زوجه، و ولداه و عمتاه و هؤلاء الديانة الذين يطاردونه منذ أشهر .. كيف له أن يواجه كل هذا وحده ؟
قام ضَجِرًا شاعرًا بالعجز .. قام ليفعل الشيء الوحيد الذي يشعره بالراحة ..
أخذه قاربه الذي اشتكي من كثرة الإصلاح، و الذي ظل معه منذ أن استقل عن أبيه منذ عشرين عامًا .. أخذه إلي اللامحدود .. إلي البحر الواسع الممتد إلي ما بعد ما تصل إليه عين الناظر المتفحص ..
دفع قاربه بضربة مجداف ثم تركه يتهادي كيفما شاء ..
أخذ يفكر فيما وصل إليه حاله .. تسع سنوات مرت علي زواجه .. طيبة زوجه تلك .. لا تعرف من هم الدنيا سوي المأكل الذي ينقصه بعض الملح، و المشرب الذي تغير طعمه، و الملبس الذي بحاجة لبعض الرقع .. لا تشغل بالها بهم الديّانة الذين قصموا ظهره .. لا تشعر بتعب العمل الذي يقض مضجعه ..
تسع سنوات أثمرت عن فمين جائعين أبدًا .. لا يدري ألم يكن طفلاً من قبل، أم هو لا يعرف الأطفال، أم ماذا بالضبط ؟
حاول أن طرد عن نفسه الهموم .. لم يأت هنا للاستغمام بل للاستجمام .. لقليل من الهدوء .. لكن نهرب من الهموم و هي تطاردنا ..
نظر للأعلي .. للقمر .. هو هنا منذ الأزل ينظر إلي البشر و أفعالم .. تري حقًا ماذا رأي من أحداث ؟ .. حتمًا شهد حروبًا و نزاعات و فترات سكينة و سلام .. حتمًا رأي معاناة بشر و راحتهم .. حتمًا رأي نعيمًا و جحمًا .. راحة و تعبًا ..
تري لو يتكلم ماذا عساه قول ؟ .. أيقول إنه سئم دورانه الأزلي حول الأرض ؟ .. أيقول إنه مل البشر الذين ينير ظلمات لياليهم ؟ .. أيحكي ما رأي من لقاءا عشاق، و مؤامرات و دسائس خونة في ليالٍ كان فيها بدرًا؟ .. أتراه يمتلئ حسرة أنه يكون محاقًا مرة كل شهر فلا يشهد الأرض و ما عليها، أم تراه لا يهتم أمحاقًا يكون أم بدرًا، فهو شهد كل لحظة بليل أو نهار ؟
نظر إليه حاسدًا إياه أنه يشاهد و يتابع و ري ما علي الأرض، و لا يعاني منه شيئًا .. نظر إليه و تساءل لم عساه يظل يعاني كل هذا ؟ .. لم هو لزام عليه أن يستمع كل يوم لإلحاح الدانة .. لم هو لزام عليه أن يستمع كل يوم لشكوي زوجه من كل شيء و أي شيء .. لم هو لزام عليه أن يعود بعد يوم شاق غير ظافر سوي بما حفظ رمقه و كاد من قلته يسده .. لم هو لزام عليه أن يحتمل كل هذا ؟
نظر للقمر .. نظر لقاربه المتهادي بلا هدف .. أخذ نفسًا عميقًا و أسلم نفسه للنوم تاركًا قاربه للموج يقذفه أني شاء ..
و كيفما شاء ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق