3.3.08

عوادم 8

حكايات من حي فلكلوري (2
يوم جاء الحاوي
كنت في ذلك اليوم عائدا من مدرستي و أنا بعد طفل لم أتجاوز الست أو السبع سنين ، وكانت أمي كثيرا ما ترهبني من أن أذهب مع أحد إلى أي مكان ( متروحش مع أي حد يقولك تعالى أوديك لأمك ، حياخد لإمنا الغولة وممكن أبو رجل مسلوخة أو يمكن أبو شوال لو كنت محظوظا ) وكانوا أشد ما يخوفونني من ذلك الحاوي الذي لم أره في حياتي ، يقولون ، يخدعك بألاعيبه و يسحرك بسحرة و تفتن به فتذهب وراءه وتتوه وعندها يأخذك ويستعبدك ويجعلك من صبيانه ، إياك إن رأينه أن تذهب، إياك إن سمعته أن تصغي ، ولكن في ذلك اليوم عندما كنت عائدا من مدرستي وأنا أتذكر جيدا ذلك اليوم فقد كنت ضقت ذرعا بالدنيا فقد كانت (أبلة مها) قد صفعتني لأنني كتبت الإملاء في الصفحة المقابلة التي يتوجب أن يكون فيها التصحيح (مع أنني لم أحتاجها يوما) وفي ذلك اليوم وأنا عائد سمعت الصبية الأكبر مني يصرخون بنشوة: الحاوي! لقد جاء الحاوي! إنه هناك سوف يقوم بعروضه المبهرة في هذا الشارع ،نظرت إليه وهو يمشي ويتبعه عشرات الأطفال وفي يده حلقة ، نعم لا بد ان تكون هذه الحلقة هي التي يشعل فيها النيران و يقفز خلالها ومعه صناديق الجاز التي يبتلعها و ينفث النيران من فمه وأنفه كتنين عملاق ولكن أين القرد ؟ أرد على نفسي : لربما أكله الأسد الذي يحتفظ به في غرفة نومه ! و هذه زوجته التي تقارب في الشناعة إمنا الغولة نفسها و اولاده و... وهنا تذكرت كل ما قالته أمي ، يا الهي أيكون حقا يستدرجني ؟ ما أفعل؟ أريد أن أذهب معه ، يحرقني الفضول ، يقتلني الإكتئاب من صفعة الصباح ، تحرك أو قل تحرق في داخلي صراع رهيب بين حاجز نفسي بناه الأهل في ستة أعوام من الذهاب مع أي شخص غريب وخاصة الحاوي مُورد الأطفال لإمنا الغولة وأبو شوال وبين فضول رهيب دائما ما كان يدفعني للإستكشاف وغالبا ما يودي بي إلى المصائب ، فوقفت أنظر إلى الحاوي والأطفال يتبعونه ومعه من الألاعيب ما لا عيني رأت من قبل و لا أذني سمعت ، عرفت أن هذه أدواته ليستدرج الأطفال ، ولكن الركب كان يتحرك كان لابد لي من أتخاذ قرار ، فإتخذت ذاك القرار ولم أندم عليه و جريت حتى لحقتهم ، نعم ، قلت ماذا لو أخذني لأكون من صبيانه سألعب بقية حياتي بهذه الألعاب ثم إن إمنا الغولة لن تصفعني من أجل الإملاء على ما أظن وماذا لو قطعني أبو شوال ووضعني في شواله وفرقني على الجزارين سيكون أفضل من ملل الذهاب للمدرسة يوما بعد يوما وملل الصفع حصة بعد حصة ! ولكن كل هذا لم يحدث ، فأنا أكتب هذه القصة الآن ، أليس كذلك ؟ الجميل و المريع أيضا في الأمر أني حين تبعت الحاوي كان يتنقل من مكان إلى أخر حتى وصل أمام بيتي وفرش عدته ليبدأ العرض هناك ، الجميل في ذلك أني موقن أن أمنا الغولة لا تسكن في شارعنا وأن أبوشوال يعيش بعدنا بشارعين -لأن أمي كانت دائما تقول ذلك ترهبني من الذهاب إلى هذا الشارع خوفا علي من الضياع - إذن فهو لن يأخذني إلى أمنا الغولة وإن جاءت كل وحوش المنطقة أستطيع الهرب إلى بيتي في سهولة ولكن المريع في الأمر أن أبي لو سمع ضجيج الحاوي وخرج لينظر لوجدني واقف بقربه ولكان مصيري أسوأ من مصير أشلائي في شوال أبوشوال ! ولكن الحمد لله لم يرني فهو لم يكلف نفسه حتى بالنظر ولكن أخوتي كانوا يسترقون النظر والسمع من خلف النوافذ ليروا ذالك الساحر ذو الضجيج و أظن أمي رأتني أيضا ، كنت واقف بجوار الحاوي تماما منبهر تماما يتدلي فكي السفلي في بلاهة كيف هذا الرجل ينط ويتشقلب في الهواء وكيف تحول هذا الرجل إلى تنين ينفث النار ثم إن إمرأته ساحرة بالتأكيد إذ تقلب ثلاث زجاجات زجاجية بين يديها دون أن تسقط ، وجاء جزء كاد ان يخلع قلبي فقد وقفت المرأة وصار زوجها يقذها بالسكاكين دون أن يصيبها ظل العرض قليلا ثم انتهى ودارت إبنة الحاوي التي يغطي الطين جمالها البسيط بطبلة مقلوبة تجمع المال فيها ، فأخرجت كل ما في جيبي من مال وحلوى ووضعته، ليس لأستحساني الشديد للعرض ولكن لخوفي أن يقذفني بأحد أنصاله وقد رأيت كم هو بارع . أو ينفث النار في فيحيلني رمادا في الحال ، أنتهى العرض صعدت للبيت ووجدت أمي تستقبلني و تبتدرني مقسمة أنها رأت أمنا الغولة وسط الحشد تبحث عن شخصي المتواضع ، واني كدت أحترق أكثر من مرة بنار ذلك الرجل ودخلت في فاصل من التوبيخ الشديد ولكني كنت أبدو متأثرا من الخارج فقط وأرقص فرحا وغبطة في داخلي. فقد فعلت ما فعلت ولم يصبني مكروه ولم يعلم أبي وفرحانا أيضا أن لي أما من الطيبة بمكان بحيث توبخني هي ولا تقول لأبي وأن لي أخوة من الأخلاص بمكان أن ألا يشوا بي عند أبي وان أخي الأكبر لم يكن موجودا ، ولكن عرفت لاحقا أن أبي كان يعرف من ثانية رآني أخوتي وأمي في الشارع ولكنه آثر ان يترك الأمر يسير من دونه وكيف تستطيع الأم معاقبتي في هذا الأمر التافه بالنسبة لهم المرعب بالنسبة لي .
المهيس الأكبر





هناك 6 تعليقات:

غير معرف يقول...

أتحدث بجدية و ليس من باب السخرية

أعجبني أسلوبك بشدة، و الحكاية نفسها متميزة ..

أما بالنسبة لتعليقي علي عوادم 7 .. فقد كنت أقصد المدخل و المقدمة الت كتبتها .. أشعرتني أنني سأقرأ سيرة واحد من عظماء العالم، ده المستخبي لسه باين من ومين اتنين بس .. خليك حلو و بلاش نسيح لبعضينا ..

أما بالنسبة لما فعله عم إبراهيم، فهو يعبر بلا أدني مبالغة عن قدرة المصري علي الانتفاع بقدراه المحدودة ليصارع بها الجبابرة ..

في النهاية أعبر عن إعجابي مرة أخري بالتدوينة، و نصحة .. حاول أن تكتب يومياتك .. سجد صدي لدي الناس فقط إذا ابتعدت عن حكاية الفلكلوري هذه .. كلمة الشعبي أفضل في رأيي ..

و ف النهاية سلام

عبدالرحمن كمال يقول...

شكرا جزيلا ممكن أفهم وجه أعتراضك على كلمة فلكلوري ؟ بالنسبة لي انا لن أكذب ولن أتجمل عندما أقول أني خجلت من كلمة الشعبي ، إنت إيه رأيك ؟

غير معرف يقول...

الأحياء الشعبية هي التي أفرزت أناسًا عظامًا مل أحمد فؤاد نجم و الشيخ إمام و سيد درويش

و لولا الأحياء الشعبة لما رأينا رائعة نجيب محفوظ "ملحمة الحرافيش" أو "أولاد حارتنا" - رغم اعتراضي علي محتواها - إلا أنها لم تكن خرج من حي مثل الزمالك مثلاً

لا تخجل من كلمة شعبي، م إنه مش شعبي قوي يعني

هذا بالإضافة إلي أن كلمة فلكلوري قيلة نوعًا ما في العنوان .. دمها ليطش يعني

SKOBL- Little Lazy Me يقول...

بعيدا عن خلافكم حول العنوان .. الأسلوب أنا منبهر بيه و دي كانت تاني مره أنبهر بيك بعد المعارضه .. أنا حسيت بطه حسين يتحدث و لكن بدون هذا السخط على الحياة الذي كان يصرفني عن تصديقه ..و يمكن تفتكر ببالغ لكنني فعلا استمتعت .. شكرا والى الأمام

Khadieja Eshra يقول...

الدائخ عنده حق انت لو كتبت مذكراتك و نشرتهم بعد كده هتبقى حاجة كويسة قوى
انا متفقة مع سكوبل ان القصة تبهر
بس بصراحة يا بختك احنا الحاوى مكانش بييجى عندنا امنا الغولة و ابو شوال و ابو رجل مسلوخة هما اللى كانوا بييجوا

Khadieja Eshra يقول...

على فكرة انت فكرتنى بحاجة
مرة و احنا صغيرين كنت ببص من البلكونة بتاعتنا و شفت ضل كبيييير على العمارة اللى قصادنا فخفت منه و دخلت اصرخ و اقولهم امنا الغولة جاية على هنا و بعدين استخبيت لحد ما الشمس غابت
المهم انى اكتشفت ان الضل كان ضل العمارة التانية مش اكتر

Related Posts with Thumbnails
 
Share
ShareSidebar