10.3.08

عوادم 12

حكايات من حي فلكلوري (4)

رحلة ممتعة

حكيت لكم في الحكاية الأولى يوم عاقبني أبي ظلما ظنا منه أني لعبت في الشارع مع أصدقاء السوء وانه سأل الشيخ فتحي لاحقا فعرف أني كنت نائما في المسجد ، أحس أبي بالذنب ولأنه يعرف كيف أني لم أذهب أبدا للأرياف فقد قرر ان يأخذني معه في رحلته الأسبوعية إلى هناك والتي تحولت إلى شهرية بعد موت جدتي ، لم أعرف إن كان هذا تكفيرا منه عن معاقبتي أم إمعانا في العقاب ، بصراحة ظننته في بادئ الأمر ينكل بي حتى عرفت انه عرف الحقيقة ،

المهم لم استطع ان أنام هذه اليلة فقد كانت المرة الأولى التي سأخرج فيها من الأسكندرية ،انا لم اتجاوز من العمر الست او الخمس سنين ، لم أدخل المدرسة بعد ، بالكاد استطيع ان أتكلم والتحدث وليس لي اي اصدقاء اتحدث إليهم على الإطلاق سوى اخواتي البنات او قل أخي الكبير الذي كنت أدعوه دائما (بابا أحمد)

ظللت ساهرا حتى السادسة فجرا وذهبت مع أمي التي أخذت إجازة يوم السبت كعادتها قبل ان تصبح إجازة رسمية وصلت انا وأمي إلى البلد حوالي العاشرة صباحا وكان أبي ينهي عملة ثم يلحقنا على صلاة العصر ، اول ما ذهبت وجدت لأول مرة شوارع غير مرصوفة و أناس يغسلون آنيتهم وبهائمهم واولادهم في مياة ما يدعى بالمصرف ودخلنا شارعا صغيرا به عدة بيوت عرفت أنه كان من قبل ممر في بيت جدي قبل أن يقسم على أبنائه من الورثة ، وعندما دخلنا البيت المنشود وجدت امرأة هي في الثمانين من عمرها مقوسة الظهر تشبه أبي وأختي الكبرى إلى حد كبير ، إنها جدتي ، فرحت الجدة بي جدا وسألتني ( أنت محمد ولا انت مين ؟ ) الحقيقة لم استطع الرد كنت خائف جدا منها ، أبي الشخص نفسه الذي يرعبني تنحنحه كان لا يحكي عنها إلا في خشوع ممتزج بخوف وانا كانت تبدوا مرتعبة منها أيضا ن فجدتي كانت لها شخصية كاسحة ، فقد مات زوجها وهي في العشرين ونيف من عمرها ولديها أربعة أولاد وبنت وربتهم حتى صاروا أمثلة تحتذى وخصوصا "كمال" الذي ربته بنفسها ووحدها و علمته في بيئة قد عز فيها التعليم إلا على أولاد الأغنياء غير ان عائلتنا مستورة -عن طريق قوة شخصية جدتي- أستطاعت ان توفر لأبي قسطا وافرا من التعليم أكمله هو بعده بنفسه وبكده وتعبه ، الشاهد انها ربت خمسة أبناء على افضل قيم وكانوا يضرب بهم المثل في الأدب والتفاني والذكاء أيضا ، ولذط عندما كان تكلم ابي عنها كنت اعرف انه يخاف منها تماما كما كنت أخاف منه ن ولذلك ارتعبت منها ، لم استطع الرد إن كنت محمد أو ميدو او عباس ، ردت أمي مسرعة: ( ده عبدالرحمن يا حاجة) ردت جدتي (آه الواد الأخراني ؟... طيب يا كبدي تلاجي بنت ال.. (أمي) مفطرتكش أجعد أحلبلك شوية حليب و وأسجيلك(أسقيلك) فيهم، بعدين تروح تلعب مع عيال عيلة سعد ) كنت اكاد أطير من الفرح فالأوامر العليا جاءت بأن ألعب مع العيال و خصوصا احفاد سعد عمي كان أحب شخص لي في الوجود بعد أخي أحمد فقد كان يزورنا باستمرار وذهبت لألعب مع أصغر أحفاده محروس ومحمد اولاد إبن عمي اللذان يكبراني بسنة او سنتين ،لأن ابي أصغر أخوته وانا أصغر اخوتي فلعلك تدرك المفارقة ، وكان يوما رائعا ، لو ألفت عنه قصة لسميتها (ابن كمال في الغيط ) كان قد جاء قت الزوال و أذن الظهر وذهبنا كلنا لنصلي ، لم يوجد ذكر في البيت لم يذهب ليصلي ، وبعدها أخذني محروس في إحدى مهامه اليومية المقدسة فقد أخذني معه لنأخد البقرة والجاموسة للغيط لنطعمها و (نحش) بعض البرسيم للبهائم الأخرى وعلمني كيف أفعل ، لا أخبي عليك تسببت لذلك المسكين بمصائب عده ايسرها في هذا اليوم لم أقتلع البرسيم بل أخذت ما يقرب من عشرة عيدان من الذرة ووضعتها مع البرسيم وجاء أبيه وكاد ان يجن وانا في حل في ان أحكي ماذا حدث، المهم عدنا بعد عناء لصلاة العصر في مسجد القرية وأخذنا معنا البهائم نرجعها ثم نصلي ، وكنت خفيف الوزن فكان إبن عمي قد وضعني قوف احد البهائم وبينما انا هكذا إذ رأيت ابي ظننت أنه سوف يعاقبني كسحرة فرعون الذن آمنوا ولكن لدهشتي لم يتعرف علي ، كان بالنسبة له منظر ألفه منذ الطفولة رأى ولدا على بقرة ما الغريب في ذلك ؟ ولكن عندما عدت أيضا إليه تعرف علي بالكاد فقد كانت الشمس قد أذهبت بياض وجهي الذي ورثته عن أبي و الطين قد غطى بقيتي وملابسي و ربما بقايا بعض مخلفات الحيوانات أيضا ،لا أعرف، أخذ أبي يضحك ويقول" لو سبتك بس يومين هنا حرجع الاقيك عسكري امن مركزي " استحممت في غرفة جدتي و انتظرت صلاة المغرب حيث العشاء وجبتهم الرئيسية و أكلت بعض أكل جدتي التي لم اذوق مثله أبداوكانتفيه دسامة مقصودة وكانت تشخط في أبي بين حين وآخر ليأكل ويذهلني انه يطيعها و أحيانا في فكنت أحاول أن آكل بأكثر مما يتسع فمي وأكثر مما أستطيع ، وشاهدنا المسلسل مع عائلة عمي بعد العشاء في تلفزيون أبيض وأسود عتيق وإن لم تشاركنا جدتي إذ بقت تخيط بعض ملابسها فهي لا تسمح لأحد بخدمتها في هذه السن إلا القليل جدا من أحفادها ، وبت مع ابي وأمي و البراغيث و الناموس كالكابوس في تلك المنطقة ولكن بدا أن امي هي الوحيدة المتعاطفة معي إذ يظن الجميع إني ادعي و اتظاهر لخوفي من المبيت بعيدا عن بيتي للمرة الأولى وكان في الواقع انا كنت أكثر من راض واكاد أطير من الفرح واتمنى من الله ان أتي مع أبي المرة القادمة لإساعدهم في جني القطن ولكن كنت قد التحقت بالمدرسة ولم ازور القرية سوى بعدها بشهور ولكن حتى الآن كلما زرت القرية كان لذلك شعور خاص لا يوصف حقيقة بأنه مجرد "سعادة" أو"النشوة" فلنقل مجازا هوشعور انبهار طفل صغير بعالم لا يعرفه !






هناك 3 تعليقات:

المـــفـــــــقــــــــوعـــــة مــرارتـهــا يقول...

حياة الريف حلوة اوي بتحس فيها بسكينة عجيبة وهدوء نفسي رائع
رجعتني لأيم زمان ياخلبووص

عبدالرحمن كمال يقول...

شكرا كتير على التعليق ...

وعلى فكرة وده تنويه لكل زوار المدونة : أي حد عايز يرجع أي زمن يقوللي ، انا عندي آلتين زمن وبسكليتة بستخدم آلة زمن واحدة وشايل التانية للحبايب ، وإحنا نفسنا نخدم والله :))))))))))

Khadieja Eshra يقول...

طب الة الزمن و عرفناها البكليته بقى بتعمل بيها ايه؟؟؟:))))
التدوينة تحفة قوى

Related Posts with Thumbnails
 
Share
ShareSidebar