نظريًا، يعرف امتحان الميدتيرم بأنه امتحان يجري في منتصف الفصل الدراسي كنوع من التقييم المستمر للعملية التعليمية و مدي كفاءتها، لكن عمليًا يمكن تعريفه علي أنه وسيلة لوذعية لإدخال الطالب في دوامة لا تنتهي من الامتحانات و الامتحانات المضادة بصورة تجعل دماغه أشبه بخلية نحل تطن و تطن و كأن طنًا من الحديد الصافي قد وقع عليها ..
و إذا كانت كليات مثل كليات الهندسة و التجارة و الآداب تطبق هذا النظام منذ أن كانت جامعة الملك إع إع رع تعمل في مصر، فإن المناهج و عنفها في هذه الكليات – مع كامل إحترامي – لا يقارنان بأي حال من الأحوال مع المناهج الطبية التي تلقي علي رؤوسنا كالبيض الممشش .. هذا النظام لم يكن له أن يطبق في كلية مثل كلية الطب، و ليس له أن يطبق أصلاً في أي مكان، لأنه نظام وُضع سياسيًا في الأصل، لإلهاء الطلبة عن كل ما يجري حولهم، و إدخالهم في بحر لجي متلاطم الأمواج .. كتب من فوقها ورق من فوقها امتحانات "تقطم الوسط و تهد الحيل" .. نهايته .. طبقوا النظام، و لكن كيف لهم ألا يجعلوا منه جحيمًا لا يطاق ؟!
في كل أسبوع هناك امتحان، و ربما امتحانان أيضًا .. البعض كان يحصل عليهما في نفس اليوم، أو في يومين متتالين، لتصبح الحياة كتلة من الألم، و لست حقًا أبالغ في حرف مما أكتب .. اسألوا أي شخص في أي سكشن من كليتنا العتيدة، و لن يقول تقريبًا إلا ما أقول و إن اختلفت طرق التعبير ..
بعض المواد كانت امتحاناتها من التفاهة بحيث تجعلك تتساءل: علي إيه ؟ .. امتحان مادة الطفيليات كان بخمس درجات ! و المشكلة ليست في أن المقابل الدرجاتي يكاد يكون معدومًا، بل في الكم الذي كنا مطالبين أن نذاكره لهذا الامتحان، و الذي كان 40 صفحة بالتمام و الكمال و المقابل .. خمس درجات ! أُشل أنا و أسهر، فأنا في النهاية لا أريد شيئًا ليضيع مني مهما كانت المسميات، رغم أن الضائع بالهبل، ليكون المقابل علي كل هذا هو خمس درجات .. مأساة ..
بعض المواد كان فيها شيء من العقلانية و الموضوعية في امتحاناتها، مثل مادتي الباثولوجي و الأدوية، فرغم الثقل النوعي الكبير لهاتين المادتين، إلا أن الامتحانات لم تكن بهذا السوء .. علي الأقل جاءت فيما توقعناه و ظنناه، و استطاع من اجتهد أن يحصل علي ما يريد ..
البعض الآخر كان كتلة من اللاشيء بكل معني الكلمة، و أعني هنا مادة الميكروبيولوجي .. كان امتحانًا مصريًا بامتياز .. الجملة تقتطع بالنص من الكتاب و توضع في الامتحان، و تغير فيها كلمة واحدة لتصير خطأً، و هكذا إن لم تكن من الحريتة الصمّيمة، فإن مآلك النار و بئس المهاد .. المقابل أيضًا كان هزيلاً و إن بصورة أقل من الطفيليات .. عشرون درجة في مقابل أربعون أو ثلاثون صفحة ..
لقد شكحنا في النح
لكن المشكلة الأكبر ليست في هزال الدرجات، أو عبط الأسئلة، أو تخلف المواعيد التي لا تراعي أحقية الإنسان في الإفاقة من الصدمة قبل الحصول علي أخري، و لست أقول الاستعداد لأخري، فقد يأست نسبة لا بأس بها أن تحقق أي شيء، لكنني أتحدث عن مأساة أكبر من هذا ..
يظل الواحد منا يذاكر محاضرة بمحاضرة، كل شيء في وقته و عمل اليوم هو لليوم و ليس للغد، حتي يأتي أول امتحان، لتبدأ المتسلسلة الذرية التي تفضي بالطالب إلي هوة الفخ العميق ..
نعم، لقد وقعنا في الفخ .. فخ التراكمات اللعين، الذي يشعرك بعد أن كنت تذاكر أولاً بأول، يشعرك بأن الدنيا قد اسودت في وجهك، و أنه لا أمل في إنهاء هذا الكم الهائل، و الذي يزيده حجمًا اللهاث السريع للسادة أعضاء الهيئة الموقرة المعروفة بهيئة التدريس، فهم بفترضون فيك سرعة للمذاكرة كسرعة الفهد الصياد خلف فريسته، فيتنهون في أسبوع ما قد يستغرق فهمه، دون حفظه، أسبوعين، و لست أدعي أو أبالغ إذ قلت أنهم لا يرون هذا شيئًا عجيبًا أو غريبًا أو لا أخلاقيّ، بل يرون أننا المخطئون المهملون أولا الـ 60 × 70، و الذي لا بد أن نأخذ فوق رؤوسنا أكثر و أكثر ..
لقد وقعنا في الفخ، و صرنا فريسة للاكتئاب، الذي كان رفيقنا منذ البداية لا أنكر، لكنه لم يصل بأحدنا لدرجة أن يرغب في التحويل نهائيًا من الكلية و لو حتي لمعهد فني صحي – مع الاعتذار للمعهد، أو حتي للجحبم ذاته، في مقابل أن ينهوا هذا العذاب الذي يسمونه بهتانًا و زورًا تعليمًا ..
لقد وقعنا في الفخ لدرجة أن بعضنا، و أنا منهم، ذاكر أشياء للمرة الأولي قبل الامتحان بيومين أو ثلاثة – ليلة الامتحان يعني، و هو ما لم يكن يحدث و لم يكن ليحدث مع أي منا، و أتحدث هنا عن نفسي و عن المقربين مني، تحت أي ظرف من الظروف .. فهل ترون فخًا أسوأ من هذا لنقع فيه ؟
Final Destination
الذي رأوا سلسلة الأفلام هذه سيدركون لم اخترتها تعبيرًا و عنوانًا لمشهد النهاية، و حتي الذين لم يروها فلا بأس، الاسم مجرد من أي ارتباطات يكفي للمهمة ..
النهاية الحتمية لأي دراسة هي الامتحانات، و نحن نشذ عن القاعدة في أشياء كثيرة، لكننا نافظ علي ارتباطنا بأرض الواقع في مثل هذه النقاط، لأنها تعطي فرصة أكبر للزعط ..
في البداية، كان الجدول الذي وضعته الإدارة تبدأ في الامتحانات العملية في السادس من يناير و تنتهي بالنسبة لمجموعة في الثاني عشر، و بالنسبة لأخري في الرابع عشر، لتبدأ الامتحانات النظرية في السابع عشر من يناير، بادئين بمادة الأدوية حفظها الله و رعاها ..
المتأمل سيجد أن المجموعة التي ستنهي في الرابع عشر هي مجموعة مظلومة بكل المقاييس، لأن لديها يومان فقط، منهم يوم جمعة، لتراجع ما يقترب دون مبالغة من الأربعمائة صفحة تحوي ما لا يقل عن مائتين و خمسين دواء بكل ما يتعلق بهم من أعراض جانبية و موانع استخدام و استخدامات طبية و إلخ إلخ لخ لخ ..
احتججنا و رفعنا شكوي للعميد وقعنا عليها، و هي الشكوي التي كانت ستذهب لوكيل الكلية لشئون الطلاب، لولا نصيحة دكتورة محترمة – ليس في الأمر سخرية – بأن هذا الرجل، و تعني الوكيل، قد استوي منهم كلامًا و تلبيخًا في اجتماع أخير، و أنه ربما لن يتحمل المزيد، أو لنقل أنه سيماطل و يسوق، و هو الذي عرفنا عنه قبلاً أنه شخصية .. و لا بلاش ..
المهم استجابوا في النهاية لهذا المطلب، و هو تغيير الجدول، و إن كان التغيير مصحوبًا بجملة علي شاكلة "علي الله يطمر فيكم"، و كأنه منحة منه أن أحصل علي حقي في جدول يراعي آدميتي و يراعي الظروف المحيطة بكل مادة ..
الامتحانات نفسها دعونا لا نتذكرها، لأنها لم تكن بهذه اللذاذة .. كل ما أمكن أن أقوله إنه ابتداء من الأول علي الدفعة و انتهاء بأسوأ طالب فينا، لم نشعر كلنا إلا بهذا الشعور .. "في حاجة بتشوّك في الكرسي ده .. زي مايكون فيها خازوق"
و سلم لي ع التعليم ..
هناك تعليق واحد:
انا خلاااااااااااص... فقدت حتى القدرة على الشجب والاستنكار... فعلا
لقد وقعنا فى الفخ ..... وانا هنا باستلهم جملة عادل امام لما قال " احنا عبرنا ... وبعد ما عبرنا الحكومة فيّصت .... وبعد ما الحكومة فيّصت ... الشعب فيّص"..سلااام
إرسال تعليق