1.8.08

السيف - الجزء الأول

ملحوظة خارج السياق:
هذه القصة بدأت كتابتها في الصف الأول الثانوي، ثم توقفت عند بدايتها و إن لم أنس الفكرة، ثم عدت إليها في الصف الثاني الثانوي فاستهجنت ما كتبت من قبل فعدته، و أتممت جزءًا ثم توقفت، ثم عاودت الكرة في الصف الثالث الثانوي، ثم عاودتها للمرة الرابعة - و الأخيرة - في أول سنة لي بالكلية و أتممتها و الحمدلله .. أظن أن بعض المهيييسين قرأوها، و بعضهم أُهديت إليه، لذا لست أتوقع منهم تعليقًا مباشرًا ها هنا فقد حصلت عليه من قبل، و أرجو أن يغفروا لي تكرار نفسي ..

- 1 -
السيف ...

المكان: طريق صخري في أحد الجبال.
الزمان: قبل الميلاد بقرن.
دوي صوت صليل السيوف في جنبات الجبل، فيهدأ و يعود من جديد ...
و مع ذلك الدوى كان صوت الرعد يصم الآذان بعد كل ومضة برق ...
و مع ومضات البرق أتضح مصدر الصليل ..
رجلان، يبدو من ملامحهما أنهما من الشرق الأقصى، انهمكا في مبارزة عنيفة ...
كان أحدهما مفتول العضلات، في الثلاثين من عمره أو أكثر، يلبس ثياباً منقوشة بصور تبث الرعب في أقوي القلوب ..
أما الآخر فهو شاب، في عنفوان شبابه، و علي صدغه الأيسر كان وشم يرمز إلي الموت ...
و بينهما غرز سيف ذهبي، مرصع بأنفس الجواهر ...
و علي مقبضه ياقوتة ..
ياقوتة ليس لها مثيل ...
كانت مبارزة عنيفة، أبرز كل منهما مهارته، و بدا لكليهما أن خصمه عنيد شديد المراس ...
لكن الأمر حسم في النهاية ..
حسم بموت مفتول العضلات ...
موته .. مفصول الرأس ...
و في ظفر أمسك الشاب بالسيف و هو ينظر إليه متألق العينين ...
و كانت منه صرخة انتصار ...
رحل بعدها حاملاً السيف الذهبي ...
۩*۩*۩
المكان: معبد شنتو [ديانة الأغلبية في اليابان بجانب البوذية، تقوم أساسًا علي عبادة القوي الطبيعية و أرواح الأجداد و الأبطال] في قلب أحد الجبال بـ(اليابان).
الزمان: قبل الميلاد بقليل.
أشرقت الشمس كعادتها كل يوم علي ذلك المعبد، الذي احتضنه الجبل، كالطائر عندما يحتضن أولاده ...
و في وسط ذلك المعبد رقد تمثال ضخم لـ(أماتيراسو أوميكامي) [إلهة الشمس في ديانة الشنتو]، وقف أمامه رجل أصلع حليق الذقن و الشارب، بدا أنه كاهن المعبد ...
وقف هذا الكاهن في خشوع شديد ...
وقف و هو يحمل ذلك السيف ...
السيف الذهبي ...
و بعد لحظات من الصمت قال الكاهن:
- فلتهبيه القوة أيتها المعبودة.
و مرت لحظات ...
بعدها كانت الشمس تتعامد مع التمثال الذي وضع عليه السيف ...
و تألقت الياقوتة ...
بشدة ...
۩*۩*۩
المكان: نفس المعبد.
الزمان: ألف عام و سبعمائة و سبعة بعد الميلاد.
جلس كاهن المعبد يتأمل في الفراغ، و بدا أنه في حالة من التركيز الشديد ...
و شيئا فشيئا راحت أنفاسه تهدأ و تهدأ ..
حتى سكنت ...
و مرت لحظات عادت أنفاسه بعدها إلي سيرتها الأولي بالتدريج ...
و ما أن أفاق حتى صاح مفزوعاً:
- موج كالجبال ... موج كالجبال ...
و لم يجد المتواجدون في المعبد، و الذين هم ثلاثة خدم و كاهنيْن، صعوبة في فهم الخطر المحدق بهم ...
الخطر الذي أصبح بعد ثوان حقيقة ...
و أصبح المعبد غارقا في المياه، التي لم تكن سوي المقدمة لآلاف الأمتار المكعبة من المياه ...
بعدها كان المعبد أنقاضاً ..
علي من فيه ...
و ما فيه ...
۩*۩*۩
- 2 -
البعثة ...


غربت الشمس، ململة معها آخر خيوطها الذهبية، لتشرق علي أرض أخري في جزء آخر من العالم ...
و مع غروبها أسدل الليل أستاره ...
و علي الرغم هدوء المكان القاتل، إلا أن ذلك لم يمنع هذا الشخص من الوقوف في شرفة ذلك المنزل المبني علي الطراز الياباني العتيق متأملاً الجبال التي أمامه ...
ثم تنهد ....
و مع تنهيدته سبح في ذكريات قديمة ...
تذكر يوم قال له رئيسه في هيئة اليونسكو أنه سيصبح رئيسا للبعثة (الفرنسية - اليابانية) التي دعت لها الهيئة بالاتفاق مع وزارة الثقافة اليابانية و جامعة السوربون، للبحث عن السيف ...
السيف الذهبي الأسطورة ...
و تذكر تلك الشهور الثلاثة عشر التي قضاها بين ذلك المنزل و تلك الجبال التي ينظر إليها ....
ثم انتبه فجأة أنه لم يعد بمفرده ...
لقد خرج صديقه الفرنسي هو الآخر ليتنسم هواء الليل المنعش ...
و بعد لحظات من الصمت قال:
- (عبد العزيز) ... أما زلت مصرًا علي البحث؟
رد (عبد العزيز):
- نعم يا عزيزي (جيف) ... ما زلت ... ثم إننا لم ننته من كل الجبل .. ما زال هناك جزء من الجانب الشرقي للجبل ... أليس كذلك؟
رد (جيف) في خيبة أمل:
- بلي ... لكنني لن أحتمل هنا أكثر من أسبوع ... أريد أن أعود لعائلتي ... أريد العودة لـ(فرنسا) ...
صمت هنيهة ثم تابع:
- أنت هنا الرئيس المطلق، و هذا يعني أن أي كلمة ستقولها عن أخذ الموافقة من هيئة اليونسكو لن أقبلها ..
كان يتحدث في لهجة أقرب إلي العدوانية، و كأنه يحمل (عبد العزيز) مسئولية فشلهم في العثور علي السيف، ثم أدرك خطأه فقال بنظرة متأسفة:
- آسف .. لكنك غير متزوج، و لا تعرف هذا الشعور بالحنين للأهل .. لقد اشتقت لرؤية زوجتي ... و ولديّ ...
شعر (عبد العزيز) بما يعتمل في صدر صديقه، و طافت برأسه أفكار و خيالات لها صلة قربي بحديث (جيف)، ثم قال في إشفاق:
- حسناً ... إذا لم نجد شيئاً في بحر أسبوع ... سنرجع .. و هذا وعد ...
لم يقل (جيف) شيئا، بل انصرف بهدوء، و قبل أن يبتعد قال له (عبد العزيز):
- هل لك بمناداة (هوتشي)؟ ... أريده في أمر مهم ...
لم يكد ينهي قوله حتى فوجئ بـ (هوتشي)، بملامحه اليابانية المميزة، يقف أمامه و يقول:
- ها أنا ذا قبل أن تنهي كلامك ...
ابتسم (عبد العزيز) و قال:
- حسناً ... هل لك أولاً في إحضار مقعدين لكلينا ؟
ذهب (هوتشي) و احضر مقعدين بينما نظر (عبد العزيز) إلي الجبل كأنما يستلهمه المكان الذي يوجد فيه السيف، و أفاق علي صوت (هوتشي) يقول:
- ألن تجلس ؟
لم يجب (عبد العزيز) و إنما جلس و هو يقول:
- أريدك أن تعيد عليّ الأسطورة التي جئنا من أجلها هنا ..
رد (هوتشي) متسائلاً:
- أسطورة السيف الذهبي ؟
أومأ (عبد العزيز) برأسه إيجاباً، فشرع (هوتشي) يقول:
- تقول الأسطورة أن محاربا يابانيًا، يُدعي (كاتونا)، كان يمتلك سيفاً لا يقف أمامه شيء، جماد أو إنسان، و حاز بذلك مكانة كبيرة عند الملكة (هينامو) [كانت اليابان في فترة 300 ق.م إلي 300 م - و التي تدور فيها الأحداث القديمة المتعلقة بالسيف - مقسمة إلي عدد من الدويلات تسيطرة عليها دولة (ياماتاي) و التي تحكمها الملكة (هيميكو) و من سلالتها جاءت (هينامو)] التي كانت ترسله في المهمات الصعبة و المستحيلة، فينفذها علي أكمل وجه ...
صمت قليلاً ثم أكمل:
- و عندما مات ذلك المحارب، اختلف ولداه .. أيهما يرث السيف، و من أجل ذلك تبارزا مبارزة حتى الموت، حتى فاز أصغرهما و يدعي (شيان) بالسيف، و قد أصبح (شيان) هذا كاهنا لمعبد في تلك المنطقة التي نحن فيها الآن، حيث اُحتفظ بالسيف من جيل إلي آخر، لكن المؤكد بالسجلات أن أحد موجات التسونامي [موجات هائلة من المياه تنبع في وسط المحيط لتضرب بقوة و عنف الشواطئ المطلة علي المحيط الهاديء، و هي ناتجة عادة عن الزلازل - راجع تسونامي ديسمبر 2005] ضرب تلك المنطقة عام 1707 ميلادية [حقيقة]، و نحن الآن عام 2010، أي منذ ما يقرب من ثلاثة قرون ...
نظر إليه (عبد العزيز) قليلاً ثم قال:
- يخيل لي من حديثك أنك ترفض أمر ذلك السيف برمته ... أم أنني أتوهم ؟
أجابه (هوتشي) بلهجة الجزع:
- الأمر صعب يا (عبد العزيز) ... لم أكن هكذا في البداية ... كان الأمل يملأني ... كنت أفكر في الثروة التي يمكن أن نجنيها من مثل ذلك السيف، إنه من الذهب الخالص مرصع بأنفس الجواهر، و عليه ياقوتة في حجم نصف برتقالة صغيرة، و بعيدا عن الثروة فإننا سنصبح من أشهر البعثات، فسنكون أول من يثبت صحة أسطورة في قرننا هذا ...
صمت قليلاً ثم عاود الحديث قائلاً:
- لكنني بالتدريج بدأت أفقد الأمل ... سنة كاملة و نحن ننحت في الصخر ... و ما النتيجة؟ ... لا شيء ... مزيد من الانتظار ... و لا شيء آخر ...
نظر إليه (عبد العزيز) مرة أخري ثم قال:
- إذا لم نجد شيئاً في بحر أسبوع ... سنرجع .. و هذا وعد ... ثق في هذا ...
رد عليه (هوتشي) قائلاً:
- سيكون هذا من دواعي سروري ..
ثم أضاف في أسي:
- و أسفي أيضاً ...
ثم قام، بينما ظل (عبد العزيز) جالساً يتأمل الجبل و يسأل نفسه ذلك السؤال الذي سأله لنفسه عندما جاء لتلك المنطقة :
هل سيجد السيف الذهبي ؟
هل ؟
۩*۩*۩
مضت خمسة أيام ...
مضت بآلامها و تعبها و عرقها و أملها و الفرحة المرتقبة في كل يوم للذي يليه ..
مضت و قد قاربت المهلة علي الانتهاء، و معها المنطقة الباقية من الجبل ...
و ها هم ما زالوا يحفرون ... و ينحتون ...
حتى جاء مساء اليوم السادس ...
في ذلك المساء علت صرخة رددتها جنبات الجبل ...
لم تكن صرخة ألم أو رعب ...
بل صرخة فرح ...
صرخة فرح أطلقها (هوتشي) ...
لقد وجده ..
وجد السيف ...
و بنفس الفرح الطاغي راح يصيح بهستيرية:
- وجدته ... وجدته ... وجدته ... وجدته ...
و هرع إليه الجميع ليعرفوا ما وجد ...
كان الجميع يتوقع السيف ..
أو ما يتعلق به ...
هرع إليه الجميع ...
(عبد العزيز)، و (جيف)، و الخمسة عشرة عاملاً المتواجدين مع البعثة ...
فكر الجميع أن يسألوا (هوتشي) عن سبب صراخه ...
لكنهم ما أن رأوا السيف، حتى وقفوا مشدوهين .. مسحورين ...
لقد كان أروع مما تصوروا ...
و بحماس و سعادة عارمة قال (جيف) شبه صارخ بما يقول:
- وجدناه ... أخيرًا ..
و غرق الجميع في بحر من السعادة، و العناق ..
أمسك (عبد العزيز) السيف بين يديه، ثم أمسك به كالمبارز مشدوهًا مبهورًا ..
لقد جرب السيوف قبل ذلك مرات و مرات، فقد كان مبارزًا لا يشق له غبار في فريق الكلية للمبارزة، لكنه في حياته لم يشاهد سيفًا كهذا ..
ليس في كونه من الذهب الخالص، و ليس في حجم تلك الياقوتة المبهر، و لا في لمعانه و بريقه رغم مرور ثلاثة قرون عليه مدفونًا بين أحجار الجبل ..
لقد كان كل هذا شيئًا تافهًا مقارنةً بذلك التناسق المعجز في شكل السيف و تكوينه ..
كما لو كان فرسًا عربيًا أصيلاً، أو نمرًا أرقط، أو فهدًا أسود ..
لقد استحق بالفعل لقب السيف الأسطوري الذي لُقب به .. إنـ
" (عبد العزيز) "
انتبه لصوت (هوتشي) يناديه للمرة الخامسة علي الأقل، فهز رأسه كمن يفيق من حلم يقظة و قال:
- مبهر ..
رد (هوتشي):
- بل أكثر من ذلك ..
صمت هنيهة ثم تابع:
- نريد أن نختبره ...
رد (عبد العزيز):
- بهذه السـ ..
لم يكمل، فقد قاطعه (جيف):
- تم تحضير كافة الاستعدادات لتجربة السيف .. هلا حضرتم ؟
تبادل (عبد العزيز) النظرات مع (هوتشي)، ثم قال بنبرة المسلّم:
- بهذه السرعة ..
سأله (جيف):
- أعرف أنك مبارز ممتاز و قد اشتركت في عدد من بطولات المبارزة .. أليس كذلك ؟
أومأ (عبد العزيز) برأسه إيجاباً، فواصل (جيف):
- إذن فأنت الذي سيجربه ...
خرجوا جميعًا حتى صاروا في وسط السهل الذي يطل عليه الجبل فقال (عبد العزيز) مشيراً للجميع بالرجوع:
- عليكم أن ترجعوا للخلف ... فأنا لا أعلم كنه هذه الطاقة أو القوة التي تتحدث عنها الأسطورة ....
و تنفيذًا لأوامره، تراجع الجميع للخلف ...
أمسك بمقبض السيف بكلتا يديه ثم قال في مكبر الصوت الموضوع أمام فمه و المثبت في أذنه :
- الأربعاء، العاشر من نوفمبر 2010، جبال (سي يان) حسب التسمية القديمة، جبال (أكيتا) حسب التسمية الحديثة، شمال (اليابان) الساعة الحادية عشرة و تسع عشر دقيقة مساءً بتوقيت هذه المنطقة، الاختبار الأول للسيف الأسطوري ... سنختبره بحركة شطر جسم نصفين أفقياً ...
و أتبع القول بالفعل ..
و كانت مفاجأة ..
مفاجأة بكل المقاييس ...
۩*۩*۩





ليست هناك تعليقات:

Related Posts with Thumbnails
 
Share
ShareSidebar