27.5.11

كلام بجــح

ده اللي ممكن بعض القراء الأعزاء يقولوه في النهاية .. بس بصراحة أنا كاتم في نفسي و معبي من زمان ، فقلت أخلص نفسي .. الموضوع ثورة 25 يناير كلها على بعضها .. يتهيألي التمجيد و المديح فيها اتقال كفاية .. و لازم حد يطلع يشتم شويتين و يتشتم، علما بأن أنا كنت من المتحمسين جدا للثورة بس أنا حاقف عند مواقف صغيرة كده و أقول رأيي و أخلع قبل ما أنضرب

الموقف الأول : ساعة لما أعلنوا ان صاحبنا تنحى ، وطلع عمر سليمان مدلدل و مكبوس .. أنا كنت ساعتها في المنشية و سمعنا هوجة من شارع جانبي .. الأول افتكرناهم بلطجية ، و بعدين لقيت الناس اتلموا حوالين محل بقالة كان عنده تلفزيون- الحتة دي بتفكرني بالراديو اللي كان بيبقى في القهاوي زمان - و بعدين الناس كلها تجري و تصرخ من الفرحة و أنا أولهم .. كنت بجد فرحان لأن الريس المخلوع - باحب الكلمتين دول على بعض أوي - كان حسسنا أنه خلاص طلعلنا في البخت في أخر شكلاتاية في العلبة. هنا حصل موقفين وسط الأفراح اللي انتصبت .. الأول لما لقيت الناس بتقول " أوووووه .. خلعوا حسني " رحت عامل فيها زلوطة الأقرع ووقفت قلتلهم كده غلط ..قولوا "" أوووووه .. خلعنا حسني " ، لأن احنا اللي خلعناه مش الجيش .. رد راجل كبير كده في الخمسينات ، يا عم الجيش هو اللي شاله ، هنا بقى الراجل نرفزني بجد .. و دي كانت المرة اللي تأكدت فيها من نظرية التقديس .. و الموقف ده حارجعله لما نرجع لقضية الجيش
الموقف التاني في نفس التوقيت .. ان اختي اللي متغربة كلمتني و قالتلي ايه اللي انتوا بتعملوه ده .. الناس فرحانه ليه ، هما كانوا نزلوا اساسا عشان يشيلوا حسني ولا يحققوا طلباتهم .. بصراحة حسيت ان أختي قاسية ع الناس شويتين لكني رديت عليها ان الناس فرحانين بس لأن اللزق اتفك و صاحبنا غار .. لكن أكيد هما مدركين ان الثورة لسه ما نجحتش .. ولللأسف طلعت أنا اللي غلطان و أختي صح

الموقف الثاني : انتظارنا لتصريحات الجيش و اللي بدأت أحس منها بتلاعب بالكلمات - جايز لأنني أنا أساسا شاطر في اللعبة دي - ووعود مؤجلة و خلافه ، في نفس الوقت اللي لقيت الناس فيه فريقين كبار أوي .. الأول مطمئن تماما لنزاهة الجيش ، و معتبر ان الجيش الأب الروحي للثورة و القائد و الزعيم و المضحي .. و الثاني بيقول - والله أعلم مدى الصحة من الخطأ - ان الجيش ناسه الكبيرة كانوا زيهم زي النظام واكلين شاربين متظبطين .. و ان هما من أفسد مؤسسات مصر داخليا و ان فيهم العبر لكن .. مالناش غير الجيش دلوقتي و مثيله من هذا الكلام .. المهم اني حاولت أفرض وجهة نظري أو على الأقل أعرضها و قلت ان المثل قال حرص ولا تخونش وقلت اننا حطمنا كل أصنامنا و استبدلناهم بصنم الجيش المقدس - نظرية التقديس - وقلت ان الجيش ما كانش حامي حمى الثورة ولا نيلة ، بل انني لما ركزت شوية لقيت ان الجيش كان أكتر المواقف حيادية .. و فضل ماسك العصاية من النص لأخر وقت - لحد جمعة التنحي قبل الصلاة كان بيقولنا اقبلوا و اقعدوا - لحد يعني أما اتطمن وحط في بطنه بطيختين تلاته ان الشعب هو اللي حايكسب المعركة دي .. خصوصا وان تصريحات الجيش كانت موازية تماما للموقف الأمريكي - وده مش اتهام بالعماله لكن توضيح لنقطتين مهمين أولهم ان الجيش لعب اللعبة صح زي أمريكا ما لعبتها صح بس االفرق ان نصيب الجيش عندنا يسمح بينما رصيد أمركا يقع تحت فئة المدين بل و المتهم ، النقطة التانية اننا لازم ننتبه ان السياسيين في مصر كانوا حريصين على عدم اغضاب البيت الأبيض ، مش لأن أمريكا كانت ع الباب ولا حاجة - أساسا أمريكا النهارده ماتقدرش تدخل حرب عسكرية نهائيا - لكن لأننا ولمؤاخذة - رغم هرمنا و تاريخنا اللي بالكام ألف و كل الخيال العلمي اللي حافظينه صم ده و اللي كنا بنحشي بيه اجاباتنا في امتحانات الدراسات - عايشين شحاتين و مش عارفين حتى نأكل نفسنا .. المهم انني لقيت الردود من نوعية اني مخون الجيش زيادة عن اللزوم ، وانني عاوز الناس تعمل التحام مع الجيش و ان و ان ، حاولت أشرحلهم بس ان المثل قال حرص ، ماحدش سمع قلت أزود الجرعة و قلت ان الجيش ما ضربش فينا مش عشان كرم أصله بل اسببين ، أولهم انه خاف من الانقسام جواه لأن الجيش و المجندين مش متعودين انه يضرب في ابن بلده زي بتاع الشرطه وده اللي كان باين في خبر صغنون ماحدش عبره لما اتقال ان حسني مبارك طلب فض الاعتصامات بالقوة لكن الجيش انقسم فأعلن انه لن يتدخل " معنى كده ان كان فيه ناس عايزة تضرب جوه القيادة بتاعة الجيش ، و الدليل على كده انني سمعت من ناس كتير جدا ان صحابهم في الجيش قالولهم احنا لو كان اتقالنا اضرب ، كنت حاضرب .. ما تنساش برضه ان الريس المخلوع كان ابن الجيش وان مش سهل عليهم الناس تقوللهم احنا عايزينها مدنية، أما السبب التاني فلأن لو حصل التحام بين الشعب و الجيش .. كانت النتيجة غالبا قمع الثورة لكن على حساب خساير كبيرة جدا في الجيش .. ولس فاكر كلمة الراجل المحلل العسكري اللي قال كلمتين ما طلعهوش بعدها خالص .. قالك الدبابة و لا المدرعة حتهد عمارة بس في 5 ولا6 عماير حتحدفهم بنابالم و يضربوا فيهم ، يعني الجيش كان حيخسر أكتر بكتير من رصيده عندنا .. المهم اتهاجمت شوية و بعدين زهقت من كتر الجدال و قررت أني التزم الصمت و أكتفي بالمشاهدة

الموقف التالت : و هي الايمان الراسخ ان أمريكا و اشرائيل و الغرب العظيم شعوب قاهرة قادرة ، و ان لو أميركا عايزة تدخل مصر حاصحى الأاقي تلات أربع أمريكان عندنا في الشقة .. وده كان دليل تاني- غير تقديس الجيش و نسب الفضل اليه - ان المصريين لسه ما أدركوش انهم هما اللي ثاروا ، و ان قوة الشعب فوق قوة أي حد .. ماحدش كان متصور مده جبروت الشعب ساعتها ، لدرجة ان ماحدش ساعتها صدقني لما قلت ان أمريكا غير قادرة اقتصاديا على القيام بأي هجوم عسكري ، لأن و لمواخذة المواطن الأمريكي اللي هناك واللي عارف مدى قوته و انه هو اللي بيحكم ، مش حايسمح يروحوا يضيعوا فلوسه على حرب و هما اقتصادهم كان واقع .. بس برضه الأفلام كلت مخ العيال و الناس كانت متخيلة الكوماندوز حييجوا يروقونا بعلقة و يربونا

الموقف الرابع: والمرحلة التانيه للتقديس هو تقديس الثورة بكل ما فيها - و ما تنسوش ان الثورة كل ده ما حققتش مطالبها أساسا - فالشباب بقوا أبطال ، و الناس بقت رموز ، والشعرا هجموا على الثورة يستغلوها في زيادة رصيدهم حتى و ان كان في صورة تريقة على استغلالها لدرجة اني لقيت اعلان عن حظاظة التحرير ، و لقيتلك الناس كلها بقت شهدا - و مع كامل احترامي للشهدا بجد - لكن البلطجية اللي ماتوا وهما بيثبتوا الناس ولا بيسرقوا ولا بيهجموا على القسم عشان يحرقوه - ودي قضيه و حكاية عايازالها عشرين مرة لوحدها لكن موجزها ان الشرطة مخطأة لأن رصيد ظلمها عند الشعب كان كبر أوي ، و لأنهم هربوا المساجين و سابوا الاقسام في توقيت واحد و غيره ، بينما الشعب مخطيء لأن مافيش أي مبرر انه يروح يولع في الأقسام و يموت الشرطه ، مش الديمقراطية اللي احنا بننادي بيها برضه فيها اعتبار للقانون - المهم ان لا اللي قلتهم قبل كده ولا اللي نازل يعاكس بنات في التحرير ، ولا اللي نازل عشان يبان انه كوول ، ماهو كل صحابي نازلين .. ولا واحد من دول للأسف شهيد .. الشهيد اللي نزل التحرير أو أي مكان تاني و مات مدافعا عن ماله و عرضه و دمه .. نقطة صعبة بس هي دي الحقيقة اللي لازم نعرفها ونقف عندها

الموقف الخامس: مولد كلمة الاسلاميين .. و بصراحة أنا ياخي مش قابل الكلمة .. ما أنا مسلم بس مش تبع أي حد ، و بهدين مالهم الاسلاميين ، مش جزء من البلد دي ، لو انت خايف من سيطتهم نافسهم .. ولا انت قاعد تشتكي فيهم و تشتم - ودي نرجعلها في الموقف السادس- و تقول ليهم أرضية و شعبية ، ماهم كانوا زيك زيهم مقروفين و ممنوعين من السياسة .. الفرق لما اتفتحلهم الباب اشتغلوا بايديهم و سنانهم و انت قعدت تقول بص بيشتغلوا ازاي عايزين يمسكوا البلد ، ما يمسكوا البلد لو هي دي ارادة الاغلبية ، هما ولا غيرهم .. انا ما عنديش مانع ان حتى واحد من فلول الوطني ينجح بنزاهة لمجلس الشعب ، لأن معناها ان الناس عندها ثقة و أمل فيه كفاية انهم يتغاضوا عن كونه محسوب على النظام السابق .. ما تنزل و تشتغل ، يقوللك المدة مش كفاية ، طب مانت عمال بتضيع في الوقت ، أنا واحد من اللي قالوا لأ ، لكن لما النتيجة جت نعم مافتحتش بقي ، الناس اختارت و أنا معاهم .. مش هي دي الديمقراطية اللي نزلنا نعيط و ننادي عليها ، ولا احنا بقى بننقي خيار .. مثلا لو عمرو موسى كسب الانتخابات الرئاسية - أنا حابقى حزيين جدا - بس الناس اختارت فمش حانطق بكلمة .. يبقى انت النهارده عمال تقوللي اسلاميين و اخوان و سلف و مقضيينها شتايم في بعض و معارك فيسبوك بدل ما تنزل تعرف الناس بفكرك و تعملك قاعدة ، لو ما نفعتكش الدورة دي تنفعك الجاية ..و أنا بقولها أنا مش فارق معياي مين يوصل لمجلس الشعب مادامت الناس اختارته - حتى لو لسه نضجنا السياسي بسيط و لسه المواطن الغلبان حاينتخب فلان عشان كبير عيلته قال له ولا عشان خدله مية ولا ميتين جنيه- ده اختيار الناس ، ولو في تشريع و قانون و حساب صح ، اللي يغلط من اي تيار سياسي حايتحاسب و الناس شوية شوية حاتتعلم ازاي تنقي ، يبقى ما تقوليش ان الاخوان و السلف حياكلوا البلد ، انزل و اعمل شغل و انت ممكن تغلبهم ، و بصراحة كون الناس دي قالت حاننزل في 50 % ده كرم منهم و حفاظ منهم على نسيج الشعب ، و أرجع , أقول أنا مش بادافع عن أي تيار ، فالاخوان و السلف - كغيرهم - لهم من الأخطاء الكثير ، لكن أنا باتكلم عن الديمقراطية و الشغل الصح والكلام اللي المفروض يتعمل

الموقف السادس : الثورة خسرت البلد ،و البلد بتنهار و حلو يا حلو .. و بعدين؟؟ أولا لازم نفهم ان أي ثورة ليها خساير اقتصادية ، مش معنى اننا خسرنا كام مليار ولا قفلنا كام مصنع يبقى الثورة بوظت البلد ، اتخيل بيتك نليان تراب وبتكنسه ، حاتشملك شوية تراب و بعدين البيت حيروق و يبقى فلة .. احنا بنكنس بلد بحالها مش بيت ، و بتشيل نظام بمخلفاته مش تراب ، بعدين تيجي بقى أقولك ايه اللي بيخرب البلد ، مش حاقول المطالب الفئوية لكن حاقول السلوك العام .. قصدي ايه ، قصدي ان المطالب الفئوية في أغلب الأوقات كانت مشروعة جدا - و ان اعترضت على بعض أساليب الطلب زي تعطيل المواصلات و خلافه- و في ناس كانت بجد مظلومة .. مشكورة الحكومة عملت اللي تقدر عليه ، بس حد وقف و سأل نفسه السؤال ده ، الحكومة حاتجيب من فين؟ تكونش ليها عمة ماتت في كندا مثلا؟ اه الفلوس بطلت تتسرق بس سعادتك بطلت تشتغل فبدل ما الفلوس تيجي و تتسرق ، سعادتك ضيعتها .. بدل ما تشتغل أكتر و تنتج - وما عادلكش حجة ، المليم دلوقتي بيرجع للبلد و ليك- قعدت - بعد ماخدت حقك و انتفذت مطالبك - على المكتب ، تزوغ و تيجي متأخر زي زمان بل يمكن أسوأ ، ماهو مديرك خايف يكلمك لا تطلعه مختلس ولا حرامي ولا تفتش وراه .. و ترجع تقوللي الاقتصاد و البلد ، بالذمة ما اتكسفتش لما سمعت ان اليابانيين عوضوا كل خسايرهم عشان كل واحد ياباني استرجل و اشتغل ساعتين مجانا ، و انت بعد ما رفعولك مرتبك و دلعوك لسه مافيش دم و مش بتشتغل ، اصل خد بالك انت ما نزلتش الثورة لا عشان مصر ولا تراب مصر و لا اهراماتها ولا الكلام العبيط ده ، انت نزلت عشان عايز تعيش مبسوط و مرتاح ، تعرف تربي العيال من غير ما تشتغل حمار في ساقية ، و تعرف تنبسط في بلدك و سط أمك و ابوك ، مش تسافر بلاد الناس لمجرد انك نفسك تعرف البني ادم ده بيعاملوه ازاي .. هي هي نفس القضية ، الاحزاب كلها لا بتشتغل ولا نيلة ، ولا بتبذل أي مجهود ، و قاعدة تقوللك الاسلاميين حياكلوا البلد و يقطعوا ايدينا و يحرموا المكرونة البشامل .. ما تنزل تشتغل و تتعب و توصل رأيك للناس ، مش جايز واحد فكرته زي فكرتك بالظبط بس مش متخيل ان في حد زيه في البد دي؟ ..

الموقف السابع : الشخصنة .. ده بقى اسلوب زفت و بأكرهه جدا .. احنا عايزين نذم في الثورة ، نمسك البرادعي نخليه خمورجي و عميل ، و الواد وائل ماسوني ،و حنكش ده كان ماشي مع النظام و غيره و عيره ،و الحقيقة ربنا سترها و معظم الناس فهمت اللعبة دي ، لكن في مصيبة اننا بقينا بنشخصن كل حاجة و ندمجها ببلوة منيلة تانية هي جلد الرموز .. ازاي؟ نبص كده .. السلفيين .. نشوفلنا شيخ بيحب يهزر و لسانه بيفلت منه و نشيرله كام فيديو و السلفيين اهم ، بتوع البرادعي و التغيير .. ده عميل أمريكاني اسرائيلي مريخي مشترك .. اخوان .. صبحي صالح وفر علينا كتير بصراحة .. ليبراليين .. علمانيين .. و خلافه ، و بكده تحولت مصر الي فرق تدافع عن نفسها بالهجوم على الأخرين .. و اللي بيدافع ما يجيبش جون يا بلد ، أمال ايه حكاية الجلد دي .. اقولك أنا فلان الفلاني ده راجل زي الفل و تاريخه مشرف ، يغلط علطة واحدة بكلمة واحدة تزعل طرف واحد .. تقوم الدنيا ما تقعدش و يبقى رجل حلوف من ثلاثي القرنيات و نشتم فيه و نخلي و نسوي .. أمثلة كتير .. أخرهم المعتز بالله .. طب تيجي أقولك حاجة .. تعالى نتفق ان البشر بيخطئوا و ان حتى انت بتغلط ، تعالى نتفق على حاجة تانية ، ان البد منيلة و اي حد في اي منصب بيتعب فعلا و طالع عينه .. حاجة تالته .. اهل السياسة مكارين يعني بيعرفوا ينقوا الكلام ، فلما يغلط في كلمة ولا تصريح يبقى الرجل مش مركز ، طب مش مركز ليه؟ علشان دماغه مشغولة بحال البلد .. يبقى تمام أوي .. ما يتكلم و يعك راحته مادام بيشتغل و شغله الكويس باين و منور .. حاجة رابعة .. رجاءا .. ما تحكمش على المواقف من أشخاص لأننا حاننتهي لتقديس البعض و تحقير البعض الاخر ، بس اوعى تحكم على الاشخاص من المواقف .. لأن كل واحد ليه مواقف حلوة و مواقف وحشة ، و موازين الناس بتتختلف حسب أولوياتهم .. أما أعمل ايه بقى ان شاء الله؟؟ تسألني أقولك في كل خلاف أو قضية شوف أراء الكل من غير ما تحط اعتبار لمين اللي بتكلم ، اوزن الكلام ده كله كده في دماغك و قيمه ، و بعدين قيفه على حسب قناعاتك و قول رأيك .. مش جايز عدت ع الشيخ المرادي و لقطها العلماني؟ و مش جايز العلمياني من قلقه جانبه الصواب؟ مافيش حد دايما مواقه صح .. بس دايما في موقف صح.. وصل المراد ولا؟

الموقف الأخير : لما الدنيا كانت بدأت تقفل في وشي ، ايام لما خدت قرار انني حابطل أتكلم في السياسة و اسيب الناس تجرب و تتعلم - و ممكن كان رأيي غلط فأبقى أنا اللي أجرب و أتعلم - واحد قاللي كلمة مضحكة أوي ، بس من نوع شر البلية ما يضحك .. قاللي أنا خلاص مش حاحرق دمي .. أنا بس عايز اقول للمصريين: حظا أفضل الثورة القادمة .. الكلمة كان ليها معاني قوية فعلا ، بس أنا مش باقولها استعراضا ولا تسليه ، باقولها لأن في مصيبة أكبر بمراحل و هي وقفات النهارده و الثورة التانية .. الناس بقت فرحانة بالثورات و المظاهرات ولا ايه؟ بقت هوجة و الله يا جدعان .. ثورة ايه و نيلة ايه .. انت عملت زي تلميذ دخل امتحان مش محضر فسقط ، لما جه يعيد الامتحان حتى ما حاولش يبص على غلطاته في الامتحان الأولاني .. ما أكيد حاتسقط .. أنا ماليش دعوه ولا عارف ولا عايز أعرف مين اللي نازل ولا نازل ليه .. هما كلمتين زانقينني بصراحة و عايز اقولهم .. غير نفسك .. انت و أنا وكل واحد فينا عمل السهل .. نزلنا في الميادين و صبرنا و نادينا لما صوتنا اتنبح كام يوم لحد ما شلنا النظام ، شماعة فشلنا راحت خلاص ، لكن كام واحد فينا استرجل صح و عمل الصعب و عمل ثورة على فساده الشخصي و عدم كفائته في العمل و كل ده .. كام واحد ، تقوللي ده علاقته ايه حاقولك.. انت نازل عشان الناس ما اتحاسبتش و طلعوا براءات .. امال انت فاكر ايه؟؟ ، جاي تحاسب الناس بعد تلات أربع شهور! ، ده لو حرامي غشيم كان وضب أموره .. بلا هبل ، انت سبت حقك من الأول علشان اديت فرصة رغم ان الناس صوتها اتنبح فيه ورق بيتحرق و مستندات بتختفي .. يبقى ما تلومش عير نفسك .. اعرف غلطك و اتعلم منه ، بتقوللي الفلوس ما رجعتش مش حاقوللك ثق في فلان ولا فلان ، حاقوللك مانت لا بتشتغل ولا بتتنيل و بتخسر البلد على المدى البعيد فلوس أكتر .. حتقوللي الاسلاميين حيمسكوا البلد ، أرجع و اقولك انت اللي ما اشتغلتش صح من أول ساعة عرفت فيها ان في منافسة .. حتقوللي مجلس رئاسي و دستور دلوقتي حاقولك مش انت اللي قلت ديمقراطية .. اقبل اختيار الشعب ، أنا قلت لا في التصويت و مع ذلك حادافع عن نتيجة نعم لأن ده خيار الشعب ، حتى و ان كان جوايا قناعات ان ناس كتير انضحك عليها .. بس برده ، أنا مش حافرض وصايتي على حد .. حاسيب الشعب يجرب و يغلط و يتعلم ، ساعتها ممكن اقول ان جيل أولادي حيختار صح .. و مش حايستنى رأي كل واحد يمسك فيه .. بحد أنا بارجع للكلمة بتاعة حظا أفضل و اقولك مش شرط ثورة تانية ، لأن اللي انت ثرت علشانه ممكن يتحقق لو انت بس استرجلت.

19.5.11

لا شيء عندي كي أخسره

لا شيء عندي كي اخسره
سوى وهم ابتعته بإرادتي الحرة المجبرة
لا شيئ عندي كي أخسره
نظرةُ الهيامِ لا تُغنِي عنها
الف كلمةٍ في قصائدٍ مُسَطــــَّرَه
لا شيئ عندي كي أخسره
مطارحة الغرام لا تغني عنها
شهقاتٍ مسروقةٍ امامَ قنواتٍ مُشفرَّه
لا شيئ عندي .. ذو قيمةٍ ..
سوى بقيةٍ ..
من كرامةٍ و وشجاعةٍ وومروءةٍ ورجولةٍ مُهَدَّرَه
لا شيء عندي كي اخسره
من يعشق مومسًا .. لا يلوم الزناةِ
لا يلوم الزناةِ .. او دعاةِ المَسْخَرَة !!
لا شيئ عندي كي أخسره
من يحب المومسَ لا يلوم المومسَ لو قبلت
كل الرجال بنفس الأنفاس المعطرة !!
لا شيئ عندي كي أخسره
لا تلوم سوى نفسك لو ظللت تحبها
او قايضت بكرامتك المغفرة
لاشيء عندي كي اخسره .. سوى كرامتي
انت…. لم تكوني ابدا .. شيئا .. كي اخسره
عبدالرحمن كمال
19 مايو 2011

29.4.11

أحلام الفتى الدائخ - الحلم الثاني عشر


الحلم الثاني عشر: عملية إنقاذ

كان النهار الذي سبق حلمي هذا قد شهد المرة الأولى التي أتجول فيها في مستشفى الشاطبي للأطفال متدربًا .. كنت أتفقد مع صديق لي الحالات المحجوزة، نسأل الأم عما حدث و كيف حدث، و نحاول أن ننمي حسنا الطبي و مهاراتنا العملية، و كان من نصيبنا أن نصطدم في أولى تجاربنا بحالة لطفل أصابته نوبة حادة من تكسر كرات الدم الحمراء، نتيجة تفاعل مناعي معين يُكوّن فيه الجهاز المناعي أجسامًا مضادة لكراته الحمراء، ما استلزم حجزه بالمستشفى ..

و بعيدًا عن الطفل و حالته، فإن ما رأيته ليلتها في منامي أثبت لي نظريتي القديمة لتفسير هذه الأحلام العجيبة التي أراها، و هي أن أحلامي ما هي إلا تفريغ للواقع الذي مررت به أو كنت شاهدًا عليه بصفة عامة، لكنه ليس "تفريغًا" فحسب، بل هو يعكس في الوقت ذاته عقلا باطنًا أشبه بطبق السلاطة، لا تستقيم فيه حقيقة أو يستوي فيه واقع، بل كلٌ مقلوب رأسًا على عقب، و ربما مقلوب بلا رأس و لا عقب .. على أية حال، فبعض الحالات القليلة جدًا تستثنى من هذا بالطبع، كتلك التي أوردتها في الحلم العاشر ..

بدأ الحلم بمشهد لا أذكر منه الآن تفاصيلاً كثيرة للأسف، لكنني أذكر مضمونه النهائي: هناك طفل نحن – و لست أدري من هم "نحن" هؤلاء، اللهم إلّاي – بحاجة إلى تأمينه و إنقاذه من مجموعة تحاول خطفه، لأن دمه يحمل أجسامًا مضادًا لفيروس خطير، و تلك المجموعة تحاول الحصول عليه للاستفادة منه، و الحصول عليه لن يكون إلا عن طريق "تصفية دم" الطفل كلية – و هي العملية القريبة إلى حد ما من أحد الطرق العلاجية المقترحة لحالة الطفل الذي شاهدته في المستشفى؛ إذ يجري تبديل دمه بدم آخر نقي من الأجسام المضادة، لإيقاف عملية التكسير المستمرة للدم .. كان الاجتماع حادًا بقدر ما أذكر، و كان هناك شخص ضخم الجثة عظيم المنكبين و الوجه أبيض الشعر يصرخ و يضرب بيده على المنضدة أن تأمين هذا الطفل "مسألة حياة أو موت" ..

تغير المشهد سريعًا لأجد نفسي بصحبة الأب الذي يحمل ابنه الرضيع نسير في شارع مظلم، فتقدمت الأب محاولاً التأكد من أن هذا المنعطف لا يحمل من يختبيء وراءه، و قد كنت محقًا .. برز لي على حين غرة شخص تعرفت عليه على الفور – لا أدري ألأنني رأيته من قبل، أم هو إحساس محض أنني أعرفه – فعدت أدراجي مسرعًا أحث الأب على الهرب، لأكتشف أنه يجري "بالتصوير البطيء" حرفيًا، فأخذت الطفل منه و انطلقت أنا أجري، لأكتشف أنه ليس الأب وحده يجري بالتصوير البطيء، بل كل مَن في المشهد باستثنائي ..

بلغت نهاية الشارع، لاكتشف أنني كنت بالقرب من منزلي منذ البداية، و أن هذا الشارع هو ذاته الذي كانت فيه مدرستي الابتدائية؛ إذ ببلوغي نهايته كنت أقف أمام كوبري كليوباترا حاملاً الطفل بين يدي، أختبيء من سيارة الإسعاف القادمة من بعيد بسرعة جنونية، و التي أدركت نتيجة لإحساس غامض أنها سيارة زائفة، ستتصنع حمل الطفل إلى المستشفى لتسلمه لتلك المجموعة فيما بعد ..

و لمن لا يعرفون المنطقة – و هم كُثر و لا شك – فإن كوبري كليوباترا يصل ما بين شارع أبي قير، وبين ميدان تتفرع منه عدة شوارع رئيسة، لعل أهمها شارع ألبرت الأول – الذي ينتهي عند المدينة الجامعية – و شارع توت عنخ آمون – الذي كنت فيه منذ لحظات – و شارع مصطفى كامل، حيث مقر نقابة الأطباء بالإسكندرية .. كنت أقف عند بداية شارع توت عنخ آمون عندما اختبأت من سيارة الإسعاف المسرعة، و اندفعت مسرعًا نحو مكتب تابع لهذه المجموعة التي أعمل معها من أجل تأمين الطفل – و المكتب على أرض الواقع هو مقر جمعية رسالة في الإسكندرية – أطلب تأشيرة "هروب" خارج البلاد من أجل تأمين الطفل بشكل كامل ..

لم أحصل على مبتغاي؛ إذ ظهرت مشكلة جواز سفري بني اللون الذي لا يصلح للهروب، بالإضافة إلى بعض المشاكل الأخرى التي لا أذكر منها شيئًا الآن، لكنني على أية حال استيقظت قبل أن أحلها جميعًا، أو حتى بعضًا منها، و يبدو – في النهاية – أنني لم أنجح في إنقاذ هذا الطفل المسكين ..

23.4.11

أحلام الفتى الدائخ - الحلم الحادي عشر


الحلم الحادي عشر: فيلم رعب !

اعتدت أن تعكس أحلامي اضطراب عقلي و تبلبل فكري أينما راح و حيثما حل، أكان هذا الاضطراب سلبًا أو إيجابًا؛ أكان الاضطراب نتيجة فرح طاغي أو اكتئاب مدمر .. اعتدت هذا، و اعتدته أكثر في فترة الامتحانات، مصاحبًا للضغط العصبي المريع الذي يملأ جنباتي وقتها، و هو الضغط الذي أشعر أنه آخذ في الزوال عامًا وراء عام، و كأنني لم أعد أبالي ..

هذه المرة سبقت اختبار مادة طب الأطفال .. أول اختبار بهذا الحجم من الدرجات منذ بداية العام، و في مادة كطب الأطفال ندرس فيها فروع الطب الباطني دفعة واحدة و نمتحن فيها دفعة واحدة دون تجزئة .. و رغم هذا الوصف المريع إلا أنني أحببت هذا الفرع من الطب، و تراودني نفسي أن أكمل ما بقي لي من حياة كطبيب متخصصًا فيه ..

على أية حال، فلم يكن هذا الحلم هو وحيد عصره، بل هو الثاني في سلسلة تألفت من ثلاثة أحلام، لست أذكر الكثير من أولاها، اللهم إلا مشهد كنت أرقد فيه على شريط السكة الحديدية منتظرًا قطارًا عملاقًا بحجم التيتانك كي يمر من فوقي، و لست أذكر من الثالث أكثر من أنني كنت أقاتل من أجل شيء ما، في مكان ما كأنه ساحة تدريب أوليمبية، مع وجود الكثير من المسوخ المزعجة، أما هذا الحلم، فأتذكره بالتفصيل ..

كنت أجري مستقبلاً ناصية شارعنا متوجهًا نحو بناية عظيمة تحتل الناصية بأكملها و حتى مسافة ثلاثين مترًا أو أكثر، يخرج منها دخان كثيف، أبيض ناصع البياض في الطوابق السفلى، و أسود فاحم السواد في الطوابق العليا .. أما هذه البناية التي تشتعل بهذا الحريق فهي على أرض الواقع ليست إلا أرضًا خرابًا استغلها صاحبها كمكان انتظار للسيارات، و بجوار هذه الأرض الخربة بناية صغيرة عتيقة من ثلاثة طوابق كان من المفترض أن يضمها صاحب الأرض إلى أرضه ليخرج علينا ببرج شاهق يسد عنا ما بقي من ماء و هواء، إلا أن هذا لم يحدث، و بقيت البناية كما هي؛ مسكنًا لعجوز متقاعد و مهندس يقضي أغلب وقته في أوروبا ..

انطلقت نحو البناية أريد معرفة سبب الحريق، و لست أدري ما الرابط الذي يوجد بين هذا المشهد و بين فيلم الرجل العنكبوت في جزئه الأول، الذي ينقذ فيه الرجل العنكبوت عددًا من الضحايا من مبنى اشتعل بنار عظيمة، الذي جعلني أشعر أن هذا المشهد في حلمي قد اقتطع من هذا الفيلم؛ فلا البناية كالبناية، و لا الشارع كالشارع، و لا أنا بكل تأكيد كالرجل العنكبوت ..

دفعت الباب الرئيس و دخلت، و انطلقت أنهب السلالم نهبًا، التي بدت لي لحظتها كتلك التي في البناية الحقيقية تمامًا، بذلك الطابع العتيق المنتمي لأربعينات القرن الماضي، حيث الدرجات الرخامية و "الدرابزين" المعدني الرفيع الذي يرتبط بدرجات السلم بقوائم معدنية رفيعة، تتخللها فراغات واسعة، تكشف من يعتلي السلم صاعدًا أو هابطًا .. انطلقت أنهب السلالم نهبًا، حتى بلغت الطابق الأول، لاصطدم بباب يبدو لمن خبر مثله أنه باب حجرة داخلية على الطراز العتيق الذي ينتمي إليه سلم البناية، فهو طويل يفوق الأمتار الثلاثة طولاً، و ضيق لا يتعدى المتر و ربع المتر عرضًا، و مزخرف بتلك الزخارف التي تجعلنا نقول في تعجب: "لقد كان أهل ذلك الزمان أناسًا مرتاحين بحق" .. طرقت الباب لأجد عجبًا ..

وجدت أمي و والدتها التي توفيت منذ عام، و جمع آخر من النسوة لا أعرفهن، يرتدين البياض بالكامل، من منبت الشعرإلى أخمص القدم، وجدتهن كلهن متحلقات حول تلفاز يبدو عتيقًا بحق، و قد انتبهن له بكل حواسهن، و كتلة خشب كأنها جذع شجرة ترقد في المنتصف يتصاعد منها دخان أبيض كثيف، هو ذلك الدخان الذي شاهدته يتصاعد من الطوابق السفلى للمبنى عندما كنت بالشارع .. سألتهن ماذا هنالك و ما خطب هذا الدخان، فأجابتني جدتي أنها تشعر بضيق في التنفس و لذلك أشعلت كتلة الخشب هذا ..

تراجعت، أو لربما كان الوصف الأدق هو أنني جريت مبتعدًا، تاركًا الباب مفتوحًا خلفي و قد عاود الجمع ما كنّ يفعلن، و راودني شعور قوي أنني ما كنت أتحدث إلا لنفر من الجن و العفاريت الذين سكنوا هذا المنزل و تلونوا بصورة أمي و جدتي، و هاته الجمع من النسوة، و الحق أن هذا الشعور منفردًا أصابني برعب شعرت به في انقباضة عضلات بطني عندما استيقظت ..

انطلقت إلى الطابق الثاني في محاولة لمعرفة مصدر الدخان المتصاعد من هذا الطابق، و في الطريق إلى باب الشقة الثانية تأكد شعوري أن المنزل مسكون و لا ريب، و هو ما جعل فكرة أنني محاصر و أنهم – ساكنو المنزل من الجن و العفاريت و مَن والاهم – قد يؤذونني تسيطر عليّ و تزيد رعبي و توتري أطنانًا، خاصة و أنك في عالم الحلم لا تلعب بقواعد محددة .. كل شيء مفتوح ..

وقفت أمام باب الشقة الذي انفتح، و لا أذكر هل لأنني فتحته أم هو انفتح من تلقاء ذاته، و داخلني شعور عجيب .. كنت أشعر كما لو أني أرى من خلال ماسحات زجاج السيارات، بحيث يكون إغلاق جفوني و فتحها كمرور الماسحات صعودًا و هبوطًا، و مع كل صعود و هبوط ينكشف أمامي جزء من المشهد الذي هو عبارة عن ساحة واسعة خالية تقريبًا، اكتشفت فيما بعد أنها الشيء الوحيد التي تحتويه الشقة بالإضافة إلى نافذة واسعة يقف فيها شخص ما بكل هدوء و شاعرية، بينما الدخان الأسود الفاحم يتصاعد كثيفًا لا من داخل الشقة، لكن - فيما يبدو - من "أمام" النافذة ..

مع كل صعود و هبوط ينكشف أمامي جزء من المشهد الذي هو عبارة عن ساحة واسعة خالية تقريبًا، على أرضيتها وجه كأنما دهسه قطار، فجعله كالجعين المسوّى .. يظهر لي مع كل إغلاق و فتح جزء من هذا الوجه و اكتشف أنه برغم حالته هذه ينظر إليّ بعينين ناريتين، ليتأكد داخلي شعوري السابق أنني محاصر داخل بيت تسكنه العفاريت ..

أتراجع في خوف يرقى بلا شك إلى مرتبة الهلع و الرعب، و أحاول الخروج بأي ثمن من هذا المبنى الملعون، لأستيقظ من النوم تسابقني دقات قلبي، و أحاول جاهدًا أن استجمع شتات نفسي لأقنعها أن ما سبق كان حلمًا، ليس أكثر ..

21.4.11

عزيزي ..


عزيزي
تحية طيبة و بعد،

في أغلب الأحوال لا أجد سواك يسمعني دون أن تفيض روحه اكتئابًا و معاناة، على الرغم من أنك تتضجر أحيانًا .. حقيقة أرى هذا من حقك؛ فما أرويه يثير الضجر بالفعل، و لكن ماذا عساي أن أفعل ؟!
اليوم أنا مدعو إلى حفل زفاف أحد أصدقائي .. ما ترتيبه ؟ أظنه العاشر .. عاشر عشرة أهنئه بزفافه و أصل ليلي بنهاري من أجل حضور الحفل، ثم أعود وحيدًا لذات المنزل الفارغ الكبير المترهل من حولي .. عاشر عشرة، أشهد على زفافه – لأنني أعز أصدقائه – مودعًا إياه القفص بيدي .. عاشر عشرة، و أنا ؟ لست أظنني الحادي عشر ..

نعم يا صديقي العزيز .. هذا ما أكتب من أجله .. لن أحدثك عن قطار العمر الذي يكاد يصل وجهته و لمّا يحمل راكبه الثاني بعد، و لن أحدثك عن شعور الوحدة الممض الذي أورثني شيئًا من انطواء مصاصي الدماء و المستذئبين .. لا، ليس هذا و لا ذاك، بل إن جُلّ ما سأكتب ليس سوى تحليل .. إنني أريد بحق أن أضع يدي على السبب، رغم أني أعرفه ..

أعرفه، لكنني لا أضع يدي عليه، كالذي يرى الجرح ظاهرًا واضحًا، لكنه لا يمد يده بالدواء أو التضميد، كأنه يتلذذ بالألم .. هل أنا كذلك ؟

أحد أولئك العشرة أخبرني بذلك صراحة في مرة من المرات، بينما كنا نتناقش سويًا عن سبب عدم لحاقي به .. قال إن بي لمحة ماسوشية لا مراء فيها .. يقول إنني أصلح، لكني لست أدري لماذا لا أرى في نفسي ذلك ؟
في لحظة من لحظات التأمل – و أولئك كُثر – حاولت تبرير هذا السلوك .. كل منا يحاول أن يصل إلى الاستقرار، تمامًا كالذرات التي تقاتل كي تدخل في تفاعل كيميائي تصل فيه إلى مرحلة الاستقرار الكيميائي، فلا تفقد طاقة و لا تستقبل .. نحن أيضًا كذلك، نحاول الوصول إلى تلك المرحلة، لكن كفاحنا أشد و أقسى بلا شك .. و نرى أنه من أجل خطوة كهذه فإننا يجب أن نستكمل ما ينقصنا .. تلك الأشياء الصغيرة التي نشعر بدونها أننا الأضعف على الإطلاق .. من أجل الاستقرار نحاول الوصول لحالة من الاكتمال ..
أنا أيضًا أقاتل ككافة البشر من أجل ذا، لكنني أرى أن بي نواقص عدة .. فوهات كتلك التي تصنعها النيازك إذ ترتطم بالكواكب لا فجوات و ثغرات صغيرة .. أو ربما هي مبالغة مني في تلك الصورة التي أرسمها لحالة الاكتمال التي أنشدها .. مبالغة تخرجها عن نطاق ما تسمح به قدرات البشر، لكنني أرى غيري يحقق ما يظنه الجميع فوق قدرات البشر، فماذا تسمي هذا ؟

قال لي أحدهم ذات مرة أن الأمر ليس بمشكلة، فلكل منا نقائص و نواقص، و لولا ذا لما شُرع الزواج، فبه يستكمل المرء شيئًا كثيرًا مما يفتقده، لكن الأمر ليس أني لا أجد تلك التي يمكنها أن تملأ تلك الفجوات، بل لست أظنني أجد واحدة ترضى بشخص مهترئ هذا الاهتراء ..

ربما تتهمني بالمبالغة، و هي صفة لست أنكرها، و لست أنكر – و لايمكنني – أنها أنقذتني عدة مرات، رغم أنها أوقعتني مرات أخر، و تبدو ورطتي هذه أطولهم و أكبرهم ..
أعرف أنك ستتهمني بالمبالغة لأنني فعلت هذا قبلك .. ربما لست الصورة التي يرسمنها في مخيلاتهن، لكنني أراهنُ دومًا على جمال الباطن .. لست أريد جمالاً في المظهر و فراغًا في الجوهر، و لئن كنت قد حرمت شيئًا من جمال المظهر، فإنني أدرك تمامًا أن الله منحني من الجوهر ما أعيش به راضيًا عما فقدت ..
لكنني لا يمكن أن أنكر في الوقت ذاته أنه ما من اثنان ينجذبان إلا و كان المظهر عاملاً مهمًا .. أولئك اللائي و الذين يستطيعون التضحية بالمظهر من أجل الجوهر هم قلة .. قلة مندسة لم أقابل منهم إلا واحدًا و واحدة، و هي نسبة لست أراها كبيرة مقارنة بعدد من أعرف .. الأمر ليس مظهرًا فحسب، فأنا أخلع كلمة المظهر هذه على كل ما يشمله كياني .. ملامح، و تصرفات، و تعبيرات و اصطلاحات .. أرى دومًا رصيدي صفرًا من كل هذا، أو هو يقترب منه ..

أدرك كل هذا و أدرك أنني أثقل على نفسي .. فهذا خلق الله، و هو – حتمًا – أعدل العادلين، لكن المشكلة ليست مشكلة مجردة تتمثل مظاهرها في شرخ – بسيطًا كان أم كبيرًا .. المشكلة تكمن في صاحب هذا المظهر الذي يضعه كجبل من جرانيت أمام أي فرصة، أرآها هو أم رآها له غيره، أو ارتآها الطرف المقابل ..

أنت تدرك أكثر من غيرك أن هذه الرسالة تأخرت أشهر، و أنني قد انتويت كتابتها منذ أن ودعت صديقي السابع، لكنني تأخرت .. ربما يضاف ترددي لجملة ما يعوق خطوة هامة كهذه، و هو ما أعزوه في النهاية إلى شعوري العام بالاهتراء الذي أسلفت ذكره ..

حسنًا .. بعد كل هذا يجب أن اسأل نفسي، و أظن أنك مثلي: و ماذا بعد ؟ هل توصلت إلى شيء بعد كل هذا ؟!
الحق، و الحق أقول، إنني لم أكتب شيئًا من هذا كي أصل لأي شيء .. رغم إدعائي في البداية أنني أريد أن أضع يدي على السبب، كي أكتشف الوسيلة .. من الممكن أن تسمي ما سبق "تفريغ شحنات"، مثلما يحدث عندما تبرق السماء .. ماذا أريد من ورائه ؟ غالبًا لا شيء ..

أكرر أسفي إذ سببت لك صداعًا بلا داع، و بلا هدف، لكن الأكيد أنك - مثلي - قد فرغت شيئًا مما بداخلك؛ يا عزيزي ..


15.3.11

تمهلي

هجرتِني و هجرُكِ اياي مقتلي
قد غدوتُ بهواكِ من اشد الثملِ

و هل يملكُ الثملُ على الخمرِ اصطبارًا
أو هل يملكُ الاهُ على كاسٍ مؤجلِ

أنا منذُ هويتكِ و اقبل الجنونُ
بحبكِ، و انقضى زمنُ التعقلِ

أيا معرضةً عني كفاكِ جفاءًا
و على محبٍ كسيرِ القلبِ أقبلي

ولا تعرضي عنهُ ، فان حالهُ
قد رقَّ له قلبُ كلِ متأملِ

اذا كنتِ اخترتِ النايَ طولهُ
فقبلَ أن تنأيّ ، أرجوكِ تمهلي

أخبركِ بما في القلبِ من هوى
و غرامٍ تاللهِ انهُ لمزلزلي

قالت ترنو الي بنظرةِ اسى
و الدمعُ في الماقي كم هو قاتلي

أتذكرُ ذا اليومَ وقتَ حديثنا
اذ قلتَ لي : معذبتي ، أقللي

قلتُ : أذاكَ يجعلكِ مني غضبَى
قالت : و ما يُغضِبني الا ما قلتَ لي

ان كان لا يلزَمكَ حبي فلِمَ
الى أن أعطيكهُ أطلتَ التوسُلِ

قلتُ: تاللهِ لو علمتِ ما كان
قصدي ما كنتِ ابدا من عذلي

لقد احببتكِ حتى فاضت جوانحي
حبا به عما سواهُ تشاغلي

و وددت لو أبوحُ بحديثِ الفؤادِ لكِ
و كانَ خوفي من رفضكِ مُقاتلي

حتى عجزتُ عن الكتمانِ أفصحتُ
عما بقلبٍ بحبك موَّكلِ

فلما رايتُ بسمةً اضائت وجـ
ـهكِ و بحبكِ الخفيّ قد بحتِ لي

و اخذتِ تخبريني عن طولِ ما
كنتِ تحبيني ، فنفذ تحمُّلي

و خشيتُ أن يكونَ حلمًا عابرًا
أصحو فلا أجدُ بشيءٍ تعللي

و خشيتُ أن يكونَ حقا ما حدث
فيشغلني عن ذا النعيم ِتساؤلي

" أحلمٌ أم حقٌ؟ " ، فقصدتُ أن
أقولُ تمهلي ، و نطقتُ أقللي

كنت أريدُ التيقنَ مما سمعتُ
و خشيتُ الاعراضَ عنكِ يا بلبلي

رفعت راسها المطرَقا ، و كفكفت
دموعها ، و ابتسمت في تدللِ

و قالت لي : أحبكَ، فرددتُ: و كذا
أنا ، حبيبتي .. عشت لي

7.3.11

على هامش الثورة .. مذكرات ثورية


ربما كانت هذه الثورة - و لا تزال، و ستظل - الحدث الأكبر في تاريخنا الحديث .. الأمر ليس متعلقًا بكونها الثورة الشعبية الأولى بحق، و لا أنها أطاحت بنظام مكث من السنين ما فاق به الفراعنة الأوائل، بل بما هو أبعد .. لا أكذب لو قلت إن هذه الثورة هي نقطة فاصلة مفصلية في تاريخنا، و نقطة تحول كبرى - لو أحسنا استغلالها - على كافة الأصعدة؛ الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية قبل السياسية ..
إنني إذ أنشر هذا الكتاب فإنني لا أؤرخ للثورة، فهي أكبر من عمل واحد، و أكبر من أن يتصدى لها رجل واحد، بل هو كما هو اسمه "على هامش الثورة" .. هو قطعة في لوحة كبيرة رسمها و يرسمها كل مصري، سنراها في القريب العاجل إن شاء الله ..



لتحميل الكتاب (مجانًا)
و يمكنكم متابعتنا على صفحتنا على فيسبوك

جميع حقوق الطبع و النشر محفوظة لكل مصري و مصرية على أرض هذا الوطن أو خارجه
يعيشون بيننا على أرض الواقع أو لا يزالون في عالم الغيب

24.2.11

أحلام الفتى الدائخ - الحلم العاشر


الحلم العاشر: إنني أرى المستقبل !

لست ممن يؤمنون بقدرة المرء على روية المستقبل، رغم أنني أؤمن بأن الله قد يرسل إشارات لعباده فيها إخبار بشيء من الغيب، و هي المبشرات التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، يراها الرجل الصالح أو تُرى له، لكن ما أراه في منامي ليس يندرج تحت هذا بالتأكيد ..

أقول هذا في البداية لأنني واجهت ثلاثة أحلام، لست أرى العجب فيهم، بقدر ما أراه فيما تلاهم و صاحبهم من أحداث ..

دعوني أسرد الحلم الأول ..

بدأ الحلم بشكل مفاجئ بمشهد انهيار أحد العقارات، و بشكل ما، أحسست المشهد قريبًا مما حدث في الحادي عشر من سبتمبر .. ركام و غبار و قطع من الحجارة متناثرة في كل مكان، و كومة عملاقة من بقايا المنزل المنهار، و أمام هذا المنزل وقف مجموعة يصرخون في فزع، لكن المدهش كان ثباتهم؛ فرغم أن سقوط المبنى و لا شك سيصنع موجة من التضاغط تطيح بأي واقف في محيطه، فإن هؤلاء ظلوا ثابتين، و إن كان الرعب باديًا عليهم .. شعرت لحظتها كما لو كانوا يواجهون موجة تضاغط ناشئة عن تصادم أغطية الأواني لا انهيار مبنى كامل ..

بعد انقشاع الغبار بلحظات بدأ الناس يجرون في كل اتجاه للهرب من توابع السقوط، و هو ما لم أستطع تفسيره في ضوء ثباتهم العجيب .. في غمرة هذا التدافع انبرى اثنان يحاولان العثور على أفراد أسرتهم .. كان من الواضح الصبغة الجنوب-شرق-آسيوية التي تصبغهم، و قدرت أنهم من كوريا ..

انضم آخرون إلى هذين، و شكلوا دائرة، و أمسكوا بكتاب أبيض لست أدري من أين جاء بالضبط، لكن ما شعرت به لحظتها أنه وسيلة تواصلهم مع المفقودين تحت الأنقاض .. كنت أراهم كما لو كنت أرى مشهدًا في السينما، فيه شخصان يقفان قبالة بعضهما البعض، و الكاميرا تدور من حولهم بسرعة نسبية مع إبطاء على فترات ثابتة، فتعطيك الإحساس بإنك تدور في آلة طرد مركزي، تتسارع حينًا و تبطء حينًا .. أعلم أن الوصف معقد، لكنه الأقرب لما شاهدته لحظتها ..

كان الكتاب في منتصف الدائرة، معلق في الهواء، فكلهم يمسونه لكنهم لا يمسكونه، و كلما مسه أحدهم أبطأ المشهد قليلاً مع الإبقاء على دوران الكاميرا، و أشعر لحظتها أن هذا الشخص يبذل مجهودًا ذهنيًا كي يركز و يرى ما خلف الغبار، و كلما استطاع أحدهم التركيز بما يكفي في أحد المفقودين، انضم إليهم هذا المفقود ليأخذ مكانه في الدائرة ..

و في لحظة معينة، و كأنما هذا هو آخر المفقودين، اكتسى المشهد بياضًا، كما لو كنت أواجه الشمس على حين غرة، ثم انقشع كل هذا، و وجد هذان الباحثان عن أسرتهما نفسيهما في وسط أحد الشوارع البعيدة، التي تبدو كما لو كانت قد اقتطعت من نيويورك، و قد أمسك كل منهما بيد الآخر، و شخص على مقربة منهما يمسك الكتاب الأبيض و يودعهما، لأستيقظ بعدها ..

حتى هذه اللحظة، فلا شيء جديد .. هلوسة أخرى من هلوساتي المتعددة التي ربما اعتدتم عليها، لكنني كما قلت لا أرى العجب في الحلم ذاته، بل فيما صاحبه من أحداث؛ فذا الحلم رأيته في الثاني عشر من ديسمبر 2010، و هو اليوم الذي شهدت فيه الإسكندرية أعنف طقس على الإطلاق، و عندما قرأت عناوين الصحف في اليوم التالي صدمت بعنوان بالخط العريض: انهيار مصنع في الإسكندرية !

حسنًا .. لننتقل إلى الحلم الثاني ..

كان هذا على قدر ما أذكر في الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر الفائت .. كان حلمًا مشوشًا هو الآخر، و لست أدري من أين بدأ و لا أي المشاهد قبل أيها، لكن هذا لا يهم على أي حال، فهذا الحلم تحديدًا أشعر أن قراءته من بدايته لنهايته لا تختلف كثيرًا عن قراءته من نهايته لبدايته ..

المشهد الأول كان القاعة الرئيسة في أحد الكنائس .. قداس هائل لست أدري أهناك كنيسة يمكن أن تستوعب هذا الكم من البشر أم لا، لكن ما لاحظته هو جو عام من الهرج و المرج، لست أدري أهو لمصيبة حلت، أم هو جو الاحتفال و المرح .. لا يمكنني التحديد، فالمشهد لم يدم إلا لحظة، لا تتيح التيقن من أي شيء، و حتى معرفتي بإن هذا قداس في أحد الكنائس جاء من إحساسي بالمشهد، لا من علامة مميزة فيه، كصليب أو غيره ..

انتقلت في لمح البصر إلى مشهد آخر، و كان الانتقال من مشهد القداس إلى المشهد الجديد خاطفًا، و يشبه تأثير Motion Blur في الفوتوشوب (أعتذر لمن ليست لديهم خبرة في هذا البرنامج عن هذا التشبيه، لكنه الأقرب إلى ما رأيت)، و سرعان ما وجدت أمامي حجرة ضيقة خالية من كل شيء إلا من رجل عجوز، يرقد متكومًا في أحد الأركان، ثم سطعت للحظة أمام عيني صورة البابا كيرلس الثاني الشهيرة، التي يشخص فيها للسماء متضرعًا، و احسست أنه ذاك الرجل المتكوم في أقصى الحجرة .. إحساسي أثناء الانتقال من الساحة إلى الحجرة أنني أنتقل إلى طابق أعلى في الكنيسة ..

شعرت للحظة أنني أطير، ثم تكرر نفس تأثير Motion Blur هذا، و وجدت أنني أعلى الكنيسة، لكن الغريب هو طراز المباني الذي شاهدته، إذ كان و لا ريب يشبه مباني أوروبا في القرن التاسع عشر، بالمسحة القوطية المميزة لتلك البنايات، و لسبب ما، شعرت أنني في براج عاصمة التشيك، و لا تسألني لم هذه تحديدًا .. ربما هو الجو الشرق-أوروبي المخيم على المشهد لحظتها ..

الكنيسة نفسها كانت تشبه كنائس تلك الحقبة من تاريخ أوروبا، و بدت أشبه بالقلعة .. انتقلت طائرًا من سطح الحجرة التي كنت بداخلها منذ لحظة متجهًا ناحية مجموعة أبراج قصيرة تنتمي للكنيسة أيضًا، مبنية فوق جزء آخر من السطه، تبدو كما لو كانت مصمتة لا قلب لها يحوي سلمًا كما هو متوقع، و و بين هذه الأبراج الأربع امتد سور عال للغاية، سرعان ما عرفت سبب وجوده ..

حلقت فوق هذا الجزء المحمي بالسور لأفاجئ بأسد غضنفرأسود اللون فاحمه ينظر إليّ في ترقب و تحفز، و أنا بالطبع لا أدري لي رأسًا من قدمين .. حاولت الهرب لكنني تجمدت للحظة كان قد ارتفع هو خلالها طائرًا كي يلحق بي، و هو ما جعلني أتعجب من وجود السور طالما باستطاعته الطيران ..

فررت منه في طيران انسيابي سلس، و أخذ ينتقل من سطح إلى آخر، و أنا من شرفة إلى أخرى، حتى بدا عليه التعب على ما يبدو، فتسملت مهمة مطاردتي أربع لبؤات سوداوات مثله تمامًا، و لا زلت أطير حتى أنهكهن التعب فأسلمن مطاردتي إلى شبل صغير رمادي اللون سرعان ما تركني .. الغريب أن هذه المطاردة المحمومة لم تتجاوز مساحة لا تزيد كثيرًا عن مساحة الغرفة التي أكتب منها هذا الذي تقرأون ..

هبطت بسلام إلى شرفة أحد المنازل، بينما ذاك الشبل البائس يراقبني من سطح المنزل المقابل، و بدا أن المشهد العام انتقل لحي شعبي في قلب القاهرة، بعد أن كنا في براج ..

قبل أن استيقظ مباشرة سطعت للحظات مشاهد شعرت أن موضعها الطبيعي كان في بداية الحلم قبل أن انتقل للحجرة الفارغة .. القاعة الرئيسة مرة أخرى، لكنهم كانوا على ما يبدوا يحتفلون ببعض المتخرجين حديثًا من الكليات، و قد تأكد لي هذا من آخر مشهد مر أمامي قبل أن استيقظ، إذ كانت إحداهن ترتدي قبعة التخرج و تمسك بما يبدو أنه شهادة تقدير ملفوفة و مربوطة بشريط من حرير، و تبتسم في فخر و انتصار، لكن المشهد كان مهزوزًا لدرجة منعتني من التيقن من أي شيء .. كل هذا الوصف أكتبه نتيجة إحساسي باللحظة أكثر منه مشاهدة حسية ..

ذكرت أن هذا الحلم كان في الأسبوع الأخير من ديسمبر 2010، و غني عن التذكير ما حدث في الإسكندرية في ليلة رأس السنة .. أذكر أن إحدى ضحايا هذا التفجير كانت طالبة قد أنهت لتوها دراستها، و كانت قد كتبت على صفحتها على فيسبوك ما معناه أنها تتمنى لو تتحقق أمنيات ما بعد التخرج في العام الجديد ..

على أية حال، لننتقل إلى الحلم الثالث ..

إنني أعتبر هذا الحلم هو درة هذه الأحلام الثلاثة، ربما لأنه تنبأ (و اسمحوا لي باستخدام كلمة تنبأ) بالشيء الأهم على الساحة الآن ..

يبدأ الحلم بمشهد أرى نفسي مع مجموعة من زملائي في الكلية، بالإضافة إلى بعض الزميلات أيضًا، نجتمع كلنا في حجرة هي بياض في بياض؛ أرضية بيضاء و حوائط بيضاء، مع إضاءة زرقاء خافتة أعطتني الإحساس أننا في فيلم من أفلام الخيال العلمي، لكن الحقيقة أننا كنا في أحد مقرات أمن الدولة يُحقق معنا جميعًا بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم .. لمحت صديقي الذي أعرفه بميله لتيار الإخوان المسلمين، و صديقًا آخر ينتمي للحزب الرمادي الذي ينتمي إليه أغلب المصريون، و لمحت وجوهًا أخرى أكدت لي أننا كزملاء دراسة – كلنا – في نفس القفص ..

استمر التحقيق لدقائق اقتادونا بعدها لحجرة أخرى لنشاهد أدوات التعذيب .. من الواضح بالطبع أنهم لم يجدوا منا نفعًا، فقرروا استعمال الشدة .. أذكر أن هذه الحجرة كانت هي نفسها الشقة القابعة في الطابق الأرضي من البناية التي أسكن فيها، و التي تسكنها عجوز شمطاء لا استسيغها، لم أعجب كثيرًا عندما جعلت شقتها مقر حفلات التعذيب الأمنية .. الفارق الوحيد هو الارتفاع الشاهق الذي أصبح عليه سقف الشقة .. ربما كان هذا ليستوعب أحجام أدوات التعذيب الضخمة التي كانوا يعرضونها علينا ..

نسيت أن أقول أنني عند انتقالي من مكتب أمن الدولة حيث الاستجواب إلى تلك الشقة البائسة، راودني إحساس قوي أن شقتنا كانت هي مقر أمن الدولة الذي كنا فيه منذ لحظات .. على أية حال، فقد هربت ..

كان الباب مفتوحًا، و لا أحد يحرسنا .. نظرت إلى صديقي الرمادي و قلت إنني سأهرب، و ربما حررتهم فيما بعد .. انطلقت أجري بطول الشارع الذي أسكن فيه في الحقيقة .. كان جريًا عجيبًا؛ فأنا أنطلق بسرعة أشعر أنها مهولة، لكنني لم أبرح مكاني بعد، بينما نهاية الشارع تقترب مني و تبتعد .. انتهى هذا المشهد سريعًا عندما وجدت نفسي أمشي بجوار سور معدني، بدا و كأنه يحيط بمبنى جهاز أمن الدولة، الذي لا أدري ما الذي أتى به هاهنا ..

شعرت أثناء سيري أن هذا المكان هو في الأصل استاد الإسكندرية، لكن مرأى القصر الذي يبدو خلف الأسوار ليس له علاقة بأي ملاعب رياضية .. أسير بجوار السور و الليل قد خيم حولي – و هو كذلك منذ بداية الحلم – لأفاجئ بشرطي ينبت من العدم يجلس بجوار حجيرة خشبية للحراسة يسألني بشكل مباشر: لم هربت ؟

نظرت إليه مندهشًا في الوقت الذي جاء أخي ليعرف ماذا يحدث .. لا أذكر إجابتي تحديدًا، لكنها كانت شيئًا من قبيل: ثورة، أو لن نسكت .. شيء من هذا القبيل، أو ربما أظن أنه شيء من هذا القبيل لتأثري بالأحداث الحالية .. أيًا كان ما قلته لحظتها، فقد نبهت أخي أننا سنجري، و ألقيت قنبلة يدوية صغيرة الحجم كانت في يدي ناحية السور، و انطلقنا نجري مبتعدين بينما ظل الشرطي مكانه .. نظرة سريعة إلى الخلف أدركت معها أن القنبلة اصطدمت بأحد الأعواد المعدنية التي تشكل السور، فارتدت إلى الخلف، و هو ما يعني أنها لن تنفجر و لن تحدث الأثر المطلوب .. ضغطت زر الإيقاف – و لا تسل أين هو جهاز التحكم هذا، فلست أدري، لكن المشهد لحظتها بدا بمثل هذا التأثير تمامًا – فتجمد المشهد، ثم ضغطة أخرى على زر العودة إلى الخلاف فرجع المشهد بكافة تفاصيله بينما أنا واقف في مكاني، حتى وصلنا إلى اللحظة التي أرمي فيها القنبلة، فأزحتها قليلا عن موضعها، و أعدت تشغيل المشهد و انطلقت مبتعدًا، لتهبط خلف الأسوار، و تفجر كل ما في المكان ..

دون مقدمات وجدت نفسي مع أخي على دراجة هوائية، بعد أن كنا نجري على أقدامنا، و سلكنا طريقًا فرعيًا لتتبدل الأرض من تحتنا، فبعد أن كانت أسفلتًا صارت طينًا، و أصبحنا في كفر الدوار .. كنا ذاهبين إلى منزل جدتي، حيث الراحة و إعداد الحقائب للهرب من السلطات التي تطلب رأسي ..

صعدنا، لأجد أمي جالسة أمام الحاسوب تتابع صفحتها على فيس بوك، و هو رابع المستحيلات بالطبع إن لم يكن خامسها .. لم يكن بيت جدتي كما هو في الواقع، لكنه يحمل الكثير من روحه .. أخبرت أمي أنني سأهرب، و أنني سأحزم بعض حاجياتي و انطلق، ثم استيقظت ..

حسنًا ..

ماذا أريد أن أقول بعد كل هذا ؟ .. لا شيء .. بقدر إنكاري لإمتلاكي لأي قدرة خارقة توصلني بعالم ما وراء الطبيعة، بقدر ما أتمناها؛ ربما كي أعوض في عالم ما وراء الطبيعة ما أفتقده في عالم الطبيعة ..

أيًا كان الأمر، أكنتم ممن يعيشون أمام الطبيعة أو ممن يعيشون وراءها، أرجو أن تكون قد استمتعتم بما قرأتم ..

23.2.11

سر العلم الأخضر !


ذات يوم طلب مني صديقي إبراهيم الجارحي – الصحفي، و مؤسس تيت راديو – ان أصمم له علمًا يكون شعارًا رسميًا لجمهورية تيت المستقلة التي يرأسها بشكل ديكتاتوري .. و رغم أن الأمر لا يستحق، و بعيدًا عن أنني لم أصمم العلم أصلاً، إلا أنني انطلقت أبحث أولاً عن فلسفة تصميم الأعلام، و كيف يمكن أن تُختزل الدولة و القيمة في مجموعة من الألوان و الخطوط و الأشكال ..

و بينما أنا أبحث وجدت مقالاً يعرض بالأمثلة كيف يمكن أن يكون العلم معبرًا بحق، و كيف يمكن أن يكون كتلة من العبث الصارخ، و لفت نظري ما قاله كاتب المقال عن العلم الليبي الحالي، إذ قال إن هذا العلم هو علم فريد متفرد بين أعلام الدنيا، فهو لا يحتوي سوى لون واحد وحيد لا ثاني له، و هو اللون الأخضر، و لا يحتوي أي عناصر أخرى، فلا لون سوى الأخضر، و لا شيء يملأ هذا الأخضر من خطوط أو أشكال أو دوائر أو أي شيء، و هو وضع لم يتكرر من قبل في أي دولة أو مؤسسة ..

تذكرت هذا و أنا أتابع ما يحدث في ليبيا، و جنون هذا الرجل الذي فاق كل حد، و للحظة خُيل إليّ أن مفتاح الأمر كله في هذا العلم ..

فهذا اللون الواحد الأوحد الوحيد يعبر بحق عن دولة الفرد و حالة الفرد/الدولة التي يعيشها الشعب الليبي منذ أربعة عقود، و هو في الوقت نفسه يعبر عن نفسية شديدة النرجسية، ترى أنها وحدها كافية لتعبر عن كل شيء في الدولة، و كل فرد في الدولة، و أن ما تعبر عنه هو الدولة، و أن ما عدا ذلك سقط متاع ..

و لست أدري ما الذي يدل عليه اختيار اللون الأخضر، فليبيا صحراء شاسعة، و الواحات و المساحات الخضراء فيها لا تسوغ التعبير عن الدولة بأكملها باللون الأخضر، و لو كان الأخضر مجاورًا للأصفر لكان الأمر مقبولاً نوعًا، باعتباره معبرًا عن الواقع و المأمول معًا، لكن الأخضر وحده لا يمكن تفسيره إلا بـ"طول الأمل"، الذي جعل القذافي يطمع و يطمح أن يظل يحكم ليبيا حتى تصير كلها خضراء، لكنه مع الأسف ظل فيها حتى حتى كاد أن يحيلها كلها حمراء قانية ..

هناك تفسير للون الأخضر، و هو تفسير طفولي للغاية لكنه يلقى في نفسي هوى و ميلاً، و هو العلاقة بين اللون الأخضر و الملوخية، و علاقة الأخيرة – لفظًا – بالمانيخوليا، أو الذهان كما كان يسميه أطباء العرب قديمًا .. ربما كانت إشارة خفية من العقيد إلى أنه مريض نفسي !

ثم هذا الغياب التام للتفاصيل، و التسطح التام للعلم لا يمكن فصلهما عن الهلامية الرهيبة التي يدير القذافي بها البلاد .. فهي ليست جمهورية، بل جماهيرية، و ما هو الفارق ؟ تأتيك الإجابة: الجماهيرية من الجماهير، بينما الجمهورية من الجمهور !

ثم هو ليس رئيس الجماهيرية، بل هو قائد الثورة، و قد قالها بنفسه عندما طالبه الناس بالتنحي فقال إنه ليس الرئيس حتى يتنحى، و هو تصنيف سياسي فريد من نوعه .. هناك دولة هي مملكة و يحكمها ملك، و هناك دولة هي إمارة و يحكمها أمير، و هناك دولة هي جمهورية و يحكمها رئيس، و هناك دولة هي سلطنة و يحكمها سلطان، أما أن تكون الدولة جماهيرية و يحكمها قائد ثورة، فهو عبث ليس له مثيل !

ثم أين هي مؤسسات الدولة ؟ أين المؤسسة التنفيذية ؟ أين المؤسسة التشريعية ؟ أين المؤسسة القضائية ؟ أين المؤسسة العسكرية ؟
لا تجد شيئًا من هذا على الإطلاق .. حتى المؤسسة العسكرية هي خليط عجيب من القوات، لعل أكثرها إثارة للشعور بالهزلية هي قوات الحرس النسائي التي تحرس فخامة العقيد، و في النهاية تحولت القوات المسلحة لمجموعة من المرتزقة الأجانب، تضرب الليبين أهل البلد بأوامر مباشرة من الأخ القائد ..

أين هو الدستور ؟ الكتاب الأخضر ؟ أقسم بالله أن هذا الكتاب لو انفقت البشرية عقول مخابيلها كلهم من أجل الخروج بمعشار ما فيه لما استطاعوا .. إنه كتاب يستحق أن يدرسه الأطباء النفسيون ليعرفوا أساليب المصابين بالذهان في التفكير، لكن يقيني هو أنهم لن يستطيعوا تعميم نتائج دراستهم على أي شخص آخر سوى القذافي، فالأمر يتجاوز حدود القدرة العلمية بكل تأكيد ..

مَن يحدد سياسة الدولة ؟ و ما هي سياسة الدولة الليبية في الأساس ؟! الرجل يقول إنه أعطى الحكم للشعب منذ عام 1975 عن طريق تشكيل الشعبيات و المؤتمرات الشعبية و اللجان الثورية، و هو قول يشبه قول مبارك أن مصر تعيش أزهى عصور الديمقراطية !

دولة هلامية و علم فريد و شخص عجيب، صنعوا حالة فريدة في تاريخ الأمم و الشعوب .. إننا لا نواجه رجلاً مخبولاً وضعه التاريخ في مقعد الحاكم ليحول بلده إلى "خرابة" و نفسه إلى أضحوكة، بل نواجه ما هو أكبر .. إن هذا الرجل – ببساطة – يعيد تعريف الخبال !

يرحم الله ليبيا، و يقيلها من عثرتها، و يقيض لها مَن يخلصها مما هي فيه .. قولوا آمين ..

20.2.11

الغباء الجمعي !


رغم اهتمامي بعلم النفس، و محاولاتي المستمرة للاستزادة منه، إلا أنني واجهت صعوبة في فهم مصطلحي "الوعي الجمعي" و "اللاوعي الجمعي"، اللذان وضعهما كارل يونج، كواحد من رواد علم النفس في التاريخ الحديث، بالإضافة إلى صديقيه سيجموند فرويد، و ألفريد أدلر ..

إلا أنني رغم هذا أمتلك صورة أظن أنها ضبابية بعض الشيء عن ماهية المصطلحين، لكنها تفي بغرض هذا المقال .. نستطيع تعريف الوعي الجمعي بإنه مجموع وعي أفراد المجتمع، و الذي يعني بدوره أنه مجموع طريقة الأفراد في فهم البيئة المحيطة و تقرير طرق التصرف حيال متغيراتها، أما اللاوعي الجمعي فهو مجموع الخبرات المختزنة في لاوعي الأفراد، و التي تتوارثها الأجيال جيلاً وراء جيلاً، مشكلّة موروثًا يحكم التصرفات الواعية للأفراد بصورة أو بأخرى، و يمكننا القول إن الموروث الثقافي هو إحدى صور اللاوعي الجمعي ..

أكتب هذا كي أقر حقيقة لا بد أن نعترف جميعًا بها، شئنا أم أبينا، و هي أن الحكام العرب قد أضافوا إلى علم النفس مصطلحًا جديدًا، هو الغباء الجمعي !

من المثير للدهشة و للفضول العلمي في آن هذا التشابه المزري في رد الفعل لدى الحكام العرب واحدًا تلو الآخر إزاء المظاهرات و الاحتجاجات و الثورات التي تجتاح الوطن العربي في تفاعل متسلسل يخلب الألباب و يسحرها .. تشابه يجعلك تقول بنفس راضية: تعددت الوجوه، و الغباء واحد ..

البداية كانت مع بن علي في تونس، الذي استلزم الأمر أربعة أسابيع متصلة من الاحتجاجات و الإضرابات و الاعتصامات حتى يفهم الشعب، و المضحك أن فهمه اقتصر على عدم ترشحه للرئاسة في 2014 .. الأكثر إضحاكًا أنه تصور أن هذا سيهدأ الشعب التونسي، و هو التصور الذي يملأ عقل كل طاغية طالت به السنون في سدة الحكم ..

حتى هنا فنحن لا نتحدث عن غباء جمعي، بل هو غباء سلطوي فردي ديكتاتوري لا شك فيه، لكن انتقال الاحتجاجات إلى مصر جعل الصورة تتضح أكثر .. في البداية أخذ النظام يتحدث بنفس اللهجة العجيبة، و هي أنه لا يخاف أحدًا لأن يده نظيفة، و "مفيش على راسه بطحة"، و استلزم الأمر ثلاثة أيام متصلة من الاحتجاجات و المظاهرات و الاعتصامات الحاشدة بحق، و انسحاب تام للشرطة (بأوامر عليا بالطبع)، و إطلاق سراح المسجونين و البلطجية (بأوامر عليا أيضًا)، و نزول الجيش و فرض حظر التجول على البلاد، و مئات القتلى و آلاف الجرحي .. استلزم الأمر كل هذا كي يخرج مبارك بعدها ليخطب في الناس قائلاً إنه قرر تنحية الوزارة لأنها لم تنفذ تعليماته !

الحق أن الأمر يجمع بين الغباء في قراءة المشهد و العناد و الكبر، لكن الشاهد في الأمر هو أن مبارك تصرف مثل بن علي تمامًا، و إن اختلفت الأزمان و المدة في الحالتين ..

قطع مبارك خدمات الإنترنت و الهاتف المحمول، و شوّش على قناة الجزيرة، و أزالها تمامًا من القمر المصري نايل سات .. و في السويس قطع عنهم الكهرباء و المياه، و كأنه يتعامل مع مجموعة من الخراف و النعاج، و هو تصرف غبي آخر، سنجد له مثيلاً بعد قليل عندما ننتقل للحديث عن باقي الدول العربية .. تصرف غبي لأنه ببساطة جعل الناس التي التزمت بيوتها تنضم إلى المتظاهرين .. شخص لا ضوء يهديه الطريق داخل منزله و لا مياه ليروي بها ظمأه، و لا إنترنت أو أي وسيلة اتصال أخرى، فما الذي يجعله يلتزم المنزل ؟!

و كأنما هي عدوى، انتقل مرض الغباء من مبارك إلى نائبه، فبدأ التحدث عن أجندات أجنبية تحرك المتظاهرين، و أن ما يطالبون به غريب عن الروح المصرية الأصيلة، و هو الشيء الذي يثير الضحك بقدر ما يثير الغيظ، فالجهة التي تستطيع أن تحرك هذه الملايين لهي جهة جديرة بالاحترام، و هي الأقدر على حكم البلاد و لا شك !

المثير للشفقة كان الإعلام الرسمي، الذي كان يتصبب غباء و بلاهة، عندما يصر على وصف الأجندات، و يفتح المجال لمن يقول إن المتظاهرين يتلقون وجبات كنتاكي مجانية من أجل التظاهر، و يترك الحديث لمن يقول إن ميدان التحرير هو "ماخور كبير"، و يركز على الأماكن الفارغة من الميدان، أو يجعل مشهد النيل الهادئ هو ما يملأ الشاشة، و كأن السمك هو مَن سيتظاهر !

ثم انتقلت روح التحرر و التحرير إلى بقية الوطن العربي بعد أن استطاع الشعب المصري إزاحة مبارك عن كرسي الرئاسة – و إن كانت أقاويل تؤكد أنه لم يتزحزح تمامًا – إلى باقي الوطن العربي، ليظهر مصطلح الغباء الجمعي واضحًا للجميع ..

بدأ الليبيون في الدعوة إلى مظاهرات حاشدة يوم 17 فبراير، فصرح القذافي أنه سيعتقل كل من يدخل فيسبوك، ثم قطع الخدمة لاحقًا بالإضافة لقطعه كافة صور الاتصال، و خدمات أخرى، و هو ذات الخطأ الغبي الذي ارتكبه مبارك، متصورًا أن الأمر كله ينحصر في فيسبوك و تويتر، و أن هذان هما أس البلاء ..

انطلقت المظاهرات في اليمن، فتحدث عبدالله صالح عن الأجندات الأجنبية التي تحرك المتظاهرين، و هو الأمر الذي دفع البعض للبحث عن مورّد الأجندات الذي لا ينضب هذا، بحيث استطاع الحصول على "توكيل" الوطن العربي بأكمله .. ذات الخطأ الغبي الذي ارتكبه نظام مبارك من قبل ..

انطلقت المظاهرات في البحرين، فنزل الجيش يفرق المظاهرات بالرصاص الحي، و هو ذات العنف غير المبرر الذي استعمله القذافي و لا يزال يستعمله لصد المظاهرات و تفريقها، لكن القذافي تفوق على الجميع و لا شك .. استخدام المدفعية الثقيلة و الدبابات و الرشاشات الثقيلة و ربما الطائرات أيضًا، و استقدام مرتزقة من أفريقيا لقتل المتظاهرين .. لا أصف كل هذا بالغباء، فالغباء في التعامل مهما بلغ لا يمكن أن يبلغ هذه المنزلة، و لا أجد وصفًا أدق و أبلغ من قول الله سبحانه و تعالى "فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" ..

المشهد يتكرر من بلد لآخر، و نفس التصريحات و طريقة التصرف تتكرر من حاكم لآخر، و كأن المعين الذي ينهلون منه كله واحد، و كأنهم جميعًا رضعوا من بقرة واحدة، مصابة على الأرجح بجنون البقر !

لقد أسس الحكام العرب لمصطلح الغباء الجمعي، بل جعلوه مذهبًا في الحكم، و هو أمر – أزعم – أنه سيغير الكثير من نظريات علم السياسة، و سيدفع علماء النفس لبحث هذا الأمر، و إيجاد تعريف دقيق له، لكن حتى ذلك الحين، يبقى الغباء الجمعي المحرك الأكبر لتصرفات الحكام العرب بلا منازع ..

8.2.11

كيف ستتحول ثورة 25 يناير من "ثورة" إلى "نكسة" ؟


ستجتذب تدوينتي هذه المؤمنين بنظرية المؤامرة و عشاقها، و سيجد الكافرون بها أسبابًا عديدة ليتشاجروا معي، لكنني على ثقة أنني أسوق أدلة مقنعة للطرفين .. أيًا كان الأمر، فإن حقيقة صغيرة يجب أن تكون واضحة قبل أن أكمل: لست أنا صاحب هذا التحليل و الرؤية – التي أراها صائبة – لما سيأتي، و لا يتعدى دوري دور الناقل الأمين ..

على أية حال، و أيًا كان موقفك مما حدث في الخامس و العشرين من يناير الماضي، لا بد و أنك تعترف أنه غير الكثير في مصر، و أنه حرك الساكن الراكد فيها، بل أعاد تعريف الحركة أيضًا .. كيف إذن يمكن أن يتحول هذا من "ثورة" إلى "نكسة" ؟

لأكن دقيقًا، فالتعبير المناسب هو أنها ستتحول إلى "وكسة" و انتكاسة للشعب المصري، و المزعج في الأمر هو أن الشعب هو من سيحولها إلى هذا، بشكل غير مباشر ..

كيف هذا ؟

لنبدأ بأولى تصريحات محمود رضوان وزير المالية الجديد، الذي أعلن عن إنشاء صندوق لتعويض المتضررين من أعمال الشعب، قيمة محتوى هذا الصندوق خمسة مليارات جنيه .. هل تستطيع أن تذكر لي آخر مرة كانت الحكومة فيها بهذه الرقة و الوداعة و العطف ؟!

الملاحظة الثانية هي أسعار السلع الغذائية الآخذة في الانخفاض .. أنا أتحدث على الأقل عن الخضروات التي ألاحظ – و لاحظ كثيرون ممن أعرفهم – أن أسعارها تهبط، بعكس ما هو متوقع مع أزمة بحجم ما نحن فيه، أو كما يقول النظام .. هذه مجرد بداية ليس إلا، و المزيد من التخفيض في الطريق ..

الملاحظة الثالثة هي ما قاله شهود عيان عن أشخاص يتحدثون عن جمال النظام و حلاوة النظام و استقرار النظام، يندسون – حقًا هذه المرة – وسط الناس ليشيعوا نوعًا من الانهزامية في النفوس .. يضاف إلى هذا لغة الخطاب الأخير للرئيس، الذي تحدث إلى العواطف و نحى العقل جانبًا ..

ماذا تستنتجون ؟

حسنًا .. الأمر ببساطة أن الحكومة و النظام سيحاولون كسب الوقت .. عمر سليمان بارع في هذا براعة شديدة، و هو مفاوض لا يشق له غبار – على الأقل بالنسبة لشباب الثورة – و هو قادر على كسب الوقت إلى ما لا نهاية ..

في الوقت ذاته تبدأ الحكومة خطة "فخفخة الشعب" بالمعنى الحرفي للكلمة؛ تخفيض الأسعار .. تخفيض الضرائب و إلغاء البعض .. معاقبة رموز الفساد في الحكومة السابقة، و إصدار بعض الأحكام الثقيلة .. رفع الرواتب، و ربما تحديد حد أدنى للأجور .. باختصار، ستكون مصر جنة، و لكن بشرط: حسني مبارك لن يرحل الآن و لن يتنحى، ليحافظ على "الاستقرار" ..

بينما هذه الخطوات تجري على قدم و ساق تبدأ الخلايا النائمة و عملاء النظام في الانطلاق، و الترويج إلى أن هؤلاء المتظاهرين المحتجين في ميدان التحرير و غيره هم خونة ناكرون للجميل لا يعون شيئًا و لا يفقهون .. أليس هذا هو النظام الفاسد الذي يطالبون بإسقاطه، و هذا هو الرئيس الذي يطالبون بمحاكمته ؟ إنهم مأجورون عملاء، فكما ترون: "النظام زي الفل" ..

سيتم الترويج لأكذوبة أن الرئيس لا يعلم، و أن ما كان إنما هو من فساد معاونيه .. سيتم تجميل صورة مبارك الأب الحنون، الذي استجاب لمطالب الشعب و أصلح النظام و أقال الفاسدين ..

شيئًا فشيئًا سيجد أولئك الثوار أنفسهم محاصرين .. النظام من جانب، و جموع الشعب المغيّب المجهل المغسولة دماغه من جانب آخر .. سيحكمون فكي الكماشة في قسوة و ستُجهض الثورة و هي لا تزال في مهدها ..

لحظتها لن "تعود ريما لعادتها القديمة"، بل ستعود لما هو أسوأ من عادتها القديمة .. لا يهم أسيستمر مبارك لحظتها أم لا، فالنظام نفسه و زبانيته باقون، و ستعود قبضته أقوى و أقسى مما كانت ..

لا أقول إن هذا هو "ما سيحدث"، بل هو الذي "من الممكن أن يحدث" ..

أنا لا أخاف علينا – نحن المتعلمين – من هذه الخطة القذرة، التي لطالما استعملها النظام قبلاً في أوقات الانتخابات التشريعية؛ فأغلبنا يمتلك عقلية ناقدة يستطيع بها أن يفند ما يرى و يسمع، لكنني أخشى من نصف الشعب المصري .. خمسة و ثمانون مليونًا نصفهم جاهلون لا يعرفون – حرفيًا – "الألف من كوز الذرة"، و لو قال لهم النظام إن هؤلاء الثوار خونة عملاء يحملون أجندات أجنبية و يأكلون بدعم من الموساد و أمريكا فسيصدقون .. سيصدقون كما صدق البعض منهم خطاب مبارك الأخير، و مثلما هم مستمرون في تصديق تفاهات و خرافات التلفزيون المصري ..

رسالتي باختصار أن النظام يحاول الالتفاف حول الثورة ليقتلها قبل أن تولد فعليًا، فهي حتى الآن – إلى حد بعيد – ثورة الشباب المثقف .. يحاول أن يستعمل الجاهلين الذين صنعهم عبر تاريخه ليقتل الفئة المتعلمة الواعية، و يقضي على أي أمل لهذا الوطن في غد أفضل ..

رسالتي باختصار هي أن تلتفوا حول التفافه .. انتبهوا لهذه اللعبة البطيئة الخبيثة، التي سيفرم فيها النظام كل من ثاروا عليه فرمًا .. انتبهوا و اشرحوا للناس لماذا ستستمر المظاهرات و الاعتصامات و الاحتجاجات ..

اشرحوا للبسطاء الذين لم ينالوا حظهم من التعليم و التفتح على الدنيا، و الذين هم هدف النظام الحالي لوأد ثورتنا في مهدها .. اشرحوا لهم لماذا و كيف .. اشرحوا لهم من أجل مَن نفعل هذا .. اشرحوا لهم و اغسلوا ذلك العفن الذي عشش في عقولهم و السم الذي يسري في عروقهم، و اكسبوهم إلى صفنا لا إلى صفوفهم ..

لا تكونوا أقل ذكاء من النظام ..

و في الوقت نفسه لا توقفوا الاحتجاج .. لا تهدأوا .. لا تركنوا إلى الراحة .. اجعلوا كل شبر في مصر مصدر إزعاج لهم .. اضغطوا عليهم حتى يرضخوا .. إننا نحقق مكاسب متتالية، و نحرك الجبال الرواسخ من قديم الزمن، فلا تتوقفوا الآن ..

رسالتي باختصار: واصلوا، فالنصر حليف الحق، و نحن بإذن الله على حق ..


3.2.11

نظرة الى مواقف الجميع - لا عنوان يليق - الجزء الأول

أولا .. رسالة احترام و تقدير ممزوجة بخجل الى هؤلاء الكبار ، الشباب العظيم الذي أحيا مصر ، و الكلام يفنى دون فناء المديح .. و الخجل هنا هو خجلي من نفسي أني لم أكن منكم أو حتى معكم .. و أدرك أن هذه السطور القليلة قد تبدو للبعض مشاركة و لكن الحق انها عجز حزين و أنني اذ كتبت قد ازداد احساسي بالعجز ، فقد وجدت لنفسي فيه نوعا من الهروب من تأنيب الضمير و لوم النفس و المهانة التي أشعر بها .. و لكن أنى لي أن أبلغ معشار ما بلغتم و قد حملتم أرواحكم على أكفكم بينما أكتفيت بحمل نظارتي لأشاهد و قلمي لأكتب ..
ثانيا أود أن أوضح أنني كشخص رافض للسياسة و ابداء رأي بها ، و لكن ان كان الصمت من ذهب ، فان بعض بريق الذهب قد يشغل النفس عن الحق و يصرفها عنه .. و لذا سأتكلم ، بصفتي مصري شاخدت و استخدمت فطرتي في تحليل الامور ، دون انتماء لأي تيار سياسي ، و دون التحيز لأي طرف من الأطراف .. و سأجتهد قدر المستطاع أن أنقد و أحلل تصرفات و مواقف لا أشخاص و جماعات..
ثورة الشباب ، و انتفاضة ، أو مظاهرة .. سمها ما تشاء و لكن لا تهضمها حقها الذي أجزم بأن التاريخ سيذكرها به و يرفعها مكانة عالية ، ان لم يكن في القريب العاجل فسيكون في يوم ما عندما تسقط الايدي التي تثبت الأقنعة في مكانها حتى الان .. هذه الانتفاضة و الصحوة من سبات العجز التي هزت العالم أجمع و أولهم نحن ، هؤلاء الذين لطالما استسلموا لقوة النظام و خافوا بطشه ، و سكتوا على الظلم و عن طلب حقوقهم ، و اثروا الحياة في مذلة على المقامرة بطلب حقوقهم ، لقد أيقظنا الشباب من سباتنا و جعلنا ندرك أن أي صوت مهما علا لا يمكنه أن يسكت صوت الحق ، و انه لما قام الناس يطلبون حقوقهم بصدق ، أخذ القامعون يخربون بيوتهم بأيديهم و يختبئون ، و أن ضعفنا كان ليس عن قوتهم و انما عن عجزنا أن نرى ما نحن عليه من قوة .. ايها الشباب العظيم ، لن أقول اكتفوا بأنكم أيقظتم شعبا من سبات عجزه و لكن لو لم تنالوا من وقفتكم الصادقة هذه الا هذا لكفاكم ..
ألوم و أعاتب و أستنكر موقف جميع الاحزاب السياسية المعارضة في مصر و الاخوان المسلمون أنفسهم - و أنا لا أحمل لأي منهم ضغينة شخصية بل و أحترم بعض تصرفاتهم السابقة - ، ألومهم لأنهم لم يكتفوا بعجزهم و لم يخجلوا من أن تهافتهم على السلطة و تكالبهم على القيادة و الجاه كلف مصر سنينا من ضياع المعارضة و توحش النطام ليفتك بشعب أعزل ، تكالب عليه ابنائه يشدونه من ثوبه من كل جانب حتى تمزق ، لم يكتف هؤلاء بما فعلوا و لكنهم سعوا يمزقون اللوحة الرائعة التي رسمها هؤلاء الشباب ، يشوهون معالمها الجميلة ، يمزقون وحدة الصف بخلافاتهم السفيهة ، يضعون انفسهم أمامهم و يسمون أنفسهم قادة و هم حتى لا يستحقون شرف السير خلفهم ولا حتى التصفيق لهم .. عفوا لقد ظهرت سوءاتكم لنا فواروا أنفسكم و استتروا .. ان الفرق بينكم و بين هؤلاء الشباب ، السبب أنهم نجحوا في بضعة ساعات في تحقيق ما فشلتم فيه لسنوات ، هو صدق نيتهم و خلوها مما لوثكم ، و تذكروا ن التاريخ لا يذكر من يسعون خلفه ، و انما يسعى حول قوم ليذكرهم ..
ألوم الشعب المصري ، الذي رأى أن أسهل الحلول هو لوم هذا الشباب ، بل أخذ البعض يعترض على ما فعلوا لأسباب لو ذكرها التاريخ لسبنا و لعابنا ، فالبعض لامهم لأن أسعار الطعام بل و السجائر ارتفعت ، لامهم البعض على السرقات و النهب ، غير خاف عليهمالدور الذي لعبه النظام في هذا المجال ، بل زاد تبجح البعض و قالوا ان هذا كان متوقعا من النظام الحاكم حاليا ، و كان يجب عليهم أن يضعوا هذا في اعتبارهم .. و أعجز عن فهم اي منطق هذا و أي عقل بشري يقبل به .. هؤلاء اسحب منهم مصريتهم و انتماءهم لأهل مصر العظام ، أعلق هذه المصرية أوسمة على صدور رجال من نوع اخر ، رجال المقاومة الشعبية ، الذين حملو عصيا خشبية و هراوات و قطع معدنية بالية ليقفوا و يحموا بلادهم - و الضمير خنا لتخصيص مصر بهم و منهم دون سواهم - و أهليهم .. هؤلاء جعلوني ابتسم رغم حزني ، جعلوني لأول مرة أعي معنى الحديث الشريف الذي قال اننا في رباط الى يوم القيامة .. أقول ان الله ينصر من ينصره ، و اقول ان هؤلاء الشباب نصروا الحق ، و الحق من اسماء الله عز و جل ، نصروا الله فنصرهم ، و أحبط كيد أعدائهم و ايقظ هؤلاء الذين كانوا بين السبات و اليقظة ، أيقظهم على شمس عزة و كرامة ، فوقفوا بعصيهم يواجهون الطلقات النارية بخوف نعم ، لأن من لا يخاف أحمق ، و الحماقة لم تكن من صفة هؤلاء الشجعان .. نعم كانوا خائفين و لكنهم وقفوا و حموا أنفسهم و أهليهم في خين تخلى أولئك المنافقن الذين دعوا أنفسهم حماة الوطن عن واجبهم ، و لست أدري كيف سيستطيع أحدهم أن يجيب اذا ما سئل فيما بعد عن عمله ، كيف له أن يجد في كرامته - ان كان بقي منها شيء - ما يمكنه من الاجابة ليقول انه ضابط شرطة .. فهؤلاء ليسوا كما قالوا مطولا ابطال الشرطة ، انما الابطال الذين حملوا المسؤلية حين وكلت اليهم ، لم يقصروا و لم يشتكوا .. بل لمحت في أعينهم فخرا و سرورا و حماسة .. و شعورا بداخلهم أنهم ذوي قيمة ، ليؤكد مرة أخرى أن العيب ليس بالشباب ، و انما في النظم و الممارسات التي همشتهم و قتلت أحلامهم لعقود ..
التلفاز المصري اقول له كلمتان لا أجد في قواميسي ما يعبر عن موقفه خيرا منهما .. " أخص " و " اخي " .. فكل السفه و الاستخفاف بعقولنا لسنوات كوم ، و ما حدث في الايام القلائل الأخيرة أكوام اخرى .. فعلى حين كانت جميع القنوات العالمية المحايدة و غير المحايدة تبث صورا لميدان التحرير بمتظاهريه ، كانت كاميراتهم ترصد لنا النيل الهاديء الجميل .. جعلت من الشباب عملاء و جواسيس و مرتشون ، و استمر الاستخفاف بعقولنا الى أن حدثت المعجزة و أدركت أن تلفازنا القومي يتنبأ بالغيب مساء أمس ، فقد عرف قبل ثلاث ساعات كاملة أن قنابل المولوتوف ستلقى في ميدان التحرير .. مما يضع الاف التساؤلات ، كيف عرفوا ، و أين وعود السيد الرئيس بالوقوف بالمرصاد للعنف ، أين الوعود يا رئيس مصر .. و اية المنافق ثلاث منها اذا وعد أخلف
مهزلة اعلامية أخرى هو المتحدث الرسمي في مجلس الشورى .. لست اذكر الاسم و لكني لأول مرة استمع لمسئول محترم يقول لفظة " يركب" رسميا و على التلفاز ! ثم جاء مساء أمس ليقول مرة أخرى ان مظاهرات الثلاثاء المليونية كانت 10 أو 20 ألفا بينما كانت مظاهرات المؤيدين للرئيس 10 مليون مواطن .. ولولا وجود والدتي بجواري لانفجرت بسيل من الكلمات الخارجة..
لوم الأحبة أوجهه لجيش مصر .. أحبكم الشعب قبل نزولكم ، و استقبلكم بحفاوة عندما نزلتم .. فرح بكم عندما أعلنتم انكم ابنائه و انكم لن تطلقوا رصاصة على مصري .. أنا نفسي وقفت و تحدثت مع بعضكم في منطقتنا و وقفنا جوارا الى جوار نمسك بالعابثين بأمن البلاد .. و كنا نأمل أن يكون موقفكم اكثر قوة ، و لكننا رضينا منكم بالحياد و قدرنا أنكم تواجهون اختيارا صعبا بين شعبكم و بين رجل منكم ، و لكن الأمس تحول حيادكم الى حياد سلبي مستفز ، و انتم ترون جمالا و خيولا تهجم على شباب أعزل يلقونهم يالحجارة و السيوف .. ثم صمتكم و قنابل المولوتوف تلقى ، فهذا يصعب أن يسمى حيادا يا جيش مصر ، و فقد جعلتم طرفا أعزلا من السلاح و تركتم للأخر ما يعينه ان يعيث في الأرض فسادا .. حتى اضطررتم شبابا التزم السلم لتسعة أيام أن يدافع عن نفسه باسلوب ليس من شيمه ، ألومكم على قدر المحبة ، و على قد العشم كما يقال ، ألومكم لأنكم أتخذتم موقفا كموقف الداخلية التي طالما رفعنم نجوما في سمائها ، و سؤال يعود فيطرح نفسه اين كانت الداخلية هذه المرة ، و كيف تطلبون منا أن نثق في الحكومة الجديدة بينما أول اختبار لها فشلت فيه ؟! ليس حيادا ما فعلتم بل اعانة على الظلم يا سادة ..

يتبع

18.1.11

مريم التي ذهبت ..


كنت أردد دائمًا، و ما زلت حتى وقت قريب أنني عشت طفولة معذبة، و كانت مبرراتي لهذا هي شعوري العام أنني لم أقض تلك الفترة في اللعب و التنزه و السفر، و زيارة الأقارب، أو قضاء الوقت كاملاً أمام التلفزيون أو الحاسب ألعب حتى أنام على لوحة المفاتيح، و قد كان الأمر كذلك بالفعل؛ فأغلب سنوات طفولتي قضيتها أشاهد عائلتي تتصارع على ما اكتشفت مؤخرًا أنه للجيفة أقرب، أو قضيتها مع والدي أدور في فلكه فلا ألتفت إلى ما يشبع حاجتي إلى الحياة، أو قضيتها أجتر بعضًا من نفسي التي أهترأت مما سبق محاولاً استعادة التوازن الذي لم أعرفه يومًا ..

لكنني كنت أدعي، بل كنت أكذب و أتمادى في الكذب؛ فكل ذا ليس طفولة معذبة أو حتى "غير سعيدة"، بل هي طفولة تزن من الفرح أطنانًا، إذا ما قورنت بما رأيت في الأسابيع التي مضت ..

وفقًا لجدول دراستي، فإنني الآن – و حتى أسابيع قادمة – أتدرب في مستشفى الشاطبي للأطفال .. كنت متخوفًا من هذه الفترة، إذ أعرف أن مهاراتي في التواصل الاجتماعي تقترب من الصفر، و أواجه مأساة عظمى – أو أنني أراها كذلك – في التواصل مع الكبار، فما بالي بالصغار ؟!

كنت متخوفًا، لكنني اكتشفت مع الوقت أن الأمر ليس بهذا السوء .. أنا أتعامل في الأساس مع أم خائفة على ولدها، و تراني كولدها في الوقت ذاته، ما يجعلها تخبرني بكل ما أريد، و في الوقت ذاته تخبرني بلطف و بنوع من التسامح و بصدر رحب، إن صح التعبير ..

و بالإضافة إلى هذا، فإن السعادة التي تغمرك و قد اطمأنت الأم أن ابنها بخير، و انطلقت الدعوات من فيها أن بارك الله فيك، أو و أنت ترى الطفل يجري و يلعب بعد أن كان جثة هامدة .. تلك السعادة ليس كمثلها في الدنيا سعادة ..

و رغم تلك السعادة التي غمرتني و تغمرني، و التي لا أنكرها على الإطلاق، حتى إنني قررت أن أخوض غمار حياتي الطبية كطبيب أطفال، إلا أن للحزن – أو الاكتئاب إن شئت الدقة – مكان لا ينازعه فيه أحد، و الذي لا أظنني كنت سأكتب شيئًا من هذا لولا أنه قد فاض بداخلي ..

تخيل أنك ترى طفلاً لم يتم عامه الأول بعد، و ترى أمه فرحة به، لكنك تدرك أن هذا الطفل سينشأ متخلفًا معاقًا ذهنيًا، و سيكون عبئًا على أهله، و سيجلب إليهم المشاكل و المتاعب .. تخيل أنك ترى طفلاً لم يتجاوز السادسة، تكتشف أنه مصاب بفيروس الالتهاب الكبدي سي، أو بالفشل الكلوي المزمن، و أنه سيظل طول عمره مريضًا عليلاً يتردد على وحدة الغسيل الكلوي، أو ينتظر تليف الكبد و سرطانه يأتيه بظله الكريه يومًا من الأيام .. تخيل أنك ترى طفلاً يعاني من مرض خلقي في القلب، يعاني بسببه من نقص الأكسجين في دمه، و تراه يغرق في زرقة كزرقة الموتى، و ليس في يدك شيء تفعله إلا أن تصبّر أهله و تدعو له بالرحمة أن يستطيع اللحاق بموعد العملية الجراحية ..

تخيل .. تخيل فحسب .. و تخيلني كيف أكون – أو كيف يكون أي طبيب – أمام كل هذا ؟!

تحدثت ذات مرة إلى صديق أمرُّ معه بعد انتهاء الدرس على المرضى، نسمع منهم – من الأمهات بالطبع – و ندرب أنفسنا كيف نصبح أطباء .. تحدثت معه ذات مرة و قلت إن من يقولون إن طبيب الأطفال لا يصاب بالاكتئاب لأنه يتعامل مع كائنات رقيقة تبعث البهجة أينما حلت هم قوم جهلة، لا يفقهون شيئًا و لا يعقلون، و لا يعلمون ..

لا يفقهون أن طبيب الأطفال لا يرى الطفل إلا حال مرضه – في أغلب الأوقات .. يرى البراءة و قد أُغتيلت، و المرض ينهشها شيئًا فشئيًا، و هو إما يرجو الشفاء، لكنه لا يملكه، بل يبذل في سبيله العلاج و الدواء، أما الشفاء فمن عند الله، أو هو يرجو رحمة الله، فيريح الطفل و أهله مما هو و هم فيه ..
و لا يعقلون أن من يرى هذا كل يوم إما أن ينتهي به الأمر إلى اكتئاب مزمن، أو أن يفقد إحساسه بالحياة و ما فيها و من فيها ..
و لا يعلمون أن الطفل لا يواجه المرض فحسب، و لو كانت كذلك لكان الأمر هينًا .. إنه يواجه المرض، و الفقر، و الجهل، و الأهم من ذلك: الإهمال ..

مريم التي ذهبت كانت براءة تبلغ من العمر أربع سنوات، و من المرض آلاف السنين .. أول مرة رأيتها فيها لم أقو على الاقتراب، فحالتها التي رأيتها عليها كانت تنذرني بألا أدنو، ففيها ما يكفيها، و أنا في النهاية لن أقدم لها الكثير – رغم أني اكتشفت خطأ ذلك كما سيتضح بعد قليل – فلا داعي أن أزعجها و أزعج أمها فوق ما فيهما ..

كان أول لقاء لي بها صدفة، لكننا – أنا و صديقي هذا – قررنا استغلالها، و معرفة تفاصيل التفاصيل، لنكتشف أنها كانت مزروعة في خندق من الإهمال و اللامبالاة القاتلة .. مزروعة إلى الدرجة التي أذهبت كل جهودنا هباء ..

كنا نطمئن عليها، و نتفقد نتائج تحليلاتها، و ننذر الأم إلى مواطن الخطر، و ننبه الأطباء إلى علامات الخطورة، لنكتشف عالمًا سفليًا بغيضًا، لست أتورع أن أصفه بأنه قذر أيضًا .. عالم من الإهمال الكل مشترك فيه، من الطبيب على قمة الهرم، إلى الممرضات في قاعدته، و المبدأ فيه "أنا و من بعدي الطوفان" ..

كانت الحالة تزداد سوءًا يومًا وراء يوم، و إهمال رعايتها يزداد يومًا بعد يوم .. كل ما يشغل بال الأطباء هو أنها "على قيد الحياة"، غير مكترثين لأن حالتها تسوء بالفعل .. كانت محتجزة عندهم لما يزيد عن أسبوعين، و لم يكتشفوا أنها مريضة بالسكر إلا بعد أن أصر صديقي على أن يتيقنوا من هذه النقطة، لأنها جزء أصيل من المتلازمة التي كانت مصابة بها .. و حتى هنا، تأجل الأمر يومين حتى اقتنعوا أنها مريضة بالفعل، ليبدأوا معها العلاج بإهمال أيضًا ..

كانت الحالة تزداد سوءًا يومًا وراء يوم، و إهمال رعايتها يزداد يومًا بعد يوم، و بعد أن كانت تظهر أعراض المتلازمة الأصلية، بدأت تظهر عليها مضاعفات مختلفة، ثم كان اليوم الذي أتاني صديقي هذا بالخبر الذي وقع عليّ كصاعقة من السماء .. لقد ماتت !

لقد ماتت !

لقد اصطدمت بالموت عدة مرات من قبل، لكنها المرة الأولى التي ينتابني فيها مثل هذا الشعور .. شعور الصدمة التي تجعلك ترفض الواقع .. ترفض أن تكون قد ماتت، أو ماتت بهذه البساطة ..

عندما رأيتها أول مرة أدركت أنها بائسة، لكنها ليست شديدة البؤس؛ فالمتلازمة التي كانت تعاني منها كان لها علاج ناجع، و تطور حالتها - في الظروف الطبيعية – يوصف بالـ"جيد تحت المراقبة"، أي أن المتابعة الجيدة للحالة تبقيها كأن ليس بها شيء، لا أن تؤدي متابعتها أن تفارق الحياة ..

تملكتني حيرة و أنا أعيد التفكير فيما حدث .. أهي ضحيتنا لأننا نبهناهم إلى مشكلة خطيرة، فعالجوها بإهمال ما جعلها تسوء أكثر؟ أم ضحية الأطباء الذين نظروا إلينا باستخفاف باعتبارنا طلبة، بينما هم العلامة الفهامة، فتجاهلوا ما قلنا؟ أم ضحية التمريض الذي يشعر أنه يتحمل دومًا أخطاء الجميع فيترك الجمل بما حمل "و إياكش تولع"؟

ذهبت مريم، و مثلها يذهبون كل يوم، فادعوا لهم بالرحمة، و ادعوا لنا أن يغفر الله ما نفعل في هؤلاء الأطفال .. اللهم آمين ..

12.1.11

قراءة في استراتيجيات الحروب الدراسية

أحب هذه العناوين التي تبدو عليها الأهمية و العمق، حتى إذا توغلت في القراءة وجدت الكاتب يهذي، و يتحدث بما لا يعقل أو يُعقل .. إلا أنني هذه المرة أعنيها تمامًا؛ " استراتيجيات الحروب الدراسية" ..

من المعلوم أن البشر يولدون جهلة لا يعرفون شيئًا و لا يفقهون حرفًا، ليس معهم إلا غريزة أودعها الله فيهم حتى لا يقضي عليهم الموت – إلا من قُدر له هذا – في مستهل حياتهم، ثم تبدأ جذوة الغريزة تخبو شيئًا فشئيًا، و تحل محلها شعلة العلم ..

يتعلم المرء كي يرتقي، و "يرفع بيوتًا لا عماد لها"، و طريق العلم و التعلم ليس مفروشًا بالورود، و لا حتى أوراق الشجر الذابلة، بل إن الشوك هو أبسط ما فيه، و أقله إثارة للألم .. طريق العلم طريق حرب متصلة مع النفس و شهواتها التي تجر المرء جرًا إلى الأسفل، و حرب متصلة مع الذين استسلموا لأنفسهم و شهواتهم فليس لهم همٌ إلا جرك إلى الأسفل دومًا، و حرب متصلة مع عمر قصير تكتشف مع الوقت أنه لا يكفيك، و أنك ستقضيه كله فلا تشعر أنك وصلت إلى ما تصبو إليه نفسك – إن كانت نفسًا طموحة ذات همة عالية ..
هو طريق حرب، لكن به من الحلفاء الكثير .. يعاونك أهلك كي تستمر، و يعاونك مدرسوك كي تعلو و ترتقي، و يعاونك من قبلهم إيمانك كي تنسى الألم، و من فوق كل هؤلاء و من حولهم توفيق الله و تسديده خطاك ..

لكننا في مصر لا بد و أن نختلف .. مصر دولة ذات خصوصية، و هذا شيء لم أعد أتعجب منه أيًا كان موقع هذه الخصوصية .. نحن نختلف عن الآخرون – و الآخرون بالواو مقصودة – في كل شيء، و كلما كان الاختلاف نحو الأسوأ كلما كان أكثر ثباتًا و تثبيتًا لنفسه، و كلما كان أشد رسوخًا من الحق في وضح النهار ..

نحن في مصر نختلف، فالحلفاء في طريق العلم ليسوا كُثُرًا .. هم نفسك التي ترقص على حبال الشك، و شيء من أهلك الذين أعيتهم الدنيا بما فيها و من فيها، و بعض من الإيمان الذي يتزعزع و يتزحزح تارة و تارة من فرط ما يرى صاحبه .. ليسوا كُثُرًا و ليسوا ينفعون وقت الحاجة، فأغلبهم يحتاج إلى من يعينه ..
و فوق هذا و ذاك، و كأنه ليس يكفي، تجد أن مدرسيك قد جعلوا منك عدوًا و هدفًا، و ناصبوك العداوة و البغضاء التي بدت من أفواه أغلبهم – و ليس كلهم كي لا نظلم – فأنفقوا الأيام و الليالي كي يتفننوا كيف يحيلون ما تبقى من حياتك جحيمًا يدفعك كي تتخلص منه فتصله بجحيم الآخرة ..

ربما تقرأ و تتعجب، و لربما ترميني بالتعدي و الغلو و التطرف، و لك الحق في ذلك و لست أنكره .. أنا نفسي ظللت أنكر و استنكر هذا عامين متصلين، ثم بدأت أتشكك فيه لعام آخر، ثم أؤمن به على وجل لعام آخر، حتى أعتنقته مذهبًا بعد خمسة أعوام قضيتها في كلية الطب، واجهت فيها الكثيرين ممن يحملون رسالة تعليم أجيال جديدة، و تخريجها إلى المجتمع أطباء أكفْاء يقومون بما يجب القيام به، لكنني اكتشفت أنهم حملوا الرسالة إلى بائع الخردة و استبدلوا بها أكوامًا من الأموال ألهتهم عنها، فأخذوا يجرون وراءها لا هم لهم إلاّها و لا دنيا تدور إلا حولها، و بعضهم – أعاذنا الله – اتخذ منها دينًا يمشي بفقهه بين الناس ..
تجد أن هؤلاء لا يقيمون لك وزنًا، فلا يأتي أبدًا في الموعد، و إن أتى فلكي يرحل سريعًا لأنه مشغول بعيادته الخاصة، أو محاضرة يلقيها هنا أو هناك، أو هو لا يرى فيك نفعًا من الأساس، و هو يرغب في الرحيل عنك بأسرع مما جاءك حتى إن كان خالي الوفاض ..

ثم إذ هو يلقي على مسامعك العلم، تجده يلقي إليك بفتات الكتب، و بقايا الدوريات و المجلات، و جيفة ما تركه العالم وراءه منذ زمن، باعتبار أن هذا هو قدرك من العلم، لكنه في الوقت ذاته يطلب منك أن تتعامل مع هذه الفتات كأنها الدر النفيس و الذهب البندقي الصافي، فلا تراجعها وراءه من كتاب، و لا تتثبت منها من مرجع، بل قوله الفصل، فهو العلامة الفهامة الذي بقر بطون الكتب و أتى على علوم الأولين و الآخرين، و ما ذاك الذي في الكتب إلا سقط متاع ..

ثم إذ أنت احتلت حتى تحصل على ذلك المصدر الجهنمي الذي يأتي منه بما يقول، تجده يتحدث في اعتداد كاذب بإن ما يقوله هو حصيلة قراءات كثيرة، و إن هذا هو مجهود السنين، و هو لن يسمح لأحد أن يأخذ مجهوده، لتكتشف في النهاية أن مصادره ليست إلا هشيم الكتب، و سقطات المؤلفين، و أنه لا ينتقي إلا ما يحرق دمك و يشعرك بالعجز ..

ثم إذ أنت رأيته في محفل علمي يضمه إلى جانب قامات عملاقة حقًا و صدقًا وجدته يرتجف كالفرخ المبتل لا يقوى على الحديث في حضورهم، يتلعثم في الحديث و تبدو عليه أمارات الجهل إذا ما سُلط عليه نور العلم و الحقيقة، مهين و لا يكاد يبين ..

ثم إذ أنت فعلت مثلي، و قررت أن الوقت قد حان كي تحصل على العلم كما ينبغي لك حتى تكون شيئًا ذا بال و قيمة، وجدته يناطحك و يناصبك العداء الصريح الواضح الذي لا لبس فيه و لا تورية، و تجد جملاً و عبارات لا تخرج إلا بين الأنداد و الأعداء تتهاوى على مسامعك لا تدري أأنت تسمعها أم يخيل لك ذلك أم أنك تهذي، تجد "ابقوا خلوا اللي بتعملوه ينفعكوا" و "حتشوفوا" و "و حياة أمي اللي حيدخل لي في الجزئية دي و ما يجاوبش لأكون مسقطه" و "أغبيا" و "الحشرة الحمرا اللي سايبة المحاضرة و ماشية ورا دي" و غيرها مما تحتاج لقائمة من المطاط كي تستوعبه ..

ثم إذ أنت أدرت الأمر في رأسك وجدت عجبًا؛ فلا هو أعطاك من العلم ما ينفعك، و لا أنت سلمت من لسانه إذ استسلمت لما يقول، فتهوي عليك عبارات السباب و التقريع و اللوم و توصف بالكسل و الخمول و الركون إلى "المعلومة التي تأتي بالملعقة"، و لا سلمت من تشكيكه إذا ما انطلقت في أمهات الكتب تبحث و تقرأ، فتسمعه يتحدث عن المرجع الفلاني بإنه ضعيف، و الكتاب الفلاني بإنه غير واضح و غير محدث و قديم، و لا أنت سلمت من لسان الناس إذ يجدونك على هذه الصورة المخزية من الجهل، أو الجهل الذي يرتدي ثوب العلم، و الذي – كي تزداد الأمور سوءًا فوق سوء – يبدو مضبوطًا عليك تمامًا، فينخدع الناس بك ..

تتعجب إذ ترى أن من يفترض فيهم أن العلم قد هذبهم قد استحالوا به لونًا من حثالة البشر لا مثيل له، فهو الوجيه الصعلوك، الذي تُحنى له الهامات و القامات، لكنه في نهاية الأمر لا يساوي جناح بعوضة، و هو في الوقت ذاته من يتحكم في مصيرك و مستقبلك، و بيده تلك الورقة الخرقاء البالية التي تقول إنك مشهود لك بدراسة الطب و يحق لك أن تمارسه على أجساد العباد، و هو في الوقت ذاته يناصبك العداء لسبب مجهول ..

و كثيرًا ما فكرت في هذه العداوة التي لا تبدو مبررة، و لا يظهر لها أي سبب مقنع أو حتى خوارقي، ثم ركنت بعد تفكير طويل إلى أن الله يبتلينا بمجموعة من العصابيين الذهانيين، مرضى النفوس و القلوب، المسلطين علينا، كي نتطهر مما أذنبنا في حق العباد و رب العباد، و بقدر ما أراحني هذا التفسير، إذ فيه في النهاية فائدة لي كي ألقى الله و قد تطهرت مما اقترفت في حياتي، إلا أنني أصبت بالرعب، إذ أدركت أنه وفقًا لهذا التفسير، فإنني لم أفعل حسنة واحدة في حياتي !

طريق العلم هو طريق حرب، لكنه في مصر طريق استشهاد !

11.1.11

كما انا

لو أن الحب يباع ويشترى..

لن اشتريه ...

لو أنه بالشعر يرتجى..

لن ارتجيه ...

لن اسأله ...

ليس لي غير قلبي..

رأس مال ..

أبذله ....

لن اساوم على هويتي ..

من أكون ..

ومن أنا ..

الحب ان تقبلني ..

كما اكون ....

الحب حرفين ..

لكنه..

اكبر من كلمة " أنا"

اكبر من " أنا اريد "

ما احببتني لو قلت..

" احبك..

ولكن كن شخصا جديد ...

كما اريد "

فلست افضل من احبك ..

ولن اكون..

ولست اول من احبك ..

ولن اكون ..

الاخير ...

ولست اطلب الكثير ..

أحبيني بلاشروط ..

بلا قيود ..

كما احبك ِ.

عندها..

سيكون شعري كله ..

لكِ.....

ملكي كله ..

سيكون ملككِ

شيئا رخيصا..

لا يساوي حبك .....
لكنني..
لن اشتريه..

ولن اطلبه ..

ولو بالشعر احصل عليه

لن اكتبه ....


عبدالرحمن كمال

11/1/2011

9.1.11

أزمة ثلث العمر

عجيب أمر الانسان .. في يوم يشعر إنه ملك الدنيا .. اكثرها موهبة .. احّدها ذكاءا .. اوسعها معرفة .. ارقها طبعا .. واكثرها رومانسية ... وفي يوم يحس إنه لاشيء .. وأن كبرياءه مبالغ فيه .. وان ثقة في نفسه لا تستحق كل هذه الضجة .. تظن هذا مَرَضيا ؟ فكر ستجد نفسك خضت خلال هذا الامر على الاقل مرة في حياتك ؟

أنا عارف حتقول إيه .. إني مازلت صغير جدا على ازمة منتصف العمر .. ولكن ما لاحظته إن هناك اناس كثيرون يمرون بنفس الاعراض في نفس السن و نفس الاعراض .. اقترح تسمية المتلازمة دي أزمة ثلث العمر .. دي بتحصل عموما في الاشخاص ذوي معدل الذكاء فوق 120 " ذوي الاحتياجات الخاصة" وذوي الاحتياجات هم من يطمحون دوما الي تحقيق الذات بلا توقف .. قدرة لا مثيل لها على جلد الذات ولابد من تلبية الاحتياجات بإنجاز ما من حين إلى آخر.. وكلما زاد ذكاءك زادت معاناتك و بدات اسرع في الاعراض .. الاعراض دي بقى بتتلخص في حنق على الذات .. المعرفة رويدا رويدا أن احلامك الوردية بدأت تبهت تدريجيا تحت وطأة الواقع القاسي الامبالي بك .. تبدأ ببطئ ومرارة تشعر بنفس الشعور الحائر للعلماء قديما عندما بدءوا في الشك أن الكون لا يدور حول الارض وأن الشمس لا تدور حول الارض تبدا أنت تعي تدريجيا أن الكون لا يدور حول الارض ولا الارض تدور حولك وأن احدا لايأبه بك اكثر من نفسك و في بعض الاحيان تبدا تشعر بالخيانة من نفسك ذاتها .. كيف خنت نفسك ؟ لماذا عجزت عن وضعك على اول الطريق الذي اتفقتم عليه ؟

- الم يكن غرورك يصور لك إنك أعظم بني أدم واطيبهم وارقهم وممكن اذكاهم ؟

- نعم ومازل الحق يقال

- طب فين ده على ارض الواقع ؟

-..........

الاجابة على السؤال في الحوار الطفولي ده هي البوابة التي يعبر منها الشخص من المراهقة إلى النضج .. من الغضب على الحياة إلى الاستمتاع بها ..

من الانسياق وراء ضغط الاقران " peer pressure " إلى العزلة ومنها إلى الاختلاط بهم مع عدم الانصياع إلى ما لا يناسبك ..

هو ما يقودك من احساس من الاكتئاب المتقطع .. عدم الرضى عن النفس او الرضى الشديد .. ما يعبر بك هو ... لأ أدعي إني توصلت لإجابة قاطعة واضحة جلية جميلة كالشمس .. لا ادعي إني توصلت إلى الحقيقة الكاملة . ولكن وصلت لبعض الاجابات التي فرجت عني بعض شظايا هذه الازمة ..

بعض الاجابات لذوي الاحتياجات الخاصة من امثالي .. إنه الله قسم الارزاق بين الناس ليس فقط في المال ولكن في العلم و الجمال و الطباع والعقل والفهم والقدرات الفردية لحكمة يعلمها وحده لا تبدوا ظاهرة لك ولكنها موجوده في كثير من الاحيان لا تبدو عادلة .. أيضا بعض مما اراح بالي إن كثيرا ممن اراهم يمرون بنفس الاعراض هم في الحقيقة من اكثر الناس قدرة و قابيلة واكثرهم إنجازا ولكنها فقط نفس تواقة للأفضل .. إذن ليس الامر فقط ان الانسان خذل نفسه لو قعدت به همته عن حلمه .. ربما هو يفعل ما لا يرى و لديه ما لا يرى ..

بعض هذه الاجابات في معرفة أن ليس كامل السعادة ان تكون مبهرا للناس .. اجتماعي تتبع الموجة .. كثير الخروج ولكن بعضا من العزلة يفيد ترجع بعده بشخصية مستقلة لا تقلد هذا او ذاك في شيء صح او خطأ حتى تكون لك قناعاتك الشخصية .. متى طورت شخصية تفكر بذاتها ولنفسها ولا تدع أحدأ آخر يفكر لك فهذا شق من النضج لا بأس به ..

لقد استغرقني الامر أشهرا لكي ادرك اني في مشكلة أصلا ولم ولن يستطيع احد مساعدتي في إيجاد أي إجابة لأسئلتي .. .. ولن يستطيع احد مساعدتك .. كل من قال لي انت عظيم انت موهوب انت تستجق الافضل انت اجمل إنسان لم يساعدني لأني كذب علي وعلى نفسه.. هي لجة علينا جميعا ان نعبرها بنفسنا على قواربنا الخاصة .. لنصل لشطوط نحن نحددها .. فلن يعبر معك أحد ولا ينبغي لأحد ان يحدد لك اين ترسو ....

عبدالرحمن كمال

14/8/2010

3.1.11

الوصايا الألف .. العشر التاسعة

أوصيك يا هذا وصية فاقد الشيء، الذي هو - حتمًا - لن يعطيه ..

الوصية الحادية و الثمانون: على الناس وزر ما جنت أيديهم، لا ما جنت يداك
الوصية الثانية و الثمانون: نصيحة سوء تقال بلطف، تغلب نصيحة حق تقال بفظاظة
الوصية الثالثة و الثمانون: كثرة التوهم تزيد الهم، و تجلب الغم، و لا تزيدك في الحق شيئًا
الوصية الرابعة و الثمانون: إذا سألت الله فلا تسأله المال الوفير، بل اسأله مالاً لا يتقاتل الناس من بعدك عليه
الوصية الخامسة و الثمانون: مَن أكثر اللوم تصيّد الناس هفواته
الوصية السادسة و الثمانون: توقع الأسوأ من الناس دومًا، و لن تجد سواه منهم
الوصية السابعة و الثمانون: لا يوجد مَن يَعدَمُ الوسيلة
الوصية الثامنة و الثمانون: ستكتشف مع الوقت أن الاعتراف بالخطأ ليس أقل أهمية من تفادي الوقوع فيه
الوصية التاسعة و الثمانون: أن تصر على أن يكون رأيك هو الرأي الأوحد، فذلك يصنع الأعداء أسرع من رصاصات البندقية
الوصية التسعون: أن تلاحظ فهذا نصف الطريق إلى الحقيقة .. النصف الآخر أن تعمل بما لاحظت

و إن كان لنا في العمر بقية، فعشرة كل حين ..

Related Posts with Thumbnails
 
Share
ShareSidebar