4.7.09

استرجل !



لم أضع هذا الإعلان المستفز جدًا جدًا جدًا لأنني معجب به، لا سمح الله، بل لأنه فاتحة هذا الحديث، و لا أقول أحد أسبابه ..
ببساطة شديدة و كأنه أمر غير ذي بال، وصمني - و كثيرين معي - هذا الإعلان و إخوانه بأننا "مش رجالة"، لأننا ببساطة لا نشرب هذا الشامبو المعبأ في صفائح، رغم أن البعض قد يكون مبرره هو أنه لا يستسيغ طعم شراب الشعير، و لو أنني لا أشربه لسبب آخر، هو أنني لا أثق البتة في جملة "خال من الكحول" المكتوبة عليه، خصوصًا في بلد كمصرنا المهروسة، يبيع فيها الجزارون لحوم حيوانات نافقة و مسمومة و مذبوحة على غير الشريعة الإسلامية و مريضة على أنها لحوم درجة أولى فاخرة .. بالمناسبة، هذه اللحوم هي اللحوم المجمدة و المصنعة – كاللانشون و البسطرمة – و لا يستطيع أحد أن يقول إنه لم يقربها في حياته بدعوى أنه يأكل لحومًا بلدية طازجة، لأن تسعين بالمائة من المطاعم و الفنادق تعتمد عليها في وجباتها ..

على كل ليس هذا موضوعنا .. لن أقول من أعطى هذا الرجل الحق أن يصمني بهذه النقيصة، أو من أعطاه الحق ليقرر شيئًا كهذا، أو .. أو .. لن أقول شيئًا من هذا، لكنني سأتساءل و إياكم: ما هي الرجولة حقًا ؟
أعلم أن حديثي سيبدو مملاً و مكررًا و معادًا، و أنها المرة الألف التي تسمع فيها الحديث ذاته .. إذا رأيته كذلك، فلا أقل من أن تعتبره من قبيل "و ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين"، و ثق أنك لن تخرج صفر اليدين ..

يخلط الكثير منا بين الذكورة و الرجولة .. الذكر هو الكائن الحي الذي يحمل الأعضاء التناسلية المذكرة، و هي في حالتنا كبشر القضيب و الخصيتان و ما خفي في جوف الإنسان من باقي الأعضاء، و ما يستتبع ذلك من مظاهر ثانوية، كنمو الشعر و العضلات و ما شابه .. هذا هو الذكر، لكن الرجل شيء آخر ..
الرجل هو الشخص القادر على تحمل مسئولية، بكل ما تعنيه كلمة مسئولية من معنى .. و رغم أن التعريف جاء بصيغة المذكر، لكن صفة الرجولة قد تنطبق على النساء أيضًا، و هنا مربط الفرس، الذي يجعلنا لا نخلط بين الذكورة و الرجولة ..

سيدة كأم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، هل يمكن أن تصف وقوفها إلى جانب زوجها النبي محمد صلى الله عليه و سلم، و مؤازرتها إياه، و التخفيف عنه .. هل يمكن أن تصف هذا بشيء غير أنها رجولة و تحمل لمسئولية عظيمة ؟ .. هي في هذا الموقف الجليل ليست برجل واحد، بل بألف رجل ..
سيدة كشجر الدر، وقل فيها ما تشاء، هل يمكن أن تصف إدارتها الحرب و قد مات السلطان قائد الجيش و الكر و الفر على أشده، و محاولتها لم شمل المسلمين و حماية جيشهم من انفراط عقده و ضياع هيبته .. هل يمكن أن تصف هذا بشيء غير أنها رجولة و تحمل لمسئولية عظيمة ؟ .. هي في هذا الموقف الجليل ليست برجل واحد، بل بألف رجل ..

الأمثلة كثيرة، لا يحتويها حديث كحديثي .. هؤلاء كنّ رجالاً لا لأنهن ارتدين سراويل تعتنق مذهب "حوش اللي وقع منك"، أو سلاسل تعلق في رقابهن كرخصة الكلب، أو لأنهن يدخنّ اللفافة تلو الأخرى كمحرقة نفايات طبية، أو لأنهن يشربن هذا أو ذاك .. كن رجالاً لأنهن تحملن المسئولية ..

قل لي بالله عليك أين هي المسئولية التي تحمل همها و أنت تسير في الطرقات كالحيران التائه، تخرج من شارع إلى آخر إلى ثالث .. تتسكع .. تتسكع و تجرع "بيريل" أو "ريد بول" - من الخمور المقنعة التي يكتبون عليها "خالي من الكحول" بينما هي مصنفة في الأساس على أنها "بيرة قليلة الكحول" - أو ربما "سقارة" و أخواتها من الخمور الصريحة .. تتسكع و تدخن كأنك جذوة فحم .. تتسكع و يد في الهواء تشير بها و يدك الأخرى على سروالك مخافة سقوطه .. هذا يا عزيزي هروب من المسئولية، و هروب من الدنيا و من كل شيء ..
نعم .. أعرف أن الدنيا في زمننا هذا، و في مستقبل الأيام التي نراها بعيوننا الضالة المتشائمة هي كالقبر المظلم، و بعيون المتفائلين منا كطريق طويل جدًا قد ينتهي بشعاع نور .. أعرف هذا، و لست أكذب عليك و أدعي غيره، لكن الدنيا لن تتغير من تلقاء نفسها، و لن يغيرها إلى ما تريد إلا أنت، فغيرك يعمل لنفسه، و ليس لديه وقت ليوفر لك راحة لم تعمل أنت من أجلها ..

لست أقصد بهذا الحديث هذا المشروب السخيف "بيريل"، و حملته الإعلانية الأكثر من وقحة و مستفزة، وحده، لكنني أعني نمطًا من التفكير أصبح سائدًا و ينتشر بقوة منذ فترة .. هو نمط يفرغ الرجولة من كل معنى لها و يختصرها في مظاهر كاذبة، تجعل الواحد منا يظن نفسه فتى الفتيان و سليل الفرسان لأنه التزم بهذه المظاهر، بينما هو في الواقع يفرغ نفسه من مضمونها شيئًا فشيئًا ..

لست من عشاق نظرية المؤامرة، لأنني أراها هروبًا من الواقع و إلقاءّ باللوم على غيرنا كي يرتاح البال و الخاطر، و لا ينغص حياتَنا تقصيرُنا، لكن الأمر يستحق هذه المرة .. ألق نظرة على هذا الجمع الغفير من الشباب "المسترجل"، و قل لي بالضبط متى قال لا في وجه ظالم، أيًا كان هذا الظالم ؟ .. لا تجعلنا نعقد الأمور و نذهب بالمسألة لمستويات عالية من المسئولية ..قل لي متى صنع معروفًا لنفسه أو لغيره، بحيث يذكره أحدهم – أيًا كان هذا الـ"أحدهم" – بخير ؟ .. متى غيّر، متى طور و حدث ؟ متى نصح أحدًا بخير ؟

لست من عشاق نظرية المؤامرة، لكن الأمر يبدو كما لو كان حملة منظمة لإبعاد الشباب عن الحياة، و إدخالهم في غياهب الجب و ظلمات التيه، كي يرتع من أراد فسادًا و يمرح، و يظل من أراد على كرسيه ما شاء، لا يجد هذا أو ذاك رادعًا، و يدًا قويًا تلطمه على صدغه جزاءً وفاقًا ..

أعلم أن هؤلاء قد لا يكونون على هذه الدرجة من السوء، و فيهم أناس أعرفهم، لكنهم ينحدرون نحو الهوة ببطء، و لكن بثبات ..
أيها السادة "المسترجلون" في كل بقاع الأرض: إذا كنتم تعنون بالرجولة الذكورة، فاخلعوا ملابسكم و أرونا الدليل، أما إذا كانت الرجولة هي المرادف المنطقي للمسئولية، فأنتم بلا شك قد ضللتم الطريق ..





هناك تعليقان (2):

Unknown يقول...

الصدر حلو ..بس مش صدرك.....
شخصية البنت اخر حاجة تعلق عليها ...
الاسبراى يترش بس تحت باطك........
والخ والخ والخ...........
استفزاز..وانحطاط...وقلة ادب وقلة قيمة ...اين جهاز حماية المستهلك الذى يصدعون ادمغتنا به؟؟؟....
ام ان الامر متروك لذوق الجمهور وقدرته على نبذ مثل هذا النوع من الاسفاف ؟؟
!!!!!!!!!!!!!!!!
اما نشوف

SKOBL- Little Lazy Me يقول...

و الله قلت فأوجزت و ابلغت و أجدت .. مش عارف أقول ايه تاني ، احنا فعلا عندنا أزمة في فهم معنى الرجولة .. أنا دايما بافتكر حوار موجود ببشاعة في مصر .. لما حد يقول للتاني انه مش راجل ، يرد عليه بمنتهى قلة الادب و يقوله :تحب اوريك ، ياريت يورينا و يعمل راجل ، نفسي اشوف رجالة حوالينا .. و اذا كان ربنا بيكتب للانسان يكون ذكر أو أنثى .. الانسان بيختار يكون راجل ولا لأ ..

و للرجال جميع التحيات

Related Posts with Thumbnails
 
Share
ShareSidebar