21.4.11

عزيزي ..


عزيزي
تحية طيبة و بعد،

في أغلب الأحوال لا أجد سواك يسمعني دون أن تفيض روحه اكتئابًا و معاناة، على الرغم من أنك تتضجر أحيانًا .. حقيقة أرى هذا من حقك؛ فما أرويه يثير الضجر بالفعل، و لكن ماذا عساي أن أفعل ؟!
اليوم أنا مدعو إلى حفل زفاف أحد أصدقائي .. ما ترتيبه ؟ أظنه العاشر .. عاشر عشرة أهنئه بزفافه و أصل ليلي بنهاري من أجل حضور الحفل، ثم أعود وحيدًا لذات المنزل الفارغ الكبير المترهل من حولي .. عاشر عشرة، أشهد على زفافه – لأنني أعز أصدقائه – مودعًا إياه القفص بيدي .. عاشر عشرة، و أنا ؟ لست أظنني الحادي عشر ..

نعم يا صديقي العزيز .. هذا ما أكتب من أجله .. لن أحدثك عن قطار العمر الذي يكاد يصل وجهته و لمّا يحمل راكبه الثاني بعد، و لن أحدثك عن شعور الوحدة الممض الذي أورثني شيئًا من انطواء مصاصي الدماء و المستذئبين .. لا، ليس هذا و لا ذاك، بل إن جُلّ ما سأكتب ليس سوى تحليل .. إنني أريد بحق أن أضع يدي على السبب، رغم أني أعرفه ..

أعرفه، لكنني لا أضع يدي عليه، كالذي يرى الجرح ظاهرًا واضحًا، لكنه لا يمد يده بالدواء أو التضميد، كأنه يتلذذ بالألم .. هل أنا كذلك ؟

أحد أولئك العشرة أخبرني بذلك صراحة في مرة من المرات، بينما كنا نتناقش سويًا عن سبب عدم لحاقي به .. قال إن بي لمحة ماسوشية لا مراء فيها .. يقول إنني أصلح، لكني لست أدري لماذا لا أرى في نفسي ذلك ؟
في لحظة من لحظات التأمل – و أولئك كُثر – حاولت تبرير هذا السلوك .. كل منا يحاول أن يصل إلى الاستقرار، تمامًا كالذرات التي تقاتل كي تدخل في تفاعل كيميائي تصل فيه إلى مرحلة الاستقرار الكيميائي، فلا تفقد طاقة و لا تستقبل .. نحن أيضًا كذلك، نحاول الوصول إلى تلك المرحلة، لكن كفاحنا أشد و أقسى بلا شك .. و نرى أنه من أجل خطوة كهذه فإننا يجب أن نستكمل ما ينقصنا .. تلك الأشياء الصغيرة التي نشعر بدونها أننا الأضعف على الإطلاق .. من أجل الاستقرار نحاول الوصول لحالة من الاكتمال ..
أنا أيضًا أقاتل ككافة البشر من أجل ذا، لكنني أرى أن بي نواقص عدة .. فوهات كتلك التي تصنعها النيازك إذ ترتطم بالكواكب لا فجوات و ثغرات صغيرة .. أو ربما هي مبالغة مني في تلك الصورة التي أرسمها لحالة الاكتمال التي أنشدها .. مبالغة تخرجها عن نطاق ما تسمح به قدرات البشر، لكنني أرى غيري يحقق ما يظنه الجميع فوق قدرات البشر، فماذا تسمي هذا ؟

قال لي أحدهم ذات مرة أن الأمر ليس بمشكلة، فلكل منا نقائص و نواقص، و لولا ذا لما شُرع الزواج، فبه يستكمل المرء شيئًا كثيرًا مما يفتقده، لكن الأمر ليس أني لا أجد تلك التي يمكنها أن تملأ تلك الفجوات، بل لست أظنني أجد واحدة ترضى بشخص مهترئ هذا الاهتراء ..

ربما تتهمني بالمبالغة، و هي صفة لست أنكرها، و لست أنكر – و لايمكنني – أنها أنقذتني عدة مرات، رغم أنها أوقعتني مرات أخر، و تبدو ورطتي هذه أطولهم و أكبرهم ..
أعرف أنك ستتهمني بالمبالغة لأنني فعلت هذا قبلك .. ربما لست الصورة التي يرسمنها في مخيلاتهن، لكنني أراهنُ دومًا على جمال الباطن .. لست أريد جمالاً في المظهر و فراغًا في الجوهر، و لئن كنت قد حرمت شيئًا من جمال المظهر، فإنني أدرك تمامًا أن الله منحني من الجوهر ما أعيش به راضيًا عما فقدت ..
لكنني لا يمكن أن أنكر في الوقت ذاته أنه ما من اثنان ينجذبان إلا و كان المظهر عاملاً مهمًا .. أولئك اللائي و الذين يستطيعون التضحية بالمظهر من أجل الجوهر هم قلة .. قلة مندسة لم أقابل منهم إلا واحدًا و واحدة، و هي نسبة لست أراها كبيرة مقارنة بعدد من أعرف .. الأمر ليس مظهرًا فحسب، فأنا أخلع كلمة المظهر هذه على كل ما يشمله كياني .. ملامح، و تصرفات، و تعبيرات و اصطلاحات .. أرى دومًا رصيدي صفرًا من كل هذا، أو هو يقترب منه ..

أدرك كل هذا و أدرك أنني أثقل على نفسي .. فهذا خلق الله، و هو – حتمًا – أعدل العادلين، لكن المشكلة ليست مشكلة مجردة تتمثل مظاهرها في شرخ – بسيطًا كان أم كبيرًا .. المشكلة تكمن في صاحب هذا المظهر الذي يضعه كجبل من جرانيت أمام أي فرصة، أرآها هو أم رآها له غيره، أو ارتآها الطرف المقابل ..

أنت تدرك أكثر من غيرك أن هذه الرسالة تأخرت أشهر، و أنني قد انتويت كتابتها منذ أن ودعت صديقي السابع، لكنني تأخرت .. ربما يضاف ترددي لجملة ما يعوق خطوة هامة كهذه، و هو ما أعزوه في النهاية إلى شعوري العام بالاهتراء الذي أسلفت ذكره ..

حسنًا .. بعد كل هذا يجب أن اسأل نفسي، و أظن أنك مثلي: و ماذا بعد ؟ هل توصلت إلى شيء بعد كل هذا ؟!
الحق، و الحق أقول، إنني لم أكتب شيئًا من هذا كي أصل لأي شيء .. رغم إدعائي في البداية أنني أريد أن أضع يدي على السبب، كي أكتشف الوسيلة .. من الممكن أن تسمي ما سبق "تفريغ شحنات"، مثلما يحدث عندما تبرق السماء .. ماذا أريد من ورائه ؟ غالبًا لا شيء ..

أكرر أسفي إذ سببت لك صداعًا بلا داع، و بلا هدف، لكن الأكيد أنك - مثلي - قد فرغت شيئًا مما بداخلك؛ يا عزيزي ..






ليست هناك تعليقات:

Related Posts with Thumbnails
 
Share
ShareSidebar