3.3.08

داوود

اسمه داوود ..
أو ربما هو حسن، أو سالم، أو محمد، أو إبراهيم .. لا يهم .. هو نفسه لا يهتم ..
متكومًا علي نفسه وسط الأطلال التي كانت أربعة طوابق فوق بعضها البعض، حملت أبوابًا و نوافذ فُتحت علي أحلام و أماني من أناس سكنوا فيها هم الآن موتي مدفونون تحتها دون صلاة أو كفن أو تصاريح دفن .. أناس كانوا يومًا و لم يعودوا كذلك ..
متكومًا علي نفسه رقد يرقب في صمت .. و إلي مسامعه تناهي ذلك الصوت .. هدير كأنه الرعد من مروحية كأنها الجحيم مجسدًا تحمل أشخاصًا هم شياطين الإنس بلا مبالغة برؤوس كأنها الأبالسة لا ريب ..
قام من رقدته خارجًا و سط الصراخ .. الكل يجري .. الكل يندب .. الكل يصرخ .. الكل فر من هذا القصف المتصل .. و الكل تحت النيران كائن، و القذائف تنهال كأنها الشهب ..
صامدًا تحرك .. فليعش أو ليمت .. لم يبق له أحد بعد أن أصبح والداه و أعمامه و أخواله و إخوته و أبناؤهم جميعًا مجرد ذكري و عدد يضاف للقتلي و الجرحي في نشرات الأخبار ..
صامدًا صامتًا تحرك و للسماء نظر .. عرف أن هي تلك المروحية .. أمسك بحجر من الأرض و ربطه في حزامه ..
و كنبي الله داوود عليه السلام عندما ضرب جالوت الجبار بأصغر حجر ففلق جبهته رمي حجره من مقلاعه ..
" و ما رميت إذ رميت و لكن الله رمي " .. و لآن الله هو من رمي فقد جاءت حيث الدمار لهذه المروحية .. تمامًا في المروحة ..
و سقطت ..
سقطت أشلاء و ركامًا و حطامًا ..
و استيقظ من غفوته .. استيقظ ليجد نفسه متكومًا متقزمًا .. ذهب كل من لديه في الدنيا و هو عاجز عن الرد .. و الدنيا حوله تدينه و تصم أذنها عن حقه في أرضه ..
استيقظ من غفوته وسط الركام و الأشلاء التي كانت يومًا يبت عائلته .. و من بعيد تناهي لمسامعه صوت الصراخ و العويل ..
قام من رقدته و قد منحه ذلك الحلم-الأمنية الذي راوده في غفوته الأمل في أن الخلاص ممكن ..
لبعش أو ليمت .. كل الاختيارات سيان .. و ما دام العالم قد تخلي عنه، فليعتمد علي نفسه و لا ينتظر من أحد العون، فقد مات العالم ..
مات ضمير العالم .. مات إلي الأبد ..

** ملحوظة: كتبت هذا و كلي ألم أن هذا هو أقصي ما استطعت بعد الدعاء لأهلنا في غزة .. الله معكم ..





هناك تعليقان (2):

عبدالرحمن كمال يقول...

إني وإن عصف الأسى بضلوعي قسما برحك لن تسيل دموعي
إنا دفنا عند قبرك ما بنا
من ذلة ومهانة وخضوع
ومواكب الشهداء لا يبكي لها وطن ولكن ينحني بخشوع

SKOBL- Little Lazy Me يقول...

يا ليته داوود نبي الله .. و يا ليتنا فئة قليلة غلبت كثيرة باذن الله .. و لكني أرانا فعلنا مثلهم اذ قالوا لنبيهم " قالوا يا موسى ان فيها قوما جبارين وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فانا داخلون " سورة المائدة - آية 22

Related Posts with Thumbnails
 
Share
ShareSidebar