لست أدرك ما الذي دفعني لأكتب هذا ، و لست أدري ما الذي منحني الشجاعة لأكتبه .. و لأول مرة أكتب و بداخلي أمنية أن لا أتلقى ردا .. لأن أي رد قد يؤثر في ما أفكر به ، قد يدفع قاربي باتجاه احدى تلك الامواج المتلاطمة من الأفكار التي أخذت تملأ رأسي فجأة .. بل ربما اني أكتب هذا لأني بانتظار رد يؤنبني ، أو رد يساندني .. لست ادري شيئا سوى انني أكتب هذا الان .. أفرغ شيئا فشيئا مما يمتلأ به عقلي من أفكار ، أكتب و بداخلي هذا الشعور الذي يجعلك تريد أن تبكي .. لا بكاء ألم و لا بكاء حزن ، و حتما ليس بكاء فرح و سرور .. ذلك الشعور الذي يطغى عليك و يملأ نفسك فتبكي دون أن تدرك لم تبكي ، و لم ترتاح نفسك و تشعر بانك نزعت - و لو مؤقتا - عن نفسك رداءا كان يثقل كاهليك .. بداخلي هذا الشعور و يملأني ، و لكني لا أبكي .. أنا لم أبك منذ فترة طالت حتى نسيت ما البكاء و كيف هو ، لا أعرف لهذا سببا ، ربما لم أعد أستطيع أن أبكي لأن قلبي تحجر ، و لكن اذا كان تحجر فما هذا الشعور الذي يجتاحني بين حين و اخر فيزلزلني و يكاد يبلغ عيني .. و ربما عجزي عن البكاء لأدراكي أنني لم أعد ذلك الشخص النقي الذي كنت و الذي يتحمل من الدنيا أذاها حتى لا يجد سوى البكاء مفرا ، ربما عجزي عن البكاء ليس عجزا في حقيقته و انما عو عدم رغبة في البكاء ، لأنني ان بكيت فقد ضعفت .. و نفسي تنكر هذا الضعف و تأباه ، اما لأنها لا تزال على نحو ما تلك النفس جميلة الصفات التي عرفتها يوما ما فتخشى أن تضعف فتتحول عما هي عليه الى وحشية العالم الذي يحيط بها ، و اما ان هذا الضعف هو ندم عما أصبحت عليه بعد انقلابها الى أنانية مفرطة و تبلد احساس ، و هذا الندم سيذكرني بما كنت عليه فأعقد المقارنات بين هذا الذي كان و ذا الذي أصبحت عليه فيزيد ألمي ، بل ربما ليس هذا أو ذاك و لكني أرفض البكاء لكي أعاقب نفسي على ما أصبحت عليه ، فالبكاء راحة .. و ذلك الذي أصبحته من وجهة نظري لا يستحق تلك الراحة و الطمأنينة .. يزيدني التفكير ألما و أكاد أختنق ، يتزايد هذا الشعور بداخلي ، يجتاحني كاعصار يهدم ما بقي من اسوار بيني و بين تلك الدموع ، و لكن ما ان تترقرق عيناي بها حتى تتجمد فجأة أو تختفي .. يهيأ الي أحيانا أنها تمتنع ، و أحيانا أخرى أني أمتعها ، يعيدني هذا للحلقة التي كنت أدور بها ، أحاول الهرب لعالم أفتراضي أجده في مشاهدة مسلسل أو فيلم ما .. أو لعبة .. أتوه في هذا العالم ناسيا أو بالأحرى متناسيا ما أنا عليه حقا ، حتى اني أكاد أبتسم ، و اما أني أجدها هي أيضا تذبل قبل أن تبلغ شفتي ، أو أجد انها تصل مكذوبة ، غير حقيقية .. ليست في صوتها أو تأثيرها كما كانت ابتساماتي أو ضحكاتي تفعل من قبل .. لا أجدها تغسل روحي من ألامها فكأنما تشرق الشمس من جديد تنير نفسي و تجهزني لاستقبال جرعات جديدة من أحزان الحياة ، أيا كان ما يحدث فان الامر ينتهي بانكار هذه البسمة ، اما انكارها حق الوجود ، و اما انكار صدقها .. و اما انكار أحقيتي بها ، فأعود الى حيث كنت ، لنفس التساؤلات مع اختلاف بسيط و هو لم لا أضحك بدلا أن كان لم لا أبك ، أعجز؟ أرفض بداخلي؟ أعقاب لنفسي ؟ تتسارع الأفكار فلا أجد الا مهربا واحدا .. هو أن أدع كل هذا خلفي ، فلا أفكر فيه ، و أن أتعلم كيف أتظاهر ، أتظاهر بالضحك عندما يتطلب الموقف هذا ، و أتظاهر أيضا بالحزن عندما يكون الموقف حزينا .. مع الوقت أبرع في هذا التظاهر حتى اني أبدا بالتظاهر بمشاعر أخرى ، شيئا فشيئا أتحول الى انسان قادر على التعبير عن جميع المشاعر دون أن يشعر بها في الحقيقة ، و كأن لي مجموعة من الأقنعة ، كل يلائم موقفا .. أضعها عند الحاجة و أنزعها اذا ما انتهيت من حاجتي اليها ، يزداد الامر سوءا ، فبينما أستعمل هذه الاقنعة واحدا تلو الأخر ، أكتشف أني فقدت وجهي ، و أني حتى اذا حدث فيما ندر أن شعرت بشيء فلا أستطيع التعبير عنه ، فأضطر لأستعارة الاقنعة أستر بها وجهي ، أو بالأصح أستبدل بها وجهي الذي فقدت .. يزداد سخطي على ما وصلت اليه و على أقنعتي فتبدأ اقنعتي بالسخط على بدورها و الرحيل عني ، فأجد نفسي حتى و ان أحسست بشيء بما تبقى من ادميتي و استعرت قناعا لأعبر به عما أشعر به ، يزول القناع سريعا .. فربما قال صديق لي شيئا أضحكني و ابدأ بالضحك ، و فجأة تلتصق شفتاي و يتجمد وجهي و كانما تجمد ذلك الاحساس فجأة أو كانما سقط عني قناعي فاضحا اياي ، أمل ما أصبحت عليه ، و اذكر نفسي التي كنتها ، كالطفل البريء لا يغش و لا ينافق ، ما تراه الاعين هو انعكاس لما بداخلها .. يعود الشعور و يغمرني أكثر و تعود الدمعة تحاول ان تمر لتنهي صراعي فلا يحدث و أعود للتفكير ، و كأني أعيد ما كتبت ، و هكذا دواليك حتى أفكر أنه ماذا لو مت ، أتخيل ما سيقول الناس عني ، هل سيذكروني بالخير ، تجيبني نفسي بنعم و لا ، و كلاهما يزيدني رغبة في البكاء .. نعم تبكيني لأني أدرك في قرارة نفسي أنني لا أستحق بكاءهم ، و أني خدعت حتى أولئك الذين أحبوني و لطالما اهتموا لأمري بأقنعتي الزائفة .. أما لا فتبكيني لأني أدرك أني أستحق هذا العقاب على الطريق الذي سلكت لأنتهي بفقداني لي ، أريد أن أبكي ، و الموت أشد ما يبكي المرء ، فما بالك اذا كان موتي أنا .. ولكني لازلت لا أستطيع ، أحاول أن أتغاضى عن الأمر بالضحك فلا أستطيع ، أفكر مرة اخرى ، و اخرى ، و أخرى .. و بداخلي بكاء أبكم ، ونحيب صامت ، و دموع تموت قبل ميلادها ، و على وجهي بقايا أقنعة بالية قد افتضح أمرها .. لأنظر في المراة فلا أجد أحدا .. فأحزن و أبدأ مرة أخرى بالتفكير ..
23.9.10
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليق واحد:
إرسال تعليق