المفاجأة ...
توقعت خروج طاقة تشطر الجبل نصفين ...
أليس كذلك ؟
و لكن ليس هذا ما حدث ...
ما الذي حدث إذن ؟
لا شيء ...
نعم .. لم يحدث شيء ...
فالسيف ظل كما هو .. و الجبل ظل كما هو ...
كانت هذه هي المفاجأة ....
المفاجأة التي ألجمت الجميع ...
بدءًا من العمال .. حتى (عبد العزيز) نفسه ...
و دار في عقول الجميع سؤال واحد ...
إذا كان هذا الذي في يد (عبد العزيز) هو السيف، فالأسطورة صادقة ...
فأين إذن الطاقة الرهيبة التي تحدثت عنها الأسطورة ؟
لم يدر أحد ما الجواب ..
لكنهم رحلوا في صمت ...
و خيبة أمل ...
صحيح أنهم وجدوا السيف ...
لكن فرحتهم بالحصول عليه تلاشت مع تلك المفاجأة القاسية ...
عاد الجميع و معهم (عبد العزيز) حاملاً السيف متأملاً إياه، و التمعت في رأسه فكرة ..
أسرع الخطي ليلحق بـ (هوتشي) الذي سار كاسف البال شاعرًا بإحباط مهول، فمعني أن السيف لم يطلق ما تقول عنه الأسطورة " طيف أحمر قد يكون أزرق أحيانًا، لكنه في كل الأحوال رهيب .. لا يقف أمامه شيء إلا و كان في عداد اللاشيء فورًا .." .. ما دام لم يطلق هذا الطيف فمعناه أن هذا السيف ليس سوي سيف حتي و لو حمل إقرارًا من صاحبه بأنه هو السيف الأسطوري ذو الطاقة الرهيبة ..
أسرع الخطي ليلحق به، حتي إذا حاذاه أمسك بذراعه و قال:
- (هوتشي) .. أين (الباراي) .. ؟
رد (هوتشي):
- و لماذا تريده .. الأمر كله خدعة ...
ثم توقف فجأة و قال شبه صارخ:
- خدعة .. لا (باراي) و لا (ساراي) و لا أي شيء ينفع الآن .. خدعة ..
ثم تهانف كأنه سيبكي، فنهره (عبد العزيز) قائلاً:
- ماذا يا (هوتشي) .. ستبكي ؟ .. تماسك يا رجل .. أعطني (الباراي) .. و لا تقلق أنت ..
رد مديرًا وجهه بعيدًا موجهًا إياه ناحية باب غرفته:
- هو عندك في المكتبة .. كلمة المرور هي PARAY1707 ..
ثم انصرف، فقال (عبد العزيز) مخاطبًا نفسه:
- صدمة ..
ثم تنهد و تابع مبتسمًا ابتسامة بزاوية فمه:
- صدمة و ستزول ..
استدار ليتوجه لحجرة المكتبة، فإذا به يصطدم بـ (جيف) الذي قال:
- آسف .. لم أقصد ..
أمسكه (عبد العزيز) من كتفه و قال:
- جئت في وقتك .. تعال معي ..
قاده إلي حجرة المكتبة، و التي لم تكن في الواقع - المكتبة - سوي جهاز حاسوب ذي ذاكرة عملاقة، تحوي ما يقرب من ألفي مخطوط و كتاب تتحدث كلها عن فترة يايوئي [أحد فترات تاريخ اليابان القديم و تمتد بين 300 ق.م و 300 م، و تجري فيها الأحداث القديمة المتعلقة بالسيف الأسطوري] و السيف الأسطوري، و منها كتاب (الباراي) و هو المخطوط الوحيد الذي يتحدث عن تاريخ السيف الذهبي و يروي أسطورته كاملة ..
أجلس (عبد العزيز) (جيف) و هو يقول:
- بالطبع قرأت (الباراي) قبلاً ؟
رد و هو ينظر إليه و قد بدأ في إدخال كلمة المرور باستخدام القلم الضوئي:
- قرأت شيئًا منه .. أنت تعرف أن تخصصي هو الفيزياء و ليس التاريخ .. أنت و (هوتشي) من يجب أن يلتهمه ..
رد (عبد العزيز) و هو يتصفح الكتاب المخطوطة:
- و هذا ما فعلته ..
صمت لُحَيْظة ثم قال:
- اقرأ هذا ..
قالها مشيرًا إلي سطر بعينه، فنظر إليه (جيف) قائلاً:
- (عبد العزيز) .. هذه هي النسخة العربية .. و أنا علي حد ما أعرف أتحدث الفرنسية ..
ابتسم (عبد العزيز) و قال:
- آسف .. سأترجم لك علي كل حال ..
ثم بدأ يقرأ مترجمًا إلي الفرنسية:
- "و كان (شو-هو-كاتونا) وحده يعرف سر السيف، و كلما سأله أحد السائلين عن السيف لم يكن ليجيب إلا بقول خُلد في فم الزمان فهو متردد أبدًا .. كان يقول <الشمس هي الحياة كل الحياة، فيها الحياة .. منها الحياة .. إليها الحياة>"
ثم نظر إلي (جيف) و قال:
- هل وصلت لشيء ما ؟
أومأ (جيف) بالنفي، فقال (عبد العزيز):
- أليس غريبًا هذا الاهتمام القوي بالشمس ؟
رد (جيف):
- و ماذا في الأمر ؟ .. علي حد علمي فالرجل كان يدين بالشنتو، و الشنتو تقدس الطبيعة بكل رموزها ..
هز (عبد العزيز) رأسه، و قال:
- حسن .. لم يتضح لك الأمر بعد ...
ثم عاود القراءة بعد أن قلب صفحتين أو ثلاثة و قال:
- "فكان إذا أحس من سيفه برودًا و انعدامًا في الطيف، وضعه متبعًا طقوسًا خاصة أمام تمثال (أماتيراسو أوميكامي)، قبل الشروق بقليل، حتي إذا أشرقت الشمس علي السيف و تألقت الياقوتة، كان هذا دليل قبول الآلهة أن تعيد للسيف قوته"
ثم التفت إلي (جيف) و قال:
- و الآن ؟
هز (جيف) رأسه نفيًا، و هو يقول:
- لا أعرف إلام ترمي بالضبط ؟
صمت (عبد العزيز) برهة ثم قال:
- في رأيك لماذا كان لزامًا علي (شو-هو-كاتونا) أن يضع سيفه في الشمس علي فترات متباعدة ؟
لم يجب (جيف)، فقد أكمل (عبد العزيز) مجيبًا:
- لأن السيف لا يحمل طاقته بداخله .. أعني .. أنه لا يحمل مخزونًا أبديًا من الطاقة ..
ثم مال إلي (جيف) رافعًا سبابته مضيفًا:
- بل .. بل يجب أن يُشحن ..
رمقه (جيف) في ذهول لفترة، ثم قال:
- (عبد العزيز) .. قولك هذا يعني .. يعني أن السيف ..
و لم يكمل، بل قل لم يستطع الإكمال، فأكمل (عبد العزيز):
- خلية كهروضوئية ... نعم .. ببساطة يا عزيزي (جيف) هذا السيف يحمل تقنية متطورة جدًا، و لا أشك في نوع الأشعة التي سيطلقها، نحن فقط في حاجة إلي تجربة ..
نظر إليه (جيف)، بعينين مفتوحتين عن آخرهما، مذهولاً مما يقال:
- (عبد العزيز) .. هذا فوق المنطق و العقل، و كل شيء .. كيف لسيف مثل هذا أن يفعل مثل الذي تقول ؟
رد (عبد العزيز) و هو ينظر إلي ساعة يده:
- حقيقة لا أدري .. لكنه استنتاج يبدو منطقيًا للغاية، و لهذا لم يخرج السيف أي طاقة عندما جربناه، لأنه ببساطة فقدها بمضي السنين .. إنه كبطارية استنفذت ما بها من طاقة من تلقاء نفسها عندما لم تستعمل لفترة طويلة .. صدقني يا (جيف) .. الأمر فوق تصديقي أنا أيضًا و لا سبيل لحسم هذه المشكلة إلا بتجربة عملية ..
ثم نظر لساعته مرة أخري، و قال:
- إنها الثانية صباحًا الآن، و التجربة لن تجري إلا في الصباح، مع الشروق .. هيا انهض و نم جيدًا، فاليوم يوم حافل ..
جلس (هوتشي) مقرفصًا، و قد وضع السيف أمام تمثال مصغر لـ (أماتيراسو أوميكامي)، فوق منضدة قصيرة الأرجل موضوعة في السهل المطل عليه الجبل، و قد بدأ يتمتم بصلاة قصيرة يتضرع فيها إلي (أماتيراسو) أن تقبل شحن السيف ..
كانت هذه هي الطقوس، و التي أشار إليها (الباراي) أيضًا، و رغم علم (عبد العزيز) و (جيف) و (هوتشي) أن السر كله - تقريبًا - ينحصر في وضع السيف في الشمس - حسب استنتاج (عبد العزيز) -، إلا أنهم لم يرغبوا في إفساد الطعام بسبب القليل من الملح، و ما الذي يضيرهم لو نفذوا ما أشار إليه (الباراي) من طقوس ؟
أخذ (هوتشي) نفسًا عميقًا، و انتظر مرور الثواني القليلة علي شروق الشمس ..
أشرقت الشمس ..
و سقطت أشعتها علي الياقوتة ..
لتتألق ..
ثم كان مشهد في قمة الإبهار ..
كانت مسافة لا تتجاوز السنتيمترات القليلة، تلك التي ارتفعها السيف فوق المنضدة، قبل أن يدور في اتجاه عقارب الساعة، حتي أصبح موازيًا تمامًا للخط المنصف للمنضدة، ثم بدأ يدور، حتي صار عموديًا تمامًا علي المنضدة ..
كان مشهدًا يفوق الخيال ..
و للحظات ظل الجميع كمن أُصيبوا بالخرس، فالموقف بحق كان عجيبًا لأقصي حد ..
و أخيرًا تكلم (عبد العزيز) ببطء، و هول الصدمة لم يزل من نبرة صوته بعد:
- دعونا .. دعونا نجربه .. الآن فقط أثق أنه يعمل ..
استعد الجميع، كما استعدوا في الليلة السابقة، و أمسك (عبد العزيز) بالسيف و هو يتمتم في مكبر الصوت المثبت إلي أذنه :
- الخميس، الحادي عشر من نوفمبر 2010، جبال (سي يان) حسب التسمية القديمة، جبال (أكيتا) حسب التسمية الحديثة، شمال (اليابان) الساعة السادسة و ست دقائق صباحًا بتوقيت هذه المنطقة، الاختبار الثاني للسيف الأسطوري ... سنختبره بحركة شطر جسم نصفين أفقياً ...
و أتبع القول بالفعل ...
و أمام أعين الجميع تحققت الأسطورة ...
طيف رقيق، يشبه ورقة رقيقة في شكله و سمكه، خرج من السيف و صنع شقًا عميقًا في الجبل ..
" مستحيل ... هذا غير ممكن ..."
هتف (جيف) بالعبارة فالتفت إليه الجميع، محاولين إخراج أنفسهم من انبهارهم، بينما واصل (جيف):
- هذا غير ممكن ... إنه ضرب من المستحيل .... بل هو المستحيل بعينه ...
سأله (هوتشي) في قلق:
- ماذا تقصد يا (جيف) ؟
هتف (جيف) بنفس الدهشة المستنكرة:
- ما خرج كان .. كان ..
أكمل (عبد العزيز):
- ليزر ..
نظر إليه (جيف) في ذهول، و قال:
- هو .. هو ذاك ..
الكل ظل في صمت مهيب مندهشين مما يحدث ..
الأمر برمته يأخذ منحي خارقًا للعادة ..
أولاً ما فعله هذا السيف عندما وضع في الشمس ..
ثم هذا الطيف الذي خرج منه ..
ثم ..
" مستحيل .."
قالها (جيف) مرة أخري، و هو يقرأ ما بدأ يتتابع علي شاشة حاسوبه، و أكمل:
- مراكز المتابعة في باريس و طوكيو نقول إن الطيف هو الليزر .. كيف ؟
ثم التفت لـ (عبد العزيز) و قال:
- ألم يصنع هذا السيف في فترة يايوئي ؟
رد (هوتشي):
- بل فيما هو أقدم منها .. إنه يسبق تاريخ اليابان كله ..
قال (جيف) ضاربًا المنضدة بقبضته:
- إذن كيف ؟ .. من غير المعقول إن يكون ما أراه بعيني حقيقة .. مستحيل ..
كان (عبد العزيز) قد اقترب منه في هذه اللحظة فقال، واضعًا يده علي كتفه:
- اهدأ يا رجل .. اعلم أن الفضول يكاد يقتلك .. لكنني آسف أن أخبرك أن مهمتنا هنا قد انتهت .. الأمر برمته متروك الآن لمراكز الأبحاث في طوكيو ..
ثم تابع، و هو يتوجه نحو الاستراحة:
- هيا يا رجال .. سنرحل في الغد ..
بدأ العمال في لملمة المعدات، و ترتيبها استعدادًا للرحيل، و ألف سؤال يدور في الرؤوس ..
أبسطها، كيف حدث ما حدث .. ؟!
- 4 -
التحدي ...
وضع ذلك الرجل إبهامه في المكان المخصص، فظهرت عبارة " مسموح .. ضع المفتاح "، فوضع المفتاح فانفتح الصندوق، كاشفًا عن السيف ..
رفع ذلك الرجل، الذي يعني ما فعله انه أحد الثلاثة، السيف بين يديه، و قد نظر إليه بانبهار ..
لم يدر لم فعل ذلك، لكنه بدأ في انتزاع الياقوتة ..
أدارها لليمين فاستجابت له، لكنها لم تكمل الدورة ..
لم ييأس بل شرع في إدارتها إلي الجانب الآخر، فاستجابت له، لكنها ما أن أكملت نصف دورة حتى توقفت ...
شعر بالقلق ...
هل سيفشل بعد كل هذا ؟
و عاود المحاولة ...
لكنها لم تكمل سوي ربع الدورة حتى أصدرت تكة خفيفة و برقت ببريق خافت ...
شعر بالخوف، فالياقوتة لم تستجب له مرة أخري ...
و بحركة يائسة حاول أن يعيد الكرة و يديرها في أي جهة ...
لكنه فشل ...
فشلت كل محاولاته ...
و بخيبة أمل أعاد السيف، و غادر الحجرة ...
غادرها و هو لا يدري أنه بفعلته فتح علي البعثة كلها أسوأ ما يمكن أ يواجهوه ...
التحدي ...
تحدي محاربي الشانو ... [الشانو هي إحدي طرق القتال القديمة في اليابان، و يمكننا اعتبار محاربي الساموراي الصورة المستحدثة منهم، و الخالية من أهم ملامحها .. تعتمد علي التركيز الذهني و استخدام السيف بكل الأوضاع الممكنة باستخدام طاقة التركيز .. أساسها هو استعمال طاقة الكاي التي توجد أسفل العمود الفقري، و تفعيل الشاكرا، و هي مناطق محددة علي طول العمود الفقري من الجهة البطنية عرفها الصوفية باسم اللطائف، و استعمال بعض التعاويذ الشنتوية لإطلاق هذه الطاقات]
- هيا يا (جيف) ... ستأتي الطائرة بعد دقائق ... و يجب أن ...
لم يكمل عبارته، فقد ارتفع أزيز قوي في المكان جعل الجميع يتوقفون عما يفعلون ...
ثم اختفي فجأة كما بدأ فجأة ...
و صمت الجميع للحظات ...
صمتوا ليستبينوا حقيقة ذلك الأزيز القوي ...
ثم قطع (جيف) هذا الصمت صائحا:
- من أين أتي هذا الأزيز ؟ ... (جوري) .. هل عندك شيء أحدث هذا الأزيز؟ ...
رد رئيس العمال:
- لا ...
جاء رده مقتضبا مثيراً للخوف، قال بعده (جيف) في حيرة:
- من أين إذن ؟ من أين ؟
قال له (هوتشي) حائراً:
- المفروض أن نسألك نحن هذا السؤال .. أنت الفيزيائي الوحيد هنا ... ألا يوجد جهاز من أجهزتك يمكن أن يطلق مثل هذا الأزيز المرتفع ؟
أجابه (جيف) في حدة :
- الأجهزة مغلقة ... ثم كيف تطالبني بالإجابة علي ظاهرة لم تدم سوي ثوان ؟ ... هل تر ..
قطع عبارته بغتة و هو يحدق في ذلك الذي يحدث أمامه ذاهلاً ...
و شاركه الجميع ذهوله ..
فما حدث أمامهم كان يفوق التصور ...
كل تصور ..
وجه لرجل في العقد الخامس أو السادس من عمره حليق الرأس و اللحيين ...
و كان ياباني الملامح ...
لم يكن هذا غريبًا بقدر غرابة كيفية تكونه ...
كان صورة مجسمة، من تلك التي يُستخدم الليزر في صنعها ..
و كان هذا أغرب ما في الأمر ...
و في حزم راح ذلك الوجه يتحدث قائلاً:
- اسمي (شيان) ... كاهن ذلك المعبد الذي تراه أمامك ... إذا كنت تراني فأنت بذلك قد شغلت برنامج التدريب أو الاختبار الذي سيحدد مصيرك ... إما محاربا من محاربي الشانو ... أو ميتا داخل ساحة القتال الأبدية ... ستدخل الساحة عندما يصل الرمل للقاع... هناك ستواجه صعابا من نوع خاص .. إما أن تنجح، و تحصل علي السيف ... أو تتلاشي ...
ثم ظهرت أمامهم ساعة رملية راحت حباتها تتساقط في سرعة ...
و دون مقدمات انفجر (هوتشي) في بكاء شديد لم يدر له أحد سببا ...
و في قوة راح (عبد العزيز) يهز كتفي (هوتشي) و هو يسأله :
- اهدأ و أجبني ... لماذا هذا البكاء الشديد ؟ ما الذي أخافك لهذا الحد ؟
و بنفس لهجة البكاء (هوتشي) يقول:
- أنا السبب ... أنا السبب ... ذهبت أسرق الياقوتة ... و شغلت التدريب ... أنا السبب ..
و واصل بكاءه الشديد وسط ذهول الجميع ...
ثم قطع عليهم ذهولهم صوت يقول :
- الآن ...
و كان هذا القول إيذانا ببدء الخطر ...
كل الخطر ...
كل ما شعروا به أن السواد يغلفهم ...
لا أكثر ...
لا أقل ...
صاح (هوتشي) و قد شعر بالهلاك المحدق:
- لقد بدأ ... لقد بدأ ... ضعنا .. لن نخرج منه سالمين ... لن نخرج منه سالمين ... أبدا .. أبدا ...
كان يتكلم في انهيار واضح، لكن ذلك لم يمنع (جيف) من أن يصيح في وجهه:
- اصمت ... اصمت أيها الرعديد ... سنخرج منه ...
ثم التفت لـ (عبد العزيز) و قال:
- (عبد العزيز) .. أنت أملنا الوحيد في الخروج ... فلا تخذلنا ..
نظر الجميع إليه و عيونهم ترجوه ألا يخذلهم، فنظر إلي السيف و قال متمتما:
- فليوفقني الله ...
و بعد أن انتهي بلحظة واحدة سمع الجميع صوت صرير باب ...
و هوت قلوبهم من الرعب ...
فخلف هذا الباب كان هناك واحد من أكثر حيوانات الأساطير رعبا ...
(المينوتور) ... [وحش من أسطورة يونانية تقول إن الآلهة أعطت لملك كريت (مينوس) ثوراً أبيضا جميلا ليقدمه قربانا، لكن الملك استكثره عليهم ... فغضبت الآلهة، و جعلت زوجته تحب ذلك الثور، و تنجب منه (المينوتور)]
- الاختبار الأول ... (المينوتور) ... أمامك أن يصل الرمل للقاع ...
ثم ظهرت ساعة رملية راحت حباتها تنزل في سرعة ...
و بنفس سرعتها كان كل شيء يبدأ مع صياح (شيان):
- الآن ..
و وجد (عبد العزيز) نفسه أمام (المينوتور) بغتة ...
و لم يضع (المينوتور) هذه الفرصة بل هاجمه علي الفور ...
و تراجع (عبد العزيز) بحركة غريزية ..
و سدد له ضربة أثناء ذلك التراجع، لكنها لم تفلح ...
فقبل أن تصله دفقة الليزر بسنتيمتر واحد أو أقل قليلاً، تلاشت ..
كأنها لم تكن ...
قفز قفزة هي السادسة منذ أن بدأ المواجهة، اُضطر لها ليتفادى طعنة من قرن (المينوتور)، و سدد له ضربة أخري لم تفلح تماما كالأولي و الثانية و السابعة ...
أخذ يفكر كيف يقضي عليه ..
" فأنجبت منه وحشًا جزاء غضب الآلهة .. نصف إنسان و نصف ثور "
" و أمسكه ثيسيوس من رقبته و قطعها "
ترددت هذه الكلمات في أذنيه، و علي الفور كان يقفز قفزات متتالية مشكلاً أنصاف دوائر بقفزاته تلك و هو يتجه نحو هدف محدد ..
رقبة (المينوتور) ..
و في قفزة أخيرة رشيقة، كان يتجه كالقذيفة نحو رقبة (المينوتور)، الذي أخذ يتحرك بهياج كأي ثور، محاولاً الإمساك بـ (عبد العزيز) بيديه البشريتين، لكن (عبد العزيز) سدد له ضربة أصابت كف يده و إن لم تؤثر فيها فعليًا، و في الثانية التالية كان يمسك بإحكام أحد قرني (المينوتور) - الذي بدأ يهز قرنيه بقوة مطلقًا خوارًا يليق بملك الثيران - ثم سدد طعنة نفذت من رقبة (المينوتور) علي الفور ..
و ..
" أهنئك "
نطق (شيان) بتلك الكلمة - وسط فرحة البعثة العارمة، و دهشة (عبد العزيز) مما فعله - ثم أتبعها بجملة أخري:
- اتبع السهم ...
و مع انتهاء كلامه ظهر سهم قادهم لمكان لا يختلف بكثير عما كانوا فيه ..
و كالمرة الأولي سمعوا صرير باب يفتح ...
و كانت المفاجأة أقوي هذه المرة ...
(العنقاء) [طائر أسطوري من الأساطير الفرعونية القديمة، تقول عنه الأساطير أنه يعيش 500 عام ليحترق و يخرج من رماده طائر جديد يعيش 500 عام، و أنه ينفث النيران من منقاره .. كان يأتي من اليمن - التي سماها هيرودوت البلاد الجنوبية البعيدة - ليحترق في هيكل رع و يعيد الكرة ..]
فدفقة الليزر لم تفعل أكثر من أن قسمته نصفين ليعود من جديد كأن شيئاً لم يكن ..
ظل يضرب و هو يقفز يمنة و يسرة متفاديًا نيران (العنقاء)، محاولاً إيجاد مخرج من هذه الورطة ..
قفز قفزتين متتالين للخلف في محاولة للابتعاد عن مدي نيرانها، فرفرفت مقتربة منه، فقفزت إلي رأسه فكرة مجنونة ..
"و في هيكل رَعْ، تنتصب (العنقاء) رافعةً جناحيها إلى أعلي"
قفز للخلف مرة أخري، و هو يصيح:
- اتبعيني أيتها (العنقاء) ..
صاح و هو يتراجع للخلف في قفزات واسعة ..
"ثم تصفِّق بهما تصفيقًا حادًّا .. و ما هي إلاَّ لمحة حتى يلتهب الجناحان"
- تعالي ..
"فيبدوان و كأنهما مروحة من نار"
بدأت (العنقاء) تقترب أسرع، و هي تضرب جناحيها ببعضهما البعض بقوة
- هيا أيتها الحمقاء ..
واصل القفز، معطيًا (العنقاء) بين حين و آخر ضربة أو اثنتين ..
- هيا ..
و هنا حدث ما أراد ..
تألق الجناحان كأنهما من نار، ثم ارتفعت منهما ألسنة اللهب، وسط صرخات (العنقاء) التي تصم الآذان، لتتحول لرماد ..
"و من وسط الرماد الذي يتخلف يخرج مخلوق جديد .. دودة لها لون كاللبن تتحول إلى شرنقة تخرج منها عنقاء جديدة"
و بضربة واحدة كانت دودة (العنقاء) الجديدة قد تحولت إلي عدم ..
"التالي يا محارب الشانو"
و كان التالي هو (الهيدرا) [وحش أسطوري، جاء في الأساطير اللإغريقية القديمة أنه كانت يعيش في المستنقعات، يمتلك جسم ثعبان و العديد من الرءوس اختلفت عددها من نسخة إلى نسخة، تتراوح من 5 إلي 100، و إذا قطعت لها رأس فإنها ينمو لها رأس آخر و في بعض الروايات رأسان]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق