6.3.08

الذهب الأحمر - الفصل الأول

" أتساءل حقًا كيف يمكن لأناس كهؤلاء أن يعيشوا ... أسمع الكثير من الحكايات عن الغوغاء، لكنني لست أصدق ..
كيف يمكن لأناس أن يعيشوا بكرونك واحد في اليوم ؟ .. ما الذي يمكن شراؤه بمثل هذا المبلغ الزهيد ؟ .. كيف يمكن لأناس أن يحصلوا أقواتهم من مخلفات بيوتنا، و أن يرووا عطشهم مما تصرفه مراحيضنا و أحواضنا ؟ .. كيف لهم أن يعيشوا هكذا، و كيف لنا أن نعيش هكذا ؟ ..
أسمع الكثير من نارزا مربيتي .. لكن أحقًا ما تقول ؟ .. اليوم أعرف .. اليوم أتيقن .. اليومك عندما تغرب الشمس و يغرق الكل في سباته العميق .. "
أغلق الأمير را-هيمين دفتره الذي يدون فيه يومياته، و وضع الدواية و القلم جانبًا، و استقر عزمه أن ينطلق الليلة .. كان قد اشتري بعض الملابس التي تشبه ملابس الغوغاء بمساعدة من مربيته نارزا، التي كانت واحدة منهم إلي أن استطاعت أن تخرج من هذا المستنقع البغيض - مستنقع الفقر و العوز - إلي القصر الملكي .. عاونته لأنها تعلم طيب منبته، رغم أن والده الملك با-هيب ليس الغول المتصور، لكنه أصيب بمتلازمة أمراض السلطة الثلاث: الصمم - الصمت - القمع .. صمم شيئًا فشيئًا عن الأصوات المطالبة بالحق، ثم صمت علي ما يجري من ظلم، ثم قمع لكل من يعارض و يوصل صوته له، باعتباره لن يعرف أكر مما يعرف ..
تعرف هذا، و تدرك أن الأمير علي غير طينة والده، فهو علي الأقل لم يدخل في خضم السلطة، و حتي و قد مُنح جزءًا من السلطة بتوليه مجلس المشورة الملكية، تراه يبغي في النهاية العدل وحده .. ربما لأنه يدرك أن الظلم ظلمات فيما بعد ..
عاشت هي حياة مديدة .. أتمت عامها الثمانين منذ أشهر، لكنها لم تشهد من سنينها سوي أربعة عشر في رغد القصر، بينما كان ما سبق هو الموت كل يوم ألف مرة من الفقر و الخوف من القتل علي يد اللصوص ليسرقوا لا شيء منها سوي حياتها التي لم يعد جائزًا أن تُصنف من حيوات البشر ..
لهذا عندما تولت تربية الأمير الناشئ، و قد حصلت علي هذا الشرف هبة من الملك بعد أن أنقذت ولي عهده من الموت تحت سنابك الخيل و عجلات العربات بعد أن أفلت من يد مربيته السابقة، التي قابلت ربها بالطبع بعدما حدث، رغبت أن تنشأه محبًا للغوغاء .. يسمونهم الغوغاء لكنهم أبعد ما يكونوا عن ذلك، فهم لا يجدون الطاقة لهذا من هول ما يعانون من الفاقة، لكن ما حيلتها و قد التصقت بهم هذه التسمية علي مدي قرون طويلة ؟ ..
و قد نجحت ..
عندما أخبرها أنه يريد أن يهبط من عليائه ليري هؤلاء الذن تتحدث عنهم، و يري كيف و بأي شكل من الأشكال يحيون .. عندما أخبرها بهذا كاد قلبها المسن أن يطير أو يتوقف - أيهما استطاع - من الفرح ..
و قد كان ..
في ظلام اليل ارتدي تلك الأسمال البالية التي حصل عليها من مربيته، و تسلل بخفة يُحسد عليها من فوق الأسوار العالية التي حجبته طويلاً من هؤلاء، و إن هي إلا لحظات حتي كان في الطريق ..
ينظر بدهشة .. يدرك أن دهشته تنم عن جهل تام .. مشي رويدًا رويدًا لا يبغي الابتعاد قبل أن يطمئن أنه لا أحد قد اكتشف تسلله .. ثم انطلق ..
سار في الطرقات المظلمة، التي تركم رائحة أكوام القمامة بها أنوف من فقدوا حاسة الشم، و التي تعوي قططها ككلابها عواءًا هو أقرب لندب الحال منه لمناداة أو مناجاة، و التي يضيئها مصباح وحيد، يحتاج لمن يضيئه هو أصلاً، و موكل إليه مهمة نشر النور في شارع طوله أضعاف ما يستطيع بلهبه المنكفيء علي نفسه ..
سار في الطرقات يستمع لتلك الآهات التي انطلقت من خلف أبواب لا تستر بل تفضح علي الملأ ما بداخلها .. سار في الطرقات ينصت لضحكات أناس بلغ الهم منهم مبلغه فلم يجدوا ما ينفسون به عن أنفسهم سوي الهلوسة .. سار في الطرقات يشعر أنه يستحق القتل الف مرة ..
أن تعيش في بحبوحة من العيش علي رأس قوم هم أقرب للموت منهم للحياة و أنت لا تدرك فالموت حت لا يكفيك ..
و من بعيد تراء له شبح ضوء خافت، كأنه من أعماق بئر يخرج، فسار إليه و قد بدا له نشازًا وسط هذ الظلام الذي يحيط به .. اقترب منه و قد لاحت لافتة مهترءة لا يتيبن المرء ما كُتب عليها، إن كان ثمة شيء مكتوب، إلا بعد جهد، و للابما في النهاية يفشل ..
لم يهتم كثيرًا بقراءة ما كُتب، فقد جذبته هذه الأصوات المتعالية و كأن الدنيا في وضح نهارها، لكنها لم تكن أصواتًا بقدر ما هي حشرجات و ما يقترب من نهيق الحمار في البشاعة ..
دفع الباب و دخل، و أدرك من فوره أي مكان دخل ..
لم يكن سوي حانة كبيرة، تعجب حقًا كيف يكون أناس بهذا الفقر قادرين علي إيجاد المال اللازم كي ينفقوه في مثل هذا المكان .. دخل و قد جذبه المنظر، و رغبته و فضوله الذي يريد أن يرويه، و توجه نحو المكان الذ استنتج أنه الوجهة الأولي لمرتاد الحانة - طاولة تقديم المشروبات بالطبع ..
لربما شابه مظهره مظهرهم، لكن نظرات عينه المندهشتين الفضوليتين لفتا الأنظار إليه .. جلس في هدوء، و تحير ماذا يفعل و هو الذي لم يقرب مسكرًا من قبل، و لن يقربه من بعد ؟ .. لكن عقله لم يضن عليه بالحل ..
- طلبك يا هذا ؟
أزعجته اللهجة الجافة، لكنه تدارك الأمر بأنه هنا واحد من الغوغاء لا الأمير را-هيمين والي مجلس المشورة الملكية .. قال و قد أراد لصوته أن يبدو جافًا خشنًا:
- لنبدأ بكوب من الماء أروي به عطشي ثم لننظر بأي السموم ننسي ما نحن فيه ..
و كأنما نطق كفرًا، فقد حدق فيه النادل ضخم الجثة بدهشة ثم انطلق مقهقهًا و قال:
- ماذا ؟ .. نحن لا نرعي الأطفال هنا حتي نقدم الماء ..
التفت من كانوا معه علي الطاولة، و أمسك أحد بيده عنوة و قال:
- يده ناعمة .. إنه "قط أشقر" ..
انفجر من حوله في الضحك، و قد بدا كالأبله تمامًا، لكنه لم يجد الوقت الكافي للفهم، إذ اجتذبه أحدهم قائلاً:
- فلنتسل قليلاً .. يبدو صيدًا طريًا ..
و بلكمة واحدة انقلبت الأوضاع رأسًا علي عقب ..


** ملحوظة: القصة أكتبها بالاشتراك مع SKOBL -Th Little Lazy Me ..





هناك تعليق واحد:

عروسة ننوسة يقول...

ازيك...ايه الاخبار ؟على فكرة اللى بكتبه مش حكايتى زى ما انت قلت دى حكاية واحدة صاحبتى وعليها شوية خيال

Related Posts with Thumbnails
 
Share
ShareSidebar