عندما قال أحمد مكي على لسان "حزلئوم" أن دنيا سمير غانم – جيرمين – لم تلحق بجيهان، و لم تلحق بنرمين، جالت بخاطره فكرة ابتسم لها في البداية، ثم اتسعت ابتسامته عندما استقرت و استوت .. جيهان تعني الدنيا بالفارسية، و نرمين تعني الوردة الناعمة بالتركية، فلربما كان جيرمين هي مزيج من الاثنين .. وردة الدنيا الناعمة ..
وردة الدنيا الناعمة، التي تذكره دائمًا أن هذه الدنيا ليست شظف العيش و مرارة الكد فحسب، بل فيها من المتعة ما يجعلها مكانًا صالحًا للحياة .. أدرك لحظتها لم كان شعوره الدائم أن اسمها متسق مع كل شيء فيها، و أن اسمها يعنيها شكلاً و موضوعًا ..
لم تكن ناعمة بتلك الصورة التي تتقافز إلى الأذهان كلما ذكرت تلك الكلمة، حتى يظن المرء أنها صارت مرادفًا للميوعة و الخلاعة، بل كان فيها شيء من القوة الناعمة إن صح التعبير .. شيء من الخشونة و الرجولة و قد امتزجا بذلك الدلال المحبب إلى النفس، و شيء من رجاحة العقل التي تختلط بطفولية تجعلها فريدة من نوعها؛ نضج و رعونة في آن ..
كان كلما شعر أن الدنيا قد قاربت تقصم ظهره، و أن صدره يضيق فلا يتسع لأنفاسه تذكرها، و تذكر همسها في أذنه أن الدنيا لا تضيق إلا لتنفرج، و لا تنفرج إلا لتضيق، و أن من لا يدرك هذا كمن لا يدرك أن الشمس تشرق في الصباح ..
بعدما استنبط تفسيرًا لاسمها – و قد طارت سعادة عندما سمعته منه، كأنما هي طفلة جيء لها بملابس العيد – أخذ يفكر فيه مليًا؛ وردة الدنيا الناعمة .. كان – للمفارقة – يشكو حساسية مرضية مفرطة تجاه الورد البلدي، ما جعله يضحك ملء فيه عندما استقر ذلك المعنى في نفسه .. قدره ألقاه إلى وردة، هي الوحيدة التي يمكن أن يموت لو لم يضممها إليه !
وردة الدنيا الناعمة، التي شعر عندما رآها للمرة الأولى أن شيئًا ما يناديه أنها له، كانت تمثل رغم كل هذا عقبة في حياته .. كان في كثير من الأحيان يشعر أنها تكبله عن فعل الكثير، لكنه رغم هذا كان يستلذ بتلك الأغلال، و يسوق لنفسه المبررات لِمَ لَمْ يفعل كذا، أو يلحق بكذا، أو يتغاضى عن كذا، ثم يكتشف مع الوقت أن ما فعله – تحت تأثيرها – و ظن أنه قد أخطأ فيه هو عين العقل، و هو ما يعيده لتلك الدائرة المفرغة التي لا تنتهي .. هي، و هي من جديد، و هي إلى الأبد !
تنهد تنهيدة طويلة و هو يطوي آخر صفحة من سجل صورهما معًا، و أرجع رأسه إلى الوراء يريحها على ظهر المقعد، مطبقًا جفنيه على دمعة فرت رغمًا عنه، و أخذ يتمتم بالفاتحة في خشوع ..