيب الضحية بالاختناق التدريجي، بينما تنزلق كما ينزلق المرء في الرمال المتحركة .. في البداية سقط التنين في البركة، فهب العفريت لإنقاذه ليسقط بدوره بينما نجا التنين، و في النهاية أنقذ أنا العفريت من بركة الطين القاتلة تلك ..

نسيت أن أخبركم أنني كنت في رحلة برفقة اثنين من الإغريق، نبحث عن شيء ما لست أذكر كنهه تحديدًا، لكنه كان شيئًا مقدسًا فُقد من أحد المعابد اليونانية، و كان هذا التنين هو وسيلة السفر و التنقل ..

بعد أن أخرجت العفريت من البركة، أتى أحد رفاقي، و أمسك بقطعة من طين أخضر، لكنه أدكن من الطين القاتل - ما يعني أنه ليس بخطر - و وضع قدر غمسة إصبع من الطين القاتل في الطين الآمن و أعطانيها قائلاً إنها قد تحميني في يوم من الأيام ..

انطلقنا نحن الثلاثة نستشرف الأفق، لأفاجئ بالمشهد يتغير كلية، و رفيقاي الإغريقيان يتحولان إلى اثنين من زملائي في الكلية، و الشاطيء الذي كنا عليه وجدته قد استحال شاطيء الشاطبي المواجه لمكتبة الإسكندرية .. انطلقنا نسير، و ننظر إلى اللافتات التي ملأت المكان حولنا، و على الجانب الآخر من الشاطيء، لنجد أننا لسنا في الإسكندرية، بل في مملكة يارا - التي تتحدث العربية - التابعة لمملكة تايلاند ..

نحاول تدبير طريقة للعودة إلى الديار، لنقابل أستاذًا جامعيًا إنجليزيًا من المهتمين بالشأن الداخلي المصري، يخبرنا إنه قادم من أجل مؤتمر أو لقاء عن مصر، يقام هنا في مملكة يارا، و إنه يستطيع تدبير طريقة للعودة إلى مصر بعد انتهاء المؤتمر، و يدعونا للحضور فنوافق، على أمل أن تنتهي هذه المشكلة ..

سرنا معه و قد فوجئنا أن المؤتمر مقام في أحد الأسواق الشعبية، التي اتخذت مسحة جنوب-شرق آسيوية بامتياز، بأولئك الباعة المتراصين تحت أقمشة تظلل عليهم مشدودة بين أربعة قوائم .. وصلنا المكان المنشود، الذي لم يكن سوى "شادر" كهذه الشوادر التي يقيمها المرشحون في الانتخابات، و قد اصطفت المقاعد الخشبية في صفوف أمام منصة بدائية يجلس إليها المتحدثون في هذا المؤتمر الذي اكتشفنا أنه عن انجازات وزارة التعليم العالي في مائة عام ..

جلست في المقدمة، بينما جلس رفيقاي في الصفوف الخلفية - كعادتهما في الحياة الواقعية - و بدأت الكلمة الافتتاحية بفيلم قصير يستعرض هذه الإنجازات، التي لا اذكر منها سوى إدخال رقم الجلوس لأول مرة في مصر عام 1889 - على وجه التقريب ..

تشوشٌ في الإرسال، و تشوهٌ في الصورة، لينتهي الحلم باستيقاظي مندهشًا من كل هذا ..

8.1.10

أحلام الفتى الدائخ - الحلم الرابع


الحلم الرابع: وحدة أمراض الديكور بقسم طب الإلكترونيات بالمستشفى الميري

كعادة أحلامي تبدأ فجأة و دون مقدمات، إذ أجد نفسي في غرفة ما أرتدي البالطو الأبيض، و بجواري أحد زملاء الدراسة .. اكتشفت فيما بعد أن هذه الغرفة هي بالطابق السادس أو السابع من المستشفى الميري، الذي انتقل من الأزاريطة إلى ميدان الرصافة بمحرم بك .. كنت أتحدث إلى أحد المرضى أشرح له كيفية إعداد "الراوتر" الخاص به للاتصال بالإنترنت، و كيف يتم تعريف الجهاز لديه على خدمة الإنترنت اللاسلكية، بينما كان صديقي "يعالج" أحد الرسوم الهندسية الخاصة بإحدي الشقق ..
و بينما نحن على هذا الحال، حدث أن أتى نذير أن حادثة على الطريق قد وقعت، و أن الإسعاف سينقل ضحاياها إلى المستشفى، فنزلت أنا وصديقي إلى الشارع لأداء الصلاة، لاكتشف في منتصف الطريق أنه أصبح صديقًا آخر ..
وصلنا المسجد الذي كان يضع على عتبته مجموعة من المجسات و سماعات عملاقة ينطلق منها صوت القارئ يتلو القرآن، و كلما ضغط أحدهم على المجسات الموجودة في العتبة خفت الصوت شيئًا فيشيئًا، حتى إذا خفت الصوت تمامًا، كان معنى ذلك إكتمال العدد لتبدأ الصلاة، و استيقظ أنا من النوم ..

11.9.08

أحلام الفتى الدائخ - الحلم الثالث


الحلم الثالث - انتقال زمكاني
يبدأ الحلم بمشهد تظهر فيه نشوي مصطفي كما كانت في فيلم أحلام الفتي الطائش - أي في صورة طبيبة بيطرية - و هي تدخل شقتها التي وضعت في مدخلها طستًا فوقه مرطبان زجاجي عظيم و داخل الطست هناك "سيد قشطة" صغير ما أن رآها حتي خرج من الماء و ضحك لها بأسنانه السوداء حالكة السواد، بينما تنظر إليه شذرًا و تسبه قائلة: "يا حلقوم .. يا بلعوم" .. ثم ينتقل الحلم بي إلي أنني سأتولي تهريب هذا السيد قشطة إلي موطنه الأصلي فأهرب به إلي ألمانيا لأكتشف أنه أصبح دبًا قطبيًا بني اللون ..
دخلت به معرضًا للإلكترونيات و الأجهزة المنزلية، و قد أبدي تفهمًا كبيرًا للإنجليزية و إن بدا عليه بعض الغباء، حيث سنحصل من هناك علي وسيلة لتهريبه إلي موطنه الأصلي - القطب الشمالي - و لذا فقد وقفنا طويلاً أمام عدد من التلفزيونات الـ LCD لنختار منها ما سينقلنا إلي هناك، حيث سيفتح هذا التلفزيون فجوة في الزمان و المكان - الزمكان - لننتقل منها للقطب الشمالي، لكنني للأسف استيقظت مباشرة بعد أن دخلت في الشاشة بعد الدب و لم أعرف - و يا حسرتاه - إلي أين ذهبت بالضبط ..

12.7.08

أحلام الفتى الدائخ - الحلم الثاني


الحلم الثاني - و يا له من حفل زفاف!
رأيت أنني و المهيس الأكبر ذاهبين إلي مكان ما لحضور حفل خطوبة أخته، و لمعلوماتكم، فإن أصغر أخت للمهيس الأكبر تكبره بفارق زمني جعلها تتزوج و هو في السابعة (!) .. المهم أننا ذهبنا، و كان الحفل في مدينة السلعوة، و تحديدًا في قاعة أفراح السلعوة ..
وجدنا القاعة لم تجهز بعد، ففررنا أن ننتظر في خرابة بجانب القاعة، و نمنا في الشارع جوارها، و لأنا في مدينة السلعوة، فلا بد لنا من حماية أنفسنا من السلعوة، و قد كان .. لبس كل واحد منا (كرنبة) كاملة فوق رأسه لتحميه من خطر السلعوة، و إن هي إلا ثوان حتي جهزت القاعة و بدأنا حفل الزفاف ..
كانت القاعة عبارة عن منحدر في المنتصف فيه العروسان، و منطقتان مرتفعتان علي الأجناب لجلوس المدعوين .. بينما العروس مع العريس في (الكوشة) إذ بنا نجدها إلي جوارنا - أنا و المهيس الأكبر - تتحدث معنا و لست أذكر فيم .. المهم أنها جلست معنا فترة حتي حانت الزفة فقفزت من جانبنا لتجلس بجوار العريس، ثم خرجت الزفة من المنحدر، و صوت عمر دياب يغني في الخلفية "ظلموه .." بينما خرجت العروس من المنجدر حيث كانوا حولاء و خلفها العريس يلطم حاملا ذيل فستانها ..
ملحوظة قصيرة قبل أن نكمل .. تلك التي قلت إنها أخت المهيس الأكبر ليست أخته في الواقع، لكن هذا هو الإحساس الذي راودني لحظتها، فالوجه الذي رأيته و الذي من المفنرض أنه لأخت المهيس الأكبر هو لآنسة أخري تمامًا هي حاليًا في عداد المخطوبين .. و لكن دعونا من هذه النقطة ..
كجزء من برنامج الفرح، أعلنت أستاذة من طب المنصورة أنها تجري دراسة علي الأزواج الجدد و كيفية تقسيم الشقة .. أعطتهم غرفة 6 × 6 و طلبت منهم تجهيزها بحيث تفي بكافة احتياجات المنزل .. و بعيدًا عن التفاصيل، فقد توصلا إلي وضع الأطفال المنتظرين فوق الأرفف التي امتلأت بها جدران الحجرة و الاستغناء تقريبًا عن الحمام ..

Related Posts with Thumbnails
 
Share
ShareSidebar