31.8.08

اني اكرهك اكرهك اكرهك

حقا اني اكرهك ..ابغضك.. كل خلية في جسدي تنطق ..بل تصرخ باحتقارك والاشمئزاز منك..
منذ اعوام كنت اراقبك واتلصص عليك ..من بعيد ومن قريب كان بياض جسدك الرقيق الملفوف كثيرا ما يخدعني , ويدفعني للاقتراب منك ولمسك كما تلمسك جميع الايادي .. ولئمك .. كما تلئمك الشفاة دون ان تحسي بخجل لذلك او بعار..
ولكني كنت سرعان ما اتذكر كم انتي سوداء من داخلك .. اتذكر كيف ان هذا الجسد شاهق البياض , ممشوق القوام يضم بين جنبيه احشاء تنبض بالكراهية وغالبا للرجال .. وسوادا و غلا و خداعا..
كثيرا ما تحسستك الانامل .. وكثيرا ما طبعت على الافواه (احمر شفايف) .. ولكنه كان لون متسخا ..داكنا .. طالما بقى فوق الشفاة مريديك ليكون عليهم دليلا دامغا..
كانوا كثيرا ما ينفردون بك في حجراتهم الخاصة .. و ربما في دورات المياة , عندما يشتاقون اليك اكثر..
كنت بالنسبة لهم كالمسكن الكاذب للالم .. كالبلسم الخادع المجروح ..توهمين ضحاياك بالشفاءوانت تسرطنهم بحبك اكثرواكثر..

هل هل تتذكرين - كما اتذكر انا - كيف راودت صديقي الصغير عن نفسه ؟!
دعيني اذكرك ..
كنا شلة وقد خرجنا من احدى مجموعات الدروس الخصوصية .. وكأنما راى ضالته..
رآك صديقي - الذي بسببك لم يعد صديقي - مع احد زملائنا .. كنت تتابطين ذراعه في خلاعة .. ورغم ذلك اطلقت نظراتك الساحرة التي اوقعت صديقي في شراكك..
وفي لحظة..كنت كنت قد تركت زميلنا لتتعلقي بصديقي .. اتتشبك اناملكما في نفس انعدام الحياء .. ومن يومها وانت ادمانه وافيونه..

وبعد فترة رايتك انت ايضا تحومين حول جاري الشيخ "علي" .. الذي كان قد سمع عن مساوءك و سمعتك التي كانت تلوكها الالسن.. ولكنه - وفي لحظة ضعف انسانية - انقاد الي قائمة من سلبتيهم حياتهم وانفسهم ..
وكان ثالث مشهد واهم مشهد اذكره لك .. عندما كنت السبب في تدمير عائلة عن اخرها..
هل تتعجبين؟!! .. نعم .. لقد دمرت عائلة الاستاذ " فلان " .. ولا تحاولي خداعي بانك لم تكوني تقصدين .. لقد تعمدت ذلك لترضي سوادك الداخلي وسوء سمعتك..

دعيني اذكرك ..
كان الاستاذ فلان قد ادمن سهراتك الحمراء..ولكنه عندما وجد نفسه يتقدم في السن ومازلت انت تسليته الوحيدة .. لم يفكر فيكي اطلاقا كزوجة .. لانك احقر من ذلك ..
عرض على خطيبته امرك ظنت انه سيذهب لحاله بعد الزواج و قبلت بك ضروة بعد الزواج في نفس المنزل رغم انفها..
كان كثيرا ما يترك زوجته في فراشها وينفرد بك في الحجرة المجاورة او حتى في دورة المياه..
يا لك مم حقيرة .. وليت الامر انتهى على ذلك..
لقد انتظرت حتى شب ابن الاستاذ لتتعمدي ان تظهري له بكل ما هو فتان وجذاب.. واقمت معه نفس العلاقة المحرمة التي اقمتها مع ابيه .. ليفاجأ الاب بابنه معك في نفس دورة المياه.. في نفس الاوضاع .. بنفس اللذة الزائفة..

لم يستطع الاب عندها ان ينطق بهذة الكلمات ................... ليه كدة يا بني ؟!
ولم يكن رد الابن سوى كلمتين ................................ اشمعنى انت ؟!!
ولم يستطع الاب ان يرد......

هل وقعت معها انت ايضا في علاقة ام لا ؟
اذا وقعت فحاول التخلص منها باسرع وقت زاذا لم تقع فحاول ان تتجنبها والا وقعت في لذتها
هل عرفت ما هي تلك اللعوب ..........الا هي السجارة .............
حقا اني اكرهك اكرهك اكرهك

30.8.08

شىء من الوجدان!!! عريضة استرحام الهية واسعة

لأننا ما زلنا غير واثقين من تبليغنا رمضان ...... ولأننا ندعوا الله فى كل سجدة وسكنة أن يبلّغنا ايّاه ..... فكان لا بد من شىء يظهر حسن النية ... فكانت تلك " العريضة ".

أستغفرك ربى من كل لحظة كنت بها فى بيتك وانشغل عقلى عن من سواك ...... أستغفرك ربى من كل خطرة شيطانية خطرت الى نفسى و أنا أقف بين يديك .........أعترف يا رب .... أعترف أنّى ملىء بالخطايا والذنوب وانه لولا لطفك ورحمتك لكنت من الخاسرين........ أعلم مدى تقصيرى وخسة نفسى...... لكنّك أنت الرب وانا العبد ...... من لى اذا أغلقت بابك فى وجهى ......من يربت على قلبى المسكين سواك .......... يا رب لقد تحجر الدمع فى مقلتى ...... أرى أناس كثيرين يبكون من ايات العذاب ....... أكاد أجن ....... نفس سقف المسجد الذى يجمعنا ونفس الصف ... ولكنّه يبكى ويذرف الدموع وانا أقف كالحجر الأصم...... أعلم أن هذا جراء تحجر قلبى ....... ولكنّنى سأظل أطرق ...... لن أمل الطرق أبدا ......... يا رب عن ماذا أتوب؟؟..... أعن تلك العهود التى أخذتها على نفسى ولم أنفذها حتى الان ....... أم عن الكذب ... أم عن الخلسات والنظرات..... أم عن وعن وعن ......... رحمتك الواسعة ولطفك وحلمك يخجلوننى.......يا رب اثار رحمتك فى حياتى جليّة وواضحة ولكنّها النفس المقيتة ....... يا رب لقد رسمت صورة فى مخيلتى عن معنى العبودية الحقيقى ...... رسمت صورة عن قلب ينبض بحب الله ..... عن عروق يسرى فيها القرآن كما تسرى الدماء ......عن روح نورانية شفافة رقيقة تطرب بالذكر ...... أعلم أن هذا صعب المنال ..... ولكن هل لى من سعى وعمل ..... يا رب ساعدنى ..... يا رب

بلد الدخان الهابط إلي أسفل - الفصل الثاني

الفصل الثاني - بدايات
الصمت ..
الصمت يغلف كل شخص .. كل شيء .. كل حركة .. كل همسة .. حتي كل صوت ..
الصمت و الحزن ..
و دموع تجري أنهارًا لا تجد لها مصبًا سوي صدور تحترق بنار الفراق و حزن علي حبيب قريب مضي تاركها في ظلمة أشد عليها من ظلمة قبره ..
و رغم أن صوت الشيخ الحصري كان يدوي كعادته يتلوا آيات من سورة البقرة، السورة التي طالما أحبها خميس، خارجًا من جهاز الكاسيت "الضخم" الذي اشتراه خميس هدية لأخته لتسمع عليها ما كان يسميها بـ "الأغاني الهبابية" كما تشاء .. رغم أن صوته كان يخرج واضحًا تتجاوب معه رؤوس الناس بحركات تقترب من الآلية، لقلت أن الحاضرين جميعًا قد لحقوا بميتهم ..
إن هي إلا لحظات حتي دخل محمود متشح بسواد ليس يبلغ من قريب أو بعيد معشار ما في قلبه .. شد علي يدي والد خميس ثم أخويه ثم من تلوهم من أعمام و أخوال، حتي وصل إلي فاروق الذي نظر إليه نظرة أودعها كل ما في قلبه و شد علي يديه بقوة كادت تحطم عظام يده، و لم يتمالك نفسه إذ أجهش بالبكاء مرتميًا علي صدر صديقه الذي حاول أن يخفف عنه، فأجلسه إلي جواره و محمود لا يدري أن فاروق لا يواسيه، لكنه يواسي نفسه أولاً و ثانيًا و سادسًا و أحد عشر ..
و هناك في الشقة التي تعلو شقة خميس، حيث استقبلت عائلته المعزين من الرجال، كان معزي النساء ..
ربما يتعجب المرء من هؤلاء النسوة .. ليست فيهم واحدة ليست بذات قربي لخميس، لكنهم متماسكون كأنهم صخر .. كأنهم أدركوا حقًا كيف أن لله ما أخذ و لله ما أعطي .. وحدها كانت تبكي بحرقة .. وحدها سامية كانت تتقد نارًا بداخلها ..
كانت جالسة جوار والدته تضرب في بحر لجي متلاطم الأمواج من الأفكار .. أفكار من فوقها هموم من فوقها ظلمات من سحابات الكآبة إذا تركت نفسك فيه غرقت لا محالة و ليس لك منجي إلا رحمة الله .. كانت تفكر في خميس و كيف "حفي" وراءها لكنه كانت تصده .. كانت تقول له إنه لن يكون أبدًا من تتزوجه لأنه ليس "من مستواها" .. لم تكن تدرك أنها تفري جسده و قلبه بكلامها .. لم تكن تدري، و ها هو الإدراك يأتيها متأخرًا .. متأخرًا جدًا ..
شعرت في قرارة نفسها أن قتلته .. لكن ليس يوم عرسها، بل يوم أن قالتها له صريحة بعد أن سأمت ملاحقته رغم صدها "المكني" له باستمرار .. لا، لم تكن صريحة .. كانت صفيقة ..
- بص يا خميس .. إحنا لا يمكن نكون لبعض ..
- لا يمكن ؟
- طبعًا .. أنت دبلوم تجاري .. أنا بكالوريوس علوم .. أنت والدك فران و والدتك علي قد حالها يدوب بتفك الخط، و ..
- خلاص .. خلاص يا بت الأكابر ..
تذكرت كيف قاطعها بعنف، و كيف شعرت لحظتها أنها "زودت العيار"، لكنها بررت لنفسها ما فعلت بأنه لم يستجب لصدها الرفيق الهاديء، فكان لا بد له من صدمة تفيقه ..
" رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ "
ثم زيييييييييييء تك، ليعلن الشريط أن الحصري قد انتهي من القراءة، و أن شكر الله سعيكم ..
***
- فارس .. جاي معايا و لا ؟
- يخرب بيت التخاطر اللي بينا يا فاروق .. جاي طبعًا ..
مشيا سويًا بعد أن هبطا من البناية التي طالما ألقيا التحية علي بوابها و هم صاعدون إلي خميس يسهرون معه أيام الثلاثاء و الخميس، و التي ستصبح ذكري أخري تضاف إلي ذكرياتهم العديدة ..
مشيا سويًا حتي ركبا سيارة فاروق الأوبل الفضية أو "الفنكوشة" كما يحب أن يسميها فارس، لأنها ما تركت موقفًا هامًا إلا و خذلتهم فيه كأفضل نذلة في تاريخ السيارات .. لكنها أفضل من لا شيء ..
صوت المينوتور القابع في محرك السيارة يعلو معلنا بدأت معركة جديدة علي الأسفلت، لكنها معركة تتشح بالسواد .. سواد الليل و سواد الحزن ..
- علي فكرة .. خميس ما ماتش ..
قالها فاروق بعد أن خرجا من ذلك الشارع الجانبي إلي شارع بورسعيد ليسأله فارس متعجبًا:
- نعم ؟
- دا انتحر ..
- نعمين يا خويا .. فاروق .. خميس ابن خالك و حبيبك و صاحبك، بس لازم تمسك نفسك ..
- باتكلم بجد .. فاكر النوبة اللي جاتة أول مرة و ما كانش حد عارف إن عنده ضيق في الشرايين و زكريا لحقه و شخّصه ..
- طبعًا فاكر .. و دي حاجة تتنسي ..
- أول مرة دي كانت عنيفة جدًا .. الوله قعد أربع أيام في الـ ICU .. العناية المركزة يعني ..و بسم الله ما شاء الله طلع سليم .. المرة دي كانت أخف بكتير، بس هو اللي كان عاوز يموت ..
- كلام إيه ده ..
- أولاً ما كانش معاه و لا قرص نيترو .. أنت يا بني عارف خميس ده .. كان بيشيل معاه بالتلات علب .. ثانيًا نفسيته كانت زبالة جدًا و كان واضح إنه مش عاوز يكمل دنيته .. عارف ليه ؟
- ليه ؟
- يا ابن الــ .. يا واطي ..
خرجت من فمه كالقذيفة لذلك الشاب الأرعن الذي أخذ "غرزة" عن يساره بسرعة جنونية و كاد أن يقذف بالفنكوشة إلي غياهب الجب ليلحقا بخميس مباشرة ..
- كنا بنقول إيه ؟ .. آه .. خميس كان بيحب سامية .. جيران بقي و الواد كان متشحتف .. بس هي و لا عبرته ..بجد كسرت قلبه و نفسه و كل حاجة، بس يوم جوازها كان هو القشة اللي قطمت ضهره ..
- تفتكر ..
- دول كانوا آخر كلمتين داروا بيني و بينه ..
تنهد فارس ثم قال:
- الله يرحمه .. أهو دلوقتي في حته أكيد أحسن م اللي إحنا فيها ..
- يا أخي دا لو حتي و العياذ بالله .. اللهم لا تكتبها له يا رب العالمين .. دا لو حتي ف جهنم حيبقي أرحم له ..
- يا ساتر .. مش للدرجة دي ..
- الدرجة دي و أكتر .. ما أنت أخدت لك لحسة ... طالك م الحب جانب ..
- بس و لا همني ..
- ألا بالمناسبة .. آخر مشاريعك إيه ؟
انحرف يمينًا ليخرج من شارع المعسكر الروماني إلي أبي قير ليكمل طريقه إلي شقته في بولكلي، مطلقًا كمًا من السباب لكم أكبر من سائقي الأجرة و السرفيس و ملاكي القاهرة و سوهاج و قنا الذين يبتلي الله بهم الإسكندرية في شهور الصيف ..
- يا أخي الحمد لله إن إحنا ف أغسطس و الصيف بيشطب .. دا غلب ..
- م الصيف لرمضان .. م الدار للنار حدف ..
- رمضان نار برضه .. يا راجل حرام عليك ..
- أنا أصلاً ما ينفعش أصوم .. لولا إنه فرض كنت فطرته .. المهم سيبك ..
- برضه ما قولتليش ..
- واقع علي حتة موضوع .. سُقع .. فاكر محمد إبراهيم سليمان ..
- وزير الإسكان اللي فات ؟
- الله ينور عليك .. الراجل مشي طبعًا، لكنه ساب خميرة فساد معفنة .. كام وكيل وزارة بس "عبده أفسدها" م الطراز الأول ..
- ده المقال اللي جاي ..
- الكام مقال اللي جاي ..
- ياه .. طب خلي بالك علي نفسك .. الحاجة عاوزاك ..
انحرف آخر انحرافة له في طريق العودة، ليركن السيارة في مكانها المعتادة قائلاً لفارس:
- معلش بقي اتمشي أنت الشويتين دول .. المسافة مش كبيرة ..
- و لا يهمك .. أنا كنت فعلاً عاوز أمشي شوية ..
خرجا من السيارة، فودع فارس فاروقًا الذي دخل بنايته بينما أكمل هو المسافة القصيرة التي تفصله عن مسكن فاروق .. إلي الأمام قليلاً مباشرة أمام البنك التجاري الدولي ..
رن هاتفه المحمول فأخرجه ضَجِرًا يصب اللعنات علي المتصل، لكنه سرعان ما سكت إذ وجده عبد الواحد، فتساءل في نفسه عن السبب الذي يدفعه لمثل هذا الاتصال، قبل أن يجيب:
- سلامو عليكم ..
- و عليكم السلام .. فاروق جنبك ..
- لسه سايبني ..
- اتصل بيه في البيت بقي .. موبايله مقفول جنني معاه ..
- حصل خير .. تصبح علي خير ..
- و أنت من أهله ..
أنهي الاتصال و هو يصعد أولي درجات السلم القصير المؤدي لشقته في الطابق الأول و هو يشعر أن اليوم مر و قد فقد شيئًا ..
بل أشياء ..
***
لم يكد فاروق يلج باب شقته علي أطراف أصابعه كيلا يوقظ أحدًا من أهله، حتي وجد صوت جرس الهاتف ينفجر كقنبلة بددت سكون المنزل، فقفز - تقريبًا - ليمسك بالسماعة قبل أن يبدأ جرسًا آخر قائلاً:
- آلو ..
- أيوه يا روقة .. قافل الموبايل ليه ..
- أيووه .. نسيت افتحه بعد العزا .. عاوز إيه يا عبد الواحد ..
- عاوز سلامتك ..
- ظريف .. قصّر ..
- بفكرك بميعاد بكره ..
- يا خبر إخص ..
-إيه .. إوعي تقول لي نسيته ..
- لأ .. بس خليته بدري شوية .. أصل عندي عملية الساعة واحدة ..
- بقي كام يعني ؟
- تسعة الصبح ..
- حتلاقيني في النيابة مستنيك إن شاء الله ..
- تصبح علي خير ..
- و أنت من أهله ..
و أنهي الاتصال علي سريره، ليغرق في نوم عميق ..

26.8.08

لمحات!!



الصورة دى صورة أولاد " غزالة محمد ابراهيم " المواطنة المصرية التى وضعت -فى مستشفى الشاطبى بالاسكندرية- سبعة توائم فى سابقة هى الاولى من نوعها فى العالم ....... الواقع أن ما جذبنى للخبر ليس الاعجاز الطبّى- وان كا هذا يأخذ فى الحسبان-على اعتبار أن المواطن المصرى قادر على الاتيات بأى شىء....... ولكن ما جذبنى حقيقة هو ذلك المصير المؤلم الذى ينتظر هؤلاء الاخوة فى بلد لا يستطيع المواطن فيها الحصول على رغيف عيش بشرف ....... يا عينى عليكوا ..... جايين لدنيا ما بترحمش ..... يا ترى دول حيكون مصيرهم ايية؟

23.8.08

يا وطني لن ايأس

لن تصلُبَ روحي يا وطني لن تكتم فاهي يا سلطان
ناقوس عدالتكم دوّى ظلمًا أغرق أقراني الطوفان
طوفان العدل المتخفّي في زي القاضي بالبهتان
سنتان لتنسينا جرحا و تعود لتقتل ألفان
أتظن الغفلة في قومي تغشي عن عيني البطلان

سنتان حكمتم، يا ويلي !
سنتان لتقترف الآثام
سنتان لتسطر مذبحة
سنتان لتغرق ناجين

سنتان منحتني الريشة إحساسًا
و جواد الأحرف مقدام
لن تثني عزمي يا وطني
لن تسكت نطق الأقلام
لن أخذل شعبا يتلّوى
لن أخذل طفلا في القاع
لن أرحم لصا يتخفّى، في ثوب حكيم و محام
ستروني بدواتي أحكي
عن وطن يحلم أن يحلم أحلاما
يحلم أن يحلم يقظانا، أو حين الغفلة والجرح
حتى لو كان فقيرًا، أو كان الفقر له حلم
يتمنى شعبي أن يحلم حتى لو كان به نزف
أو كان به من أمراض الدنيا دنيا
حتى لو فقد الأهل
وقضى القاضي-بعدالته-
أن التهمة -لو وُجدَت- كانت في حق الغرقان !!!!
مرحى مرحى، يحيا العدل ويحيا الخان
مرحى مرحى، أصدر حكمًا، انصف في البحر الجثمان
و لذا سأل القاضي في القرآن
أولو كنا ترابًا، عظمًا، ألنا بعد الموت أذان؟!!
و أظن المعجزة ستحدث
و ستُبعث كل الأسماك
كي ترجع ما أكلت ...
لحمًا ...
عظمًا ...
جلدًا ...
نزفًا ..
دمًّا ..
دمعًا ...
أو حتى بعض الشَعْرْ
فلتُبعَث جثث الغرقى، أو ما أكلته الغربان
و العدل سيأخذ مجراه
في سجن سيادتكم هذا
يرقد ألف وبعض العشرات
..... حشرات ... !!
خطّطَ، صمّمَ هذا الألف
ان يغرق تلك العبّارة
قد عرفوا حكم سيادتكم قبل الجلسة ...
فانتحروا ....
فالبحر بنظرتهم أرحم من سجن سيادتكم

سنتان
و الجرح ازداد ... والقرحة صار بها ورمٌ
عدل و حقوق رجعت .... و الكل غدا عدمٌ
من جسد الأطفال أعطيت السمكة حق العيش
أكل النّورس من جلدي
دعا القرش هنا أصحابه
مائدة القرش هنا ملأى .. أصناف الأشخاص كثيرة
من أولاد و بنيّات
من رجل شيخ، وشباب
من أمٍ، أخت ... عمّات
أشبعت القرشَ الخالات
والحيتان اجتمعت
تأكل من جثة نسرين
تلعق عادل أو ياسين
و تُحلّي بجمانةَ
تتغذّى بعلاء
تتعشّى بالباقي
وتنام السمكة
والبحر هدوءٌ و سُبات
أغبطهم فعلا يا وطني
بل أحسدهم أول مرّة
أحسد أحدًا...
فبطون الحيتان ابتلعت هذا الجثمان
لكنّك يا وطني وحشٌ؛ نكّلت بهذا الجثمان
و نصبت له التهمة جوراً
كيف سيغرقها غرقان ؟!!
هل حقا حقاً لا أفهم ؟؟
أقنعني يا ذا السلطان
خدّرت بأحكامك شعبا،
أثملت الوطن الندمان
في حانة جورك باراتٌ
فيها تنتهك الإنسان
فيها تعطي صوتك ظلما
وبها تغتصب الأحكام

هذي الفعلة خرقت عيني، أذني
ملئت كل كياني يأسا
كانت في التلفاز وفي الصحف الحمقاء
عذرا ... أستثني منها الصفراء
أستثني أهرام عميلٍ
استثني اخبار البار

هل كنت اللحظة كالأعمى ؟؟
هل كانت أذني صمّاء ؟؟
لكنّي حين لمست البحر
كانت رعشته تُرعشني
كانت قطرات
تقفز في فمي ... أتذوقها
هل هذا طعم لبحار أم هذا طعم الدمعات ؟؟
البحر بلا عقلٍ لكن ...
جثث الأطفال هنا تُبكي ... حتّى البحر
و الموج تلاطم في شجو، تتنهّد كل الموجات
و البحر هو الحضن الأرحم ..... يمسح دمع الموج
و يحضن للصّدر الشهداء


أمضي و القدم بها يأس
فوق رمال اليأس
لا قدمي صارت تُقدِم، و الرّمل غدا يهتز
الصوت ينادي و ينادي لكن الصوت به يأس
واليأس أشار بيأس ... يكفي يا شعبي يأس
رغم اليأس اليائس والكون المستيئس
رغم البدر الغائب و الليل المتيبّس
رغم الوطن القابع في سلة آلام
رغم الوطن المُتْرسٍ بالأشلاء
صاحت جثة ناج من يأس
يا وطني لا تيأس فاليأس حلال
لكني أنصحك يقينا ...
إذنب ...
إكسب إثما
لو كانت فاحشة أرجوك إفعلها ... لا تيأس
فبإفتاء الشعر هنا ... تلك الفاحشة حلال
اقضي شهوة أن لا تيأس

و أنا يا وطني رغم الملحمة المظلومة
و الجثمان ... و الحكم العادل
امضي و أسير
على مركب قلمي
أعمي لا أدري هل أكتب
أم أهذي
لكن قرارًا يملؤني
أني يا وطني لن ايأس
أني يا وطني لن ايأس

ملحوظة خارج السياق: هذه القصيدة كتبها صديق لي، فضل أن أدعوه بلقبه .. البدوي، و لما رأيت أنها معبرة لم أتمالك أن طلبت منه أن ينشرها ..

22.8.08

لقد علمتنى الحياة!! الجزء الاول


ثمّة تجارب عدّة عاشها الانسان تمكنه من تكوين وجهة نظر محترمة تجاه الحياة ...... فعلى الرغم من أننى الشاب الصغير ذو العشرين ربيعا- بيقولوا علينا كدة- الا اننى أزعم أن لدى مجموعة من التجارب التى تستحق أن تكتب وأن تناقش ..... بل وأن يستخرج منها الدروس والعبر ......ما سأقوله لكم فى هذه التدوينة لا يندرج البتّة تحت مسمى المواعظ والنصائح وانما أنقل لكم ما عشته وفهمته فقط.


لقد علمتنى الحياة أنه ليس بالضرورة أن يكافأ الانسان على جهده وعرقه فى الحياةالدنيا ...... وانما هناك حياة أخرى -يتجاهلها الكثير من الناس- من الممكن أن يؤجّل الجزاء لها........ علّمتنى أن اختيار الصديق -بالفعل -لا يقل أهمية عن اختيار الزوجة..... لذا لزم الأمر التدقيق والفحص فى اختياره لأهميته........ علمتنى الحياة أن ما من شىء يبقى على وضعه..... وان تقلبات الأيام والدهور تفعل الافاعيل بالانسان ..... علّمتنى ان مثل " اعمل خير وارميه فى البحر " هذا ..... مثل خاااطىء تماما.... لأن الله سبحانه وتعالى لا بد أن يشكرك لفعلتك هذه مهما كان حجمها........... تعلمت أن الله سبحانه وتعالى يجبر الخاطر لمن أهين أو كسر .....وانه ما عليك الا رفع اليدين بالاستغاثة والدعاء ...... علمتنى أن الزواج هو قدر ورزق ...... فمن الممكن جدا أن تكون البنت اللى مش طايق تسمع سيرتها دلوقتى هى زوجتك فى المستقبل........علمتنى أن أمى هى جنتى ونارى وهنائى وشقائى ..... علمتنى أن الذين يتكلمون هم كثير جدا أما الذين يعملون فهم قليل جدا ...... علمتنى أن البقعة البيضاء تبقى وتعيش حتى لو كانت محاطة بكم من السواد ..... بشرط أن تحافظ على نقائها وطهارتها ......علّمتنى أن لا أحكم على انسان قط سماعيا .... وألا أكون رأى تجاه أى انسان الا اذا سمعت منه وأنصتّ له .... يتبع..

قد تجد فى هذه التدوينة نصائح الحكيم مانى .... أو مجموعة من المواعظ التى تعرفها جيدا .... ولكن سبق أن قلت هذه استفادات من تجارب مرت علىّ وشاهدتها بأم عينى

15.8.08

انا حقيقي آسف

يا جماعة أنا شايف تدوينات عن المدونين الكسالى وكلام كده وبقولكم حقيقي أنا آسف ، بس أنا كنت في حالة نفسية لا تسمح بالإبداع على الإطلاق ، وكنت بشوف تعليقاتكم في الميل بتاعي ولأول مرة أتجاهلها وما أردش وما شاركش في الحوار ، ان كنتم زعلانين مني انا زعلان من نفسي أكتر ، وعلى العموم انا حرجع أكتب تاني في المدونة بس إدوني شوية وقت ، ، انا بجد يا جماعة كان لازم اقعد مع نفسي في لفترة اللي فاتت وأشوف انا رايح فين وأراجع نفسي واشوف بالظبطت انا عاوز إيه من حياتي ،

أنا عارف يا عبدالرحمن إنك من يوم آخر مكالمة شكلك متغير من نحيتي بس انا عايز أقولك ان ده كان الحل الوحيد اللي قدامي في الوقت ده بس بعد كده انا غيرت كلامي معاهم وقلتلهم اللي انا قلتهولك
انا عارف إني بالحوار النفسي ده حقلبها مدونة حريمي بس يالا مش مهم :)))
بس حقيقي يا جماعة متزعلوش مني عشان انا انقطعت لا حس ولا خبر بس الدنيا مشاغل بعدين باركولي مش مسكت مهمة اسقبال الطلبة الجداد في الكلية مع الجمعية العلمية ،
بالمناسبة يا عُبَد مش بديوي انتخبوه تاني إول إمبارح بعدد أصوات أقل من السنتين اللي
فاتو (10 مع 1 ضد 1 متتنع ) السنة اللي فاتت كان (100% مع) ههههههه
بعدين يا عبد إيه الجمال ده نزلتلهم قصة السيف كمان (انا بحبها على فكرة ) ، والناس نازلين هاتك يا مدح ، استمر يا بطل على رأي بديوي ما انت حلو اهه
بس عايز استفسر منك على حاجة : انت كنت حاطط في الفيس بوك إنك
(overseas)
يعني إيه ؟ انت مسافر ولا إيه ؟
وآخر حاجة عايزك معانا يوم السبت إن شاء الله في الجمعية في تدريب حلو عن مهارات التواصل (كومانيوكاشن سكيلز)
هههههههه
بعدين يا جماعة كلكم مبروك النجاح و عقبال كل سنة وخلونا نسمع منكم ،
و حبيبة : شكرا على الرنة (من شهر تقريبا )هههههه
وانتظرولي حاجة قريب

المهيس الأكبر

13.8.08

الخروج من وحل الصفر!!


حاجة كدة على ما أسم....... عشان بأمر بمرحلة الله أعلم بها.......
الخير الذي يملأ عبقه الآفاق شرقا وغربا يضيء في النفس شمعة تطرد ظلام التشاؤم ، إلا أن ذلك لا يعني مطلق الخيرية ولا تشتت الظلام ؛ لأن ذلك الخير يعتريه من الضعف ما يكاد ينسينا ضوءه . كثيرة هي الأسباب التي تعلق عليها نكبات الأمة ومن أهمها تلك السلبية المقيتة التي يعيشها أفراد هم من جملة ذلك الخير المعدود !! فإذا ما نظرنا إلى الدور الذي رضوه لأنفسهم ولم ترضه الأمة لهم وجدناه دورا باهتا لا يتجاوز التباكي على سوء حال الأمة-إن كان ثمة دموع- وإسقاط المسؤولية ذات اليمين وذات الشمال ، فهم خارجون عن إطار المسؤولية متدثرون ببُرد الملائكة الذين لا يفترون !! جسومهم أتخمت من أعراض العاملين الباذلين وهم على أرائكهم يأكلون ويشربون كما تأكل الأنعام ، ولعلي أصيب كبد الحقيقة إن قلت إنهم من أعظم رزايا هذه الأمة ومصائبها حيث لم يقدموا لهذه الأمة إلا نواحا.. وهل يجدي النواح ؟! إن هذا النوع من أفراد هذه الأمة بعجزهم عن العمل لهذا الدين وإلقاء التبعات على الآخرين يحرقون بذلك المئات من الصفحات المشرقة لسلف هذه الأمة والتي أضاءت بتضحيات وإنجازات علمية مازال العالم كله يتفيؤ ظلالها ، ولو تأملنا في تلك المنجزات لوجدناها قامت على أفراد اعتزلوا الراحة وعاشوا هما أطار النوم عن أعينهم وسعوا لهدف نسوا لأجله لذائذهم ،وليس المقام مقام حصر حتى آتي بغرائبهم التي أشبه ما تكون بالأساطير وإنما مقام تذكير بأن أولئك بشر مثلنا ولهم من الحواس مثلنا ، بل وتعتريهم النزوات والشهوات التي طالما غرقنا في وحلها ولكن الفرق بيننا وبينهم أن لهم همة لا ترضى بالدون وقلوبا تأبى الخنوع والهوان يرفضون العيش على هامش الحياة وفي ساقة الأمم فإذا ما فترت نفس أحدهم عن طاعة أو تخلفت عن خير عاقبها بل أدبها وزكاها بتكرار تلك الطاعة وأضعاف أضعاف ذلك الخير فجعل من نفسه وقفا لله تعالى إن تأخرت خطوة تقدمت خطوات بإيجابية سابحة في سماء العز والمجد والسؤدد. إن المشكلة عند الكثيرين أن اهتماهم وأساهم على واقع المسلمين لا يعدو حديث مجالس وفقاعات تتطاير من أفواههم ، وليت أنهم ادخروا تلك الأرتال من الكلمات والمئات من الساعات وفكروا وعملوا ما فيه المصلحة لهذا الدين، ولكن هذا يستحيل مادام أن المشاعر باردة لا تتحرك والعقول جامدة لا تعطي ولا تبدع ، إن من يمسي ويصبح وهمه حال المسلمين لا شك أنه سيعمل جاهدا في سبيل التغيير من ذلك الواقع المر ، بل سيكيف أفراحه وأتراحه على واقع المسلمين كما ذكر عن أحد العلماء أن أمه تسأله إذا رأت عليه كآبة : هل أصيب أحد من المسلمين بمصيبة ، وهل قتل منهم أحد .. وإذا رأت البشاشة تعلو محياه سألته : هل انتصر المسلمون في ثغر أو حصل لأحد من المسلمين ما يفرح مما يعني أنه كيَّف أحزانه وأفراحه على حال المسلمين ، ليس ذلك فقط بل عرف من حوله أن مشاعره مرتبطة بما يصيب المسلمين ، وهذا النوع من الشعور هو الذي يثمر عملا تحتاجه الأمة وتعول عليه . إن الإنسان قد لا يفلح في أن يكون عالم ذرة أو مبدعا تلاحقه (كاميرات) المصورين ولكنه يملك داخل نفسه طاقات لا حدود لها تحتاج إلى ثقة في النفس وإيمانا عميقا بأهمية العمل للدين وجدواه أيا كان واستعانة بالآخرين بعد الله عز وجل في تفعيل ما يعود على الأمة بالخير وأملا مضيئا يقضي على شعور اليأس من الواقع والذي يتولد عنه التقاعس المقعد عن أي عمل مثمر ؛ فمتى حصل ذلك فإنه يعني أننا خطونا بل قفزنا قفزات طويلة في تحقيق ذواتنا والتي فقدناها يوم أن رضينا لها دور ( النائحة المستأجرة)!! . الشباب الذين يدخلون في تعداد هذه الأمة كثيرون جدا ، فإذا علمت أيها القارئ الكريم أن مرحلة الشباب تمثل أكثر من 50% في العالم العربي فقط فضلا عن بقية دول العالم الإسلامي فسوف تدرك حجم التقصير والسلبية التي تغتال وببطئ هذه الطاقات المكدسة والتي ليست سوى أرقام دخلت في تعداد الأمة وكانت عبئا عليها ثم احتضنها التراب فلا أثر ولا خبر يذكر !! وها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يبين في الحديث الصحيح حتمية أن نعمل وأن نزرع حتى ولو أيقنا أن الرحيل سيكون قبل مواسم الحصاد ورؤية الثمار حيث يقول : ( إنْ قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فاستطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها فله بذلك أجر ) مؤكدا على أنّ العمل نفسه مقصود في نظر الإسلام ، " ولا ريب أن نتيجة العمل مطلوبة ، ولكنها ليست شرطاً في قيام العمل نفسه، وإلا لكفّ الناس عن العمل بمجرد تحقيق النتائج، على أن ذلك لا يعني أبداً عدم الاهتمام بالنتائج، فلا بد من دراسة النتائج ومراجعتها والوقوف على أسباب تحققها أو تخلّفها، واستخلاص العِبَر المستفادة منها، ومن ثم تقويم العمل نفسه على ضوئها، ويبقى المعيار الأمثل لنجاح أي عمل في نظر هذا الدين هو أن يُرضي الله ـ عز وجل ـ، وبهذا المعنى لا يُخفِق عَمَلُ عـاملٍ مسلم ما دام يجمع بين فضيلتي الإخلاص من جهة والصواب (بموافقة الشرع) من جهة أخرى".جعلني الله وإياكم من العاملين لهذا الدين ... آمين .

ألا هلب و اقرا

كان ابن خالتي الصغير و بالمناسبة ده داخل اعدادي بايت عندنا و سهر هو و أخويا يشوفوا فيلم الهجرة .. و الظاهر أن حماسه للغة العربية الفصحى غلبه أوي لأنهم بمجرد ما خلصوا الفيلم و جايين على الأوضة اللي أنا فيها بأقرا العربي الكويتي و باسمع مزيقا ( و ركز معايا على مزيقا دي ) م أنا أصلي ساعات بابقى اخر روقان .. سمعت صوته بيجلجل في نص الليل يقول لأخويا : هلبوا يا رجال .. أنا انصعقت في مشاعري اللغوية لما تصورت ازاي هلموا بقت هلبوا ..
كان ممكن أعدي الموضوع على أساس ان ابن خالتي بيسخن على أخر الليل و ما عندوش تايمر يفصله عند درجات الحرارة الخطرة .. لأنه تاني يوم كنا قاعدين بنشوف الناصر صلاح الدين و بعد أكتر من ساعة و نص من المشاهدة الساكنة .. فتح فمه ، و يا ريته كان خلاه مقفول لأنه سألنا سؤال قوي أوي : مش ده عمرو بن العاص ؟؟ و هكذا انفجرت أنا .. جامدة يا هيما .. و الله كانت ساعتها صاروخ .. كان ممكن أعدي الموقفين بس بما أني بقالي مدة مش باكتب رغم امتلاء نفوخي بالمواضيع .. قررت اني حناقش الموقفين ..
ايه اللي بيحصل .. الجيل اللي طالع جديد ده مش بيقرا و لا بيدور على كتاب و لا حتى اذا لقى الكتاب بيفتحه!! هو الجيل ده جاهل ولا ايه ، أنا طول عمري كنت حاسس بالتقصير قدام ربنا في حق اخواتي الصغيرين لأنهم ما يعرفوش قصص الأنبياء .. و لأن المجموعة اللي أنا قريتها و أنا صغير اختفت و اللي هي من أفضل ما كتب للأطفال .. الي كان خلافها أخضر دي و كان كاتبها عبد الحميد جودة السحار مش لاقيها .. كنت باحاول دياما أشوفلهم كتيبات صغيرة فيها قصص الأنبياء و أتحايل عليهم عشان يقروها .. لحد ما يوم لقيت اللي كنت بادور عليه .. نفس المجموعة بتاعتي و أنا صغير ، و ياه على فرحتي .. جريت جبتهم و دخلت فرحان جدا و اديتهالهم .. و كان الكلام ده من سنتين ولا حاجة .. و حتى الان لما بأقولهم و ألومهم انهم ما قروهاش ترد أختي تقوللي ما أنا قريت قصة سيدنا نوح ، و سيدنا اللي اسمه ..و ما تفتكرش .. طب ده أنا كان لازم كا يوم قبل ما أنام و أنا صغير أقرا المجموعة كلها لدرجة اني كنت حفظت الايات اللي كانوا بيستشهدوا بيها في القصة .. و لحد دلوقتي بافتكر قصة سمعتها ان مجموعة كانوا بيتكلموا في الترام و وصلوا لمرحلة الحوار الديني و اذا بواحدة بتسأل هو في نبي اسمه سليمان؟؟!
دايما برضه باحاول أجيب العربي الكويتي زي ما أنا قلت و ان كنت مش دايما بأقراها لكن ساعات لما بلاقيش حاجة أعملها باخد كام عدد على بعض و أقراهم .. و كنت سعيد قوي لما لقيت العربي الصغير دي و قلت اهي حاجة رخيصة و كويسة و بنت ناس و تخلي العيال يقروا .. و اشتريتها .. و يومها فكرت أقراها و بقيت كل مرة أجيبها و لازم أقراها و عمري ما شفت حد من أخواتي ماسكها .. لحد من كام يوم ابن خالتي هيما برضه قالي ما عندكش قصص .. و لأن مجموعة ميكي اللي عندي منفية الي بيت جدو ، طلعتله عددين من مجلة العربي الصغير من مكتبتي الصغيرة اللي فوق المكتب ، الواد قرا و انبسط و بعديها بكام يوم بقيت أختي الصغيرة بتقرا في واحدة و بعدين بتقوللي .. دي جميلة أوي ، في تاني ؟؟ كدت أطير فرحا و قلتلها حتلاقي كتيير في المكتبة ، و لكني لك اراها أبدا تذهب لتحضرهم أو تقرأ فيهم .. ده كسل ولا كبر دماغك و لا ايه ؟؟ مش عارف بس الأكيد اننا بنبني جيل جاهل بكل معاني الكلمة .. دي أول مشكلة .. أما بقى اللي منرفزني أكتر ان حتى اللي بيقروا و يكتبوا و اللي هما مثقفين عندهم حالات عجيبة .. عندك مثلا .. ليه بيصروا يعربوا الكلمات تعريبات غريبة .. فنلاقي انهم بيترجموا group لكلمة " قروب" و ايه اللي قربها ولا بعدها بس .. لما العربي ناقح عليك أوي كده ترجمها مجموعة ، فريق .. أي كلمة ياخي .. و كذلك blog تلاقيهم يكتبوها " بلوق" و بصراحة أنا باكره الكلمة دي لأني باتخيل واحد عنده زغطة و ماشي يقول بلوق بلوق .. ايه يا جماعة ماهي عندك ليها ترجمة محترمة اسمه مدونة .. ما انت يا تقولها عربي يا تقوله انجليزي لكن ما تقعدش تفنن .. و الا كرة القدم تبقى سوققر و الموسيقى تبقى مزيقا و هلم جرا .. مش فاهم ليه أو ايه أو عشات ايه بس الوضع ما يريحش ، و اذا كنا ضحكنا على نكتة المدير اللي نادى و كرم الطالب علي حسن سلووكة .. و اذا كان استاذ العربي بتاعنا لما حكالنا ، حكالنا بتأثر عن الولد اللي سأله سؤال فالولد جاوب كويس فمن كتر اعجابه بالأجابة قاله مادحا : لا فض فوك .. الواد رد عليه و قاله : أهه انت !
معلش اعذروني كانوا كام ملاحظة حازقينني و زانقينني كده ع الماشي و تنبأ بالوضع الجاي .. عشان ما تستغربش أما يعملوا فيلم عن أيام الجاهلية و تلاقي البطل شفلحة بيقول : ألا هلبوا بنا يا رجال البلوقات لنذهب الى المسرح فنسمع بعض المزيقا ، و سحقا لأي قروب تريد جعل حياتنا هيلا ًَ

بقلم .. واحد حب يحكي

8.8.08

السيف - الجزء الرابع و الأخير


- 7 -
السيف الذي أتوا به ..
" في البدء كان الخواء الكوني السرمدي ..
الظلام الأبدي ..
الكامي ..
و منه خرج (إيزاناجي) و زوجته (إيزانامي)، اللذان خرج منهما الحكام الإلهيين ..
(أماتيراسو أوميكامي) .. العظيمة التي تحكم الشمس ..
(تسوكي يومي) .. العظيم الذي يحكم القمر ..
(سوزانوو) .. العظيم الذي بيده العواصف و بيده الأخري الأعاصير ..
و من (إيزانامي) العظيمة جاءت النار ..
و مع النار جاءوا ..
جاءوا من خلف الخواء الكوني السرمدي .. جاءوا من الظلام الأبدي الذي هو وراء السماء ..
كانت (أورتوخونا)، و كان (أوروتوا) .. ذات الأذنين الكبيرتين و الأصابع الأربعة، و ذو الأنف العريض و العين المستديرة .. بـ (إيزانامي) و (إيزاناجي) كانا شبيهين .. و في خوائهما كانا هما أصل الحياة ..
و لكن لأن عالمهما اضطرب و لم يعد صالحًا للمعيشة، فقد جابا الآفاق بحثًا عن وطن يسكنونه .. و في الأرض وجدوه .. و عند (إيزاناجي) و زوجته (إيزانامي) سكنوا و استقروا ..
و معهما جاء السيف ..
كان سيفًا خاصًا بـ (أوروتوا) الذي كان محاربًا عظيمًا .. و زوجته أوصي أن تهبه (إيزاناجي) بعد أن يستدرجه إله الموت حيث الكهف الأبدي أسفل الأرض ..
و لأن السيف هو سيف جبار، ليس كتلك السيوف التي تباع و تشتري، لم يتركه (أوروتوا) دون أن يأتمن عليه (إيزاناجي) ألا يعطيه إلا لمن يثق فيه من نسله، و جعل له طريقة و مذهبًا، و جعل لمن يريد أن ينضم لحملة السيف اختبارًا هو مار به، لا ريب، و إلا خذله السيف عندما يحتاجه بشدة ..
و من أب لابن .. و من ابن لحفيد .. و من حفيد لحفيده، تنقل السيف عبر الزمن، حتي وصل إلي (شو-هو-كاتونا) العظيم من نسل (إيزاناجي) و (إيزانامي)، الذي عرف عنه أسرارًا لم يعرفها أحد من قبله، و لن يعرفها إلا المختارون من بعده .. "
صمت (شيان)، و قد غرق أفراد البعثة في ذهول تام ..
" جاءوا من خلف الخواء الكوني السرمدي " .. أيعني هذا أن هذا السيف هو هبة فضائية .. ؟!
فكر (عبد العزيز) في هذا مليًّا، و لا بد أن هذا هو ما دار في خلد (جيف) و (هوتشي) بالتأكيد، إلا أن (شيان) لم يمنحهما الفرصة للتفكير فقد قال:
- قد عرفت طرفًا من خبر السيف .. لكنك إن نجوت لن تتذكره، و إن مت فقد مات معك كما مات مع غيرك ..
صمت مرة أخري ثم بدأ يتكلم:
- براعتك و مهاراتك أذنت لك أنت تتغلب علي ما سبق من شرور .. لكنك لم تتغلب علي شرك الأكبر .. شرك الذي تحمله بين طيات جسدك .. شرك الذي تتنفس به .. تأكل به .. تشرب به .. شرك الذي به ولدت، و به ستموت .. الشر الذي هو فيك و لن يهزمه غيرك .. إنها نفسك ..
ثم قال بصوت كهزيم الرعد:
- مواجهتك الأخيرة و الحاسمة تبدأ الآن ..
۩*۩*۩
ككل مرة شعر (عبد العزيز) كأنما يُسحب من مكانه ليقذف به في ساحة القتال، لكنه هذه المرة لم يسمع صرير باب .. لم يسمع زمجرة وحش .. لم ير وحشًا من الأساس ..
تلفت حوله في حذر .. " قد يكون وحشًا خفيًا .. " .. هكذا قال لنفسه، و هو يتسمع، علّه يسمع ما ينبهه لقدوم شيء ما ..
سمع صوتًا كأنما أتي من أعماق بئر .. انتبهت كل حواسه .. ركز أكثر، و حاول تبين الصوت ..
" (عبد العزيز) .. أنت هنا ؟ "
هذا الصوت .. اسمه .. هذا الصوت يعرفه جيدًا ..
بدأ يتلفت حوله كالمحموم محاولاً الوصول لمصدر الصوت، و إذا به يري من بعيد شبح إنسان قادم ..
شبح إنسان يعرفه ..
" أنت هنا دون أن تخبرني .. ؟ "
هذا الصوت .. هذه الصورة .. إنه .. إنها ..
" (سلمي) .. ماذا أتي بك هنا .. ؟ "
توقف الشبح عن الاقتراب - و كان قد أصبح علي بعد خطوات منه - و بدأ في الحديث:
- كيف تستقبلني هكذا .. ؟ .. ألست حبيبتك .. ؟ .. ألست خطيبتك .. ؟
كان الأمر فوق احتماله .. من أين أتت ؟ .. كيف دخلت التحدي ؟ .. و إذا كان مجرد صورة تخيلية، فمن أين عرف بأمرها (شيان) .. و كيف تحاوره بهذه الدقة ؟ .. كيف ؟
- ما الذي أتي بك هنا .. ؟
سألها في لهجة فظة، مبعثها دهشته الشديدة، فردت:
- لم هذا الجفاء ؟ .. لا بد أنها هي التي أوغرت صدرك من ناحيتي .. لم لا تتركها .. ألست أول حب ؟ .. أجبني ..
كاد يجن .. السيف في يده، و بضربة واحدة يزول هذا الشبح، لكن دهشته غلبت كل شعور لديه ..
- من أين أتيت يا (سلمي) .. ؟
- هي من فعلت بك هذا .. تركتَني من أجلها .. تركتَني و خنتَني .. و أنا التي ظننت أنك تحبني ..
إنه يقترب من حافة الجنون فعلاً .. إذا كانت هذه خدعة، فستكون أقسي خدعة تعرض لها في حياته ..
لوح بالسيف، و هم أن يضرب هذا الشبح لولا أن خانته يداه .. فصرخ فيها:
- اذهبي يا (سلمي) .. اذهبي قبل أن ارتكب ما سأندم عليه ..
- خائن .. خائن ..
و جري الشبح مبتعدًا ..
" لكنك لم تتغلب علي شرك الأكبر "
هل هذا هو شره الأكبر ؟ لحظات ضعفه الإنساني ؟
إذا كان هذا هو ما يقصده (شيان)، فقد ربح الجولة .. ربحها عن جدارة ..
" لكنك لم تتغلب علي شرك الأكبر "
وقف للحظات يلتقط أنفاسه، و صور سريعة تتابع في مخيلته، و حوارات عديدة يسمع صداها من أعماق ذاكرته ..
- أيها الغشاش .. أحببتك كما لم أحب أحد من قبل .. أحببتك كما لم يحب إنسانٌ إنسانًا آخر .. أحببتك و عشقتك و كنت مدلهة بك .. أيها الخائن .. بعد كل هذا الحب، و بعد كل هذه الكلمات المعسولة، تخونني مع أقرب الناس إليّ .. لم يا (عبد العزيز) .. لم ؟
نفض رأسه، و قد تنبه لصوت جديد كأنه قادم من أعماق كهف سحيق ..
و مرة أخري ميز في الصوت إنسانًا يعرفه ..
" (عبد العزيز) .. أنقذني .. سأغرق .. سأموت .. "
و أمام عينيه رأي والده في المشهد الذي ظل محفورًا في ذاكرته إلي الأبد ..
كان راكبًا معه سفينة متجهة إلي أحد موانيء أوروبا .. و في وسط العاصفة استنجد به ..
" (عبد العزيز) .. أنقذني .. أنقذني .. "
و رغمًا عنه انبطح (عبد العزيز) علي الأرضية السوداء، يحاول أن يمد يده لوالده، الذي كان يبتعد و يبتعد ..
- خذلته .. ضيّعته .. قتلته ..
رددها (عبد العزيز) بصدر يغلي، و هو يحاول أن يبعد شبح المشهد عن مخيلته، إلا أنه لم يستطع ..
- لم يكن من سبيل إلي انقاذه .. إما أن يموت هو وحده، أو نموت نحن الاثنان ..
" لكنك لم تتغلب علي شرك الأكبر "
لحظات ضعفه الإنساني، و أنانيته ..
" إنها نفسك "
شعر بأن الأرض تميد من تحته ..
نظر حوله فإذا أناس يجرون في كل مكان، و الأرض تهتز ..
و إذا بالمشهد كله يتغير لبحر مضطرب صاخب ..
و هو علي ظهر سفينة تشق عباب الماء تلطمها الأمواج ذات اليمين و ذات الشمال ..
ثم إذا به وسط مبني يحترق ..
كان يشعر بكل شيء من حوله مضطرب، و هو ممسك بالسيف لا يدري ماذا يفعل ..
مواجهة هذه المرة لا يصلح معها السيف .. إنها مواجهة أقسي من أقسي ما واجهه (عبد العزيز) ..
مواجهة مع نفسه ..
مع أخطائه ..
مع آثامه و شروره ..
" لكنك لم تتغلب علي شرك الأكبر "
نعم ..
نظر للسيف ..
نظر لصدره ..
نظر للسيف مرة أخري و رفعه ..
هوي به إلي صدره ..
لم ينغرز السيف في صدره، بل شعر بأنه يفتح عينيه، و أمامه مسخ مشوه ..
ضربه بالسيف .. مات، و قام غيره ..
ضربه بالسيف، فمات و قام غيره ..
ضربه بالسيف، فمات و قام غيره ..
" كفي "
صرخ بها و هو يلوح بالسيف يمنة و يسرة ..
" إذا كنتُ شيطانًا فليس منا من هو ملاك .. "
انتبه لنفسك يا (عبد العزيز) .. انتبه لنفسك ..
" كفي .. "
صرخ بها، ثم تحدث بصوت عال:
- كفي يا (شيان) .. إن كانت حرب أعصاب فما زلت بعقلي .. لم أجن .. و لن أجن ..
جاءه صوت (شيان):
- بصراخك أنت بالفعل قد جننت .. لم تتحمل أن تري ما فعلت من آثام يعود أمامك حيًا .. لكنك رغم كل ذلك نجوت ..
و مع كلمته الأخيرة توقفت كل تلك الهلاوس ..
تلك المسوخ، و تلك المشاهد الكارثية المتتابعة، و مشاهد الماضي السحيق التي عادت حية .. كل هذا اختفي ..
و من بعيد رأي شخصًا يتدثر برداء من قطعة واحدة يأتيه علي مهل .. كان هو (شيان) ..
علي بعد خطوات منه وقف و علي كتفه وضع يده، و بدأ يتكلم:
- أهنئك .. رغم كل شيء نجوت .. ربما لم تتغلب علي مخاوفك .. لم تتغلب بعد علي هذا الشر الكامن بداخلك .. لم تكبح جماحه بالشكل المطلوب، لكنك أوقفته عن حده عندما اعترفت بآثامك .. عندما اعترفت بأنك قد أخطئت بترك رفيقتك .. عندما اعترفت بأن كنت أنانيًا عندما تركت والدك للموت .. أوقفته عند حده، و إني لذلك أهنئك، و بذلك قد نجوت .. لكن السيف لن يكون معك ..
تسارعت دقات قلبه .. ماذا يعني هذا ؟
- لن يعود السيف معك .. فمن لم يغلب نفسه غلبته هي في أشد لحظاته احتياجًا للتوازن .. و محارب الشانو لا يمكن أن تغلبه نفسه .. و أنت كدت أن تقتل نفسك لما وجدت الماضي يحاصرك .. سيعود السيف حيث كان في مخبأه الأبدي إلي أن يجده غيرك .. و الآن عد من حيث جئت بأمان ..
و شعر الجميع كمن يهوي من حالق ..
۩*۩*۩
- 8 -
عد .. من حيث جئت ..

غربت الشمس، ململة معها آخر خيوطها الذهبية، لتشرق علي أرض أخري في جزء آخر من العالم ...
و مع غروبها أسدل الليل أستاره ...
و علي الرغم هدوء المكان القاتل، إلا أن ذلك لم يمنع هذا الشخص من الوقوف في شرفة ذلك المنزل المبني علي الطراز الياباني العتيق متأملاً الجبال التي أمامه ...
ثم تنهد ....
و مع تنهيدته سبح في ذكريات قديمة ...
تذكر يوم قال له رئيسه في هيئة اليونسكو أنه سيصبح رئيسا للبعثة (الفرنسية - اليابانية) التي دعت لها الهيئة بالاتفاق مع وزارة الثقافة اليابانية و جامعة السوربون، للبحث عن السيف ...
السيف الذهبي الأسطورة ...
و تذكر تلك الشهور الثلاثة عشر التي قضاها بين ذلك المنزل و تلك الجبال التي ينظر إليها ..
نظر للجبل متأملاً، و هو يشعر أن شيئًا غريبًا قد حدث، أو سيحدث له ..
" وقفت هكذا من قبل .. "
رددها في همس، فسمع صوتًا يرد:
- نفس الشعور ..
انتبه إلي أن صديقه الفرنسي واقف بجواره، فقال:
- هذا يعني أنني لست أهذي .. لكنني كفاقد الذاكرة .. لا أعرف أين متي كيف لماذا .. لا أدري ..
- كأنك تقرأ أفكاري .. كما لو كان الأمر رحلة قمنا بها ثم نسينا كل شيء فعلناه فيها ..
صمتا للحظات ثم قال:
- (عبد العزيز) ... أما زلت مصرًا علي البحث ؟
رد (عبد العزيز):
- نعم (جيف) ... ما زلت، ثم إننا لم ننته من كل الجبل .. ما زال هناك جزء من الجانب الشرقي للجبل ...
قلت هذا من قبل ..
و قبل أن يرد (جيف)، قال (عبد العزيز):
- ستقول: لكنني لن أحتمل هنا أكثر من أسبوع ... أريد العودة لـ(فرنسا) ...
نظر إليه (جيف) بذهول و سأل:
- كيف عرفت .. ؟
رد و هو ينظر إلي الجبل:
- قلت هذا من قبل .. وقفت هكذا من قبل .. لكن أين و متي ؟ .. لا أذكر ..
صمتا للحظات طالت، دخل خلالها ثالثهما الياباني يشاركهما الصمت، و أخيرًا قال (عبد العزيز):
- إذا لم نجد شيئاً في بحر أسبوع ... سنرجع .. و هذا وعد ..
ابتسم كلاهما ابتسامة لا تنم عن شعور معين قبل أن يكمل (هوتشي):
- أترانا سنجده .. أم نرجع خائبي الرجاء ؟
لم يجب أحدًا فأكمل (هوتشي):
- أم تراه فعلاً مجرد أسطورة .. ؟
و ظل الثلاثة علي صمتهم، يتأملون الجبل، و سؤال واحد يدور في عقولهم ..
تري هل سيجدونه .. ؟
هل سيجدون السيف الذهبي .. ؟
۩*۩*۩
تمت

5.8.08

السيف - الجزء الثالث

- 5 -
استراحة المحاربين ...
بنفس التتابع السريع، وجد (عبد العزيز) نفسه أمام (الهيدرا) ..
وجهًا لوجه ..
و بسرعة كان (عبد العزيز) يقفز، حتى بلغ سبع أو ثمان قفزات، في كل قفزة كان يضرب دون هوادة بأشعة الليزر التي كانت مثل النار علي الجرح، لا تزيد الموقف إلا صعوبة ...
فمن كل رأس يخرج اثنان، و من كل اثنان يخرج أربعة ...
تابع أنت عملية الضرب لتدرك كم الرقاب و الرؤوس التي أصبحت أمام (عبد العزيز) ...
و واصل (عبد العزيز) الضرب ...
و واصل ...
و لكن هيهات ...
و جد (عبد العزيز) نفسه بغتة أمام عدد ضخم من الرقاب و الرؤوس التي تحاول أن تجعله يستنشق زفيرها السام، و لم يكن صعبًا عليها فعل هذا، فمع عدد الرؤوس الضخم الذي آلت إليه (الهيدرا)، كان أقل زفير كفيل بإحداث إعصار ضخم ..
و بدأ (عبد العزيز) يشعر بوهن شديد، رغم محاولاته المستميتة لتفادي استنشاق هذا الزفير السام، و بدأت (الهيدرا) تقترب ..
" تذكر هرقل يا (عبد العزيز) "
جاءه صوت (جيف) مخترقًا أذنه كالطلقة، و أدرك ما يرمي إليه ..
فعلها هرقل من قبل بمساعدة أيولاس ابن أخيه .. فعلها بأن كوي كل رأس تقطع حتي قضي عليهم جميعًا، لكن هرقل واجه (الهيدرا) برؤوسها الثلاث الأصلية، لا بكل هذه الرقاب ..
بدأ الوهن يشتد عليه، و بعين يائسة نظر لكل تلك الرقاب ..
حملق فيها بشدة، و رغم يأسه و ضعفه فقد قفزت إلي رأسه فكرة، لم يفكر طويلاً أينفذها أم لا، فقد قام متحاملاً علي نفسه، و (الهيدرا) تقترب، و بدأ يجري و يدور حولها بكل ما أوتي من قوة ..
بدأ يجري، و يجري و الكل ينظر إليه في عجب ..
و بينما هو يجري كانت (الهيدرا) تفعل بالضبط مايريد ..
كانت كل رأس و كل رقبة تحاول أن تتجه لـ (عبد العزيز) لتنفث في وجهه زفيرها السام، و بينما هي تفعل ذلك كانت - و هذا بديهيّ - تتشابك مع بعضها البعض ..
و فجأة كما بدأ توقف (عبد العزيز)، و قال و قد شعر بإنهاك عظيم:
- إلي الجحيم أيتها (الهيدرا) ..
و سدد ضربة من سيفه أطاحت برقاب (الهيدرا) كلها دفعة واحدة، و في الثانية التالية كان يسلط أشعة الليزر ليكوي بها جرح رقاب (الهيدرا)، ليمنع نموها مرة أخري ..
"عظيم يا محارب الشانو .. تستحق استراحة"
و ما كان أحوجهم إليها في مثل هذه اللحظة، و خصوصًا (عبد العزيز) الذي شعر بكل سموم (الهيدرا) تخرج من جسده، فور أن قتلها ..
" استراحة لزجاجتي رمل "
هذا ما قاله (شيان)، و معه رقد الجميع يستريحون ...
۩*۩*۩
رغم حاجته الشديدة إلي الراحة، إلا أن عقل (عبد العزيز) لم يهدأ لحظة عن التفكير فيما هو آت ..
كان من الواضح أن تحدي محاربي الشانو هذا، جامع لكل الأساطير التي عرفتها البشرية، أيًا كانت جنسية هذه الأسطورة ..
و كان الأكثر وضوحًا، هو أن هذه الأساطير تطبق بحذافيرها، لذا فمعرفة (عبد العزيز) بكل وحش من الوحوش الأسطورية، ستصنع معه فرقًا ضخمًا، عندما يواجهها ..
إلا أن المشكلة أن (عبد العزيز) ليس مسئولاً عن نفسه فقط، بل هو مسئول عن سبعة عشرة روح، و لا بد أن يعبر بهم إلي بر الأمان ..
و فيما كان هو يفكر في هذا، كان (جيف) يفكر في شيء آخر تمامًا ..
كان يفكر في السيف و طاقته، و كيف لسيف بهذا القدم أن يفعل كل هذا ..
انحرف به تفكيره إلي الياقوتة، و سرعان ما شعر بغضب لا محدود يتصاعد إلي رأسه، و التقت عيناه بعيني (هوتشي)، الذي كان يوزع النظرات يمنة و يسرة، كأنما هو يعتذر عما فعلهم، و لم يدر أن ما هم فيه لا يكفيهم فيه اعتذارًا واحدًا ..
كان الحديث الدائر بينهم صاخبًا علي سكونه .. (عبد العزيز) يقول اصبروا، سنخرج منها سالمين بإذن الله، و (جيف) يقول التوفيق حليفك يا (عبد العزيز)، و إنه لحمل تنوء به الجبال، أما (هوتشي) فلم يغير من نظرته شيء، نظرة الاعتذار التي صارت جزءًا من عينه كأنه خلق بها ..
أما الباقون - عمال البعثة - فلم تكن عيونهم تقول أكثر من " متي نخرج من هذا الجحيم؟ " و إن كان كل واحد منهم يقولها علي قدر سخطه و غضبه ..
" التالي .. انتهت الاستراحة ... "
أفاق الجميع علي صوت (شيان)، و كان اللقاء الرابع ...
مع (السيكلوب) [وحش أسطوري، ورد ذكره في ملحمة هوميروس الأوديسة، و هو مارد عملاق ذو عين واحدة، فقأها أوديسيوس، تقول الأسطورة أنه ابن إله البحر بوسيدون، و بسببه ظل بوسيدون غاضبًا علي أوديسيوس البطل الإغريقي لسنوات طويلة أذاقه فيها المر]
۩*۩*۩
عينه ...
كانت هذه الكلمة هي التي قفزت لذهن (عبد العزيز)، و هو يتفادى يد (السيكلوب) العملاقة، التي حاول أن يدهسه بها ...
فطبقًا للأسطورة، فإن أوديسيوس تغلب علي (السيكلوب) (بوليفيم) بفقأ عينه، بعد أن سقاه خمرًا قراحًا ...
لكنه هنا لا يملك جذع الزيتون الذي شذبه أوديسيوس و رجاله، و فقأوا به عين (السيكلوب)، و لا يملك خمرًا قراحًا أو غير قراح يسقيها هذا الوحش الهائل .. لا يملك سوي سيفه و عقله، هذا بالإضافة لمشكلة إضافية بالنسبة لهذا (السيكلوب) ..
فكلما ضرب (عبد العزيز) السيف باتجاه (السيكلوب)، كان الأخير يمسك دفقة الليزر، كأنها ورقة صغيرة، و يطويها، و يلقي بها بعيدًا ..
ظل يحاول ضاربًا بالسيف يمنة و يسرة علّه يجد ثغرة هنا أو هناك، لكنه لم يفلح، بل خيل له أن (السيكلوب) يزداد ضراوة مع كل ضربة ..
" أوتيس .. سأقتلك"
صرخ بها (السيكلوب) صرخة مدوية، تمتزج بضحكة وحشية، و فجاة قفزت لرأس (عبد العزيز) فكرة مجنونة، فصاح:
- (بوليفيم) .. أيها الغبي ..
قالها و هو يجري من بين ساقي (السيكلوب)، الذي بدأ يتبعه، حتي إذا ما عبر للجانب الآخر، دار حول أقرب ساقي (السيكلوب) إليه، و ما أن فعل هذا حتي كان (السيكلوب) يرفع قدمه محاولاً دهسه، فجري (عبد العزيز) سريعًا ليفلت من هذه القدم الجبارة، و يذهب إلي القدم الأخري، محاولاً تشتيت انتباه (السيكلوب) قدر المستطاع، و جعله يتحير أين ينظر بالضبط ..
" لن تفعلها معي أخري يا (أوتيس) .. "
قالها - بل صرخ بها - (السيكلوب)، فقال (عبد العزيز):
- فعلتها و سأفعلها ..
واصل جريه المحموم، و قد أوشك (السيكلوب) علي الإصابة بالدوار من سرعة (عبد العزيز)، مقارنة بسرعة (السيكلوب) البطيئة المتناسبة مع حجمه الهائل، و فجأة حدث ما رجاه (عبد العزيز) ..
بينما هو قرب أحد ساقيه، غرز (عبد العزيز) سيفه فيها، و رغم أنه لم يؤثر و لا حتي في شعره، إلا أنه جعل (السيكلوب) يقع أرضًا، و لكن - و ياللعجب - لم يحدث أي صوت ارتطام، لكن (عبد العزيز) لم يكن في وضع يسمح له بمناقشة قوانين الفيزياء، و لماذا لم يصدر (السيكلوب) صوتًا عند ارتطامه، بل كان اول ما فعله (عبد العزيز) هو أن قفز بأقصي ما يستطيع، و هو يصرخ:
- إلي الجحيم مرة أخري يا (بوليفيم) ..
و صوب الليزر إلي يد (السيكلوب)، التي - و لدهشته البالغة - جرحت جرحًا عميقًا، صرخ إثره (السيكلوب) صرخة مدوية، و دون انتظار كان (عبد العزيز) يسدد ضربته التالية إلي هدف الأول و الأخير ..
عينه ..
فُقأت عينه، و قد تناثرت منها أشياء هلامية غريبة الألوان، و سرعان ما سدد (عبد العزيز) ضربته الثانية و الثالثة و السابعة ..
و في لحظته الأخيرة صرخ (السيكلوب):
- أبي .. انتقم لي ..
و انفجر ..
و ككل مرة، ارتفع صوت (شيان):
- أهنئك ... اتبع السهم ...
و كان التالي هو (كارورا) [في الأساطير اليابانية هو وحش بجسد إنسان و رأس و جناحي نسر، ينفث النار، و لا يقتله سوي رجل يعتنق التعاليم البوذية أو يحمل طلسمًا بوذيًا]
۩*۩*۩
بدا له تشابهًا كبيرًا بين (العنقاء) و (كارورا)، و بدا له أيضًا تناقضًا كبيرًا بينهما ..
(كارورا) أسطورة يابانية شنتوية بطعم البوذية، و (العنقاء) أسطورة مصرية بطعم الإغريقية .. كلاهما ينفث النار و كلاهما لا يُقتل بسهولة ..
أما التناقض الكبير فكان في طريقة قتال كل منهما .. كانت (العنقاء) تقاتل و تفكر كطائر، أما (كارورا) فكان يفكر كإنسان استيقظ ذات صباح ليجد رأسه استبدلت برأس نسر ..
و لهذا كان التعامل مع (كارورا) أصعب بكثير من التعامل مع (العنقاء) .. أنت تتعامل مع إنسان تحول لوحش أسطوري، لكنه ليس ك(المينوتور) .. ف(المينوتور) اكتسب رأس و عقل ثور، كل ما يعرفه هو "هجووووم" .. أما (كارورا) فقد اكتسب رأس نسر، يعرف كيف يخطط حتي يصطاد فريسته، كيف يناور .. كيف يحصر فريسته في ركن ضيق .. كيف يسيّرها حيث يريد، و حيث يسهل عليه الإمساك بها ..
و لو استمر التحدي في تمسكه بحذافير الأسطورة، كما تأكد (عبد العزيز) من الوحوش السابقة، و كما زاد يقينه عندما وجد (السيكلوب) يسترجع ذكراه مع (أوديسيوس) الذي أخبره أن اسمه (أوتيس) .. لو استمر في هذا التمسك الذي يسير وفق خطي الأسطورة كما ينبغي للخادم الأمين .. لو استمر الحال علي هذا، فهذا يعني صعوبة مضاعفة مع (كارورا)، فـ (كارورا) يتطلب طلسمًا بوذيًا، و من أين لـ (عبد العزيز) الآن بأي طلسم حتي و لو كان طوطمًا بسيطًا ؟
انتزع (عبد العزيز) نفسه من هذه الأفكار و هو يحاول مراوغة (كارورا) قدر جهده، الذي أحس انه يوشك علي النفاد، خصوصًا و أن (كارورا) يراوغ كما ينبغي لنفر من بني آدم، لا لوحش أسطوري ..
انتزع (عبد العزيز) نفسه مما سبق و هو يسدد ضربة يائسة يعلم علم اليقين أنها لن تنفع كسابقاتها العشرين، لأن (كارورا) كان يبتلعها ابتلاعًا ..
انتزع (عبد العزيز) نفسه، و هو يحاول تذكر ما قاله (هوتشي) عن (كارورا) قبل أن يصبحا وجهًا لوجه ..
حاول ان يتذكر ماذا فعل (سي-كامي-سيا) ليقتل (كارورا)، عندما واجهه عند تلال (أكيتا) .. حاول لكنه لم يتذكر أكثر من أ ..
أكثر من أن (سي) أفلت بأعجوبة من انقضاضة مريعة لـ (كارورا)، كما أفلت هو في هذه اللحظة، قبل أن يتلفظ بتعويذة بوذية قديمة لا يعرف منها و لا حتي حرفًا، و لم يسعف الوقت (هوتشي) ليقول منها حرفًا..
" اللعنة "
صرخ بها و هو يضرب بعنف لا محدود، موجهًا ضرباته لأنحاء متفرقة من جسد (كارورا) الذي كان يقهقه قهقة أقرب لصراخ البوم منها لأي شيء آخر ..
انقض عليه (كارورا) مرة أخري، و أفلت مرة أخري منه بأعجوبة و هو يشعر بقواه بادئة في التلاشي، و هذا الـ (كارورا) لا يهدأ كأنه موصل بمولد تيار كهربي ..
" توعده كـ(بوذا) يا (عبد العزيز) "
من الغريب - بل من المثير للسخرية - أن يهتف (هوتشي) بهذه العبارة - و إلا فما هذا الذي يصنعه (عبد العزيز) بالضبط ؟! - لكنه ما هتف بها إلا لثقته في أنها خلاص (عبد العزيز) الوحيد ..
اخترقت الكلمة رأس (عبد العزيز) كالرصاصة، و أوحت له بما أراد (هوتشي) بالضبط ..
واحدة من الرموز التي يصنعها (بوذا) بيديه، هي أن يشكل بإبهامه و سبابته دائرة، و يفرد باقي الأصابع، واضعًا يده اليمني عمودية علي يده اليسري ..
إنها طلسم بوذي - إشارة من صنع المعلم الأكبر للبوذية .. بوذا نفسه - و هو كفيل بجعل كفة الميزان في صالح (عبد العزيز)، و لو جزيئًا بتقييد حركة (كارورا)، إن هو لم يقتل هذه الكارثة التي بدأت بالفعل في الاقتراب من الإجهاز علي (عبد العزيز) ..
لكن هذا الطلسم في الوقت ذاته فخ قاتل ..
لكي يصنعه (عبد العزيز) فلا بد أن يترك السيف من يده، لكنه لم يتردد في هذه النقطة كثيرًا، بعد أن أفلت من هجمة مؤكدة النتائج - لولا قدر (عبد العزيز) الذي كُتب فيه أن يظل حيًا - من قِبل (كارورا) ..
أمسك (عبد العزيز) السيف بين فخذيه، و صنع الطلسم صارخًا:
- مت أيها الضخم .. مت ..
لم يكن الطلسم الذي صنعه (عبد العزيز) بالقوة التي تقتل (كارورا) بسرعة "كسرعة البرق الخاطف أو الشهاب الذي يلتمع فما تدوم التماعته إلا ثوان"، كما فعلت تعويذة (سي)، لكنها كانت بالقوة التي تجعل (كارورا) يتراجع، و يقف للحظات مشلولاً ..
و الواقع أن (عبد العزيز) برهن علي قدرته الفذة في الاحتفاظ بسرعة استجابته في هذه اللحظة، ففور وقوف (كارورا) كالمشلول للحظة، سدد له (عبد العزيز) الضربة التي تمناها طويلاً ..
الضربة التي أجهزت علي (كارورا) لينفجر كسابقيه ..
" التالي يا محارب الشانو .."
و هكذا دون مقدمات كان لقاؤه مع (هيرميس) [في الأساطير اليونانية هو رسول الآلهة، و ابن زيوس، اتخذه اللصوص إلهًا لهم، لأنه سرق ماشية أخوه، يعرف بالسرعة، و بأنه يحمل عصا الرسل، و الخوذة الشهيرة، ذات الجناحين، عرف أيضًا بأنه مرشد الأرواح داخل هيدز، مملكة الموتي]
۩*۩*۩
- 6 -
عندما يكون التحدي أن تظل حيًا ..
لم تكن الصعوبة في قوة (هيرميس)، بل هي السرعة التي كانت الخطر الحقيقي، فأبوه زيوس لم يختره رسول الآلهة عن تسرع ..
في كل مرة يقفز (عبد العزيز) و يوجه له ضربة بالسيف، إذ كان (هيرميس) طائرًا كما كان حاله في الأسطورة، يجد (هيرميس) قد أصبح في بقعة أخري تمامًا، يعجز أي إنسان عن تصور الكيفية التي بلغها بها ..
و في كل مرة كان (هيرميس) يضحك ساخرًا و يقول بالإغريقية القديمة ما لا يُفهم إلا علي أنه سخرية لاذعة ..
استمر الحال هكذا لعدة دقائق، كاد فيها قلب (عبد العزيز) أن يتوقف، من فرط السرعة و المجهود الذي يبذله، من أجل قتل (هيرميس) ..
و غير سرعته، فقد برهن (هيرميس) أنه استحق بجدارة تنصيبه إلهًا للصوص ..
فلولا يقظة (عبد العزيز)، لكان سيفه مزينًا ليد (هيرميس) الخالية من عصا الرسل، و لكان بالطبع - أي (عبد العزيز) - في عداد الموتي ..
واصل (عبد العزيز) محاولاته للنيل من (هيرميس)، الذي كان يردد مقولته الإغريقية في تلذذ واضح، و فجأة توقف عن ذلك كله ..
توقف، و أخذ نفسًا عميقًا، ثم أمسك بالسيف و وضع حده علي أرنبة أنفه ..
و أغمض عينيه ..
أغمضها لثوان، بدا خلالها كما لو كان محاربًا من المحاربين القدامي، الذين يستعملون قواهم الروحية للإجهاز علي خصومهم ..
كما لو كان من محاربي الشانو بالفعل ..
ظل كذلك لثوان، قفز بعدها بالغًا مستوي لم يكن حتي ليحلم ببلوغه في أشد لحظات خياله ابتعادًا عن الواقع، و قد أطلق صرخة قوية هزت قلوب أفراد البعثة، و هو يدور حول نفسه كما لو كان قد ثُبت إلي محور محرك كهربي، و قد وضع السيف بحيث يطلق الليزر مشكلاً قوسًا واسعًا، سرعان ما اتسع ليفعل بالضبط ما خطط له (عبد العزيز) ..
اتسع القوس مارًا برقبة (هيرميس)، الذي لم تفده سرعة الانتقال التي يتمتع بها في الإفلات من فخ (عبد العزيز) ..
و كما يحدث كل مرة .. انفجر (هيرميس) ..
و هنا هبط (عبد العزيز) ..
" السهم ... "
نطقها (شيان)، لتبدأ أولي مواجهات المستوي الثاني ...
(سخمت) .. [في الأساطير المصرية القديمة، هي إلهة الحرب، و كانوا يرمزون لها بأنثي الأسد، لما كانوا يرونه من شراسة فيها عند اصطياد الفرائس]
۩*۩*۩
لو كانت هذه الإلهة حقيقة، فصدقني .. سيكون البشر مجرد ذكري حتي قبل وجودهم ..
وحشية متناهية، و حب شرس لسفك الدماء، و رغبة عارمة كموج البحر المتلاطم في القتل ..
" و انقضت (سخمت) لبؤة ممفيس و أشد الربات وطأة و شراسة و حبًا لسفك الدماء .. انقضت تلاحق البشر في كل مكان، تثخنهم بالجراح، و توسعهم طعنًا بالأنياب و تجريحًا بالمخالب .. تضرب هنا و هناك، تذبح و تقتل، و تصب الدماء صبًا، و تعبها عبًا ..
و إذا أرض مصر كلها أنهار من دماء، و صفوف طويلة من أجساد البشر .. و إذا صرخات البشر تعلو، و صراخ المعذبين علي النار شويًا و هم أحياء يتواري خجلاً من هول هذه الصرخات .. " [جزء من أسطورة الخلق المصرية الفرعونية]
هذه هي (سخمت)، التي كان (عبد العزيز) يواجهها !
و إضافة لشراستها، فإنها لم تخل من دهاء القطط ..
كانت تدور و تدور و هي تزمجر تلك الزمجرة الخفية، التي تذيب قلبك رعبًا، حتي إذا ما تحينت فرصة، قفزت ..
و الحق أن (عبد العزيز) استطاع الإفلات منها عدة مرات بمعجزات يحق لها - من استحالة حدوثها و لو في أبعد اللحظات بعدًا عن الواقع - أن توضع مع أساطير القدماء سواء بسواء ..
كان منها واحدة هي التي أذابت أجساد الجميع رعبًا و هلعًا ..
زمجرت (سخمت) كعادتها، و دارت دورتين، و (عبد العزيز) يتابعها بعينين متحفزتين، ثم انقضت انقضاضة هي أسرع من أن تستطيعها أي لبؤة علي وجه الكرة الأرضية، و لو كان مثلها موجودًا، لما خاب صيدها و لو لمرة واحدة في حياتها كلها ..
انقضت و وجهت مخالبها مباشرة إلي رقبة (عبد العزيز)، و هي تلوح بكفها، الذي لو كان قد لمس (عبد العزيز)، لأحال لحم رقبته أليافًا ..
هول المفاجأة وحده هو ما أنجاه، إذ جعله يتراجع بسرعة شديدة، أوقعته أرضًا، فأفلتت رقبته من كف (سخمت) الذي كان علي قيد أنملة منه، دون مبالغة صغيرة أو كبيرة ..
كان واثقًا من أن خلاصه هو في أي أسطورة تضمنت التغلب علي (سخمت)، و لم يجد أقرب إلي ذاكرته من أسطورة الخلق الفرعونية، حيث تغلب رع علي ابنته (سخمت)، التي أمرها بسفك دم البشر جزاء لاستهزائهم به، ثم أخذته الشفقة بمخلوقاته الضعيفة .. تغلب عليها بأن أسقاها خمرًا بلون الدم من عصير الرمان المجلوب من جزيرة فيلة ..
لكن من أين له الآن بأي من هذا ؟ ..
خمرًا بلون الدم ..
نعم .. الدم ..
التمعت في ذهنه فكرة، و سرعان ما جرح نفسه في كف يده جرح تسيل معه الدماء بغزارة لا هي بالتي تفقد دمه كله، و لا هي بالتي لا تغرق يده بدمه ..
فعل هذا ثم رفع صارخًا:
- أيتها الهمجية ..
ظل رافعًا يسراه التي جرحها، و لدهشته هدأت (سخمت) ..
لكنه الهدوء الذي يسبق العاصفة .. عرف هذا من زمجرتها الخافتة، و عيناها اللتان أخذتا تدوران بمكر أشد ..
ظل الأمر علي حاله هذا ما يقارب الدقائق الخمس، أثبتت خلالها (سخمت) أنها تستحق كونها من السنوريات عن جدارة ..
تلك النظرة التي كأنها تقوم بتنويمك، و تلك الزمجرة الخافتة التي تسلب اليقظة من عينيك ..
و تلك المشية الهادئة الوئيدة المتحفزة ..
و ..
و تلك الانقضاضة الطائرة العنيفة ..
انقضاضة علي عنفها لم يحرك لها (عبد العزيز) ساكنًا، و بدا للبعثة أنه كأنما قد شُل شللاً تامًا ..
لكنها ما إن اقتربت منه، و تحديدًا من يده الغارقة في الدماء، حتي نفض عنه هذا التسمر، و انزاح جانبًا برشاقة مفسحًا المجال لـ (سخمت) كي تهبط أرضًا، ثم التفت إليها لينفذ نصيحة طالما سمعها و لم يدر نفعها إلا في هذه اللحظة ..
" إذا أردت أن تمسك قطًا مشاكسًا .. فأمسكه من ذيله، ثم أحكم قبضتك عليه بعد ذلك .. " [حقيقة]
أمسك بذيلها، و إن لم يستطع أن يفعل ذلك تمامًا، و قطعه بالسيف، ثم قفز نحوها و قد التفتت إليه (سخمت)، فور أن لامست قدماها الأماميتان الأرض ..
التفتت إليه ففعل ما أراد ..
غرز السيف بين عينيها، لتتسمر لدقيقة، ثم تنفجر كغيرها ..
" تستحق استراحة "
و رقد حيث كان ..
۩*۩*۩
لم تمر الاستراحة هذه المرة كسابقتها، بل هبط وجوم تام علي الجميع ..
حتي حديث العيون الصامت الصاخب لم يدر بينهم ..
صعوبة التغلب علي (كارورا)، سرعة (هيرميس) الرهيبة، و شراسة (سخمت)، جعلت الجميع يوقن أن الاختبار انتقل لمستوي جديد أصعب من سابقه .. و أشرس من سابقه .. و أن ما سيتلوه إن لم يكن أشرس فهو علي الأقل مماثل له في الشراسة ..
قال (هوتشي):
- اعتقد أن الوحش التالي سيكون أكثر شراسة من كل ما سبق ..
لم يعلق أحد بكلمة، فهذا أمر كانوا يتفقون عليه دون حتى أن يناقشوه ..
لكن الأمر الذي أقلقهم أكثر هو أن (عبد العزيز) أصبح منهكًا ..
محاربة (المينوتور)، (العنقاء)، (الهيدرا)، (السيكلوب)، (هيرميس)، (كارورا)، و أخيرًا (سخمت) .. كل هذا كان فوق طاقته ..
فوق طاقته بالصورة التي تجعل وصف " و تهاوي إلي أقرب مقعد وجده " ترفًا لا يقوي (عبد العزيز) علي مجرد التفكير فيه ..
و هذا يعني أنه لن يستطيع أن يواصل كما ينبغي ..
و ..
" انتهت الاستراحة .. "
قالها (شيان) ثم قال:
- التالي .. (شيانج شي) .. [هم مصاصو الدماء الصينيون .. يُفسر الصينيون ظهروهم بأنه إذا مات الإنسان ميتة عنيفة، أو لم يدفن بالسرعة الكافية، أو عبث بقبره أحد الحيوانات - خصوصًا القطة - فإن الروح الشريرة في الإنسان و التي تدعي باي تسيطر عليه و يتحول إلي شيانج شي .. هم أقرب للموتي منهم للأحياء، و قوتهم لا تصدق .. لا يقتلهم إلا كاهن تاو بتعاويذ يكتبها علي ورق أصفر بدم الدجاج و يلصقها علي جباههم]
۩*۩*۩
لم يضع (عبد العزيز) الوقت القليل الذي سبق مواجهته للـ (شيانج شي)، بل سأل (هوتشي) مباشرة:
- ما هي التعويذة التي تقتله ؟
- لا توجد .. يجب أن تلصق عليه ورق الفو المكتوب بدم الدجاج .. و لكن يمكنك أن تهزمه بالكوفوي [أحد مذاهب الشانو، الذي يتعامل مع الكاي بصورة أكثر تركيزًا]، هي الطريقة الوحيدة بعد الفو التي يمكن أن تقتله، و لكن ردد هذه أولاً ..
أخبره بتعويذة سريعة قصيرة، لم تتجاوز الكلمات الست، و تعني: "أيتها الكاي انطلقي من الأسفل إلي حيث أريد"
أخبره بها، و أصبح بعدها فورًا وجهًا لوجه مع الـ (شيانج شي) ..
لم يضع (عبد العزيز) أي وقت في محاولة الإجهاز عليه باستخدام السيف، بل كان أول ما فعله هو أن كتم نَفَسه كما نصحه (هوتشي)، ليجد الـ (شيانج شي) كالمشلول [لا يستطيع الـ (شيانج شي) تتبع أي إنسان إذا كتم أنفاسه، فهم يشمونها و يتعرفون بها علي اماكن الأحياء] و بدأ في تلاوة التعويذة ..
كانت تعويذة شنتوية قديمة، ورد ذكرها في (الباراي) ضمن فصل كامل يتحدث عن محاربي الشانو، إذ كان (شو-هو-كاتونا) أحد أبرز محاربي الشانو و كان هو مؤسس الكوفوي ..
" أيتها الكاي .. انطلقي من الأسفل إلي حيث أريد"
رددها (عبد العزيز) بهدوء، ثم ..
ثم قذف بالسيف تجاه الـ (شيانج شي) الذي طار إليه بقدمه الواحدة التي يقفز - أو لنقل يحجل - بها، مطلقًا منه دفقة ليزر مركزة لم تفعل أكثر من أن قذفت بالـ (شيانج شي) للخلف، ليعود من جديد ..
" أيتها الكاي .. انطلقي من الأسفل إلي حيث أريد"
رددها (عبد العزيز) مرة أخري، و قد عاد الـ (شيانج شي) مرة أخري، ففعل به (عبد العزيز) مثلما فعل في المرة الأولي، و ردد التعويذة مرة ثالثة ..
و هنا بدأ تأثير الكاي في الظهور ..
ارتفع (عبد العزيز) قليلاً عن الأرض، و واصل ارتفاعه و هو يرمي الـ (شيانج شي) بدفقات من الليزر تقذف به بعيدًا و لا تؤثر فيه قيد أنملة ..
واصل ارتفاعه، و هو يردد التعويذة و يصد الـ (شيانج شي) بضرباته المتلاحقة، و هو مغمض عينيه مطبق جفنيه تمامًا، ثم كانت لحظة النهاية ..
أصبح (عبد العزيز) بالفعل علي ارتفاع لا يستهان به، لو كان علي مثله في الواقع و هوي للقي حتفه بالتأكيد .. أصبح علي هذا الارتفاع و انتظر هجمة الـ (شيانج شي) التالية ..
قفز إليه الـ (شيانج شي)، فصرخ (عبد العزيز):
- انطلقي أيتها الكاي ..
صرخ بها ليطير الـ (شيانج شي) إلي الخلف كما لم يطر من قبل، و أتبعه (عبد العزيز) علي الفور بضربة من سيفه .. [الكاي هي في الواقع قوة للدفاع عن النفس، تظهر عند استخدامها و كأنما هناك يد خفية تضرب، و تظهر أوضح ما تظهر إذا كان من يستخدمها في موقف حرج]
و هنا هبط (عبد العزيز) برشاقة، ليواجه الـ (شيانج شي) الذي قفز إليه كالصحيح رغم قوة الضربة، هبط ليواجهه بقوة الكاي الحقيقية .. تلك القذفة القوية التي حدثت للـ (شيانج شي) ليست سوي أضعف الإيمان ..
بدا أن هناك شخصان يقاتلان مع (عبد العزيز) .. شخص يضرب ضربات باليد بدا أثرها واضحًا علي الـ (شيانج شي) الذي بدأ - لأول مرة - يترنح، و شخص آخر يضرب بالسيف ضربات متتالية توالت آثارها في الظهور، و لم يكن (عبد العزيز) يفعل أكثر من التركيز الشديد ..
رغم قوة الضربات و عنفها، و رغم ما بدا عليه من الترنح، إلا ان هذا المسخ أثبت قوة لا تصدق .. بل لنكن أدق، أثبت أن هذا الرداء الخارجي قوي بشكل لا يصدق .. أثبت أن الرداء الخارجي هو القوي بشكل لا يصدق، أما ذلك المسخ الذي خرج من عباءة الأول، فحتي الكاي لا تفلح حتي في زحزحته ..
و أُسقط في يد (عبد العزيز) ..
۩*۩*۩
للمرة الأولي تخرج المواجهة عن حدود الأسطورة ..
لا تتحدث أسطورة الـ (شيانج شي) عن أي مسوخ تخرج منهم، بل تتحدث عن أنهم بقوة لا تصدق، لكنهم يُهزمون بتعاويذ التاو، و أنهم ..
نعم .. و أنهم لا يموتون، لأنهم موتي بالفعل، و بدلاً من ذلك لا بد من أن يدفنوا في الثلج ليشل حركتهم .. ربما كان هذا المسخ الجديد هبة من التحدي، لأنه لم يكن من الممكن - بل هو من المستحيل - أن يدفن (عبد العزيز) الـ (شيانج شي) في هذا السواد المحيط به ..
بدأ (عبد العزيز) في التعامل مع هذا المسخ بالسيف .. يضرب يمنة و يسرة محاولاً إيجاد نقطة ضعف له، لكن هذه الضربات لم تفعل معه أي شيء .. أي شيء و لو حتي مجرد خدش ..
بدأ (عبد العزيز) في ترديد تعاويذ الكاي، لكنها أيضًا لم تفلح .. كان يضربه بالكاي ضربات لو نزلت علي جبل لجعلته ترابًا لكن ذاك المسخ كان كأنه قُدّ مما هو أصلب و أصلد من الفولاذ ..
زاد (عبد العزيز) من قوة ضرباته، لكنها كما لو كانت تزيد هذا المسخ قوة، و كان لا بد لـ (عبد العزيز) أن يجد حلاً سريعًا، فقد بدأت قواه تضعف، و لو استمر الحال علي هذا، فالأمر سينتهي حتمًا لصالح هذا المسخ ..
واصل (عبد العزيز) ضرباته و هو يفكر في وسيلة للتخلص من هذا المسخ ..
" وتد يوخز في قلبه يقتله .. و هو يموت نهائيًا إذا ما قطعنا عنه رأسه " .. تذكر هذه الجملة من قصة دراكيولا لـ (برام ستوكر) .. إذا اكن هذا المسخ مصاص دماء فستفلح معه هذه الطريقة، و في كل الأحوال لم يكن أمام (عبد العزيز) بد من أن يحاول ..
أوقف سيل ضرباته المنهمر، ثم بدأ في التركيز بشدة و ترديد التعاويذ بصورة أكثر هدوءًا، و ..
و فجأة انطلق السيف من يده كالطلقة لتخترق قلب هذا الوحش الذي جحظت عيناه بشدة، قبل أن يخرج السيف من قلبه و يتحرك كما لو أن يدًا تحركه ببراعة ليستأصل رقبته من جذورها ..
و أخيرًا سقط هذا المسخ قبل أن ينفجر كمن سبقوه، و معه هبط (عبد العزيز) من ارتفاعه الشاهق ..
۩*۩*۩
تردد صوت (شيان) كأنه حكيم قديم، و ظهرت صورته المجسمة للمرة الأولي منذ أن دخلوا التحدي، و قال:
- أهنئك يا محارب الشانو .. لقد تغلبت علي شرور عديدة .. تغلبت علي (المينوتور) .. الشر الذي كان في أحشاء زوجة (مينوس) .. تغلبت علي (العنقاء) .. الشر الذي كان يأتي من اليمن .. تغلبت علي (الهيدرا) .. الشر الذي كدر بلاد الإغريق .. تغلبت علي (السيلكوب) .. الشر الذي أتي به نبتون إلي العالم .. تغلبت علي (كارورا) .. الشر الذي تحدي بوذا من قبل .. تغلبت علي (هيرميس) .. الشر الذي نُصب إلها .. تغلب علي (سخمت) .. الشر الذي سكن ممفيس .. تغلب علي الـ (شيانج شي) .. الشر الذي سكن بلاد التشي .. تغلبت علي كل هذه الشرور لكنها لا تقاس بالشر الذي أنت مقبل عليه .. الشر الذي قد يقتلك أسرع من تفكيرك .. الشر الذي قد يقضي عليك في أي لحظة .. الشر الذي لا تدري أنه شر من الأساس ..
صمت برهة طالت بعض الشيء ثم تابع:
- و لأن الموت علي جهل هو أبشع من الموت ذاته، و لأنك بذلت مجهودًا جبارًا .. تستحق أن تعرف شيئًا من حقيقة السيف .. لكنك لن تذكرها، و لن تتذكرها بعد ذاك أبدًا ..
و بدأ يسرد حكاية السيف ..
۩*۩*۩

3.8.08

السيف - الحلقة الثانية

- 3 -
المفاجأة ...
أعرف ماذا توقعت ...
توقعت خروج طاقة تشطر الجبل نصفين ...
أليس كذلك ؟
و لكن ليس هذا ما حدث ...
ما الذي حدث إذن ؟
لا شيء ...
نعم .. لم يحدث شيء ...
فالسيف ظل كما هو .. و الجبل ظل كما هو ...
كانت هذه هي المفاجأة ....
المفاجأة التي ألجمت الجميع ...
بدءًا من العمال .. حتى (عبد العزيز) نفسه ...
و دار في عقول الجميع سؤال واحد ...
إذا كان هذا الذي في يد (عبد العزيز) هو السيف، فالأسطورة صادقة ...
فأين إذن الطاقة الرهيبة التي تحدثت عنها الأسطورة ؟
لم يدر أحد ما الجواب ..
لكنهم رحلوا في صمت ...
و خيبة أمل ...
صحيح أنهم وجدوا السيف ...
لكن فرحتهم بالحصول عليه تلاشت مع تلك المفاجأة القاسية ...
عاد الجميع و معهم (عبد العزيز) حاملاً السيف متأملاً إياه، و التمعت في رأسه فكرة ..
أسرع الخطي ليلحق بـ (هوتشي) الذي سار كاسف البال شاعرًا بإحباط مهول، فمعني أن السيف لم يطلق ما تقول عنه الأسطورة " طيف أحمر قد يكون أزرق أحيانًا، لكنه في كل الأحوال رهيب .. لا يقف أمامه شيء إلا و كان في عداد اللاشيء فورًا .." .. ما دام لم يطلق هذا الطيف فمعناه أن هذا السيف ليس سوي سيف حتي و لو حمل إقرارًا من صاحبه بأنه هو السيف الأسطوري ذو الطاقة الرهيبة ..
أسرع الخطي ليلحق به، حتي إذا حاذاه أمسك بذراعه و قال:
- (هوتشي) .. أين (الباراي) .. ؟
رد (هوتشي):
- و لماذا تريده .. الأمر كله خدعة ...
ثم توقف فجأة و قال شبه صارخ:
- خدعة .. لا (باراي) و لا (ساراي) و لا أي شيء ينفع الآن .. خدعة ..
ثم تهانف كأنه سيبكي، فنهره (عبد العزيز) قائلاً:
- ماذا يا (هوتشي) .. ستبكي ؟ .. تماسك يا رجل .. أعطني (الباراي) .. و لا تقلق أنت ..
رد مديرًا وجهه بعيدًا موجهًا إياه ناحية باب غرفته:
- هو عندك في المكتبة .. كلمة المرور هي PARAY1707 ..
ثم انصرف، فقال (عبد العزيز) مخاطبًا نفسه:
- صدمة ..
ثم تنهد و تابع مبتسمًا ابتسامة بزاوية فمه:
- صدمة و ستزول ..
استدار ليتوجه لحجرة المكتبة، فإذا به يصطدم بـ (جيف) الذي قال:
- آسف .. لم أقصد ..
أمسكه (عبد العزيز) من كتفه و قال:
- جئت في وقتك .. تعال معي ..
قاده إلي حجرة المكتبة، و التي لم تكن في الواقع - المكتبة - سوي جهاز حاسوب ذي ذاكرة عملاقة، تحوي ما يقرب من ألفي مخطوط و كتاب تتحدث كلها عن فترة يايوئي [أحد فترات تاريخ اليابان القديم و تمتد بين 300 ق.م و 300 م، و تجري فيها الأحداث القديمة المتعلقة بالسيف الأسطوري] و السيف الأسطوري، و منها كتاب (الباراي) و هو المخطوط الوحيد الذي يتحدث عن تاريخ السيف الذهبي و يروي أسطورته كاملة ..
أجلس (عبد العزيز) (جيف) و هو يقول:
- بالطبع قرأت (الباراي) قبلاً ؟
رد و هو ينظر إليه و قد بدأ في إدخال كلمة المرور باستخدام القلم الضوئي:
- قرأت شيئًا منه .. أنت تعرف أن تخصصي هو الفيزياء و ليس التاريخ .. أنت و (هوتشي) من يجب أن يلتهمه ..
رد (عبد العزيز) و هو يتصفح الكتاب المخطوطة:
- و هذا ما فعلته ..
صمت لُحَيْظة ثم قال:
- اقرأ هذا ..
قالها مشيرًا إلي سطر بعينه، فنظر إليه (جيف) قائلاً:
- (عبد العزيز) .. هذه هي النسخة العربية .. و أنا علي حد ما أعرف أتحدث الفرنسية ..
ابتسم (عبد العزيز) و قال:
- آسف .. سأترجم لك علي كل حال ..
ثم بدأ يقرأ مترجمًا إلي الفرنسية:
- "و كان (شو-هو-كاتونا) وحده يعرف سر السيف، و كلما سأله أحد السائلين عن السيف لم يكن ليجيب إلا بقول خُلد في فم الزمان فهو متردد أبدًا .. كان يقول <الشمس هي الحياة كل الحياة، فيها الحياة .. منها الحياة .. إليها الحياة>"
ثم نظر إلي (جيف) و قال:
- هل وصلت لشيء ما ؟
أومأ (جيف) بالنفي، فقال (عبد العزيز):
- أليس غريبًا هذا الاهتمام القوي بالشمس ؟
رد (جيف):
- و ماذا في الأمر ؟ .. علي حد علمي فالرجل كان يدين بالشنتو، و الشنتو تقدس الطبيعة بكل رموزها ..
هز (عبد العزيز) رأسه، و قال:
- حسن .. لم يتضح لك الأمر بعد ...
ثم عاود القراءة بعد أن قلب صفحتين أو ثلاثة و قال:
- "فكان إذا أحس من سيفه برودًا و انعدامًا في الطيف، وضعه متبعًا طقوسًا خاصة أمام تمثال (أماتيراسو أوميكامي)، قبل الشروق بقليل، حتي إذا أشرقت الشمس علي السيف و تألقت الياقوتة، كان هذا دليل قبول الآلهة أن تعيد للسيف قوته"
ثم التفت إلي (جيف) و قال:
- و الآن ؟
هز (جيف) رأسه نفيًا، و هو يقول:
- لا أعرف إلام ترمي بالضبط ؟
صمت (عبد العزيز) برهة ثم قال:
- في رأيك لماذا كان لزامًا علي (شو-هو-كاتونا) أن يضع سيفه في الشمس علي فترات متباعدة ؟
لم يجب (جيف)، فقد أكمل (عبد العزيز) مجيبًا:
- لأن السيف لا يحمل طاقته بداخله .. أعني .. أنه لا يحمل مخزونًا أبديًا من الطاقة ..
ثم مال إلي (جيف) رافعًا سبابته مضيفًا:
- بل .. بل يجب أن يُشحن ..
رمقه (جيف) في ذهول لفترة، ثم قال:
- (عبد العزيز) .. قولك هذا يعني .. يعني أن السيف ..
و لم يكمل، بل قل لم يستطع الإكمال، فأكمل (عبد العزيز):
- خلية كهروضوئية ... نعم .. ببساطة يا عزيزي (جيف) هذا السيف يحمل تقنية متطورة جدًا، و لا أشك في نوع الأشعة التي سيطلقها، نحن فقط في حاجة إلي تجربة ..
نظر إليه (جيف)، بعينين مفتوحتين عن آخرهما، مذهولاً مما يقال:
- (عبد العزيز) .. هذا فوق المنطق و العقل، و كل شيء .. كيف لسيف مثل هذا أن يفعل مثل الذي تقول ؟
رد (عبد العزيز) و هو ينظر إلي ساعة يده:
- حقيقة لا أدري .. لكنه استنتاج يبدو منطقيًا للغاية، و لهذا لم يخرج السيف أي طاقة عندما جربناه، لأنه ببساطة فقدها بمضي السنين .. إنه كبطارية استنفذت ما بها من طاقة من تلقاء نفسها عندما لم تستعمل لفترة طويلة .. صدقني يا (جيف) .. الأمر فوق تصديقي أنا أيضًا و لا سبيل لحسم هذه المشكلة إلا بتجربة عملية ..
ثم نظر لساعته مرة أخري، و قال:
- إنها الثانية صباحًا الآن، و التجربة لن تجري إلا في الصباح، مع الشروق .. هيا انهض و نم جيدًا، فاليوم يوم حافل ..
۩*۩*۩
قبل الشروق بثلث الساعة، كان كل شيء جاهزًا ..
جلس (هوتشي) مقرفصًا، و قد وضع السيف أمام تمثال مصغر لـ (أماتيراسو أوميكامي)، فوق منضدة قصيرة الأرجل موضوعة في السهل المطل عليه الجبل، و قد بدأ يتمتم بصلاة قصيرة يتضرع فيها إلي (أماتيراسو) أن تقبل شحن السيف ..
كانت هذه هي الطقوس، و التي أشار إليها (الباراي) أيضًا، و رغم علم (عبد العزيز) و (جيف) و (هوتشي) أن السر كله - تقريبًا - ينحصر في وضع السيف في الشمس - حسب استنتاج (عبد العزيز) -، إلا أنهم لم يرغبوا في إفساد الطعام بسبب القليل من الملح، و ما الذي يضيرهم لو نفذوا ما أشار إليه (الباراي) من طقوس ؟
أخذ (هوتشي) نفسًا عميقًا، و انتظر مرور الثواني القليلة علي شروق الشمس ..
أشرقت الشمس ..
و سقطت أشعتها علي الياقوتة ..
لتتألق ..
ثم كان مشهد في قمة الإبهار ..
كانت مسافة لا تتجاوز السنتيمترات القليلة، تلك التي ارتفعها السيف فوق المنضدة، قبل أن يدور في اتجاه عقارب الساعة، حتي أصبح موازيًا تمامًا للخط المنصف للمنضدة، ثم بدأ يدور، حتي صار عموديًا تمامًا علي المنضدة ..
كان مشهدًا يفوق الخيال ..
و للحظات ظل الجميع كمن أُصيبوا بالخرس، فالموقف بحق كان عجيبًا لأقصي حد ..
و أخيرًا تكلم (عبد العزيز) ببطء، و هول الصدمة لم يزل من نبرة صوته بعد:
- دعونا .. دعونا نجربه .. الآن فقط أثق أنه يعمل ..
استعد الجميع، كما استعدوا في الليلة السابقة، و أمسك (عبد العزيز) بالسيف و هو يتمتم في مكبر الصوت المثبت إلي أذنه :
- الخميس، الحادي عشر من نوفمبر 2010، جبال (سي يان) حسب التسمية القديمة، جبال (أكيتا) حسب التسمية الحديثة، شمال (اليابان) الساعة السادسة و ست دقائق صباحًا بتوقيت هذه المنطقة، الاختبار الثاني للسيف الأسطوري ... سنختبره بحركة شطر جسم نصفين أفقياً ...
و أتبع القول بالفعل ...
و أمام أعين الجميع تحققت الأسطورة ...
طيف رقيق، يشبه ورقة رقيقة في شكله و سمكه، خرج من السيف و صنع شقًا عميقًا في الجبل ..
" مستحيل ... هذا غير ممكن ..."
هتف (جيف) بالعبارة فالتفت إليه الجميع، محاولين إخراج أنفسهم من انبهارهم، بينما واصل (جيف):
- هذا غير ممكن ... إنه ضرب من المستحيل .... بل هو المستحيل بعينه ...
سأله (هوتشي) في قلق:
- ماذا تقصد يا (جيف) ؟
هتف (جيف) بنفس الدهشة المستنكرة:
- ما خرج كان .. كان ..
أكمل (عبد العزيز):
- ليزر ..
نظر إليه (جيف) في ذهول، و قال:
- هو .. هو ذاك ..
۩*۩*۩
لثوان لم يقل أحد شيئاً ...
الكل ظل في صمت مهيب مندهشين مما يحدث ..
الأمر برمته يأخذ منحي خارقًا للعادة ..
أولاً ما فعله هذا السيف عندما وضع في الشمس ..
ثم هذا الطيف الذي خرج منه ..
ثم ..
" مستحيل .."
قالها (جيف) مرة أخري، و هو يقرأ ما بدأ يتتابع علي شاشة حاسوبه، و أكمل:
- مراكز المتابعة في باريس و طوكيو نقول إن الطيف هو الليزر .. كيف ؟
ثم التفت لـ (عبد العزيز) و قال:
- ألم يصنع هذا السيف في فترة يايوئي ؟
رد (هوتشي):
- بل فيما هو أقدم منها .. إنه يسبق تاريخ اليابان كله ..
قال (جيف) ضاربًا المنضدة بقبضته:
- إذن كيف ؟ .. من غير المعقول إن يكون ما أراه بعيني حقيقة .. مستحيل ..
كان (عبد العزيز) قد اقترب منه في هذه اللحظة فقال، واضعًا يده علي كتفه:
- اهدأ يا رجل .. اعلم أن الفضول يكاد يقتلك .. لكنني آسف أن أخبرك أن مهمتنا هنا قد انتهت .. الأمر برمته متروك الآن لمراكز الأبحاث في طوكيو ..
ثم تابع، و هو يتوجه نحو الاستراحة:
- هيا يا رجال .. سنرحل في الغد ..
بدأ العمال في لملمة المعدات، و ترتيبها استعدادًا للرحيل، و ألف سؤال يدور في الرؤوس ..
أبسطها، كيف حدث ما حدث .. ؟!
۩*۩*۩
- 4 -
التحدي ...
تحت جنح الظلام، تسلل ذلك الرجل، حتى بلغ حجرة الأدوات و التي وضعت البعثة فيها السيف، داخل صندوق محكم الغلق يستحيل فتحه إلا ببصمة الإبهام و مفتاح يحوي نقشاً بالغ الصغر بحيث يصبح من الصعب صنع مثيل له، و كان الصندوق معدًا لوضع السيف حال عثور البعثة عليه ..
وضع ذلك الرجل إبهامه في المكان المخصص، فظهرت عبارة " مسموح .. ضع المفتاح "، فوضع المفتاح فانفتح الصندوق، كاشفًا عن السيف ..
رفع ذلك الرجل، الذي يعني ما فعله انه أحد الثلاثة، السيف بين يديه، و قد نظر إليه بانبهار ..
لم يدر لم فعل ذلك، لكنه بدأ في انتزاع الياقوتة ..
أدارها لليمين فاستجابت له، لكنها لم تكمل الدورة ..
لم ييأس بل شرع في إدارتها إلي الجانب الآخر، فاستجابت له، لكنها ما أن أكملت نصف دورة حتى توقفت ...
شعر بالقلق ...
هل سيفشل بعد كل هذا ؟
و عاود المحاولة ...
لكنها لم تكمل سوي ربع الدورة حتى أصدرت تكة خفيفة و برقت ببريق خافت ...
شعر بالخوف، فالياقوتة لم تستجب له مرة أخري ...
و بحركة يائسة حاول أن يعيد الكرة و يديرها في أي جهة ...
لكنه فشل ...
فشلت كل محاولاته ...
و بخيبة أمل أعاد السيف، و غادر الحجرة ...
غادرها و هو لا يدري أنه بفعلته فتح علي البعثة كلها أسوأ ما يمكن أ يواجهوه ...
التحدي ...
تحدي محاربي الشانو ... [الشانو هي إحدي طرق القتال القديمة في اليابان، و يمكننا اعتبار محاربي الساموراي الصورة المستحدثة منهم، و الخالية من أهم ملامحها .. تعتمد علي التركيز الذهني و استخدام السيف بكل الأوضاع الممكنة باستخدام طاقة التركيز .. أساسها هو استعمال طاقة الكاي التي توجد أسفل العمود الفقري، و تفعيل الشاكرا، و هي مناطق محددة علي طول العمود الفقري من الجهة البطنية عرفها الصوفية باسم اللطائف، و استعمال بعض التعاويذ الشنتوية لإطلاق هذه الطاقات]
۩*۩*۩
انتهي (عبد العزيز) من حزم آخر الحقائب، ثم هتف قائلاً:
- هيا يا (جيف) ... ستأتي الطائرة بعد دقائق ... و يجب أن ...
لم يكمل عبارته، فقد ارتفع أزيز قوي في المكان جعل الجميع يتوقفون عما يفعلون ...
ثم اختفي فجأة كما بدأ فجأة ...
و صمت الجميع للحظات ...
صمتوا ليستبينوا حقيقة ذلك الأزيز القوي ...
ثم قطع (جيف) هذا الصمت صائحا:
- من أين أتي هذا الأزيز ؟ ... (جوري) .. هل عندك شيء أحدث هذا الأزيز؟ ...
رد رئيس العمال:
- لا ...
جاء رده مقتضبا مثيراً للخوف، قال بعده (جيف) في حيرة:
- من أين إذن ؟ من أين ؟
قال له (هوتشي) حائراً:
- المفروض أن نسألك نحن هذا السؤال .. أنت الفيزيائي الوحيد هنا ... ألا يوجد جهاز من أجهزتك يمكن أن يطلق مثل هذا الأزيز المرتفع ؟
أجابه (جيف) في حدة :
- الأجهزة مغلقة ... ثم كيف تطالبني بالإجابة علي ظاهرة لم تدم سوي ثوان ؟ ... هل تر ..
قطع عبارته بغتة و هو يحدق في ذلك الذي يحدث أمامه ذاهلاً ...
و شاركه الجميع ذهوله ..
فما حدث أمامهم كان يفوق التصور ...
كل تصور ..
۩*۩*۩
في سرعة راح ذلك الوجه يتكون ...
وجه لرجل في العقد الخامس أو السادس من عمره حليق الرأس و اللحيين ...
و كان ياباني الملامح ...
لم يكن هذا غريبًا بقدر غرابة كيفية تكونه ...
كان صورة مجسمة، من تلك التي يُستخدم الليزر في صنعها ..
و كان هذا أغرب ما في الأمر ...
و في حزم راح ذلك الوجه يتحدث قائلاً:
- اسمي (شيان) ... كاهن ذلك المعبد الذي تراه أمامك ... إذا كنت تراني فأنت بذلك قد شغلت برنامج التدريب أو الاختبار الذي سيحدد مصيرك ... إما محاربا من محاربي الشانو ... أو ميتا داخل ساحة القتال الأبدية ... ستدخل الساحة عندما يصل الرمل للقاع... هناك ستواجه صعابا من نوع خاص .. إما أن تنجح، و تحصل علي السيف ... أو تتلاشي ...
ثم ظهرت أمامهم ساعة رملية راحت حباتها تتساقط في سرعة ...
و دون مقدمات انفجر (هوتشي) في بكاء شديد لم يدر له أحد سببا ...
و في قوة راح (عبد العزيز) يهز كتفي (هوتشي) و هو يسأله :
- اهدأ و أجبني ... لماذا هذا البكاء الشديد ؟ ما الذي أخافك لهذا الحد ؟
و بنفس لهجة البكاء (هوتشي) يقول:
- أنا السبب ... أنا السبب ... ذهبت أسرق الياقوتة ... و شغلت التدريب ... أنا السبب ..
و واصل بكاءه الشديد وسط ذهول الجميع ...
ثم قطع عليهم ذهولهم صوت يقول :
- الآن ...
و كان هذا القول إيذانا ببدء الخطر ...
كل الخطر ...
۩*۩*۩
في سرعة راح كل شيء يتتابع، حتى أن أحدا لم يشعر بشيء ...
كل ما شعروا به أن السواد يغلفهم ...
لا أكثر ...
لا أقل ...
صاح (هوتشي) و قد شعر بالهلاك المحدق:
- لقد بدأ ... لقد بدأ ... ضعنا .. لن نخرج منه سالمين ... لن نخرج منه سالمين ... أبدا .. أبدا ...
كان يتكلم في انهيار واضح، لكن ذلك لم يمنع (جيف) من أن يصيح في وجهه:
- اصمت ... اصمت أيها الرعديد ... سنخرج منه ...
ثم التفت لـ (عبد العزيز) و قال:
- (عبد العزيز) .. أنت أملنا الوحيد في الخروج ... فلا تخذلنا ..
نظر الجميع إليه و عيونهم ترجوه ألا يخذلهم، فنظر إلي السيف و قال متمتما:
- فليوفقني الله ...
و بعد أن انتهي بلحظة واحدة سمع الجميع صوت صرير باب ...
و هوت قلوبهم من الرعب ...
فخلف هذا الباب كان هناك واحد من أكثر حيوانات الأساطير رعبا ...
(المينوتور) ... [وحش من أسطورة يونانية تقول إن الآلهة أعطت لملك كريت (مينوس) ثوراً أبيضا جميلا ليقدمه قربانا، لكن الملك استكثره عليهم ... فغضبت الآلهة، و جعلت زوجته تحب ذلك الثور، و تنجب منه (المينوتور)]
۩*۩*۩
علا صوت (شيان) يقول في حزم:
- الاختبار الأول ... (المينوتور) ... أمامك أن يصل الرمل للقاع ...
ثم ظهرت ساعة رملية راحت حباتها تنزل في سرعة ...
و بنفس سرعتها كان كل شيء يبدأ مع صياح (شيان):
- الآن ..
و وجد (عبد العزيز) نفسه أمام (المينوتور) بغتة ...
و لم يضع (المينوتور) هذه الفرصة بل هاجمه علي الفور ...
و تراجع (عبد العزيز) بحركة غريزية ..
و سدد له ضربة أثناء ذلك التراجع، لكنها لم تفلح ...
فقبل أن تصله دفقة الليزر بسنتيمتر واحد أو أقل قليلاً، تلاشت ..
كأنها لم تكن ...
قفز قفزة هي السادسة منذ أن بدأ المواجهة، اُضطر لها ليتفادى طعنة من قرن (المينوتور)، و سدد له ضربة أخري لم تفلح تماما كالأولي و الثانية و السابعة ...
أخذ يفكر كيف يقضي عليه ..
" فأنجبت منه وحشًا جزاء غضب الآلهة .. نصف إنسان و نصف ثور "
" و أمسكه ثيسيوس من رقبته و قطعها "
ترددت هذه الكلمات في أذنيه، و علي الفور كان يقفز قفزات متتالية مشكلاً أنصاف دوائر بقفزاته تلك و هو يتجه نحو هدف محدد ..
رقبة (المينوتور) ..
و في قفزة أخيرة رشيقة، كان يتجه كالقذيفة نحو رقبة (المينوتور)، الذي أخذ يتحرك بهياج كأي ثور، محاولاً الإمساك بـ (عبد العزيز) بيديه البشريتين، لكن (عبد العزيز) سدد له ضربة أصابت كف يده و إن لم تؤثر فيها فعليًا، و في الثانية التالية كان يمسك بإحكام أحد قرني (المينوتور) - الذي بدأ يهز قرنيه بقوة مطلقًا خوارًا يليق بملك الثيران - ثم سدد طعنة نفذت من رقبة (المينوتور) علي الفور ..
و ..
" أهنئك "
نطق (شيان) بتلك الكلمة - وسط فرحة البعثة العارمة، و دهشة (عبد العزيز) مما فعله - ثم أتبعها بجملة أخري:
- اتبع السهم ...
و مع انتهاء كلامه ظهر سهم قادهم لمكان لا يختلف بكثير عما كانوا فيه ..
و كالمرة الأولي سمعوا صرير باب يفتح ...
و كانت المفاجأة أقوي هذه المرة ...
(العنقاء) [طائر أسطوري من الأساطير الفرعونية القديمة، تقول عنه الأساطير أنه يعيش 500 عام ليحترق و يخرج من رماده طائر جديد يعيش 500 عام، و أنه ينفث النيران من منقاره .. كان يأتي من اليمن - التي سماها هيرودوت البلاد الجنوبية البعيدة - ليحترق في هيكل رع و يعيد الكرة ..]
۩*۩*۩
كان (عبد العزيز) يقدح زناد فكره محاولاً إيجاد وسيلة للتخلص من (العنقاء)، عندما وجد نفسه بغتةً أمامها، و من أول ضربة وجهها علم أن هذا الوحش الأسطوري لا سبيل للخلاص منه بمثل هذا السيف ...
فدفقة الليزر لم تفعل أكثر من أن قسمته نصفين ليعود من جديد كأن شيئاً لم يكن ..
ظل يضرب و هو يقفز يمنة و يسرة متفاديًا نيران (العنقاء)، محاولاً إيجاد مخرج من هذه الورطة ..
قفز قفزتين متتالين للخلف في محاولة للابتعاد عن مدي نيرانها، فرفرفت مقتربة منه، فقفزت إلي رأسه فكرة مجنونة ..
"و في هيكل رَعْ، تنتصب (العنقاء) رافعةً جناحيها إلى أعلي"
قفز للخلف مرة أخري، و هو يصيح:
- اتبعيني أيتها (العنقاء) ..
صاح و هو يتراجع للخلف في قفزات واسعة ..
"ثم تصفِّق بهما تصفيقًا حادًّا .. و ما هي إلاَّ لمحة حتى يلتهب الجناحان"
- تعالي ..
"فيبدوان و كأنهما مروحة من نار"
بدأت (العنقاء) تقترب أسرع، و هي تضرب جناحيها ببعضهما البعض بقوة
- هيا أيتها الحمقاء ..
واصل القفز، معطيًا (العنقاء) بين حين و آخر ضربة أو اثنتين ..
- هيا ..
و هنا حدث ما أراد ..
تألق الجناحان كأنهما من نار، ثم ارتفعت منهما ألسنة اللهب، وسط صرخات (العنقاء) التي تصم الآذان، لتتحول لرماد ..
"و من وسط الرماد الذي يتخلف يخرج مخلوق جديد .. دودة لها لون كاللبن تتحول إلى شرنقة تخرج منها عنقاء جديدة"
و بضربة واحدة كانت دودة (العنقاء) الجديدة قد تحولت إلي عدم ..
"التالي يا محارب الشانو"
و كان التالي هو (الهيدرا) [وحش أسطوري، جاء في الأساطير اللإغريقية القديمة أنه كانت يعيش في المستنقعات، يمتلك جسم ثعبان و العديد من الرءوس اختلفت عددها من نسخة إلى نسخة، تتراوح من 5 إلي 100، و إذا قطعت لها رأس فإنها ينمو لها رأس آخر و في بعض الروايات رأسان]
۩*۩*۩

1.8.08

السيف - الجزء الأول

ملحوظة خارج السياق:
هذه القصة بدأت كتابتها في الصف الأول الثانوي، ثم توقفت عند بدايتها و إن لم أنس الفكرة، ثم عدت إليها في الصف الثاني الثانوي فاستهجنت ما كتبت من قبل فعدته، و أتممت جزءًا ثم توقفت، ثم عاودت الكرة في الصف الثالث الثانوي، ثم عاودتها للمرة الرابعة - و الأخيرة - في أول سنة لي بالكلية و أتممتها و الحمدلله .. أظن أن بعض المهيييسين قرأوها، و بعضهم أُهديت إليه، لذا لست أتوقع منهم تعليقًا مباشرًا ها هنا فقد حصلت عليه من قبل، و أرجو أن يغفروا لي تكرار نفسي ..

- 1 -
السيف ...

المكان: طريق صخري في أحد الجبال.
الزمان: قبل الميلاد بقرن.
دوي صوت صليل السيوف في جنبات الجبل، فيهدأ و يعود من جديد ...
و مع ذلك الدوى كان صوت الرعد يصم الآذان بعد كل ومضة برق ...
و مع ومضات البرق أتضح مصدر الصليل ..
رجلان، يبدو من ملامحهما أنهما من الشرق الأقصى، انهمكا في مبارزة عنيفة ...
كان أحدهما مفتول العضلات، في الثلاثين من عمره أو أكثر، يلبس ثياباً منقوشة بصور تبث الرعب في أقوي القلوب ..
أما الآخر فهو شاب، في عنفوان شبابه، و علي صدغه الأيسر كان وشم يرمز إلي الموت ...
و بينهما غرز سيف ذهبي، مرصع بأنفس الجواهر ...
و علي مقبضه ياقوتة ..
ياقوتة ليس لها مثيل ...
كانت مبارزة عنيفة، أبرز كل منهما مهارته، و بدا لكليهما أن خصمه عنيد شديد المراس ...
لكن الأمر حسم في النهاية ..
حسم بموت مفتول العضلات ...
موته .. مفصول الرأس ...
و في ظفر أمسك الشاب بالسيف و هو ينظر إليه متألق العينين ...
و كانت منه صرخة انتصار ...
رحل بعدها حاملاً السيف الذهبي ...
۩*۩*۩
المكان: معبد شنتو [ديانة الأغلبية في اليابان بجانب البوذية، تقوم أساسًا علي عبادة القوي الطبيعية و أرواح الأجداد و الأبطال] في قلب أحد الجبال بـ(اليابان).
الزمان: قبل الميلاد بقليل.
أشرقت الشمس كعادتها كل يوم علي ذلك المعبد، الذي احتضنه الجبل، كالطائر عندما يحتضن أولاده ...
و في وسط ذلك المعبد رقد تمثال ضخم لـ(أماتيراسو أوميكامي) [إلهة الشمس في ديانة الشنتو]، وقف أمامه رجل أصلع حليق الذقن و الشارب، بدا أنه كاهن المعبد ...
وقف هذا الكاهن في خشوع شديد ...
وقف و هو يحمل ذلك السيف ...
السيف الذهبي ...
و بعد لحظات من الصمت قال الكاهن:
- فلتهبيه القوة أيتها المعبودة.
و مرت لحظات ...
بعدها كانت الشمس تتعامد مع التمثال الذي وضع عليه السيف ...
و تألقت الياقوتة ...
بشدة ...
۩*۩*۩
المكان: نفس المعبد.
الزمان: ألف عام و سبعمائة و سبعة بعد الميلاد.
جلس كاهن المعبد يتأمل في الفراغ، و بدا أنه في حالة من التركيز الشديد ...
و شيئا فشيئا راحت أنفاسه تهدأ و تهدأ ..
حتى سكنت ...
و مرت لحظات عادت أنفاسه بعدها إلي سيرتها الأولي بالتدريج ...
و ما أن أفاق حتى صاح مفزوعاً:
- موج كالجبال ... موج كالجبال ...
و لم يجد المتواجدون في المعبد، و الذين هم ثلاثة خدم و كاهنيْن، صعوبة في فهم الخطر المحدق بهم ...
الخطر الذي أصبح بعد ثوان حقيقة ...
و أصبح المعبد غارقا في المياه، التي لم تكن سوي المقدمة لآلاف الأمتار المكعبة من المياه ...
بعدها كان المعبد أنقاضاً ..
علي من فيه ...
و ما فيه ...
۩*۩*۩
- 2 -
البعثة ...


غربت الشمس، ململة معها آخر خيوطها الذهبية، لتشرق علي أرض أخري في جزء آخر من العالم ...
و مع غروبها أسدل الليل أستاره ...
و علي الرغم هدوء المكان القاتل، إلا أن ذلك لم يمنع هذا الشخص من الوقوف في شرفة ذلك المنزل المبني علي الطراز الياباني العتيق متأملاً الجبال التي أمامه ...
ثم تنهد ....
و مع تنهيدته سبح في ذكريات قديمة ...
تذكر يوم قال له رئيسه في هيئة اليونسكو أنه سيصبح رئيسا للبعثة (الفرنسية - اليابانية) التي دعت لها الهيئة بالاتفاق مع وزارة الثقافة اليابانية و جامعة السوربون، للبحث عن السيف ...
السيف الذهبي الأسطورة ...
و تذكر تلك الشهور الثلاثة عشر التي قضاها بين ذلك المنزل و تلك الجبال التي ينظر إليها ....
ثم انتبه فجأة أنه لم يعد بمفرده ...
لقد خرج صديقه الفرنسي هو الآخر ليتنسم هواء الليل المنعش ...
و بعد لحظات من الصمت قال:
- (عبد العزيز) ... أما زلت مصرًا علي البحث؟
رد (عبد العزيز):
- نعم يا عزيزي (جيف) ... ما زلت ... ثم إننا لم ننته من كل الجبل .. ما زال هناك جزء من الجانب الشرقي للجبل ... أليس كذلك؟
رد (جيف) في خيبة أمل:
- بلي ... لكنني لن أحتمل هنا أكثر من أسبوع ... أريد أن أعود لعائلتي ... أريد العودة لـ(فرنسا) ...
صمت هنيهة ثم تابع:
- أنت هنا الرئيس المطلق، و هذا يعني أن أي كلمة ستقولها عن أخذ الموافقة من هيئة اليونسكو لن أقبلها ..
كان يتحدث في لهجة أقرب إلي العدوانية، و كأنه يحمل (عبد العزيز) مسئولية فشلهم في العثور علي السيف، ثم أدرك خطأه فقال بنظرة متأسفة:
- آسف .. لكنك غير متزوج، و لا تعرف هذا الشعور بالحنين للأهل .. لقد اشتقت لرؤية زوجتي ... و ولديّ ...
شعر (عبد العزيز) بما يعتمل في صدر صديقه، و طافت برأسه أفكار و خيالات لها صلة قربي بحديث (جيف)، ثم قال في إشفاق:
- حسناً ... إذا لم نجد شيئاً في بحر أسبوع ... سنرجع .. و هذا وعد ...
لم يقل (جيف) شيئا، بل انصرف بهدوء، و قبل أن يبتعد قال له (عبد العزيز):
- هل لك بمناداة (هوتشي)؟ ... أريده في أمر مهم ...
لم يكد ينهي قوله حتى فوجئ بـ (هوتشي)، بملامحه اليابانية المميزة، يقف أمامه و يقول:
- ها أنا ذا قبل أن تنهي كلامك ...
ابتسم (عبد العزيز) و قال:
- حسناً ... هل لك أولاً في إحضار مقعدين لكلينا ؟
ذهب (هوتشي) و احضر مقعدين بينما نظر (عبد العزيز) إلي الجبل كأنما يستلهمه المكان الذي يوجد فيه السيف، و أفاق علي صوت (هوتشي) يقول:
- ألن تجلس ؟
لم يجب (عبد العزيز) و إنما جلس و هو يقول:
- أريدك أن تعيد عليّ الأسطورة التي جئنا من أجلها هنا ..
رد (هوتشي) متسائلاً:
- أسطورة السيف الذهبي ؟
أومأ (عبد العزيز) برأسه إيجاباً، فشرع (هوتشي) يقول:
- تقول الأسطورة أن محاربا يابانيًا، يُدعي (كاتونا)، كان يمتلك سيفاً لا يقف أمامه شيء، جماد أو إنسان، و حاز بذلك مكانة كبيرة عند الملكة (هينامو) [كانت اليابان في فترة 300 ق.م إلي 300 م - و التي تدور فيها الأحداث القديمة المتعلقة بالسيف - مقسمة إلي عدد من الدويلات تسيطرة عليها دولة (ياماتاي) و التي تحكمها الملكة (هيميكو) و من سلالتها جاءت (هينامو)] التي كانت ترسله في المهمات الصعبة و المستحيلة، فينفذها علي أكمل وجه ...
صمت قليلاً ثم أكمل:
- و عندما مات ذلك المحارب، اختلف ولداه .. أيهما يرث السيف، و من أجل ذلك تبارزا مبارزة حتى الموت، حتى فاز أصغرهما و يدعي (شيان) بالسيف، و قد أصبح (شيان) هذا كاهنا لمعبد في تلك المنطقة التي نحن فيها الآن، حيث اُحتفظ بالسيف من جيل إلي آخر، لكن المؤكد بالسجلات أن أحد موجات التسونامي [موجات هائلة من المياه تنبع في وسط المحيط لتضرب بقوة و عنف الشواطئ المطلة علي المحيط الهاديء، و هي ناتجة عادة عن الزلازل - راجع تسونامي ديسمبر 2005] ضرب تلك المنطقة عام 1707 ميلادية [حقيقة]، و نحن الآن عام 2010، أي منذ ما يقرب من ثلاثة قرون ...
نظر إليه (عبد العزيز) قليلاً ثم قال:
- يخيل لي من حديثك أنك ترفض أمر ذلك السيف برمته ... أم أنني أتوهم ؟
أجابه (هوتشي) بلهجة الجزع:
- الأمر صعب يا (عبد العزيز) ... لم أكن هكذا في البداية ... كان الأمل يملأني ... كنت أفكر في الثروة التي يمكن أن نجنيها من مثل ذلك السيف، إنه من الذهب الخالص مرصع بأنفس الجواهر، و عليه ياقوتة في حجم نصف برتقالة صغيرة، و بعيدا عن الثروة فإننا سنصبح من أشهر البعثات، فسنكون أول من يثبت صحة أسطورة في قرننا هذا ...
صمت قليلاً ثم عاود الحديث قائلاً:
- لكنني بالتدريج بدأت أفقد الأمل ... سنة كاملة و نحن ننحت في الصخر ... و ما النتيجة؟ ... لا شيء ... مزيد من الانتظار ... و لا شيء آخر ...
نظر إليه (عبد العزيز) مرة أخري ثم قال:
- إذا لم نجد شيئاً في بحر أسبوع ... سنرجع .. و هذا وعد ... ثق في هذا ...
رد عليه (هوتشي) قائلاً:
- سيكون هذا من دواعي سروري ..
ثم أضاف في أسي:
- و أسفي أيضاً ...
ثم قام، بينما ظل (عبد العزيز) جالساً يتأمل الجبل و يسأل نفسه ذلك السؤال الذي سأله لنفسه عندما جاء لتلك المنطقة :
هل سيجد السيف الذهبي ؟
هل ؟
۩*۩*۩
مضت خمسة أيام ...
مضت بآلامها و تعبها و عرقها و أملها و الفرحة المرتقبة في كل يوم للذي يليه ..
مضت و قد قاربت المهلة علي الانتهاء، و معها المنطقة الباقية من الجبل ...
و ها هم ما زالوا يحفرون ... و ينحتون ...
حتى جاء مساء اليوم السادس ...
في ذلك المساء علت صرخة رددتها جنبات الجبل ...
لم تكن صرخة ألم أو رعب ...
بل صرخة فرح ...
صرخة فرح أطلقها (هوتشي) ...
لقد وجده ..
وجد السيف ...
و بنفس الفرح الطاغي راح يصيح بهستيرية:
- وجدته ... وجدته ... وجدته ... وجدته ...
و هرع إليه الجميع ليعرفوا ما وجد ...
كان الجميع يتوقع السيف ..
أو ما يتعلق به ...
هرع إليه الجميع ...
(عبد العزيز)، و (جيف)، و الخمسة عشرة عاملاً المتواجدين مع البعثة ...
فكر الجميع أن يسألوا (هوتشي) عن سبب صراخه ...
لكنهم ما أن رأوا السيف، حتى وقفوا مشدوهين .. مسحورين ...
لقد كان أروع مما تصوروا ...
و بحماس و سعادة عارمة قال (جيف) شبه صارخ بما يقول:
- وجدناه ... أخيرًا ..
و غرق الجميع في بحر من السعادة، و العناق ..
أمسك (عبد العزيز) السيف بين يديه، ثم أمسك به كالمبارز مشدوهًا مبهورًا ..
لقد جرب السيوف قبل ذلك مرات و مرات، فقد كان مبارزًا لا يشق له غبار في فريق الكلية للمبارزة، لكنه في حياته لم يشاهد سيفًا كهذا ..
ليس في كونه من الذهب الخالص، و ليس في حجم تلك الياقوتة المبهر، و لا في لمعانه و بريقه رغم مرور ثلاثة قرون عليه مدفونًا بين أحجار الجبل ..
لقد كان كل هذا شيئًا تافهًا مقارنةً بذلك التناسق المعجز في شكل السيف و تكوينه ..
كما لو كان فرسًا عربيًا أصيلاً، أو نمرًا أرقط، أو فهدًا أسود ..
لقد استحق بالفعل لقب السيف الأسطوري الذي لُقب به .. إنـ
" (عبد العزيز) "
انتبه لصوت (هوتشي) يناديه للمرة الخامسة علي الأقل، فهز رأسه كمن يفيق من حلم يقظة و قال:
- مبهر ..
رد (هوتشي):
- بل أكثر من ذلك ..
صمت هنيهة ثم تابع:
- نريد أن نختبره ...
رد (عبد العزيز):
- بهذه السـ ..
لم يكمل، فقد قاطعه (جيف):
- تم تحضير كافة الاستعدادات لتجربة السيف .. هلا حضرتم ؟
تبادل (عبد العزيز) النظرات مع (هوتشي)، ثم قال بنبرة المسلّم:
- بهذه السرعة ..
سأله (جيف):
- أعرف أنك مبارز ممتاز و قد اشتركت في عدد من بطولات المبارزة .. أليس كذلك ؟
أومأ (عبد العزيز) برأسه إيجاباً، فواصل (جيف):
- إذن فأنت الذي سيجربه ...
خرجوا جميعًا حتى صاروا في وسط السهل الذي يطل عليه الجبل فقال (عبد العزيز) مشيراً للجميع بالرجوع:
- عليكم أن ترجعوا للخلف ... فأنا لا أعلم كنه هذه الطاقة أو القوة التي تتحدث عنها الأسطورة ....
و تنفيذًا لأوامره، تراجع الجميع للخلف ...
أمسك بمقبض السيف بكلتا يديه ثم قال في مكبر الصوت الموضوع أمام فمه و المثبت في أذنه :
- الأربعاء، العاشر من نوفمبر 2010، جبال (سي يان) حسب التسمية القديمة، جبال (أكيتا) حسب التسمية الحديثة، شمال (اليابان) الساعة الحادية عشرة و تسع عشر دقيقة مساءً بتوقيت هذه المنطقة، الاختبار الأول للسيف الأسطوري ... سنختبره بحركة شطر جسم نصفين أفقياً ...
و أتبع القول بالفعل ..
و كانت مفاجأة ..
مفاجأة بكل المقاييس ...
۩*۩*۩

Related Posts with Thumbnails
 
Share
ShareSidebar