في هدوء وقف (ماهيم) متطلعًا إلي الجموع الغفيرة أمامه، ثم تكلم بصوت مهيب:
- و من خلف النجوم و السدم .. من وراء الأكوان التي تبعد آلاف الأميال .. من حيث سلالة عظيمة لملوك عظام جاء (آهيشان) .. ملك من النجم الفضي اللامع الذي يظهر كل ليلة خلف السحب إيذانًا ببدء الليل جاء ليحرر الناس من الطغيان .. من الظلم و الجشع .. من الجور و الظلام .. ملكٌ ..
تطلع إلي الجمع في هدوء فيما أخذت (فينسا) تغني بصوت ملائكي عذب كأنه لا يخرج من حنجرتها بل من قلبها مبائرة دون حواجز:
- " من له القدرة أن يقول ماذا سيكون ؟
من يستطيع أن يروي المستقبل أو المكنون ؟
هي السنون .. فقط السنون ..
من سيقول أن الملك سيكون ؟
أو أن الصعاليك أبدًا محترقون ؟
أو أن الظلام يدوم ..
بغير نهار يجلوه ؟
من له القدرة أن يقول ماذا سيكون ؟
من يستطيع أن يروي المستقبل أو المكنون ؟
هي السنون .. فقط السنون ..
ملك من وراء النجوم ..
سدم و أكوان و غيوم ..
و سيف كمطرقة (الجليهوم) ..
هو الذي قالوا عنه ..
و رووا في الأساطير كنهه ..
و هو الذي ..
سيكون علي يديه نهاية البوم ..
من له القدرة أن يقول ماذا سيكون ؟
من يستطيع أن يروي المستقبل أو المكنون ؟
هي السنون .. فقط السنون .. "
تابع (ماهيم):
- بسيف كمطرقة الجليهوم ذي الرؤوس العشرة و البطن التي تبتلع الجبال بلا هوادة .. و بإرادة كأنها سيفه قادهم .. كان شعبًا ضعيفًا مستضعفًا، ذليلاً مستذلاً، خانعًا خاضعًا، جائعًا لا عني في الحاة سوي بطعام اليوم و الليلة .. أرهقه الحكام بكثرة الضرائب و الرسوم .. و أرهق هو نفسه بكثرة الخضوع و الخنوع و السكون للذل .. لم ينتفض .. لم تحرك .. لم يتزحزح عن خانة الخادم الأمين فتراكم فوقه تراب الذل أكوامًا .. قادهم ..
لملم أنفاسه و تابع:
- قادهم نحو نصر عظيم .. لم تكن المهمة سهلة، لكنها تليق بملك أتي من حيث آلهة القدماء و آل علي نفسه إلا أن يحرر النور من الظلام .. كانت الخطوة الأولي أن ينظمهم .. كانوا كالهمج يفتقرون إلي كل شيء من مقومات الحضارة .. لكن ليست الحضارة ما يحتاجه الشعب حتي يقوم و ينهض، إن الإيمان بنفسه أهم ألف مرة .. و هذا ما فعله (آهيشان) ..
و تابع (ماهيم)، بينما الحضور يستمعون في شغف ..
كانوا ممن يطلق عليهم النبلاء (الغوغاء)، لكن نظرة واحدة تجعلك تدرك أن الغوغائية هي أبعد ما يكون عنهم .. إنه الفقر لا غير هو ما جعلهم بهذه الحال المزرية .. شخص كـ (ماهيم) لم يكن ليخرج أبدًا من رحم حفنة من الغوغاء .. .. شخص كـ (ماهيم) له مثل موهبته و حكاياته التي لا تنتهي، و التي لم تكن أبدًا مجرد حكايات، بل مواعظ كأنها تخرج من فم أحكم الحكماء .. .. شخص كـ (ماهيم) لم يكن ليخرج من بين هؤلاء إن كانوا حقًا غوغاء ..
امرأة كـ (فينسا) بصوتها الملائكي، هي أشبه بسندريلا وسط هذا الجمع الغفير ..
لا .. لا يمكن أن نقول عنهم (غوغاء) بتلك البساطة .. إنها ألفاظ من يظلم، كي يريح نفسه من عذاب ضميره الذي مات بالفعل ..
إنه الفقر و الحاجة و لا غيرهما .. الفقر و الحاجة اللذان جعلا من هؤلاء الناس كما هم .. و اللذان سيجعلا انفجارهم مدمرًا بحق ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق