هذا واحد من الأحلام التي تمنيت كثيرًا أن استيقظ فلا أكملها، لكنني على العكس من البعض الذين يدّعون استطاعتهم إنهاء الحلم في منتصفه إذا لم يعجبهم .. أنا على العكس منهم؛ إذ لا استطيع إلا أن أكمله و لا استيثقظ إلا إذا انتهى أو أيقظني مؤثر خارجي ..
بداية الحلم كانت شخصية، و مترتبة على آخر ما تحدثنا فيه أنا و أسرتي قبل أن أنام .. حديث عن قطعة أرض من ميراث جدي يرحمه الله و صراع مرير بين الوارثين من أجل لا شيء و بلا داع سوى جشع الإنسان اللامحدود للمال و رغبة البعض و عشقهم لأكل المال الحرام ..
كنت أقف كواحد من الوارثين مع بقيتهم على قطعة الأرض المتنازع عليها .. كنا واقفين بجمود و في أوضاع مسرحية، و لو شئت الدقة لقلت إننا كنا نقف كأننا سنلتقط صورة لملصق فيلم سينمائي من فئة أفلام الحروب والأساطير، حيث تُلتقط الصورة من زاوية سفلية تعطي إحساسًا بعظم الحجم، و بالتالي عظم المكانة، بالإضافة إلى قليل من الدوران اليسير يمنة أو يسرة و رفع الرأس لإعطاء إحساس عام بالهيبة .. كنا نقف في جمود مستفز، أدركت بعد استيقاظي أنه تعبير عن حالة اللاسلم و اللاحرب التي تحيط بهذا الإرث .. على أية حال، فجمودنا هذا لم يستمر ..
فوجئت باثنين من أصدقائي يقفان بلباس فلاحيّ - أحدهما على الأقل على قدر ما أذكر - و قد استقطعا قطعة من الأرض على شكل حرف T و يريدان أن يمداها بالماء، و لست أدري ما العلاقة، لكنني استندت إلى وجودهم لإقرار حقي المشروع في هذه الأرض، لكن الأمور سريعًا ما انقلبت بوصول فيروز - الممثلة لا المطربة - التي اكتشفت أنها كانت من أصدقاء جدي الآخر - و ليس صاحب الأرض - و قد أتت لتدلي بدلوها في الأمر بصحبة سائقها النوبي .. العجيب في الأمر أنها كانت بالأبيض و الأسود، فيما كنا جميعًا بالألوان، حتى سيارتها كانت من طراز الخمسينات على أقل تقدير ..
و على الرغم من شعوري عندما جاءت بأن الموقف قد تعقد، فإن هذا الشعور انقلب فجأة إلى الضد، لكنه لم يدم كثيرًا، إذ خيّم الليل سريعًا و لم نصل إلى شيء، و انطلقت مكتئبًا أريد أن أروّح عن نفسي ..
هنالك شارع ما، لست أدري موقعه على الأرض تحديدًا، لكنه يتكرر كثيرًا في أحلامي .. نفس التقاطع و الميدان و الإشارات المرورية، لكن ما يختلف من مرة لأخرى هي ما يحيط بهذا الشارع من مبان و عقارات .. هذه المرة كانت مساحات شاسعة من الفراغ تتناثر فيها مبان متفرقة أشبه بالقصور و المنتجعات، و لسبب ما - ربما يتعلق بالإرث - كان هذا المكان هو منطقة العجمي بالإسكندرية ..
أسير مهمومًا و الليل البهيم فوق رأسي يغلفني، و النجوم ساطعة؛ إذ لا توجد مصابيح للإضاءة إلا النذر اليسير، لكنها كافية برغم كل شيء أن أرى كل شيء بوضوح .. أسير شاعرًا ببرودة في جسدي فسرتها بسيري ليلاً مرتديًا ملابس خفيفة للغاية، و أدركت عند استيقاظي أن هذا كان بسبب تحرري من أغلب ملابسي قبل نومي، مع نسيم المروحة الممتزج بنسائم باردة آتية من الشرفة المفتوحة .. أسير و أرفع رأسي للسماء متأملاً، فأرى مذنبًا - أو هكذا ظننته في البداية - يلتمع في السماء يحيط به عدد من الشهب التي كانت تسير في مسارات دائرية كأنها تشكيل من الطائرات يؤدي عرضًا عسكريًا لا شهبًا تحترق في طبقات الجو العليا، ثم اختفى كل شيء ..
أخذت أفكر قائلاً: "عجبًا لهذا المذنب ! يقطع آلاف و ملايين الكيلومترات ثم يأتي ليحترق ها هنا، فأي أمر عجيب هذا !" .. أفكر في هذا بينما أسير متوجهًا إلى إحدى دور السينما، في سابقة لم تحدث من قبل، و لا أظنها ستحدث أبدًا .. أفكر في هذا و استمع إلى حديث اثنين حول النيازك التي ستهبط إلى الأرض، فاسترجع مشهد المذنب الذي رأيته منذ لحظات و استرجع معلوماتي عن المذنبات، لاكتشف أنهم على حق .. هذا ليس مذنبًا، بل نيزك ضخم يهبط إلينا بسرعة جنونية ..
اصبحت أمام السينما، فسمعت جلبة التفت لمصدرها لأجد أنه النيزك الذي أصبح فوق رأسي تقريبًا، فأخفضها لأجده يقع فوق السينما فيحيلها ترابًا و أنقاضًا في لحظة، و كأنها ضغط زر Delete أو ربما Shift + Delete ..
ثم توالت النيازك ..
استحالت السماء حمراء كالدم، لكنه دم قان سرعان ما اكتسى بصفرة النيران البرتقالية فأخذ طابعًا مقبضًا يشعرك بدنو أجلك .. لحظتها تمنيت بحق أن استيقظ، لكنني لم استطع .. النيازك تتوالى و الكل يجري بعيدًا عنها و عن مواقع سقوطها ..
النيازك تسقط بزاوية حادة صانعة ذيلاً عظيمًا من الدخان الأسود الممتزج ببرتقالية النيران التي تشتعل في جو السماء فيذكرك بمشهد انفجار القنابل النووية المحدودة، و الارتجاجات الأرضية تفقد الناس توازنهم فيتخبطون في جريهم الهلوع الملئ بصرخات الفزع و الرعب، بينما أجري أنا صامتًا كأنني قد أخرست ..
على غير توقع أجد أختي الصغرى تجري إلى جواري، و لا أدري تحديدًا ما أتى بها إلى هنا، لكنني آخذها في كنفي و نجري سويًا في الأرض المفتوحة منطلقين بعيدًا عن مواقع سقوط النيازك التي صنعت فوهات هائلة خلفنا جعلت الرجوع مستحيلاً .. أسمع أحدهم يقول "هرمجدون"، أو لعله نطقها بالإنجليزية Armageddon مشيرًا إلى الاعتقاد الغربي أن معركة آخر الزمان ستنتهي بكارثة تسقط فيها المذنبات تباعًا لتنهي الحياة على الأرض قبل أن تقوم القيامة .. حقيقة، و بعيدًا عن كل هذا الذي يحيط باللفظ من روايات و حكايات، فإن وقع الكلمة ممتزجًا مع ما شاهدت كان مروعًا بحق ..
على حين غرة يسقط نيزك في اتجاه معاكس لكل النيازك ليصطدم بمحطة وقود نبتت من العدم، كأنما نبتت لتصطدم بالنيزك تحديدًا، و دوى انفجار مروع ليجد الجميع - بما فيهم أنا و أختي - أننا قد حوصرنا بين السقوط المتوالي للنيازك و بين هذا الانفجار الذي أطح بمقدمة الصفوف الهاربة ..
وجدت نفسي دون وعي أعلق على سقوط هذا النيزك خارج السرب: "أي سخف هذا !" .. واصلت الجري للحظات بعد أن غيرت اتجاه الركض، لكنني استيقظت و لست أدري تحديدًا إلام أنتهت الأمور، و لست أريد العودة كي أعرف ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق