الحلم السابع - شيء ما في سوق زنانيري
كي تحسن تصور ما سأحكيه، سابدأ روايتي ببعض التفاصيل الجغرافية .. شارع أبي قير، أو طريق الحرية، هو من الشوارع الرئيسة في الإسكندرية، و هو مواز في أغلب الأحيان لشريط الترام .. عند محطة ترام كليوباترا هنالك شارع طويل يصل ما بين شريط الترام و شارع أبي قير، ليتقاطع مع شريط الترام ثم يكمل المسيرة حتى يصل بك إلى أول شارع السوق - سوق زنانيري - حيث تبدأ أحداث الحلم ..
كنت عائدًا من السوق، و الظلام حولي يقول إني في منتصف الليل أو أبعد، و أحمل بيدي كيسين بلاستيكيين لا أدري ما محتواهما، لكنهما ثقيلان بما يكفي ليمنعا يداي من التحرك بحرية، و يبقيانهما في وضع التدلي دائمًا .. أسير، بينما على البعد أجد مخبولاً كلاسيكيًا من أولئك الهائمين على وجوههم في الطرقات؛ شعر منكوش أكرت مليء بالقاذورات، و سروال قصير يكشف عن ساقين مشعرتين قذرتين، و أسنان مهشمة صفراء، و كلام غير مترابط البتة ..
يحاول هذا المخبول مضايقتي، و ينجح بشكل مستفز، بينما أنا عاجز عن رده لما في يداي، ثم أفاجيء بحائط بشري أبلغ أنا - بقامتي التي تقترب من المترين إلا ربعًا - ركبتيه بشق الأنفس .. أفاجيء بهذا الحائط البشري يعزله عني، و يمنعه أن يصل إليّ، فأتقوّى و أصرخ فيه كي يرحل، فيرحل بالفعل، بينما فتاة صغيرة تناوشه و تجري ضاحكة ..
ما زلنا نسير بلا توقف، لنعبر جميعنا - أنا و الحائط و الفتاة و المخبول - شريط الترام، لكن المخبول يسبقنا و يختفي، بينما أبطئ أنا المسير قليلاً لأجد أن الحائط البشري و الفتاة قد اختفيا أيضًا ..
يعود المخبول ممتطيًا كتفي أجدهم، الذي يبدو من ملابسه أنه من "معلمي الوكالة"، و يشير إلى لافتة حانوت شهير يقع على شريط الترام صارخًا: "انظر .. إنه limbster" و هي الكلمة التي كانت مكتوبة على اللافتة، لاكتشف أن حانوتًا آخر حل محل هذا الحانوت الشهير، و ليس مشتركًا بينهما سوى المكان ..
لا أملك تفسير هذا، لكن كلمة limbster هذه تعني - في الحلم على الأقل - الجزار، و هكذا تحول حانوت الألبان - و هذا هو الحال في الواقع - إلى جزارة يتجه إليها هذا المخبول محاولاً، فيما يبدو، أن يسطو عليها، فأركض محاولاً إيقاف هذه المهزلة ..
أدخل الحانوت لأكتشف أنه يبيع عملات معدنية قديمة و حديثة، و هنالك شخص ظننته مالك الحانوت يجلس بقرب الباب و ينظر في لامبالاة مستفزة إلى ذلك المخبول و هو يفرغ أحد الصناديق مما بها من عملات ذهبية، أكتشفت أنها من فئة السنت الأمريكي، لكنها أضخم بكثير و تكاد تقارب حجمًا ريال السلطان حسين أو أكبر قليلاً، و مصكوكة من الذهب ..
و لأنني من مدمني جمع العملات، فإن لعابي قد سال لمرأى هذه العملات النادرة و العجيبة، فغرفت بيدي بعضًا منها، و وضعته في جيبي، لكن على ما يبدو فإن ضميري قد وخزني، فأعدت هذه العملات إلى صندوق آخر، كل هذا و ذا الرجل ينظر إلينا جميعًا - أنا و المخبول و آخرون لا أدري ماذا يفعلون تحديدًا في الحانوت - نظرة لامبالاة مستفزة ..
أعدت الصندوق لصاحب الحانوت، لأفاجئ بالرجل قد انقلب هذا المخبول، أما الرجل نفسه فلا أدري أين ذهب، فأطبقت يداي على عنقه و التفت إلى الجانب الآخر - حيث كان هذا المخبول منذ دقائق، و حيث كان يفتح الصناديق يفرغ ما فيها - لأفاجئ بملكة إنجلترا تمسك بكتاب يتحدث عن أسطورة الملك آرثر و فرسان المائدة المستديرة، و السيف المسحور الذي كان مغروسًا في صخرة، و قد أخذت هذا الكتاب من أحد الأرفف التي لم تكن موجودة من قبل، لكنني لم أهتم بهذه النقطة كثيرًا ..
أخرجت الملكة السيف المسحور من قلب الكتاب، و تأملته .. كان سيفًا ذهبيًا ليس فيه ما يميزه سوى لونه، لكنه كان صغيرًا ليحمل لقب سيف، و شعرت أن خنجر هي اللفظة الأدق لتصفه .. تحدثت إلى الملكة قائلاً، و لم أزل ممسكًا بالمخبول: Your Majesty, The Avillon ..
هذا الـ Avillon كنت أعني به السيف و الكتاب معًا، و إن كنت أشير للسيف بصورة خاصة، و هو شيء تعجبت منه، إذ أنني أعرف الاسم الحقيقي لهذا السيف، و هو Excalibur، لكنني بعدما استيقظت رجحت أني قلت هذا لأنها كانت الكلمة ذاتها التي وُضعت عنوانًا للكتاب التي كانت الملكة تمسك به ..
أعطتني السيف و الكتاب، فأمسكت السيف بشمالي التي كانت حرة، بينما اليمنى تمسك المخبول، و أشرت للكتاب فتجمد في مكانه معلقًا في الهواء، ثم مزقته فتاتًا صغيرة بالسيف، و لم يزل بعد معلقًا في الهواء، ثم استدرت بالسيف و أطلقت صيحة بطولية - لست أدري ما جدواها - و أغمدت السيف حتى مقبضه في صدر المخبول، و أنا أشرح ما يحدث للجمع الواقف ينظر إليّ في جمود، و ملخص شرحي أن تفتيت الكتاب كان هو الطريقة الوحيدة للقضاء على هذا المخبول قبل أن يفعل شيئًا ما لست أذكره، و لا أظن أنني ذكرته في شرحي، لكنه كان سيفعله ..
أشرت للكتاب بيسراي التي عادت حرة مرة أخرى .. أشرت له براحتى اليسرى كلها فعاد كما كان بعد أن كان مفتتًا، و ابتسمت للملكة - على قدر ما أذكر - ثم استيقظت ..