30.9.09

الذهب الأحمــر - تابع الفصل الثاني

" غريب أنني أتشوق لهذه الزيارة ، منذ مدة ليست بقصيرة و أنا أتذكرهم بضحكاتهم ، بنظراتهم ، بذلك الشيء العجيب الذي يربطهم ، قد لا يعرفون بعضهم البعض و لكنهم يتعاملون و كأنهم أصدقاء أحماء يربت أحدهم على كتف الاخر و يمازحه ، كأن الغوغائية صلة قرابة تجمعهم ، مالا أدركه عنهم كثير ، لكني سأحاول التعرف عليه شيئا فشيئا .. لقد قال لي المعلم موار يوما ان الملك الذي لا يعرف شعبا يحكمه كالحداد الذي لا يعرف كيف يوقد نارا أو يطرق ، و لست أنوي أن أكون هذا الحداد .. أريد أن أكون ملكا عظيما كوالدي "
نحى دواته و قلمه جانبا ، و قرأ ما كتب و ابتسامة طفيفة تعلو وجهه ، أحس كأنه يقرأ في أحد الكتب التي اعتاد أن يقرأها في المكتبة الملكية ، أعادته تلك الافكار الى مقابلته مع أرنوك ، تعجب كيف أنه لا يعرف الكثير عما حدث لمعلمه .. كان طفلا عندئذ و لم يخبروه شيئا لشدة ما أحب موار ، و لم يتجرأ أن يسأل عندما كبر خوفا من أن يثير الاما قديمة ، تعجب من بعض كلام أرنوك و كيف لم يفهم معناه ، و تعجب من اصرار أرنوك ألا يراه الملك و لا يعرف باللقاء الذي تم .. قطع سيل تساؤلاته صوت طرق على باب حجرته ، أغلق مذكراته و فتح درجا يبقيها فيه و أغلقه و أدخل المفتاح في جيب سترته ثم أذن لمن بالباب بالدخول.
***
-بالله عليك يا رجل ، يندر الحصول على غزال في مثل حجم هذا .. تعرف جيدا أنك لو بعته لأحد النبلاء فلن تأخذ فيه أقل من عشرة أضعاف ما تعرضه علي..
-ان لم يعجبك ما أعرضه عليك ، فبعه بنفسك لأحد النبلاء ..
-ليكن ما تريد يا رجل .. قالها على مضض ليعطيه الرجل ما كان قد عرضه سلفا من كرونكات قليلة لا تتناسب اطلاقا مع حجم و سمنة هذا الغزال ، ليمضي أرنوك مبتعدا الى حيث المكان الوحيد الذي يقصده عندما يزور المدينة

-لو كنت أحد رجال الملك ، لكنت الان في ورطة
التفت بالرين لصاحب الصوت ضاحكا و قد ميز صوته : قل لي انك لست من رجاله ، ثم ألقى ذلك الصندوق الذي أفرغ مختوياته على جانب الطريق باهمال و هو يتمتم ببعض كلمات ، ثم احتضن أرنوك قائلا في تساؤل : مبكرا جئت هذه المرة
-حظيت بصيد جيد ، كما أن هناك ما يجب أن أخبرك به
-كلي اذان مصغية
- أفضل أن تكون غاريتا موجودة معنا. قالها بجدية أقلقت بالرين الذي قال : ماذا هنالك يا روك؟
- لا شيء يدعو للقلق ..
***
- نارزا ، اشتقت اليك. قالها را و هو ينهض لاستقبال مربيته التي قالت : و أنا أيضا يا بني ، ارجو أن تكون رحلتك قد اتت ثمارها
- بعض الثمار و بعض ، دعك من تلك الأمور الملكية ، أوتعرفين ماذا كان يشغل بالي معظم الوقت؟
- لست أدري ، ربما فتاة تركتها خلفك هنا ؟ قالت ممازحة اياه
- اه نارزا ، انت تعرفين أنني لن أتزوج الان ، أقله ليس كما يرغبون بتزويجي .. ما شغل بالي خقا هم الغوغاء..
-ماذا عنهم ؟
- أريد أن أعرف الكثير عنهم ، هناك شيء ما لست أدركه ، كما أنني لست أرغب أن أكون هذا الحداد ..
- أي حداد ؟؟
- لا عليك ، انه شيء ما أخبرني به موار
- موار-هن ، لقد كان رجلا حكيما ، نعم الصديق و الوزير
- نعم .. أتذكرين ما حدث بينه و بين أبي حقا يا نارزا ؟ لا أستطيع أن أصدق قصة السم و الخيانة تلك
ارتبكت نارزا قليلا و شردت بعينيها تتذكر
- نارزا.. ؟ نادى عليها را يخرجها من ذكرياتها سائلا مرة أخرى عما حدث حينها
- أنا حقا لا أذكر الكثير يا بني ، و أنت تعرف ، نارزا لا تتدخل أبدا في شئون الحكم .. و لكن ما ذكرك به ، أقصد موار؟
- لقد رأيت .. بعض الكتب التي كنت أقرأها عليه
- أنس الماض بني ، و ان كنت تريد خقا تشريفه فاعمل بما علمك
- و هذا ما أنوي فعله.
***
- حسنا يا روك ، ماذا هناك ؟ أقلقتنا
- لا تقلقي غاريتا ، لقد قابلت را اليوم
- أ ي را تقصد
- و هل نعرف را سواه ، الامير را-هيمين
- ماذا ، يالله ، و هل عرف بنا ؟
- لا يا روك ، لقد أمسكني حرسه بينما كنت اصطاد ، فعرفني بينما عرضوني عليه
- و الان يجب علينا أن نفر مجددا .. قالها بالرين في قلق و حزن
- لا ، رين .. لقد أخبرته أنني الوحيد الذي نجا منا ، و ..
- أصدق هذا ؟
- نعم ، و لكني أحببت أن ابلغكما كي تأخذان حذركما ، لربما أبلغ أباه بالأمر ، و هذا ما رجوته ألا يفعل
- لا زلت أرى أن نختفي لبعض الوقت . قالها بالرين و قد بدا الخوف يتملكه
- لا رين ، انه لا يعرف عنكما شيئا ، و ما كان را ليعرفني لو لم أكن اشبه أبي الى هذه الدرجة .. كما أننا استغرقنا و قتا كي نصل لما نحن عليه الان ، فجميع عيون الملك يعرفونكم كغوفائي و زوجته يديرون خانة ، و يعرفونني كصياد ازوركم للطعام و النساء ، كما أنني لاحظت شيئا عليه ، كأنه لا يعرف ما جرى أو يجري ، كأنه كان سعيدا حقا لرؤياي
- و أن كان يا روك ، فقد كان والده يسعد لرؤيانا و أبانا كثيرا ، و لم يحل هذا بينه و بين ما فعل
- أدرك هذا ، لذلك أردت أن أخبركم ، و الان هل لي ببعض الطعام يا سادة؟ قالها ضاحكا مخاولا أن يهديء من روعهما.
***
دفع را-هيمين باب الحانة بيده و دلف الى هذا العالم الصاخب ليتجه الى ركن جلس فيه مراقبا ما يجري خوله كأنه طفل يتعلم ، قطع تركيزه صوت خشن : مضى زمن منذ رأيناك هنا أيها القط ؟
التفت الى هذا الصوت ليرى الرجل الضخم الذي تشاجر معه المرة السابقة فأجاب قائلا محاولا أن ينطقها كما يفعل الغوغاء : نعم ، مر و قت ليس بقليل
- لا بد أنك اشتقت اليهن
- هن ؟
- النساء ..
- بالطبع ، و لكني اشتقت الى الطعام الجيد أكثر
- اذن فعليك بحساء الخضروات ، فامرأة صاحب الخانة لا يضاريها في طهوه أحد
- و ماذا عنك ؟
- لقد تناولت طعامي للتو ، و لكني سأشرب معك حتى تنهي طعامك ثم نشرب سويا
نادى الضخم على النادلة و طلب زجاجة شراب و صحنا من الحساء ، سرعان ما عادت النادلة بالشراب و أخبرتهم أن الطعام سيستغرق بعض الوقت
ملأ الضخم الكأس و ناولها لرا قائلا : حتى يأتيك طعامك
- لست في مزاج للشرب حقا ..
رمقه الرجل بنظرة قلق ، و قال : أنت لا تشرب أبدا و لا تأتي هنا لأجلهن ، فلم تأتي اذا ؟ يا الهي .. أنت من رجاله
- رجال من ؟
- الملك ، انه رجل عظيم ، صدقني يا سيدي أنا لست على علاقة بأي مما يحدث من شغب
تعجب را من تصرف الرجل ، و كأن رجل والده ، و ان كان لا يفهم من هؤلاء ، يخيفون الغوغاء ، و لكنه قال للرجل : لا يا صديقي، و لكني أمتنع عن الشراب و النساء لسبب
- اي سبب هذا الذي يمنع شابا مثلك عنهما ؟!
- انها قصة طويلة ، لا أريد أن أشغل بالك بها
- و هل نملك شيئا الا الوقت أيها القط .. قالها و ابتلع ما كان قد صبه في الكوب دفعة واحدة ليكمل : احك لي ...

23.9.09

بلد الدخان الهابط إلى أسفل - الفصل السادس / الجزء الثاني

الفصل السادس - دوائر متقاطعة

"الناس دي عايشة في ماء البطيخ المغلي .. انجزوا و ارحمونا بقى من الرغي ده"
لو خرج هذا الحديث من دائرة سريرة زكريا إلى لسانه، فهو الطرد و الفضيحة بلا ذرة انتظار .. كان اجتماعًا لمجلس القسم في الكلية، و رغم وجود عدد من الشباب في الجلسة، إلا أن سيطرة الكبار على مسار الحديث جعله مملاً جدًا .. هؤلاء القوم يمتهنون الملل لا الطب ..
- دكتور زكريا .. تحب تقول حاجة ؟
قالها رئيس القسم كأنها طوق النجاة .. إذن سينتهي هذا الملل ..
- أفتكر إنك كلمتني في حاجة بخصوص جهاز القسطرة ..
بدا السرور واضحًا جدًا على وجه زكريا، ربما بصورة ملفتة للنظر، و كأنه يقول بملء فيه "يا ولاد الـ .. صدعتوني .. أخيرًا حأخلص"، إلا أن تحدثه لم يجعل أحدًا يعطي هذه الملاحظة الاهتمام الكافي، إذ انطلق يتحدث:
- يا أفندم، أنا باعتبر دايمًا إننا أسرة واحدة .. يعني مفيش بينا زعل ما دمنا في حدود الأدب ..
صمت لحظة و قد بدأت لمحة من توتر تغزو الأجواء، ثم تابع:
- أنا حاسس إن في ناس مشغلة جهاز القسطرة لحسابها .. الجهاز و لا مؤاخذة حمار شغل .. مش معقولة كل يومين يعطل، و أفاجأ من كلام العمال إن الدكتور فلان أو فلان شغال عليه، رغم إني كل ما أقول حاحجز عليه عملية و لا اتنين يقولوا أصله عطلان .. في حاجة غلط يا افندم ..
- قصدك مين بفلان و فلان يا دكتور زكريا ؟
قالها أحد الأساتذة الجالسين بحدة، فرد زكريا بهدوء:
- مش عاوز اتهم حد يا دكتور محيي، لأن ممكن يكون كلام العمال مجرد كلام فاضي و إنهم بيضربوا أسافين و خلاص .. لكن موضوع الأعطال الكتيرة دي مش منطقي و مش طبيعي و لازم يتحقق فيه .. إذا كان الجهاز قدم يبقى نجيب واحد تاني، و بعدين ..
قطع كلامه أن هب محيي كالعاصفة في وجهه:
- لأ ما ينفعش الكلام ده .. أنت تقول إن في ناس بتشغل الجهاز لحسابها و تتهمهم و بعدين تقول ممكن يكون أسافين و خلاص ؟ .. أنت كده بتتهمنا كلنا بالسرقة و التربح من ورا المهنة بشكل غير مشروع و من غير دليل .. دا ..
هنا قاطعه رئيس القسم قائلاً:
- في إيه يا دكتور محيي .. لزومها إيه الثورة دي كلها ؟ .. دكتور زكريا ما قصدكش بحاجة ..
بدا عليه الارتباك لحظة لم يدر خلالها ما يقول قبل أن يندفع:
- أنا رافض أسلوب الاتهام الجماعي .. اللي يتكلم عن القسم بكلمة وحشة يبقى يقصدنا كلنا بما فيهم أنا ..
- و أنا ما اتهمتش القسم كله يا دكتور محيي .. أنا قلت مش عاوز أقول الأسماء اللي سمعتها إلا إذا اتفتح تحقيق رسمي، علشان ما ابقاش اتهمت حد بالباطل لو كل الكلام اللي سمعته مجرد أسافين و إشاعات و كدب من غير رجلين .. لكن الكلام فعلا لازم يتاخد على محمل الجد و إلا الله أعلم إيه اللي حيحصل بعد كده ..
كاد محيي أن يندفع في الحديث مرة أخرى فقال محسن الكيال رئيس القسم:
- خلاص .. انتهينا .. الموضوع ده أنا حاحقق فيه بنفسي، و اللي حيثبت بأي شكل من الأشكال إنه بيستفيد من الجهاز لحسابه الشخصي يبقى أحسن يدور له على مكان تاني يشتغل فيه ..
قال زكريا:
- لو سمحت يا أفندم في نقطة تانية .. في دكتور بأشرف على رسالة الدكتوراه بتاعته .. الرسالة في طرق تثبيت الدعامات في الشرايين التاجية و أفضل الوسائل المتبعة لتفادي فشل تركيبها .. هل من المعقول إنه ييجي يدخل أوضة القسطرة يتقال له مالكش دعوة بالأوضة دي ؟ .. ما تقربش منها ..
صمت هنيهة ثم أضاف:
- دكتور محيي شخصيًا قال له كده و في شاهد ..
اندفع محيي للمرة الثانية:
- قصدك إيـ ..
- دكتور محيي ..
خرجت صارمة من محسن الكيال فصمت محيي على مضض فيما قال هو:
- مش معقولة اتنين أساتذة في كلية طب يتناقشوا بالطريقة الهمجية دي .. الكلام دا حصل فعلا يا دكتور محيي ؟
- دا كلام ما عليهوش دليل، و لو ..
- حصل و لا لأ ؟
صمت محيي لحظة ثم قال:
- لأ طبعًا .. أقول له كلام زي ده ليه، و بعدين أنا مش محتاج أقوله لو كنت عاوز، لأن الجهاز عطلان و دخوله زي عدمه ..
- فين الشاهد يا دكتور زكريا ؟
أشار زكريا لإحدى الحاضرات و قال:
- دكتورة منال كانت واقفة ساعتها، و سمعت الكلام ده ..
- أيوه فعلا يا دكتور محسن .. دكتور محيي قال له بالنص: "و أنت حتعمل إيه بأوضة القسطرة ؟ .. آخر حاجة تفكر فيها تدخل الأوضة دي"
صمت الكيال واضعًا كفيه المعقودين أمام ذقنه ثم قال و هو يومئ برأسه:
- عظيم جدًا .. أنت متحول للتحقيق يا دكتور محيي ..
هب محيي واقفًا و بدا أنه على وشك أن يرغي و يزبد و يدافع عن نفسه، فقاطعه محسن مشيرًا بيده:
- آخر حاجة حاسمح بيها إن القسم يتحول لعزبة يا دكتور محيي ..
- بس دا كلام مالوش أساس من الصحة .. دا افترا ..
- حيبان من التحقيق .. البرئ ما بيخافش ..
كان قوله بمثابة اتهام خفي، إلا أنه لم يتوقف عنده كثيرًا، بل لملم الأوراق التي أمامه، و هو يقول:
- الاجتماع انتهي يا دكاترة .. كل واحد يتفضل على شغله ..
و فيما أخذ محيي "يبرطم" ببعض الأشياء المبهمة، أخذ الأساتذة الجالسون في القيام و بعضهم يهمهم ببعض الأشياء عما حدث و عما سيحدث .. وحده زكريا انسل من بين الجمع كأنه ملح ذاب في ماء، و انطلق لا يلوي على شيء، يريد أن يخرج من المكان و يغادر الكلية بأسرع ما يكون، كي يستطيع القيادة قبل الازدحام، فالساعة تقترب من الثانية .. توقيت مفيض البشر في مصر خروجًا من أعمالهم و التلاميذ من مدارسهم و الطلبة من كلياتهم و أي شخص من أي مكان ..
عادة يشعر بالضيق و الملل و السأم و كل شعور ينتمي لهذه الفئة من زحام هذه اللحظات، أخذ يلعن في سريرة نفسه هذا الاجتماع الأخرق الذي اضطر لحضوره و سماع غثاء هؤلاء، و كأنهم يستمتعون بإضاعة الوقت .. من العسير حقًا أن يصدق، لولا أنه ينتمي إليه بالفعل، أن هذا القسم يضم بين جنباته أساتذة في فرع دقيق من الطب كجراحة الصدر و القلب ..
"ماء بطيخ مغلي من غير بذر" .. تمتم بها و هو يحاول الخروج من هذا التشابك الرهيب للسيارات أمام بوابة الكلية .. سيارات أجرة، و حافلات، و سيارات خاصة، و موظفون، و أطفال، و شحاذون و .. و .. و .. أمم ..
أخذ يقلب فكره فيما جرى في هذا الاجتماع .. ليس طبعًا وصلات العزف المنفرد التي قام بها الأساتذة قبل أن يتحدث، بل في رد فعل محيي تجاه كلامه .. أغلق الزجاج، و شغّل المكيف و بعض الموسيقى الهادئة و أخذ يتحدث إلى نفسه بصوت عالٍ كعادته كلما أخذ يقلب أمرًا على وجوهه كلها:
- أنا مازادش شكي إلا لما سمعت عم إمبابي بيتكلم عنه، بس النهاردة .. لأ أكيد في حاجة .. مش معقولة هياجه دا كله علشان خاطر ننوس عين سمعة القسم .. دا أول واحد ما بيعتبش عتبة القسم إلا علشان القبض و العمليات هو بسلامته ده ..
ابتلع ريقه بصوت مسموع كنوع من الموسيقى التصويرية، و أكمل باسمًا:
- شكلها حتبقى أيام سُقع يا زيكا .. مزيكا يا زيكا .. مزيكا ..
أخذته الموسيقى بعيدًا، و إن لم ينصرف ذهنه تمامًا عما حدث .. محيي متورط، لكن الإثبات سيكون عسيرًا كالمعتاد ..وجود منال كشاهد لحظة أن قال لهذا الطبيب ما قال كانت ضربة موفقة، لم يكن له فضل فيها بالطبع، اللهم إلا أن الله ألهمه أن يبعث بمنال برفقة بهاء – الطبيب الذي تدور حوله كل هذه القصة – إلى محيي كي يتفقا على دخوله غرفة القسطرة و العمل بها، باعتبار محيي المسئول عنها هذا العام .. بعث بها معه، ليس كواسطة، بل كدرع يخفف من حدة محيي، فهذا الأخير ذو طريقة صادمة في الحديث، و لربما كان حديثه أسوأ من هذا الذي قال لولا وجود منال ..
يبقى عم إمبابي، لكن إقناعه بالحديث رسميًا سيكون أمرًا شاقًا .. الرجل يحمل النظرة المصرية العتيدة نحو كل ما هو حكومي، حتى لو حمل إليه مصلحته على طبق من ذهب: "ابعد عن الشر و غني له"، لكن ليس من سبيل لإحكام الاتهام سوى شهادته .. هناك أيضًا العمال المسئولون عن الجهاز نفسه و تشغيله .. سيحاول أن يقنعهم، و ليوفقه الله ..
انحرف بسيارته خارجًا من شارع البطالسة متجهًا إلي شارع فؤاد في طريقه إلى محطة مصر، كخطوة في طريقه الرئيس إلى كارفور ليبتاع احتياجات الأسبوع من الطعام و الشراب .. كلما تذكر أنه يبتاع ما يريد الآن من كارفور بعد أن كان يفعل الشيء نفسه من سوق زنانيري بكليوباترا يبتسم، لكنه في أحيان كثيرًا يضحك ملء فيه ..
كان معروفًا وسط إخوته بأنه "بتاع السوق" .. هو المسئول عن إحضار متطلبات المنزل من السوق، فهو يعرف الأسعار و يتابعها، و يعرف الباعة الجيدين و الباعة "النص نص"و يعرف الأماكن التي تبيع بأسعار أقل .. كان مساعدًا ممتازًا لوالدته يرحمها الله، أما الآن، فحتى يفعل الشيء نفسه، فعليه أن يتخلى عن سيارته في بداية السوق و ربما قبله، و أن يترجل و يخترق الزحام و يبدأ في "النقاوة" و الفصال و البحث و الفحص، و هو لم يعد يمتلك البال الرائق المستعد لكل هذا التعب و النصب، بالإضافة إلى عدة أمور، ربما أهمها أنه لا يستقر في منزله كثيرًا .. ما بين العيادة و الكلية و المستشفيات التي يجري فيها عملية هنا أو هناك .. غالبًا ما يأكل في أي مطعم، أو يبتاع بعض الشطائر يزدردها على عجل، و في بعض الأحيان يظل صائمًا لا يدخل جوفه سوى الماء .. الأهم من هذا كله هو أنه لا يحمل هم أسرة و أولاد و منزل، و لهذا يتصرف بحرية أكبر، ثم إن ما يبتاعه لا يشكل سوى النذر اليسير .. بعض الأشياء التي اعتاد طعمها و لا يجدها خارج هذا السوق العملاق ..
وضع سيارته بعد لأي و جهد على الطريق المؤدي إلى كارفور إنطلاقًا من محطة مصر و انطلق يمضي الوقت في الاندماج مع نسمات الأحلام المنبعثة من السماعات، ينقر مع النغم تارة و يصفر تارة، و يصمت تارة معيدًا التفكير فيما حدث اليوم ..
عندما هبط من سيارته بعد أن وجد لها موضعًا "بالعافية"، نظر حوله و صفر مندهشًا و قال:
- أمال مين اللي فضل في البيوت إذا كان كل دول هنا ؟
اتجه للداخل و هو يتوقع زحامًا أسطوريًا قياسًَا على عدد السيارات الواقفة بالخارج .. هناك بالطبع من أتوا في المواصلات العامة .. أخذ واحدة من عربات التسوق و انطلق يضع ما يريد .. كان يتحرك على مكث و كأنه يمتلك اليوم بطوله، رغم أن الساعة تشير إلى الثالثة و الثلث، و هو ما يعني أنه لو استمر على هذا المنوال فسيصل إلى بيته في الواحدة صباحًا من اليوم التالي .. هو بالطبع لا يحمل هم العيادة، فاليوم إجازة نظرًا لاضطراره إلى ذلك بسبب اجتماع مجلس القسم، لكن ليس هذا هو سبب تمهله .. هو بالفعل مستمتع للغاية بما هو فيه .. هذا الكم الضخم من المنتجات حوله، ينظر و يتفحص، و يرى ما لا يراه في محلات أخرى .. متعة أن تتعرف على الجديد، حتى لو كان مجرد بضاعة لن تتعامل معها أو تشتريها .. إنه الفضول ليس إلا ..
بينما هو في مشيه الهاديء هذا، إذ به يسمع صراخ طفل يشق سمعه كأنه طلقة مدفع، و هو الشعور نفسه الذي شعر به من كانوا حول الطفل .. الطفل لم يعط إنذارًَا من أي نوع، بل انفجر – حرفيًا – في البكاء على الفور دون مقدمات ..
دنا منه زكريا يسأله ما يبكيك، إذ وجده وحيدًا ليس حوله من يشعر المرء إنهم من عائلته، أو هو يعرفهم و يعرفونه، فقدر أنه فقدهم في هذا الزحام الشديد، و هو أمر متكرر الحدوث، إذ كثيرًا ما يسمع نداءات بهذا المعنى في السماعات الداخلية للسوق .. دنا منه و سأله برفق و قد وجد إلى جواره سيدة تحاول تهدئته:
- في إيه يا حبيبي .. ماما فين ؟
لم يكن الطفل يرد سوى بكلمة واحدة "بدّي أمي .." و بلهجة تمزج ما بين المصرية و الشامية، ما جعل زكريا يقول:
- و كمان مش من هنا .. حلاوتها أم حسن ..
ثم هبط إلى مستواه مرة أخرى و قال:
- طب تعالى يا حبيبي نروح ندوّر عليها ..
- أمي قالت لي ما تمشي مع حدا ما تعرفه .. بدّي أمي .. عاوز ماما ..
طفل عنيد، لكن من الواضح أنه تائه بإهمال الأم و ليس عن قصده هو، فحديثه يكتسي بمسحة من تعقل غريب على من هو في سنه .. ارتفع صراخ الطفل مرة أخرى و فشلت السيدة التي كانت إلى جواره في تهدئته، فقالت:
- في إيه يا أستاذ .. ما تشوف حل، و لا شوف حد من الأمن ..
كان يبحث بعينه علّه يلتقط هذه الأم الملتاعة التي تبحث عن طفلها، فيما اجتذب صراخ الطفل عددًا من رواد المكان، و فردًا من الأمن أو ربما هو أحد العمال ليس إلا .. قال:
- تايه ؟
- أيوه .. و دماغه ناشفة مش عاوز يتحرك غير مع أمه ..
لم يكد الرجل يهبط على ركبتيه ليتحدث إلى الطفل، إلا و فوجئ بالطفل ينطلق نحو سيدة من بعيد و هو يصرخ فرحًا، و هي بالمثل، فابتعد من التفوا إذ شعروا أن الأمر قد انتهى و أن الطفل قد وجد ضالته، و قد انتفت الإثارة التي توقعوها من الموقف .. حتى تلك الآنسة التي توقفت تحاول تهدئة الطفل رحلت هي الأخرى، في رد فعل تعجب له زكريا، إذ توقع أن تقف و تقابل الأم، و لو حتى لتوبخها على تركها طفلها في مثل هذا المزدحم – كعادة الإنسان منا، يسلخ أخاه كأنه معصوم من الخطأ – هذا إن لم تتحدث إليها مادحة نفسها و أنها وقفت إلى جواره و أنها حاولت تهدئته و .. و .. و .. لكن يبدو أنها لا تهتم بشيء من هذا ..
الوحيد الذي بقي هو زكريا، ليقوم بالدور الذي توقعه من تلك الآنسة التي رحلت .. بالشق الأول منه تحديدًا .. لكنه فوجئ بشيء ألجم لسانه تمامًا، حتى بدا التعبير المرتسم على وجهه شديد البلاهة، لكن الحق يقال بأن الموقف كان مدهشًا، بل لا نبالغ لو قلنا فوق حدود الدهشة نفسها ..
***

21.9.09

بلد الدخان الهابط إلى أسفل - الفصل السادس / الجزء الأول

الفصل السادس – دوائر متقاطعة

أغمض جمال عينيه في إرهاق واضح، و فرك زاويتي عينيه بعد أن خلع نظارته الطبية، و حاول الاسترخاء بعد أن أرهقه هذا العميل المستفز و كاد يورطه في جنحة سب و قذف، رغم ما يمتاز به من هدوء فطري، تمتاز به عائلته كلها، بالإضافة لما أسبغته عليه مهنة المحاماة من برود أعصاب ..
أرخي ظهره على المقعد العملاق الذي ابتاعه خصيصًا لمثل هذه المواقف، و هو يستمع لضربات حسان على لوحة المفاتيح صانعًا معزوفة شنيعة ناشزة، لكنه يحبها رغم كل هذا، فهي السبيل الوحيد لكتابة مذكراته القانونية ..
اعتدل فجأة و أمسك سماعة الهاتف و طلب رقم فاروق، و انتظر حتى أتاه صوت السكرتيرة الحسناء – دائمًا هن حسناوات، هو وحده اختار حسان بصلعته المثيرة للانتباه لأنه يريد "حمار شغل" أولاً و قبل كل شيء .. قالت:
- عيادة د. فاروق صبحي .. مين معايا يا أفندم ؟
- د. فاروق موجود ؟
- أقول له مين ؟
- قولي له جمال .. جمال المحامي ..
غابت دقائق استمع بعدها لصوت فاروق:
- يا هلا يا جيمي .. إيه الدخلة الرسمي دي ؟
- إزيك يا فاروق .. عاوزني أقول لها إيه يعني ؟ .. جيمي ؟
ضحك فاروق ثم قال:
- أنت أخبارك إيه ؟ .. لسه ماناوتش ؟
- علشان كده باتصل بيك .. مش حينفع نروح أول سبتمر زي كل سنة .. رمضان بقى ..
- و هو كذلك .. تحب ..
قطع حديثه قول جمال:
- معلش دقيقة واحدة .. هناء بتتصل ..
ثم كتم السماعة بيده، و استدار يجيب على هاتفه المحمول الذي باغته برنته تلك:
- السلام عليكم .. إزيك يا هناء ؟
- بخير .. قول لي .. أنت فين دلوقتي ؟
شيء ما في لهجتها أشعره بالقلق .. رد:
- في المكتب .. في حاجة ؟
- طب ممكن تجيلي على مستشفى السلامة الجديدة .. في الأزاريطة ..
ازداد شعوره بالقلق .. قال:
- إيه .. حمدي حصل له حاجة ؟
- لا لا لا .. حمدي بخير .. بابا هو اللي بعافية شوية ..
- خير ؟
- خير إن شاء الله .. بس هو ..
أخذت نفسًا قصيرًا كأنما تستجمع شجاعتها لتلقي له بالخبر دفعة واحدة:
- بابا عمل حادثة ..
شعر كأن قلبه يتواثب .. حادثة في السادسة و الستين .. فليدعُ الله أن يخرج أباه منها قطعة واحدة ..
قال:
- أنا جاي حالاً .. مسافة السكة ..
ثم انتقل لفاروق و قال:
- فاروق .. أنت وراك حاجة دلوقتى ؟
سمع ضحكته مع قوله:
- حنطلع ع المصيف و لا إيه ؟
- كنت عاوزك معايا في مستشفى السلامة الجديدة ..
زال الضحك من صوت فاروق و قال:
- خير ؟
- والدي عمل حادثة و لسه هناء مبلغاني دلوقتي .. حتلاقيني هناك ..
- قدامي حالتين حأخلصهم و أكون عندك ..
- بس أوعك تكلفتهم .. مالهاش لزوم السربعة ..
رغمًا عنه ضحك فاروق، و قال:
- لا، اطمّن .. اتكل أنت و أنا حأحصلك ..
وضع جمال السماعة في مكانها و استجمع شتات أمره، ثم أخرج مفاتيح حجرته و وضع هاتفه المحمول باستعجال في جيبه، ثم خرج مغلقها وراءه، و انطلق نحو الباب مباشرة، إلا أنه تذكر حسان الذي يجلس يكتب المذكرات القانونية في حجرته، فعاد و قال:
- خلص، و قفّل، و امشي ..
ثلاث كلمات قالها لخصت كل ما أراد، و الحق أنها ليست بلاغة، بل هو الموقف وحده .. لغته العربية ليست في الحضيض، لكنها من ذلك النوع الذي تضعضع من كثرة كتابة المذكرات القانونية بلغتها الملتوية ..
اعتاد كثيرًا أن يصدر مثل هذه الأوامر إلى حسان، و ربما اختاره لأنه من ذلك النوع الذي لا يسأل كثيرًا .. بالطبع لم يفته أن يغلق باب حجرته جيدًا، لأنه رغم ثقته في حسان – و إلا ما ائتمنه على أسرار مكتبه و عملائه و على مكتبه كله – لا يزال ماثلاً في ذهنه قصة صديق له، صيدلاني، سرق أحد العاملين في صيدليته أوراقًا و كشوفًا مالية، من تلك الفئة التي لا تقدم للضرائب، و الذي يعني وقوعها في أيديهم قضية تهرب ضريبي تسد عين الشمس .. المهم أن هذا الشخص سرق المستندات، من مكتب صديقه داخل الصيدلية، لأنه – صديقه – كان يتصرف بسذاجة، باعتبار أن "الدار أمان"، فإذا به يجد هذه الكارثة، و التي تبعتها أخرى في صورة محاولة ابتزاز صريحة .. الأوراق مقابل مائة ألف جنيه عدًا و نقدًا ..
كان يأخذ جانب الحذر تجاه حسان، و أصبح بعد سماع هذا أكثر حيطة .. لا يريد بعد كل هذا العمر أن يتهمه أحد العملاء بخيانة الأمانة أو ما شابه .. هو لا يريد، و لا يقبل، و سيفري كل من يتسبب في هذا ..
لم يكن هذا ما يفكر فيه عندما انطلق بسيارته المنضغطة في بعضها البعض، أو بتعبير زكريا "وشها ف قفاها مش باين لها راس من رجل" .. هيونداي جيتز صغيرة صفراء فاقع لونها لا تناسب سنه و مهنته، لكنها تناسب طبيعته الملول فيما يتعلق بالبحث عن مكان كبير مناسب للسيارة كل صباح و مساء .. على كل هناك واحدة عندما يرتحل هو و الأسرة .. هيونداي أيضًا من الطراز العائلي التي تسع الجميع ..
لم يكن يفكر لا في حسان و لا الأوراق و لا أي شيء من هذا .. كان كل تفكيره منصبًا على الإجراءات القانونية التي سيتخذها و المسارات التي سيتبعها، و الاحتمالات المتوقعة و .. و .. و ..
كان يلقب في مستهل عمله كمحام أنه "يلعب بالبيضة و الحجر" .. بيضة و حجر ؟ لو أردنا الدقة لقلنا مزرعة بيض نعام و جبالاً من الحجارة .. كان في بعض الأحيان يقول مازحًا إنه لولا الحياء و مخافة أن تشطبه النقابة من سجلاتها، لكتب على لافتة مكتبه "أخصائي تخليص تجار المخدارت، و مسجلي الخطر" .. كان لا يتورع عن استخدام أي وسيلة ممكنة للوصول للهدف، و لم يكن يرفض أي شخص يتقدم له .. ربما كان قدوته في هذا هو أستاذه الذي شرب منه المهنة، و الذي كان في الوقت نفسه – و يا للعجب – سبب عدوله عن كل هذا الضلال ..
كان حادثًا مروريًا عاديًا، و كان المصاب هو أستاذه .. سيارة مسرعة يقودها شاب مستهتر في طريق هادئ في بقعة أهدأ، و الشاهد الوحيد هو رجل عجوز لم يختر الله وجوده في هذه اللحظة وحده دون كل خلقه إلا ليثبت لذلك الثعلب القانوني أنه يمهل و لا يهمل .. كان الشاهد الوحيد هو الرجل الذي جرده هذا المحامي من أهليته للشهادة في قضية انقضى عليها سنة، و حكم فيها بالبراءة لموكله المذنب، و كان هذا الرجل العجوز هو شاهد الإدانة الوحيد، و بلعبة قانونية و ببعض من التزوير، أصبح هذا الشخص المسكين، الذي لم يرد إلا أن يفي بالقسم و ألا يكون ممن كتم الشهادة "و لا تكتموا الشهادة و من يكتمها فهو آثم قلبه"، غير أهل للشهادة .. ها قد أصبح هذا الرجل ذاته .. بشحمه و لحمه و عظمه و شيبته التي حفرتها السنون .. أصبح هو الشاهد الوحيد على هذا الحادث، و هو الوحيد الذي يستطيع أن يذكر أرقام السيارة، لكنه و بكل بساطة لا يصلح .. !
كأنما زلزله ما سمعه من أستاذه، فأمضى أسبوعًا كاملاً صامتًا .. يتحدث القليل، و يأكل القليل، إلى أن اتخذ قراره أن يدمر كل البيض، و ينثر كل الحجارة، و أن يجلعها نظيفة حياته، فهؤلاء لا يأخذ منهم أتعابًا، بل جمرًا من نار ..
أخذ يفكر في كل ما يتعلق بحادثة والده، محاولاً إبعاد ذهنه عن والده ذاته .. والده في السادسة و الستين، و لن يتحمل .. لا يريد أن يقضي تلك اللحظات حتى يصل للمستشفى في هلع لا مبرر له عندما يجد أن الأمر أبسط مما صوره خياله، و لا يريد أن يضرب أخماسًا لأسداس و يذهب به الشيطان كل مذهب .. فليبقه بعيدًا حتى يراه رأي العين، و بعدها فليختر الانفعال الأصوب ..
غارقًا في أفكاره، و ماذا فعلت هناء و حمدي، و إلى أي مدى سارت إجراءات الشرطة، لم يستمع إلى رنين هاتفه المحمول إلا عندما بلغ مقطعًا عالي الصوت في نغمة الرنين .. انتبه إليه و ظنها أخته تارةً أخرى تطلعه على تطور مفاجيء، فإذا به يجد المتصل هو فارس، فانعقد عقله و لسانه معًا من الدهشة، إذ لم تكن من عادة فارس على الإطلاق أن يتصل به مباشرة على هاتفه المحمول، إلا إذا كان الأمر جد خطير ..
- آلو .. السلام عليكم .. أيوه يا فارس ..
- و عليكم السلام .. أنت في المكتب ؟ .. و لا شكلك في الشارع ..
- في العربية .. عندي مشوار كده في الأزاريطة ..
لم يشأ أن يزعجه بمسألة والده، إذ استشعر في صوته قلقًا خفيًا، من ذلك النوع الذي تتحسسه في صوت الشخص و نظرات عينيه، لكنك لن تجد ما هو أبعد من هذا من التعبير ..
- فين في الأزاريطة ؟ .. لازم أشوفك ضروري و دلوقتي ..
تمامًا كما قدر ..
- في مستشفى السلامة الجديدة ..
- يا ستار .. خير ؟
- والدي بعافية حبتين و رايح أزوره ..
- أنا آسف يا جمال .. بس فعلاً الموضوع ما يتأخرش .. مسافة السكة أكون عندك ..
و أغلق الخط، ليشعر أن الهدوء الذي كان يمني نفسه به قد انقلب رأسًا على عقب و في أقل من ساعة ..
***
في خطوات واسعة قطع فاروق المسافة من باب المستشفى إلى حيث قالوا إن السيد/ عبدالغفار جمال يرقد، في انتظار تقرير الأشعة المقطعية، و فيما هو يبحث بعينيه عن رقم الحجرة وجد جمالاً يقف مع أحد أطباء المستشفى و بجواره أخته هناء و زوجها حمدي، و قد بدا عليهم الاهتمام الشديد، و بالتفاتة عفوية التقطه جمال فقطع حديثه مع الطبيب و مضى إليه و هو ما زال في بداية الممر، فيما أكمل الطبيب شرحه لأخته ..
- ها طمنّي .. إيه الأخبار ؟
- أبويا شكله كويس .. مفيش ارتجاج الحمد لله .. شوية رضوض و كسر في القصبة ..
بدا الاهتمام على وجه فاروق، ما دفع جمال ليقول في قلق:
- إيه .. في إيه ؟ .. مالك كشّرت ليه ؟
أشار فاروق إلى الطبيب الذي كان جمال يقف إلى جواره:
- دا دكتور العظام ؟
- طبيب الطوارئ .. كان بيقولنا إيه اللي حصل بالظبط ..
اتجها إليه و فاروق يسأل:
- و قال إيه ؟
- شكله كلام ما يطمنش .. حاجة عن كسر في القصبة من فوق و المفصل و مش المفصل .. الصراحة أنا مشتت مش قادر أركز و أفهم منه كويس ..
بلغا الطبيب الذي كان يجيب على بعض أسئلة هناء، فالتفت إليهما و جمال يعرفهما بعضهما البعض:
- دكتور فاروق صبحي، استشاري جراحة العظام .. دكتور عبد التواب يوسف، طبيب الطوارئ هنا ..
لا يدري فاروق أقصد جمال هذا أم لا، لكن ذكر كلمة الاستشاري تعفي فاروق من الحرج الذي يتمثل في أن طبيبًا يأتي من الخارج و يتولى الحالة، كأن طبيب المستشفى "طرطور" أو غير أهل للثقة .. فارق الخبرة يمنحه هذا دون حساسيات، أو بأقل ما يجب منها ..
- أهلا و سهلاً ..
قالها فاروق و أخذ عبد التواب جانبًا و بدأ يستفسر عن الحالة و ماذا حدث و الأشعة و و و، و فيما هم في ذلك وصل تقرير الأشعة المقطعية، فالتقطه فاروق يقرأه باهتمام ثم قال:
- تشخيصك مظبوط جدًا يا دكتور .. مع الأسف مظبوط جدًا ..
أخذ عبد التواب التقرير يقرأه سريعًا ثم قال:
- على كل أظن إن العمليات دي بقت أبسط دلوقتي .. المهم أهل العيّان و رد فعلهم ..
- شكرًا جزيلاً يا دكتور .. أظن إني حأتولى مهمة أهل العيّان دي ..
انصرف عبد التواب إلى حجرة عبد الغفار يعطي بعض التعليمات للممرضة، فيما شهق فاروق بعمق قبل أن يتحدث إلى الثلاثة محاولاً شرح ما حدث:
- ببساطة و دون الدخول في تفاصيل طبية مرهقة .. عضمة القصبة فيها من فوق كلكوعتين فيهم مسطحات بتعمل مع ما يقابلها في عضمة الفخذ مفصل الركبة .. الكلكوعة الخارجية انفصلت نتيجة الكسر، و دا معناه حاجتين .. أولاً إننا لا زم نعمل عملية تثبيت بمسامير، ثانيًا إن المفصل دخل في اللعبة، و كل ما نخلص أسرع، كل ما النتايج تكون أحسن ..
- طبعًا يا دكتور .. لو تقدر تعمل العملية إمبارح يكون أفضل ..
قالتها هناء فابتسم و أكمل:
- إن شاء الله .. بس على كل أحب أطمنكوا .. العملية بسيطة جدًا .. دقيقة بس بسيطة .. مع التقدم دلوقتي نتايجها بقت ممتازة ..
- آمين ..
جذبه جمال من يده خفية فانسحبا ليسأله جمال:
- الكلام دا بجد و لا بتطمّن أختي و خلاص ؟
- على فكرة أختك أعصابها أنشف منك، حتستحمل الحقيقة حتى لو مُرّة يعني .. و بعدين أنا مش من أنصار إني أخبّي أي حاجة عن العيّان أو أهله ... العملية فعلاً بسيطة ..
ثم ابتسم و هو يضيف:
- بس محتاجة واحد علاّمة يعملها ..
و غمز لجمال بعينه فقال:
- يا روقة يا خويا يعني هو أنا جبتك ليه ؟ .. تبيع فجل ؟
- طب يالا نشوف الحاج و اطمن عليه ..
- السلام عليكم ..
كانت من فارس الذي وصل من خلفهما فاندهش فاروق فيما استقبله جمال قلقًا قائلاً:
- و عليكم السلام .. خير ؟
- والدك أنت عامل إيه الأول ؟
- والدي بمب .. طلعت بسيطة الحمد لله ..
- هو أصلا إيه اللي حصل ؟
هنا تدخل فاروق:
- حادثة و كسر بسيط كده ..
اندهش فارس لحيظات ثم لم يلبث أن قال:
- ما قلتش ليه يا جمال ؟ .. بتقولي بعافية شويتين ؟
- ما حبتش أقلقك .. شكلك قلقان أصلاً ..
- يعني أنت عارف إن فارس جاي ؟
- اتصل بيّا و قال عاوزك في حاجة ما تتأجلش .. خير ؟
زفر فارس زفرة حارة و قال:
- ا ..
ثم كتم ما أراد ثم تابع:
- الأول نطمن ع الحاج بعد كده نتكلم ..
دخل الثلاثة حجرة والد جمال، الذي بدا أفضل حالا منه عندما جاء منذ ساعتين .. مع سنه المتقدمه تصبح الهمسة كارثة، فمال بالك بحادث سيارة، و هو أصلاً على شفير هشاشة عظام ؟
تبادلوا كلمات الاطمئنان و الاطمئنان المضاد و بعض الدعاء بالصحة و تمام الشفاء ثم صمتوا ليتحدث عبد الغفار لابنته قائلاً:
- خلصتي موضوع المحضر يا هناء ؟
- لأ .. و معلش يا بابا، مش حتتنازل ..
- يا بنتي ..
قالها متنهدًا كأنما يقول "أنا مش حمل مناهدة .. اعملي اللي باقولك عليه"، فتدخل جمال في الحوار:
- بص يا بابا .. أنا عارف إنك مش عاوزها تتبهدل و أنها ست و العيال و الكلام ده كله .. بس لازم تتأدب ..
- آه .. لازم .. دي وليّة بجحة .. راجعة بضهرها إذ فجأة و عاوزة تلبّسنا الغلط .. و بتغالط تلات شهود يسدوا عين الشمس .. و بعدين لسانها طويل و أبيحة يعني .. دي مستفزة ..
تحدثت هناء كأنها "ما صدقت" .. فتابع جمال:
- أنا حاسيبها الليلة دي .. تتقلب ع الجنبين في الحجز وسط الستات القبحا بجد، علشان تعرف تغلط إزاي بعد كده .. و بكره أتنازل عن المحضر ..
- و لزومها إيه البهدلة دي بس يا ابني ..
- قرص ودن يا بابا .. مجرد قرص ودن ..
تنهد عبد الغفار مرة أخرى و كأنما أتعبه كل هذا، فقال فاروق:
- ريّح نفسك أنت يا حاج .. ابنك محامي عُقر و حيخلص الموضوع كما ينبغي .. المهم راحتك أنت ..
- راحة ؟ .. هما عاوزين يريحوني ..
لم يرد أي منهم، إذ واصل عبد الغفار:
- يا ابني أنا رجل جوه و رجل بره .. مش عاوز في آخر دنيتي أطلع منها و أنا مبهدل حد ..
- هي بهدلة بالضلال .. غلطت يبقى تاخد جزاتها، و بعدين قلت لحضرتك .. بكرة الصبح حاتنازل .. العوض على الله مش عاوزين منها حاجة ..
أشاح عبد الغفار بيده ما معنا: "اعملوا اللي أنتول عاوزينه .. تعبتوني"، ثم استأذن جمال ليخرج مع فارس و فاروق فيما بقيت إلى جواره هناء و زوجها ..
قال جمال:
- ها طمّني يا فارس .. خير ؟
- إن شاء الله خير .. و لو إني ما أظنش ..
و ألقى إليهما بما لديه، و كان مفجعًا بحق ..
***

16.8.09

الاستخدام الجائر و العبيط للإنترنت

كنت قد انتويت أن اكتب تدوينة عن "ظاهرة بظاظو" و ما حدث و ماذا يحدث و ماذا من الممكن أن يحدث، لكن نظرة البعض، الذين قرأوها بشكل حصري، اتفقت مع نظرتي في أنها جنحة سب و قذف، لا ينقصها سوى تحريك الدعوى القضائية .. لهذا ترونني قد عدلت عن الأمر برمته، لكنني لا زلت أكتب ..
على أية حال، أستطيع تلخيص تدوينة بظاظو في جملة "ديمقراطية النباح، و أبطال الورق"، و أظن هذا يكفي لتعرف ماذا كنت أنتوي أن أقول ..

لكن الأخبار السارة لا تنقطع في بلد كهذه .. أنا لا أعني الأخبار السارة حقًا، لكنني أعني تلك التي نقول عنها كذلك من باب الدعابات السوداء .. آخر هذه الأخبار السارة هو خبر تطبيق الشركات لسياسة الاستخدام العادل و الرشيد للإنترنت، رافعين شعار "محدودية اللامحدود .. عبط بلا قيود" ..

بعد أن أرغيت و أزبدت، و أرتفع ضغط دمي، و أصابني ما أصابني، جلست أتأمل هذا الذي حدث .. ما حدث و يحدث مثله كثير، يضعنا في فئة "بلدان الحصريات"، تلك البلدان التي تجد فيها كل عجيب و غريب، كأنها متحف لهذه الأشياء، و نحن في هذا نتشابه مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكن حصرياتنا حصريات "غلسة" ..
نحن البلد الوحيد الذي تحتسب في رسوم النظافة بناء على استهلاكك للكهرباء، و لا تسل ما العلاقة .. لو أنك لا تضيء غير مصباح واحد من فئة "الوناسة"، لكنك قد حوّلت شقتك لحظيرة خنازير، تنتج كميات من القمامة تضعك في مصاف العشرة الكبار، لوجدت أن رسوم النظافة المطلوبة منك لا تذكر، لأن استهلاكك للكهرباء صفر على اليسار .. أما لو كنت من تعساء الحظ كثيرو الاستهلاك، فهذا يعني أنك من أكبر منتجي القمامة في العالم، و تستحق فاتورة تقصم ظهرك ..

نحن البلد الوحيد الذي يفتتح رئيس وزرائه و محافظ سلمًا كهربائيًا يصل ما بين ضفتي طريق، و توضع لوحة رخامية من الحجم الكبير تسجل هذا الحدث التاريخي .. حدث هذا عندنا في الإسكندرية أمام محطة قطارات سيدي جابر ..

نحن البلد الوحيد الذي يستخدم في الناس الصناديق المعدة لاستقبال وفود القمامة في صنع المخلل و غسل الخضروات لصنع السلاطات في المطاعم، بينما تسرق عجلات هذه الصناديق و محاورها المعدنية، لأنها من الصلب، و تباع بالشيء الفلاني ..

فقط و حصريًا في مصر، و لن تجد هذا في أي بلد آخر .. و عندنا فقط تعتبر الحكومة أن الشعب الذي تحكمه يستخدم الإنترنت بصورة جائرة و عبيطة، لذلك أطلقت سياسة الاستخدام العادل و الرشيد للإنترنت ..
نحن شعب نحب، بل نعشق نظرية المؤامرة، لكننا هذه المرة محقون .. عندما صدر هذا القرار، تعالت الأصوات أن القرار سياسي بالدرجة الأولى، هدفه الحد من استخدام الناس للإنترنت التي فتّحت عيونهم و آذانهم على الشيء الكثير مما كان خافيًا عنهم، و مما كانت الحكومة تذيع كلمتها فتكون هي الكلمة الفصل فلا يسأل أحد بعدها .. أما الآن، فكلام الحكومة و تلفيقها أصبح كـ"الطبيخ الحمضان"، لا ينظر إليه و لا يفكر فيه أحد، و السبب هو هذا الاختراع السافل المنحط الحقير الوغد المسمى بالإنترنت ..

وجهة النظر هذه لا تنقصها الوجاهة .. شاهد رد فعل الناس الآن و رد فعلهم قبل عدة سنوات .. حتى القنوات الفضائية لم تصنع هذا التأثير، و هذا "الفوقان" ..
حركة 6 أبريل .. الحركة بدأت و تشكلت و تبلور كل شيء فيها على الفيس بوك .. لم يعد هناك حاجة لمكان اجتماعات و منشورات و كلمة سر و و و .. الأمر بدأ و انتهى في الفضاء التخيلي، و هذا ما يقض مضجع النظام فعلاً ..

على أن الأمر برمته يدل على غباء شديد، متغلغل حتى النخاغ في العقلية الحكومية المصرية .. تبدو هذه السياسة بنظرة بعيدة عن التحيز ضد الحكومة سياسة عقلانية جدًا .. الكثيرون يشتكون من بطء التحميل و التصفح و من الضغط على الشبكة، و المبرر الذي تقوله الشركات هو أن كثيرًا من المستخدمين يستهلكون السعة في تحميل الأفلام و الأغاني و الألعاب و كل هذه الأمور الترفيهية، و هو ما يجعل من يستخدمون الإنترنت في الأمور الجادة يجدون صعوبة في العمل و تتأخر أعمالهم .. و من هنا تأتي هذه السياسة لتحد من أولئك "المفاجيع"، و تتيح الفرصة للغلابة كي يجدوا كيلوبايتات يومهم التي يلهثون خلفها ليل نهار ..

لكن نظرة واحدة – غير متحيزة أيضًا – ستحيل هذه السياسة إلى ثوب مهلهل .. بطء التحميل و التصفح يرجع أصلا إلى "الحشر" .. الشركة "تحشر" 7 ملايين مستخدم على الخط الذي لا يتحمل أكثر من 4 ملايين .. قل لي من أين يمكن أن يوفر الخط سعة لكل هذا ؟ إن البطء يبدو رد فعل مهذب من هذا الكابل البحري، الذي لو كان بشريًا لشـ .... لشتمنا بأعلى الصوت بسبب هذا الذي يحدث ..
تفاهة الاستخدام لا يُقضى عليها بهذه السياسة، بل بأساليب أخرى، أكذب لو قلت أنني أعرف شيئًا منها، لكنها حتمًا موجودة .. لا يوجد أمر يخلو من البدائل ..

ثم الدليل الأكبر على الغباء هو هذا التتابع .. أعلنت الشركات تخفيض الأسعار، ثم بعدها بأسبوعين أعلنت هذه السياسة .. ماذا كان سيحدث لو أنها أبدلت هذا مكان ذاك ؟ .. كانت لتمتص غضب الناس امتصاصًا، و لربما كان رد فعلهم أهون بكثير مما نراه اليوم ..
ثم إن اسم هذه السياسة في حد ذاته سبة في جبيننا .. سياسة الاستخدام العادل و الرشيد للإنترنت .. و هذا يعني أنك كنت تستخدم الإنترنت بظلم و جور و عبط و سفه قبل ذلك ..

و بالإضافة لكل ما سبق، تتجلى مظاهر "النتانة اليهودية" في السعات التحميلية المقررة لكل خط .. 25 جيجابايت للخطوط ذات السرعة 512 كيلو/ثانية على سبيل المثال، و هو أقل بكثير – حسب ما سمعت، و الله أعلم – مما يمكن أن تتحمله هذه السعة قبل أن ينفجر الخط و يقول "حقي برقبتي" .. ثم إن هذا التحديد مظهر آخر من مظاهر الغباء المستفز .. هناك غباء تقف أمامه ضاحكًا، و هناك غباء تقف أمامه تريد لطم صاحبه، و هناك غباء لن تقف أمامه لأنك ستموت بحسرتك .. لا أحتاج بالطبع لأخبرك أي نوع من الغباء كان هذا القرار ..

ماذا لو أنك جعلتها 50 جيجابايت ؟ .. لن يصل شخص لهذا الكم إلا إذا كان لا ينام، و يظل على مدار 25 ساعة في اليوم و الليلة يقوم بتحميل أي شيء و كل شيء يقع تحت يده .. أنت في أسوأ الظروف تضمن أن المشترك لن يستهلك و لو نصف السعة المحددة له، فلماذا لا تمتص غضبه، و تعلن سعات أكبر أنت تعلم قبل غيرك أنها مجرد كلام و حبر على ورق ؟

عندما انتويت أن أكتب هذه التدوينة، لم يكن قرار وزير الاتصالات الذي يقول إن سياسة الاستخدام العادل و الرشيد ستطبق على المستخدمين الجدد لمدة شهرين، من أجل الدراسة و الإحصاء و كثير من هذا الهراء .. و لا يبدو أن هذا القرار من فئة "لقد قررنا هذا منذ زمن، لكننا نسينا أن نقول" بل هو حتمًا من فئة "لم نقرر، و لم نفكر أن نقرر، و لم نكن لنفكر أن نقرر شيئًا كهذا، لكنكم اضطررتمونا لهذا يا .... " ..

على أية حال، هناك رأيان في تفسير هذا القرار:
الرأي الأول، و أنا أميل إليه: يقول بإن الحركة و الانتفاضة التي انتفضها المشتركون كانت موجعة، و منذرة بكارثة .. خصوصًا و أننا كشباب، الفئة الأكثر استخدامًا للإنترنت، أصبحنا نرى أنه بإمكاننا أن نفعل .. لم نعد كما مضى نرى أن كل شيء ليس له إلا أن يتم بالقوة الجبرية، و أنه ليس لنا خيار في أي شيء، إلا ماذا سنأكل اليوم .. مجموعة الفيس بوك المنادية بوقف الاشتراكات احتجاجًا على هذا القرار انضم لها في يومها الأول أربعة آلاف مشترك، و العهدة على الراوي ..
الرأي الثاني: يقول بإن أصحاب الكلمة المسموعة قد بعثوا ما يشبه الشكوى، للإدارة الأمريكية، يقولون فيها إن النظام المصري يمنع و "يغتت" فيما منحه باراك أوباما للعالمين العربي و الإسلامي من تسهيلات تقنية، و هو ما ألمح إليه في خطابه الأخير بالقاهرة .. حقيقة، لست أظن الولايات المتحدة تهتم بأن يتمتع الشعب المصري بقدرة على تحميل كل الأفلام التي يهواها لدرجة أن تضغط على النظام المصري – أيًا كان ممثله – حتى يحل هذه الأزمة، هذا بالإضافة إلى أنها "مش فاضية للعب العيال ده" .. لكن ديدن النظام المصري في الإصغاء، ككلب لكلمة سيده، كلما ما أشارت الولايات المتحدة – تحديدًا – مجرد إشارة، و "تصدير الطرشا" للشعب المصري – تحديدًا – يجعل هذا الرأي على شيء من الوجاهة ..

على أية حال، هذه حلقة أخرى في مسلسل إطلاق النار المتبادل بين الحكومة و الشعب، و الذي يبدو أنه لن ينتهي إلا بانتهاء أحد الطرفين، يدينا و يديكم طولة العمر، و عنصر جديد يضاف لقائمة الحصريات التي لا تنتهي، و مثال جديد على خبث ابن آدم، و كيف يمكن أن يبيعك الهواء، ثم يسرق منك ثمنه الذي غالى فيه من الأصل ..

قبل أن أختم، تذكرت شيئًا في خضم هذه الأزمة .. ما دامت الحكومة تخاف على الشعب من الاستهلاك السفيه للإنترنت، لماذا لا تحجب المواقع الإباحية، و هي قادرة على ذلك، و التي تلتهم – و لست أبالغ – نصف وقت الشباب على الإنترنت ؟ إذا كانت من فئة "الدفاع عن الحرية" فهي كذوب لا ريب، تكذبها هذه السياسة التي أعلنتها، و إن كانت تخشى المعارضة فهي بلهاء لا ريب، لأن من سيعارض قرارًا كهذا، سيغمس نفسه في العار إلى يوم يبعثون .. الحق أقول، إنني لأشتم في هذا رائحة المؤامرة ..

14.8.09

ماتفوت طبـــك

حافوت الطب ورايا
و ألبس عمة و عبايه
و أعمل دقن شبرين
و حابرم الشنبين
و أسمي نفسي سيدنا
و أقول اني مخاوي
حاجة احتراف عفاريت
مش زي الباقي .. هاوي
و أجيب حلة قديمة
و حبة زعفران
و أقول بخيمة لئيمة
على أشتاتا أشتوت
يليها كام شتيمة
أطلع يا أمشخوت
يا مارد يا أبو سيفين
بتقول جنودك مالهم
ليه بس زعلانين؟
اه، عايزين فطارهم
فخدة نملة هندي
عبرت المحيط
و شعرة من بطن ايد
عيل يكون عبيط
و كيلو لحمة ضاني
تكون من ديل خروف
امه نعجة سوداني
و بتعرف تقرا الحروف
و أبوه يكون تور
قرنه اتكسر في الحرب
أصله بلاد اشور
و صاحبه هراه ضرب
و عرف ديك من الصين
معاه باسبور ايطالي
مولود بقاله يومين
و يكون على صاحبه غالي
-و منين أجيبهم يا سيدنا؟
-تلاقي لو تدور
-طب أرجوك ساعدنا
-ممكن سندوح يقدر
-و مين سندوح يا شيخنا؟
-ده عفريت من المطاريد
فاتح كام شركة بريد
الطلب الناقص يجيبه
أما بياخد نصيبه
-طب شوفه يحتاج كام؟
-خمسينه بالتماام
يدفع صاحبنا أوام
أرمي حبة بخور
و أقول هجام جخام
و الطبق يلف يدور
أمد ايدي ف كيس
و أجيب عمل صغير
و أقول مبارك
حاجتتك أنقضت*
ارجع تجد مراتك
و كل الشرور مضت
و ادي كام تلاف جنيه
من غير شقا و علام
و الشهرة ايه يا عالم
مطلوبٌ في الأفلام
ماتفوت طبك يا صاحبي
و افتحلك حتى مقلى
بكرة عربية كبده
تبقى م الطب أبقى

* تقرأ بالفصحى

21.7.09

الجثة- ابراهيم الجارحى



انت قتلت القتيل ..... حتمشى فى جنازته ولا حتهبب ايه ؟؟......اسمع ابراهيم الجارحى

18.7.09

بلد الدخان الهابطإلى أسفل - الفصل الخامس

ملحوظة صغيرة قبل البدء: نظرًا لأنني لا أكتب هذه القصة بانتظام، يمكنكم دومًا الرجوع للفصول السابقة بالضغط على "بلد الدخان الهابط إلي أسفل" الموجود إلى جوار مقسمة هياسيًا مع في نهاية كل تدوينة .. أتمنى لكم قراءة ممتعة، و أتمنى منكم التماس العذر لي، فالإلهام ليس بيدي ..


الفصل الخامس – القطرنجي

وقف عبد الواحد أمام المرآة ليصفف شعره، و قد بدا مظهره في تلك البزة البيضاء غريبًا، لتناقضها الصارخ مع سواده النوبي، أو لنقل السوداني، الذي ينم عن أصوله ..
كان أبوه سودانيًا أبًا عن جد، و إن كان هذا الجد قد عاش في مصر، قادمًا مع أحد حملات الخديوي إسماعيل لتحرير إفريقيا .. أتي مع عائلته كاملة، إذ استشعر حلاوة و رغد العيش في مصر، مقارنة بحال السودان وقتها، لكنه لم يختلط، أو لنقل يتزوج، من المصريات، بل استمر النسل سودانيًا حتي أتي والد عبد الواحد، هازم الشيخي، ليقرر أن التي أحبها لا بد أن يتزوجها، حتي و لو كانت من المريخ ..
و كانت قصة زواج والديه عجيبة حقًا، لا تختلف في شيء عن تلك القصص الرومانسية الكلاسيكية، فرغم أن الشيخي كان رجلاً متفتحًا، إلا أنه ورث عن أبيه مسألة الحفاظ علي النسل السوداني، و كأنهم آخر السودانين علي الأرض، لكنه في النهاية رضخ لمطلب ابنه، خاصة بعدما لمس نبل من أحب ..
ضبط ياقة المعطف بعد أن رضي عن مظهره العام، و ذهب متعجلاً ابنته التي غابت منذ نصف ساعة لترتدي ملابسها، و هو ما يعني أن نصف ساعة أخري قد بقيت قبل أن تنتهي ..
- يا ست علياء أبوس إيدك .. إحنا كده حنتسحر مش حنتعشي ..
- خلاص يا بابا ..
- خلاص ؟ .. يعني لسه قدامك كمان تلات ساعات كده ؟
فوجيء بها و هو ينهي كلامه تخرج من حجرتها و قد انتهت من ارتداء ملابسها، فتراجع مندهشًا من انتهائها مبكرًا علي غير العادة، و قال:
- غريبة .. أنت متأكدة إنك مش عيانة .. أنت خلصتي بسرعة يعني ..
- يعني هو أنا اتاخر مش عاجب .. بدري برضه مش عاجب ..
- ربنا يديم عليك نعمة السرعة .. يالاّ يا ستي ..
قال جملته الأخيرة و هو يرتدي حذاءه، و وقف أمام المرآة للمرة الأخيرة منتظرًا إياها، و إن هي إلا ثوانٍ حتي كانت علي أهبة الاستعداد، فتأبط ذراعها و قال و هما يتوجهان نحو الباب:
- اللي يشوفنا دلوقتي يقول الراجل اتلحس في مخه و اتجوز تاني ..
- ليه يا بابا .. هو حضرتك معتبر قرار جوازك من ماما كان لحسان في المخ ؟
انطلقت ضحكته تدوي في فراغ سلم البناية، بينما ابتسمت هي في خبث طفولي .. امسك نفسه "بالعافية" ليقول:
- يخرب عقلك .. حتوديني ف داهية بكلامك ده ..
ثم تمالك نفسه قليلاً ثم أكمل:
- يعني أنا بغازلك و بقول كلمتين حلوين، تقومي تقولي كده ؟ .. ماشي يا ستي ..
استدعى المصعد، و سرعان ما استقرا في سيارة عبد الواحد البيجو 307 التي – و لا تفتح فاهك اندهاشًا – جاءته كهدية من أحد عملائه، لكنه يعتبرها دومًا جزءًا من أتعابه عن العملية التي أنجزها لهذا العميل .. ربما ترى الأمر مبالغًا فيه، لكن مليارديرَ يتعامل في ثلاثة مليارات كأموال سائلة تحت يده، بالإضافة للأصول التي تقدر بمليارات أخرى، لن تمثل سيارة هامر 1 مشكلة بالنسبة له، فما بالك ببيجو 307 ؟
كانا متوجهين لأحد المطاعم للاحتفال بتخرجها .. "العفريتة الصغيرة" كبرت و تخرجت من كلية الفنون الجميلة، قسم ديكور داخلي .. يا لله ! لقد مضى العمر كأنه فرس عربي يسابق الزمن نفسه !
كان ينظر إليها من وقت لآخر و هو يقود السيارة، و هي تنظر إليه متعجبة .. لم تكن تدري أنه يتذكر أيام طفولتها و صباها .. أول مرة تجري في المنزل، و لهذا سماها "العفريتة" .. "ألا يا أخي كل الأطفال يبدأوا يمشوا .. دي بدأت تجري .. عجايب !" ..
كان يتذكر عندما حصلت على الشهادة الإبتدائية، و كيف كانت سعادتها، رغم أنها كانت ستنتقل للمرحلة الإعدادية في مجمع المدارس الذي تنتسب إليه .. عندما حصلت على الإعدادية كانت كارثة بيئية .. لثلاثة أيام لم يأكلوا شيئًا سوى المعجنات: كعك، فطائر، مكرونة، و تقريبًَا كل ما يمكن أن يصنع من الدقيق .. لقد سعدت بها و قررت أن تطبخ كما لم تطبخ من قبل، و أن يأكلوا من صنع يديها .. لم يكن الطعام سيئًا، لكنه كان كثيرًا، لدرجةٍ جعلتهم يكرهون أن تفرح ثانية ..
كاد الأمر أن يتكرر مع الثانوية العامة .. عنـ ..
"بابا .. خلي بالك"
صرخت علياء مخرجة عبد الواحد من صومعة ذكرياته، لتنبهه إلى كارثة كانت على وشك الوقوع .. ضغطة قوية على المكابح، و جهد عظيم من السيارة حالا دون وقوع حادثة سير لذلك الوسيم الأشقر، الذي يبدو هو الآخر كالغارق في الذكريات ..
الحق أن الخطأ لم يكن خطأ عبد الواحد وحده .. الرجل أيضًا لم يكن على الأرض .. كان تائهًا في ماضيه يغوص و يسترجع شيئًا من ذكرياته التي تبدو مؤلمة مقبضة، فتعابير وجهه لا تنبأ إلا بذلك ..
صرير العجلات على الطريق و صراخ الناس جعل الرجل يتنبه إلى أن شيئًا ما يحدث، و إن هي إلا ثوان حتى أدرك أن هذا الشيء هو أنه كاد أن يدهس دون أن يدري .. كانت دهشته عظيمة، و كأنه يتعجب من نفسه كيف يكون غارقًا في الخيال لهذا الحد، و إن هي إلا ثوان حتى كان لدهشته سبب آخر ..
سبب بزغ عندما تلاقت عيناه و عينا عبد الواحد الذي نزل ليطمأن، فإذا بعينيه تحمل دهشة لا لهفة و رغبة في الاطمئنان، و إذا بالرجل يصرخ:
- مين .. عبد الواحد ؟
- بندر ؟
و تعانق الاثنان ..

***
رغم الموقف المتفجر الذي وقعت أحداثه منذ دقائق، إلا أن الهدوء هو الذي خيم على سيارة عبد الواحد، و بندر يستقر بجواره، فيما جلست علياء على الأريكة الخلفية تنظر إلى الاثنين اللذين لم يتبادلا كلمة واحدة - رغم أن عناقهما ينبئ بمعرفة سابقة طويلة و حميمة - و لا حتى كلمة ترحاب أو استرجاع ذكرى، حتى إن والدها لم يعرفها به أو يعرفه بها ..
لم تكن تعرف أن الاثنين يتذكران أحداث مضت دونها تسعة عشر عامًا .. كان عبد الواحد حينذاك قد تخرج لتوه من كلية الهندسة، و ما زال بندر في عامه الأخير، يحاول أن يخرج بأقل الخسائر، عندما حلّت "الطامة الكبرى" ببندر، و لكن قبل هذه الطامة الكبرى، حلّت به طامة صغرى، و كأنه موعود بهن، و كانت السبب في أن يتعرف بندر بعبد الواحد ..
هو بندر الحسن القطرنجي، من حلب في سوريا، و يدرس في مصر، و لأن مصر هي دومًا بلد السهولة المفرطة، كان لزامًا عليه أن يحصل على شهادة تفيد بإنه رضع لبن العصفور مخلوطًا بمح بيضة الديك ليستطيع الالتحاق بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية .. كان لزامًا عليه أن يدفع رشوة هنا و هناك لتسير أموره بسرعة و سلام، رغم أن المفروض أن تمر كنسمة الصباح، لكن كونه عربيًا أجنبيًا أعطى موظفي الجامعة و الكلية حقًا مكذوبًا في ابتزازه، و هو لا يعلم و لا يدري، و يظن أوراقه بالفعل ناقصة، من فرط ما أوهموه به ..
بينما كان عبد الواحد ينهي أوراقه لينتقل للفرقة الأولى بعد أن أنهى السنة الإعدادية، وجد زميلاً له قد أتى معه للغرض نفسه يصافح بندر و يعانقه، و يقدمه له ثم يسأله:
- و أخبار الورق إيه ؟
- هيك مصاري بتندفع ما شفت بحياتي .. يا خي لو بأريد أدرس بأمريكا بأدفع أقل من هيك ..
تعجب عبد الواحد، و أحب أن يعرف ما الأمر، فأخبره بندر .. طمأنه، و طلب منه بياناته، و لم يكن هذا إلا لأن خال عبد الواحد، منصور هاشم، يعمل في إدارة الجامعة، و يستطيع أن ينظر الأمر عن كثب، و قد كان ..
و عندما ذهب بندر بعد يومين، بناء على مكالمة من عبد الواحد يخبره أن يذهب و ينهي أوراقه، وجد أن الطاقم الإداري، أغلبه، قد تغير و أن أوراقه قد أخذت دورتها بسلاسة منقطعة النظير، و انتهى كل شيء ..
توطدت علاقتهما أكثر فأكثر، و ظل بندر يذكر هذا المعروف لعبد الواحد حتى أتى الوقت الذي زوّج فيه هذا المعروف بأخ له .. كان هذا في العام الرابع و الأخير من الدراسة الهندسية .. مشروع التخرج هو البوتقة التي يصهر فيها كل طالب خلاصة فكره .. تعبه و عرقه و سهره و عصير مخه، كل هذا يخرج في هذا المشروع ..
الحق أن بندر و مجموعته أتوا بمجهود جبار .. أن تخرج للنور سيارة تعمل بالتحكم عن بعد، ليس بأجهزة و لكن بصوتك، في مصر و في نهاية الثمانينات، فهذا هو الإعجاز بعينه، إذا وضعنا في الاعتبار أنك مجرد طالب، و لست باحثًا في أحد المراكز البحثية .. الحق أيضًا أن الفضل بعد الله سبحانه و تعالى يعود و لا شك لبندر، الذي استطاع أن يحضر القطعة الرئيسة في العمل بواسطة عمه الذي يعيش في الولايات المتحدة، و لهذا كان ألمه عظيمًا ..
أتته مكالمة بندر في ساعة متأخرة:
- أيوه يا بندر .. خير ..
- مو خير .. مو خير بنوب ..
- يا ستار يا رب .. احكي لي يا بني ..
- لازم أشوفك ..
و رغم أن الوقت يقترب من منتصف الليل، قابله عبد الواحد مفجوعًا و مفجوءًا في أحد المطاعم، ليجد عينه منتفخة من أثر السهر أو ربما البكاء، و عندما تحدث إليه بندر أدرك السبب ..
مشروع تخرجه سُرق .. الأستاذ الدكتور المبجل نسبه لنفسه في أحد الدوريات العلمية، قبل أن يتقدموا به رسميًا، ما جعلهم يبدون كمن أخذوه منه لا العكس .. سهر الليالي ضاع هباءً منثورًا ..
- ما ضاعش يا بندر .. استنى مني تليفون ..
و انصرفا، عبد الواحد لمنزله يفكر، و بندر لمنزله يجتر همّه .. بعد أربعة أيام، اتصل عبد الواحد ببندر يخبره أن الأستاذ منصور هاشم في إدارة جامعة الإسكندرية يطلبه بشكل شخصي ليروي له ما حدث .. كان بندر يائسًا، لكنه أدرك أن عبد الواحد يساعده بصدق، و لم يشأ أن يضيع فرصه، علّ فيها الخروج ..
ذهب إليه و شرح له الأمر بالتفصيل:
- معاك دليل ؟
- التصميمات، و البروفات، و ورق استلام هالقطعة .. ها اللي جبتا من عمي بأميركا .. كل شي معانا ..
- قدم لي شكوى رسمي، و سيب الباقي على الله ثم عليّ ..
نظر إليه بشك، و إن كان قد شعر في لهجته بصدق .. مر أسبوع، و إذا بعبد الواحد يتصل:
- أبشر يا سي بندر .. فُرجت ..
- عن جد ؟
أخبره أن شكواه كانت القشة التي قضمت ظهر البعير .. هذا الأستاذ الجامعي "سوابق" إن صح التعبير، و قد ضُجت إدارة الكلية من كثرة شكوى الطلبة منه، و أتت شكواه لتنهيه بالقاضية ..
- و الله ما أنا عارف كيف باتشكر لك .. أي شي بيكون أقل من هيك خدمة ..
- كفاية الفرحة في عنيك .. إحنا صحاب ياجدع ..
ربت عبد الواحد مبتسمًا على فخذ بندر الجالس إلى جواره و قال:
- و الله بعودة الأيام يا بندر ..
و ركن السيارة في موقعها المعهود كلما أتى هذا المطعم، و هبط الثلاثة ممنين أنفسهم بسهرة ليس لمتعتها حدود ..
***
- لسه قاعد لوحده ؟
- لسه .. قاعد لوحده و بالعافية بياكل .. أنا ..
سكتت سامية لحظة ثم أضافت بانزعاج:
- أنا قلقانة عليه قوي .. ساعات باعدي أسمعه بيتكلم، أفتكره بينادي عليّ .. أدخل ألاقيه بيكلم ماما، و يسكت كأنه بيسمع الرد منها ..
- برضه مابيقولش إيه اللي حصل ؟
- و لا كلمة .. كل ما أكلمه يقول لي الإشارة جت و مش باقي غير دقتين ..
- إشارة إيه بس و دق إيه ..
قالها محمود و هو يضرب كفًا بكف منزعجًا و قلقًا مما وصل إليه حال حميه، و قعد إلى جوارها بعد أن خلع نعليه، و قال:
- أكيد شاف منام .. شاف حاجة تربط ما بين حامد و حاجة وحشة هو خايف منها .. بس إيه اللي يخليه مصدق و عايش دور الاكتئاب دا قوي كده ؟
كادت أن ترد لكنه سبقها بالكلام:
- هو نام ؟
- ما أظنش ..
- طب أنا داخل له ..
توجه إلى حجرته يغير ملابسه قبل أن يتوجه إلى حجرة حميه، فيما جلست سامية تكمل ما بيدها من أشغال إبرة ..
- السلام عليكم يا عمي .. إزيك دلوقتي ؟
نظر إليه سعد هائمًا كأنما هو في عالم آخر .. تحركت شفتاه ثقيلتان متمتمًا بكلام لم يسمع منه محمود حرفًا، فقال:
- لغاية إمتى يا عمي ؟
جلس إلى جواره و أكمل:
- لغاية إمتى الحالة دي ؟ بس لو تقول لي فيه إيه، يمكن نقدر نحل الأمر سوا ..
تحركت شفتا سعد بالكاد ليخرج صوته مبحوحًا من صمت طويل:
- ماحدش يقدر يعمل حاجة .. دا قضا ربنا ..
- و نعم بالله .. طب حتى نفهم .. يمكن نساعد حتى بكلمة .. يا عمي إحنا مش قادرين نفرح حتى بحامد اللي لسه ما بقى لوش غير أربع أيام بس على وش الدنيا ..
- حامد ..
خرجت الكلمة من بين شفتيه كأنها نار محرقة، فانقبض قلب محمود و سأل:
- ماله ؟
أغمض سعد عينيه و بدأ يحكي بصوت خافت:
- كانت لابسة نفس هدومها في آخر يوم .. الجلباب الأخضر و الطرحة البني .. قلتلها قومي اعملي الشاي يا زينب قالت لي سلامة الشوف .. أنت مش واخد بالك إنك نايم .. قلت طب إزاي باكلمك و أنا نايم، قالت لي لأنك جاي كمان دقة و كمان دقة .. بنتك بتولد يا سعد و ولد ولدك عليه بطشة حمرا .. وحمة حمرا على كتفه اليمين كيف الدم .. لو انولد ولد حتقابلني بعد دقتين، و لو بنت يبقى دقة .. أنت مش بتخطرف يا خويا .. قوم شوف بنتك .. قلت لها بنت مين و ولد مين .. أنت فين يا زينب .. و راحت ..
كان محمود يستمع إليه شاعرًا بالقلق، و إن خالطه شعور بالفخر لصحة استنتاجه، لكن طرح هذا جانبًا إذ أكمل سعد:
- يا محمود أنا خلاص .. دقة و اتنين و مش حابقى معاكم .. عارف يعني إيه تعرف إنك حتموت قريب ؟
وجد محمود مدخلاً مناسبًا ليخرجه من هذه الحالة، فقال:
- خلاص يا حاج أنت قلتها .. دقة و اتنين .. فرضًا كان الكلام ده صح، أنت عارف الدقة دي قد إيه ؟ .. يمكن أسبوع .. يمكن شهر .. يمكن سنة .. حتعيش سنتين بحالهم في الاكتئاب ده ؟ و بعدين اللي عارف إنه خلاص حيموت، و لو إن ربنا بيقول في كتابه "و ما تدري نفس ماذا تكسب غدًا، و ما تدري نفس بأي أرض تموت" .. اللي عارف إنه خلاص حيموت كمان شوية يقعد في الحالة اللي أنت فيها دي ؟
أخذ نفسًا عميقًا، و قال:
- أنت يا عمي راجل بتصلي و حجيت قبل كده و اعتمرت، و أحسبك عند الله من المؤمنين .. المؤمن يعني مؤمن بقضا ربنا و بحكمه، و أنت كده و العياذ بالله كأنك بتعترض .. حزنك كأنك بتقول ليه يا رب خلتني أموت دلوقتي ؟ .. لو فرضنا صحة الكلام ده، مش الأحسن إنك تقرب من ربنا أكتر .. تصلي أكتر .. تصوم أكتر .. يمكن يكون ربنا بيحبك بعت لك إشارة علشان تبقى آخر أيامك في طاعته، بدل ما يفاجأك الموت و أنت غافل .. و بعدين ممكن يكون كل ده وهم .. ممكن تكون من الشيطان ..
- و الوحمة ؟
- يا عمي .. لا يسمّعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب * دحورا ولهم عذاب واصب * إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب ..
كان محمود يشعر مع كل كلمة يقولها أن حماه يلين شيئًا فشيئًا .. و إن هي إلا لحظات حتى كانت سامية تسمع صوت أبيها يقول مجلجلاً:
- يا سامية .. جهز لي ميّه اتوضا، و كلمي درية تيجي هي و شعبان ..
و لم تتمالك إلا أن تزغرد معلنة انتهاء غمة كادت – دون مبالغة – أن تعصف بهم شر عِصفة ..
***
كانت الكلمات تخرج من فمه، في أحسن الأحوال، بذيئة بذاءة فاحشة .. قال:
- بص ابن الـ ... دا يا إما تلموه يا إما حالمكوا يا ابن الـ .. أنت و هو .. أنا مش ناقص كلام و تلسين .. اللي فيّ مكفيني و زيادة، مش ناقص .. زي ده يطلع لي كل يوم و التاني في الجرنان الـ .. ده و يلقّح بالكلام .. فاهم يا شردي ؟
خرجت الكلمات مبحوحة بعض الشيء من حلقه و قال:
- ماشي يا باشا .. أوامرك ..
جفف شردي عرقه بعد أن أغلق الخط بكثير من "مع السلامة يا باشا" و "في رعاية الله يا باشا" و "ربنا يديم عليك نعيمه يا باشا" .. يا باشا يا باشا .. الباشا وكيل وزارة الإسكان، و لو أن طبيعة عمله تحولت إلى اللاإسكان، و تحول إلى وكيل نفسه لا وكيل الوزارة ..
الغريب أن طبيعة عمله و منصبه لا يكفلان له هذا النفوذ، بحيث يسعى شردي المسكين إلى استعطافه و منحه الباشاوية في الذهاب و العودة، لكن الحقيقة أن نفوذه يتخطى منصبه بكثير .. علاقات واسعة، و صلات الخطوة التالية فيها هي صلة الدم و الرحم، مع الكثيرين و الكثيرين من أصحاب النفوذ و الكلمة المسموعة النافذ في هذا البلد ..
كان عادل عبد الحليم منخرطًا حتى قمة رأسه في معظم القضايا التي أخرجت محمد إبراهيم سليمان من الوزارة .. أخرجته من الوزارة ؟ هذه الجملة غير دقيقة، فهي تعني زوال النفوذ، و أمثال هؤلاء لا يزول نفوذهم .. موقعه فحسب هو الذي يزول و يتغير، أما النفوذ فلا ..
أيًا كان الأمر، كان هو الوسيط في أغلب الصفقات التي تمت، و التي خرج منها مجمعة بمبالغ مريحة جدًا، لكنه نجح ببراعة أن يستل نفسه من القضية دون أن تمسه كلمة، فأصدقائه من أصحاب النفوذ ما زالوا يحفظون له قطع الأراضي التي سهل لهم الحصول عليها بثمن بخس يكاد يقترب من اللاشيء ..
الآن يأتي هذا الصحفي المشاكس العنيد ليفتح الملف من جديد، رغم أن جهاز الكسب غير المشروع برأ ساحة الوزير و أغلق هذا الباب، لكن من الواضح أنه من عشاق تكسير العظام، و رجاله سيتكفلون بهذا بشكل أو بآخر ..
شردي، خادمه الأمين كالكلب، سيتكفل بهذا، فهو عمله الذي يتقاضى عنه راتبًا ضخمًا، بالإضافة لراتبه الأساسي كرئيس لأمن شركة الخدمات البترولية .. بعد هذا الدرس، لن يجسر أن يفكر في أن يفتح فمه ..
- الكلب ابن الـ ..
قالها محاولاً نسيان كل شيء، في سبيل الحصول على ذهن صاف لحفل الليلة ..
***

17.7.09

الذهب الأحمر - تابع الفصل الثاني

- اصمت ..
قالها أرنوك لرفيقه همسًا، مشيرًا بيده إشارة بنفس المعنى، و أرهف سمعه مغمضًا عينيه، كأنما هو بإلغائه بصره يشحذ سمعه أكثر ..
أشار رفيقه مستفسرًا، فلم يجب روك، بل أخرج من جعبته سهمًا، و صوبه نحو الشجيرات القليلة التي لا تبعد عنه كثيرًا، ثم أطلقه مستمعًا إلى حفيف الأوراق التي اخترقها السهم، ثم الأنين الذي صدر عن الغزال الواقف – أو الراقد الآن – خلف الشجيرة، و قد جاءه السهم في مقتل ..
- دومًا تبهرني يا روك .. أشعر كأنك من البوم يا رجل ..
- كل شيء يأتي بالمران .. أنت نفسك يمكن أن تصبح هكذا .. فقط، لو أردت ..
ذهبا سويًا للحصول على غزالهم الصريع .. سأله بيش:
- أحيانًا أتعجب من أبيك هذا .. من أين أتى بكل هذا العلم، و من أين أتى بالوقت ليعلمك كل هذا ..
- عمله كان العلم .. لك أن تتخيل أنه كان قد يجلس بين الكتب دون انقطاع يومًا أو يومين .. ماذا تتوقع من رجل كهذا ؟
لم يجب بيش، بل حمل الغزال السمين – بمقاييس الغزلان – على ظهره ذاهبًا به نحو جواديهما و هو يقول:
- صيد سمين ثمين هذه المرة .. ليت هذا الحظ يدوم ..
لم يمشيا كثيرًا، و بخفة امتطيا الجوادين، بعد أن استخلف بيش الغزال على جواده و انطلقا في طريق العودة ..
- أخبرني يا روك، ألست تراه شيئًا غريبًا أننا نعمل سويًا منذ سبع سنين و لست أعرف عنك سوى اسمك الأول فحسب ؟
- و ما العجيب في هذا ؟ و ما ذكرك أصلاً بمثل هذه الأشياء ؟
- والدك .. هل هو حقًا من علمك هذا، أم إنك درت بالأرض مشارقها و مغاربها تتعلم، و لا تريدني أن أعرف ؟
- و لم أخفي عنك أمرًا كهذا ؟ التطواف شرف للرجل، لأنه صقل لرجولته .. لكنني أقول لك الصدق عندما أخبرك بأن كل ما أنا فيه هو مما تعلمته من والدي ..
صمت روك هنيهة ثم قال:
- إنني مدين له بوجودي الأول و وجودي الثاني .. وجودي الأول في هذه اللحظة الخارقة، عندما التقت نطفته بنطفة أمي، و وجودي الثاني عندما أسبغ عليّ من علمه .. لم أحزن عليه كأبي بقدر ما حزنت عليه كمعلمي ..
صمتا قليلاً، إلى أن تحدث بيش ثانية:
- لكنك أخذتني في بحور الكلام و أرجعتني ألهث من العطش .. لم تخبرني شيئَا عنك ..
- أتـ ..
لم يكمل ما قال، إذ التفت بعفوية لينظر أولئك الركب على مرمى البصر، فوجده يرفرف عاليًا شعار المملكة، بلونه الأصفر الذهبي المرصع بخيوط من اللون الأسود، راسمًا نسرًا برأسين و جناحين ملتهبين .. النازوم ..
لم يكمل ما قال، و إنما اعتلته صفرة الموتى و شحوب الهلع، و قال لرفيقه:
- إما أن نبتعد الآن بهدوء، و إما هلاك لا محالة ..
نظر بيش إلى الركب بعدم فهم، و قال:
- و ماذا في ركب الملك ؟ إنها حماية لنا و لصيدنا ..
- يا أبله .. لقد عشت حياتي كلها لا هم لي إلا الهروب من الملك و أعوانه و جواسيسه .. هلم بنا ..
قال كلمته الأخيرة و التفت ثانية، فوجد فارسًا من الركب قد انفصل عنه و اتجه نحوهما، فسقط قلبه في قدميه، و أحس أنه قادم يطلبه، فحث جواده على الإسراع مبتعدًا عنهما، لكن الغريب أن الفارس الملكي لم يكن مسرعًا كدأب من يطلب هاربًا، بل كان يمشي الهوينى، و لكن روك لم يكن في حالة تسمح له بالتفرقة، فما أن اقترب الفارس أكثر و أكثر، حتى كانا قد أطلقا سوق جواديهما للريح ..
و كفارس مدرب، أدرك أنهما إما هاربان، أو من قطاع الطرق و المجرمين، فأطلق صفيرًا خاصًا، لحق به على إثره ثلاثة من زملاءه، فيما انطلق هو خلف روك و بيش الذي قال:
- لو أنني أفهم فحسب ما يجري ..
- إما أن تجري و إما أن تزين رأسك البوابة الشرقية للعاصمة ..
التفت روك ينظر مطارديه، فوجد أحدهم يأخذ بسهم من جعبته، فحاول الركض في مسار متعرج، حتى يفلت من سهامهم، لكن سهامهم جاءت في مواضعها بالضبط ..
أربعة أسهم لكل جواد، أصابت الأرجل، فانقلبا عن الجوادين و تدحرجا مسافة لا بأس بها، قبل أن يلحق بهما فرسان الملك قائلين و سيوفهم مشرعة نحوهما:
- توقفا باسم الملك أو تقابلانه جثثًا هامدة ..
لحظتها أدرك أرنوك أن أسوأ كوابيسه قد تحقق، ربما أسوأ مما رآه في منامه ..
***
دفعه أحد الفرسان، فكاد روك أن يقع، لكنه تمالك نفسه و حاول جاهدًا أن يفك قيده، لكنه كان قيدًا محكمًا بصورة تثير الغيظ، هذا بالإضافة إلى أنه معصوب العينين لا يدري أين هو ..
فك أحدهم عنه عصابة عينه، فلبث ثانية أو اثنتين لا يدري شيئًا من شدة الضوء، ثم استطاع أخيرًا أن يرى ما حوله بوضوح .. الوضوح الذي شعر أنه خدعه عندما وقع بصره على آخر شخص توقع وجوده ..
- را ؟
- روك ؟
وقف الاثنان قبالة بعضهما البعض ينظران في دهشة و عجب، قبل أن ينتبه را أن روك مكتوف الأيدي، فأمر بفك وثاقه و هو ينظر إليه في دهشة ليس لها حدود .. ألان روك معصميه من أثر القيود و لم يزل ينظر إلى را ذات النظرة الدهشة، ثم و دون مقدمات تعانقا بعنف ..
- روك .. أهذا أنت يا رجل ؟
- إنه أنا يا را .. كم اشتاق إليك ..
- و بالنسبة لي .. ألن يكلف أحدهم نفسه بفك و ثاقي، ما دامت الأمور تسير على ما يرام ؟
قال بيش الجملة الأخيرة، و قد نسيه روك تمامًا، فأمر را بفك وثاقه و اصطحب روك معه و قال:
- إنها ليست مفاجأة .. إنها صاعقة .. آخر ما كنت أتوقعه هو أن أقابل أيًا منكم يا روك ..
- لم يبق غيري على أية حال يا را، فلم يكن لم إلا أن تقابلني ..
ألجمت المفاجأة الثانية لسان را .. هل مات جميع أولاد موار-هن ؟
- كيف هذا ؟
- كما يموت الناس في هذه المملكة .. إما القدر، و إما الحمى، و إما سنابك خيل الملك ..
كانت جملته بليغة جدًا، وقعت من نفس را موقعًا كأنه نصل خنجر .. جلسا إلى الأرض داخل خيمة را، التي نصبت في وسط المعسكر، ثم قال:
- روك .. أنا ..
هربت الكلمات من فمه، ثم استجمعها و قال:
- أنا لست أدري من أين أبدأ .. فابدأ أنت ..
- أنا أدري من أين تبدأ .. من هنا ..
و أشار إلى صدر را، فقال:
- و ماذا تعني ؟
- هل تصدق كلمة من هذا الهراء الذي قيل عن والدي، و الذي بسببه أعدم بأن يأكله النازوم ؟
- لو كنت أصدق حرفًا ما جلست إلى جوار ابن من يتهمونه زورًا بقاتل أبي ..
- يا را .. إنني منذ اثني عشر عامًا في هرب دائم .. اخترت الصيد مهنة كي ابتعد عن المدينة قدر الإمكان .. شهر و شهرين و ثلاثة في البراري، ابتعد عن العيون و الجواسيس، و أعود لأستريح ثم اختفي مرة أخرى .. يا را إنني ظلمت و إخوتي و أبي .. هل ترى نفسك أهلاً أن ترد إلينا حقنا المسلوب الآن ؟
- و لكن كيف يا روك ؟ إن كل شيء كان و ما يزال ضد والدك .. السم الذي وجدوه في الطعام كان من السموم الجديدة التي يبتكرها أبوك، و الطباخ الملكي شهد ضده، و أقسم بأغلظ الأيمان حتى لم يبق له إلا أن يقفز قفز القسم الكبرى من فوق جبل العدالة ..
- فاجعله يقفزها .. إن اللسان يستسهل الحديث، لكن إذا جاء الأمر لقفزة كهذه، فهو حتمًا سيتراجع ..
نظر را إليه بأسف و قال:
- لقد توفي الطباخ الملكي منذ ثلاثة أعوام، و حل محله طباخ جديد ..
- إذًا، فقد ضاع كل أمل ..
قالها روك يائسًا و قام مغادرًا الخيمة فأمسك بع را قائلاً:
- إلى أين تذهب ؟ لا بد من حل ..
نظر إليه روك و قال:
- الشخص الوحيد الذي كنت متأكدًا من وجود دليل براءة والدي لديه مات .. لست أدري ما أو من حمله على هذا القسم الكاذب و شهادة الزور، لكنني كنت متأكدًا من أنه دليل براءته، كما كان من قبل دليل إدانته .. الآن لا أمل، و لا فائدة ..
- اجلس أو لآمرنهم أن يحبسوك .. إذا كنت قد فقدت الأمل فإنني لم أفقده .. إنني مازلت وفيًا لمعلمي يا روك، و لن ادخر جهدًا لأعيد إليك حقك .. اجلس ..
جلس روك و الضيق و الهم على وجهه ثم قال و قد تذكر فجأة:
- بيش .. أين بيش ؟
- بيش ؟ من بيش ؟
- رفيقي في الصيد الذي أُسر معي ..
أصدر را أمره بأن يحضروه ثم قال:
- الآن و قد وجدتك بعد طول غياب، لندع هذه الذكريات المؤلمة جانبًا .. حدثني عما كان و حدث .. حدثني عن نفسك ..
- أمر مولاي ..
كانت لبيش الذي دخل عليهما في هذه اللحظة فأشار إليه را بالجلوس، و أشار لروك أن يتكلم، فانطلق فيض الكلم من فمه يستمعان إليه في إنصات ..
***
إن را قد أحرجه بشدة .. رده الذكي أفسد خطته ..
اتكأ تارام في جلسته إلى تلك اليد الهائلة لمقعده، و أخذ يفكر كيف يعيد الكرة دون أن ينكشف أمره .. لم يكن عرض الزواج عرضًا كريمًا، بل عرضًا لمصلحة .. ليست توطيد أواصر الصداقة و تدعيمها، و ليست إرساء دعائم أقوى للحلف بينهما، و لم تكن بالطبع مقابل خطة الدفاع المشترك التي عرضها را-هيمين .. كان غرضه الأول أن يدخل قصر با-هيب .. القصر الذي طالما حلم أن يدخله من بابه، لا من نوافذه كما يفعل منذ عشر سنوات ..
إن لبا-هيب مجلس مشورة ملكي هم أبعد ما يكون عن الولاء .. لقد اشتراهم واحدًا تلو الآخر، حتى أصبح يطلع على أخبار مملكة النازوم، لكنه يرغب فيما هو أكثر .. يرغب في ابن الملك، ليكون الجسر ليتملك القصر و المملكة ..
كان ينتظر اللحظة التي يلجأ فيها با-هيب إليه، فمملكته أقوى من مملكة النازوم، و أغنى، و إزاء هجمات الهوبوز المتواصلة التي تقض مضجعيهما، كانت هذه اللحظة وشيكة .. هو يعلم كم يكرهه، و كم يود لو يتخلص منه، لكنه في النهاية لجأ إليه ..
هي أيام و يأتيه رد را و با-هيب بالرفض .. هو يعلم هذا و لا يتوقع سواه، لكنه مرة أخرى يعلم كيف يضعه في مأزق بحيث لا يكون أمامه سوى القبول .. إن خطته التي يعد لها منذ اثني عشر عامًا، لن يتركها تفسد من أجل قليل من الملح ..
حتمًا لن يتركها ..
***

ملحوظة: نظرًا لأنكم تقريبًا نسيتم إحنا بنتكلم عن إيه و مين و إزاي و ليه .. بصوا هنا، و اقروا الكام حلقة اللي فاتوا علشان تفتكروا ..

16.7.09

ذباباووي



ما تستغربوش من الاسم او متتقرفوش منه
بس اكيد كل واحد عارف ايه اللي بيعمله الدبان وخاصة في الصيف
وبعد كدة اكيد هيكون للدبان نصيب من الحوار العالمي خصوصا بعد ما اصبحت الانفولونزا
تصيب جميع الحويانات فلا مانع من ان يكون هناك انفلونزا الدبان

انا هلخص واجيب من الاخر
عموما الدبان منه انواع

اولا: النوع الرزل


وده نوع انتشر بشكل مستفذ وعليه برادة
تخرج الواحد من هدومه
وغالبا يكثر في الصيف بسبب الحر
بس ممكن يكون في الشتى
ده انا مرة كنت بذاكر في امان الله وفجأة اذا بدبان دكر رزل
يحوم علىّ وكأن له ثأر عندي ( بالبلدي مش سايبك انهاردة غير اما طلع ....)
وانا اكتر حاجة تضايقني الدبان
سيبت اللي في ايدي وقفلت الاوضة ( الحجرة ) ويانا يا هو في البيت
وبعد مناورة دامت مايقرب من نصف ساعة تمكنت من قتله بعد ان اصبح الكتاب
والاوضة ليس لهم ملامح نهائيا

ثانيا : النوع المزواج

وده نوع بصباص تلاقيه راكب فوق دبانة وهاتك يا ....
مفيش حد ادّه وغالبا ما يكونوا على زجاج الشباك

بس انا مرة شفت دبان رومي زانئ دبانة بلدي مش باين منهم غير الانتينّة

وهذا النوع غالبا ما يصدر عنه الزن ( نتيجة التفاعل بين ...)

ثالثا :النوع الاكروميجالي


وده نادرا اما تلاقيه ولو شفته تلاقي الدبان بسم الله ما شاء الله
صوب ...الواحد في حجم كورة البينج وده لانه اتنفخ من اللي بيشوفه
وده غالبا موجود في مصر وانتوا اكيد عارفين ليه ( بقولك اتنفخ ...)

رابعا : النوع المسالم


وده نوع كافي شيره خرّه لا بيهش ولا بينش
وغالبا ما يكون لازء عل الشباك وبيقولك تعالى موتني

خامسا:النوع المتكيّف


وده نوع ترش عليه بايراسول يقوك كمان
تجيب فليت وترش تعمله دماغ فيلبدلك في البيت
متكيف ببلاش ... النوع ده ماترشش عليه خالص وهو هيمشي

12.7.09

الذهب الأحمر - تابع الفصل الثاني

- عرض زواج ، ياللوغد ..
قالها الملك با-هيب و قد استشاط غضبا و جن جنونه عندما وقف ابنه ليروي له ما حدث في رحلته الاخيرة كسفير .. ثم استطرد : يريدك لابنته ، و هو يعرف جيدا أنني لم ألجأ اليه الا لشدة حاجة ، يعرف جيدا أنني لا أطيقه
-لو كنت قلت ذلك يا مولاي لما خرجت برجالي من هناك
حاول الملك أن يستعيد هدوءه سائلا ابنه: صدقت يا را ، صدقت .. ثم سأله في استنكار و قلق : لا تقل لي انك وافقت؟!
- أوافق علام يا ابتاه ، أنت تعرف جيدا أنني لن أتزوج هكذا ..و ان كان فيستحيل أن تكون ابنة هذا الرجل .. ثم أخذ يروي له..

عندما سمع الأمير كلمات تارام ملك الشمال ، أصابته صدمة للحظة ، اذ توقع كل عرض و تخيل رده الا هذا العرض .. و لم يكن ذهوله لغرابة العرض و عدم توقعه فقط ، بل لأنه سرعان ما أدرك أن رفض هذا العرض ستتبعه بعض استنكارات من تارام و أسئلة لو أجاب عنها بصراحة أو ما يقرب اليها لما خرج و أعضاء وفده من عند تارام و لقامت الحرب بين المملكتين .. أثرى هذا التخيل في ذهنه ما يعرفه عن جنون تارام و طغيانه .. لكنه سرعان ما تمالك نفسه و رسم تلك الابتسامة التي علمها ايه معلمه و مربيه و كان يسميها "ابتسامة الوقت" لأنها تكسب صاحبها الوقت ليفكر في رد دون أن يبدو أنه تأخر بسبب خوف أو تفكير أو سواهما ..
و لكن أي ابتسامات تجدي مع رجل في مثل دهاء تارام .. اذ سرعان ما استدار دورة كاملة و قال للأمير: فما قولك يا بني؟
كانت اللهجة كأنها تسخر منه كيف أوقعه تارام بسهولة .. الا أن را-هيمين سرعان ما رد : ان كان الرد الذي تريده ردي كرا-هيمين الرجل ، فكيف يرفض رجل الزواج بامرأة جمعت الجمال و نبل الأصل و المال و كل ما يبتغيه الرجل في امرأته .. و لكني في قصرك و ضيف بلاطك لا بصفتي الشخصية و انما جئت رسولا عن والدي ، أحمل منه عرضا أعود اليه برد ، و أكون تجاوزت حدود النبل الذي لا ترضى لابنتك زوجا سواها ان قطعت ردا دون العودة اليه و ان أحببت هذا و ملت اليه .. أوليس كذلك جلالتك؟
تغيرت ملامح تارام الساخرة و المليئة بزهوة النصر الى الهدوء و الاعجاب و الحنق أيضا .. الهدوء لأنه لم يكن يملك ردا على كلام الفتى ، و الاعجاب بسرعة بديهته و كيف استل نفسه من المأزق ، و الحنق اذ لم تفلح مخططاته .. و في هدوءه الذي يجاهد يخفي خلفه كل ما يعتمل في نفسه أجاب قائلا: صدقت أيها الأمير الرسول..
ثم أشار لكاتم سره أن يسمح للنبلاء بالدخول و استكمال مجلسهم و ما ستعقبه من احتفالات بوفد الحلفاء على حد وصفه.

تبسم الملك با-هيب قائلا يربت على كتف ابنه: أحسنت صنعا يا بني ، و الله لو كان والدك في مثل موقفك لما أجاب بأحسن من هذا
ثم استطرد متنهدا: لقد أحسن موار-هن تعليمك ، رحمه الله .. لولا خيانته تلك ..
-نعم لقد أحسن تعليمه الاخلاق و الحكمة و حسن التصرف .. قالتها الملكة و قد جاءت تطمأن على ابنها و قد نبئوها بعودته بينما كانت تزور موتى الاسرة في طرف حديقة القصر ..
ثم أكملت في كلمات تحمل بين طياتها الانكار و اللوم : و لازلت غير متصورة كيف لرجل أن يعلم شيئا نبيلا على هذا النحو ثم يخون ..
و كأنما ذكرت الملك بجرح قديم .. فقال في لهجة المدافع: لقد أشار كل شيء ضده عندئذ .. و حتى الان لم يظهر ما يبرأ ساحته
قالت الملكة: و ان .. ثم أثرت أن تنهي النقاش بينها و بين زوجها لتطمئن على ابنها و تسمع منه تفاصيل رحلته

جلس الأمير بعد أن أذن له أبواه بنيل قسط من الراحة بعد سفره ، و بعد أن اطمأن قلباهما عليه ، مفكرا في أيام صباه و معلمه موار-هن .. و كيف أن كثيرا مما هو عليه الان بفضل الله ثم بفضله .. ليس لأن أباه كان أبا سيئا بل لأنه كان مشغولا بتثبيت أركان ملكه حينئذ فلم يجد من يوكل اليه بابنه سوى صديقه الصدوق و مستشاره المخلص ، تذكر الكثير .. تذكر كيف كانت علاقته بمعلمه و صديق أبيه .. و كيف كانت صداقته بأبناء المعلم و الذين طالما تعجب كيف أنهم كانوا جميعا أبناءه و ينادونه أبي لكنهم كانوا يستمرون باخباره أنهم ليسوا اخوة .. كان صغيرا و لم يفكر في السؤال عن الامر حينئذ .. و لم يجرؤ أن يسأل عنه عندما كبر ، لعلمه بما كان يثيره الامر في صدر والديه .. و لم يكن يستطيع أن يسأل الأولاد أنفسهم ، اذ اختفوا تماما مع ما حدث لأبيهم و لم يعرف مصيرهم أحد .. و هكذا نشأ بلا صديق سوى نارزا مربيته ..
و لما تذكر نارزا ، تذكر الغوغاء و ما كان من أمره و اياهم قبل رحلته تلك .. و ابتسم و قد تمدد في فراشه يشعر براحة بال عما فعل ، و عما انتوى أن يفعل


ملحوظة: أعتذر عن طول مدة الانقطاع عن الكتابة في هذه القصة

6.7.09

تذكرت

كنت قد انتويت ، لما وجدت نفسي غير قادر على كتابة شيء، أن ابحث في دفاتري القديمة .. و أكتب بعضا مما كنت كتبت سلفا من شعر و سواه .. و كنت قد انتويت أيضا أن أكتب بضعة مرات عن ملاحظاتي حول ما تغير في الشارع المصري بما انني منذ قدوم الاجازة و أن انسان " شوارعجي" .. ثم حدث شيئ غير تماما ما يجب أن أكتبه .. لقد حدث و أن تذكرت المعتصم .. يغرف كثير منا المعتصم و يجهله الكثير .. يعرفه البعض من خطبة الجمعة ، و البعض الاخر من كتب الشعر و الشعراء .. أنا عرفته عندما كنت في الثامنة أو التاسعة من عمري ، كنت قد أشتريت ثلاث سلاسل من كتب الأطفال .. احداها عن غزوات الرسول الكريم محمد صلى الله و رضي عليه و سلم ، أما الاخرى فكانت عن الصحابة أبرزهم .. و كانت الثالثة عن الخلفاء المسلمين .. و قرأت سيرة المعتصم و قرأت القصة التي ذكرها له التاريخ ، أو لنقل التي لا نزال نسمع بها من سيرته .. اذ حدث ان اغار الروم على قرية أهلها من المسلمين و أسروا نسائها فنادت أحداهم قائلة: وامعتصماه ..
سمع المعتصم هذا فصاح في أخيه الصغير قائلا: " يا عم نشرة ايه .. شوفلنا ماتش و لا فيلم ولا أي حاجة مفيدة " ، و أحيانا اخرى ينهض من أمام التلفاز ليجلس على حاسوبه يلعب أو يتابع الفيس بوك ، و ذات مرة جلس على الياهو لكي يحاول اضاعة الوقت .. عفوا ، هذا انا و كثير منا .. أما المعتصم فقد ترك كوبا كان قد انتوى أن يشرب منه ، و قال لبيك لبيك ..و أرسل رسالة الى ملك الروم قائلا : " من خليفة المسلمين المعتصم الى كلب الروم، سأرسل لك جيشا أوله عندك و اخره عندي" ، ثم سار بجيشه حتى وصل الى عمورية أكبر مدنم فحاصرها حتى هزمها " ..
لا أعرف ماذا اقول فكفى ما قيل و لكن ما ذكرني هو ما حدث لـ مروة الشربيني - رحمها الله - .. لا أريد أن أبدأ في الحديث عن ضعف المسلمين و العرب حتى هانوا ، ولا أريد الخوض في صراع اذا ما كان حجابها دافعا لقاتلها أم لا أن يفعل ما فعل ، ولا أريد أن أتحدث عن الفارق بين حكوماتنا و قد شاهدت النخوة و الحمية تأخذهم و قد أحمرت وجوههم غيرة على ابنتهم فتبجح غير واحد منهم قائلا انهم اتخذوا الاجراءات المناسبة و ياليته ما عدد فخورا هذه الاجراءات .. و بين المعتصم ، و لا أريد الخوض في أمر المسلمين أيام المعتصم و الان .. و يا ترى لو نادى فينا حكامنا فهل سنخرج في جيش أوله عند من اعتدى علينا و أخره عندنا .. و لا أريد الحديث عن الذين اهتموا لوفاة مايكل جاكسون ، أو لشريط جديد لمطرب أيا كان ، أو لمباراة كرة أكثر مما أهتموا لما حدث .. لن أتحدث عن أحد و لكنني سأقول ما حدث .. كنت أجلس أمام التلفاز و تلك من المرات القليلة ، اذ أن أغلب وقت فراغي أقضيه في اللعب على الحاسب ، و كنت أقلب فثبتت على قناة النيل الاخبارية ، و تلك من المرات القليلة أيضا عندما لا أجد ما أشاهده .. و سمعت الخبر و فهمت أن مصرية ما قتلت في المانيا بداخل المحكمة .. لا أقول ان اهتمامي القصير بالموضوع و محاولة معرفة أبعاده حتى انتهت تغطية الخبر ، تمحي ذنبي اذ نسيت الموضوع تماما و لم اكترث له و انشغلت بتفاهاتي عن متابعته .. ما حدث و ذكرني هو دخولي على الفيس بوك و قرأت بعض العناوين و وجدت رابطا عرفت فيه حقيقة الأمر ، سرعان ما مر أمامي شريط ذكريات .. تذكرت المعتصم ، تذكرت محمد الدرة .. تذكرت ذات مرة شاهدت فيها التلفاز وقد وقفت امراء فلسطينية تشكي و تستغيث بنا المسلمين ، و تذكرت ما حدث مني عندما سمعت عن مروة - رحمها الله - .. تذكرت كل هذا .. الان تتسع أفكاري أكثر أتذكر هوان أبنائنا على حدودنا مع اسرائيل ، أتذكر اغلاقنا المعابر في وجه الفلسطينين و تبجح البعض بقول "دول يستاهلوا .. هما اللي باعوا أرضهم" .. و ضحكت كمدا اذ تذكرت قوله تعالى في سورة التوبة" و ان أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ... التوبة 6 " صدق الله العظيم ، و أسائل هؤلاء : ما بالكم بما يجب علينا نحوهم الان؟ ..تذكرت كيف رفضنا اغاثة غزة بل كيف كان الوقود الذي حرك جيوشا دمرتها وقودا عربيا ، تذكرت كيف دسنا أحلام أبنائنا على شواطيء ليبيا و سواها في زوارق الموت .. تذكرت كيف أيئسنا جيلا كاملا ، بل أجيالا من أبنائنا من أوطانهم فأصبحت جميع أحلامهم منسوجة في عالم وردي يختلف عما رأوه في بلادهم ثم نطلب منهم أن يتغنوا بحب مصر ..تذكرت صديقا قال لي ذات يوم أنه لو طلب اليه ان يعمل كجاسوس لعمل فبلدك ليست هواءا مباركا تتنشقه ولا ماءا طاهرا تتغنى به و انما بلدك من تحتضنك و ترعاك ، تذكرت فرقة العرب و ضعفهم و هوانهم .. و تحسرت اذ تذكرت الناس يلومون حكوماتهم على عدم قيام وحدة عربية بينما يسيء بعض العرب معاملة من ذهب لكسب العيش عندهم من عرب أخرين .. و البعض الاخر يسب شعبا عربيا بأكمله و يصفه بانعدام الاصل و الخسة ، تذكرت أنني كشاب أخطط لمستقبلي كان علي أن افكر ألف مرة لأني مسلم ، و ألفا أخرى لأني عربي .. و الافا أخرى لأني مصري ان كان حتى حلمي في ذلك العالم الوردي خارج بلادي سيتحقق ام لا .. تذكرت ما حدث لأجمل ما كان في مصر و هم أناسها و كيف تغيروا عن شهامتهم و كرمهم و طيبتهم ..و كيف حولهم ضيق العيش لشعب اخر ما عاد يحتمل في كثير من الاحيان ، تذكرت كيف أكلنا لأعوام مبيدات مسرطنة و لم يحاسب المسئولين ، تسائلت كيف هرع الجميع يتباكى نفاقا و يسرف في دموع التماسيح بكاءا على طفل واحد لقي ربه ، بينما ما فعل أحدهم شيئا لقطارات حملت اسرا الى الموت ، و لا اهتموا بعبارات أطعمت أسرا بأكملها أباءا و أمهات يرون ابنائهم بأعينهم تتقاذفهم الامواج لتطعمهم لليم بقروشه ، تذكرت بلادي التي نتغنى فيها بمشروع للقراءة للجميع بينما الاولى أن نقيم مشروع الطعام للجميع ، تذكرت كيف أقسمت سيدة فقيرة لأمي انهم أمضوا ثلاثة ايام يبحثون عن الخبز في القمامة فلم يجدوه حتى ، تذكرت كيف جعلنا قدوة أبنائنا لسنوات شخصا أبله يتحدث بطريقة كمن أصابته عاهة و يكثر من الشتائم و يهز مؤخرته ، تذكرت مرة سألت مذيعة الدكتور فاروق الباز لماذا لا يظهر في البرامج و ان كان ذلك لانشغاله فأجابها انه لانشغالهم هم بالفنانين و الراقصين و انه لم يظهر لأن أحدا لم يطلب منه ، تذكرت بلادي التي تباع أرضها و ثرواتها بثمن بخس ، تذكرت كيف و قد دخلت احد الكليات المسماة بكليات القمة لأجد نفسي أمضي سنوات من عمري هباءا ، تذكرت و لو حاولت أن أتذكر -رغم ضعف ذاكرتي- لتذكرت ما يكفيني لأكتب مواضيع و مواضيع .. ختام القول ، لقد اثرنا الكسل ، و أدمنوا العمل .. لقد استعمرونا بلا سلاح ، لقد ملكوا رغيف خبزنا فذللنا لهم .. لقد قلدوا أحسن ما عندنا و قلدنا أسوأ ما عندهم .. بايدينا يا سادة وصلنا لما نحن فيه من ضعف ،و الضعيف لا يهاب ، و من لا يــُهاب يـــُـــذل ..

4.7.09

استرجل !



لم أضع هذا الإعلان المستفز جدًا جدًا جدًا لأنني معجب به، لا سمح الله، بل لأنه فاتحة هذا الحديث، و لا أقول أحد أسبابه ..
ببساطة شديدة و كأنه أمر غير ذي بال، وصمني - و كثيرين معي - هذا الإعلان و إخوانه بأننا "مش رجالة"، لأننا ببساطة لا نشرب هذا الشامبو المعبأ في صفائح، رغم أن البعض قد يكون مبرره هو أنه لا يستسيغ طعم شراب الشعير، و لو أنني لا أشربه لسبب آخر، هو أنني لا أثق البتة في جملة "خال من الكحول" المكتوبة عليه، خصوصًا في بلد كمصرنا المهروسة، يبيع فيها الجزارون لحوم حيوانات نافقة و مسمومة و مذبوحة على غير الشريعة الإسلامية و مريضة على أنها لحوم درجة أولى فاخرة .. بالمناسبة، هذه اللحوم هي اللحوم المجمدة و المصنعة – كاللانشون و البسطرمة – و لا يستطيع أحد أن يقول إنه لم يقربها في حياته بدعوى أنه يأكل لحومًا بلدية طازجة، لأن تسعين بالمائة من المطاعم و الفنادق تعتمد عليها في وجباتها ..

على كل ليس هذا موضوعنا .. لن أقول من أعطى هذا الرجل الحق أن يصمني بهذه النقيصة، أو من أعطاه الحق ليقرر شيئًا كهذا، أو .. أو .. لن أقول شيئًا من هذا، لكنني سأتساءل و إياكم: ما هي الرجولة حقًا ؟
أعلم أن حديثي سيبدو مملاً و مكررًا و معادًا، و أنها المرة الألف التي تسمع فيها الحديث ذاته .. إذا رأيته كذلك، فلا أقل من أن تعتبره من قبيل "و ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين"، و ثق أنك لن تخرج صفر اليدين ..

يخلط الكثير منا بين الذكورة و الرجولة .. الذكر هو الكائن الحي الذي يحمل الأعضاء التناسلية المذكرة، و هي في حالتنا كبشر القضيب و الخصيتان و ما خفي في جوف الإنسان من باقي الأعضاء، و ما يستتبع ذلك من مظاهر ثانوية، كنمو الشعر و العضلات و ما شابه .. هذا هو الذكر، لكن الرجل شيء آخر ..
الرجل هو الشخص القادر على تحمل مسئولية، بكل ما تعنيه كلمة مسئولية من معنى .. و رغم أن التعريف جاء بصيغة المذكر، لكن صفة الرجولة قد تنطبق على النساء أيضًا، و هنا مربط الفرس، الذي يجعلنا لا نخلط بين الذكورة و الرجولة ..

سيدة كأم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، هل يمكن أن تصف وقوفها إلى جانب زوجها النبي محمد صلى الله عليه و سلم، و مؤازرتها إياه، و التخفيف عنه .. هل يمكن أن تصف هذا بشيء غير أنها رجولة و تحمل لمسئولية عظيمة ؟ .. هي في هذا الموقف الجليل ليست برجل واحد، بل بألف رجل ..
سيدة كشجر الدر، وقل فيها ما تشاء، هل يمكن أن تصف إدارتها الحرب و قد مات السلطان قائد الجيش و الكر و الفر على أشده، و محاولتها لم شمل المسلمين و حماية جيشهم من انفراط عقده و ضياع هيبته .. هل يمكن أن تصف هذا بشيء غير أنها رجولة و تحمل لمسئولية عظيمة ؟ .. هي في هذا الموقف الجليل ليست برجل واحد، بل بألف رجل ..

الأمثلة كثيرة، لا يحتويها حديث كحديثي .. هؤلاء كنّ رجالاً لا لأنهن ارتدين سراويل تعتنق مذهب "حوش اللي وقع منك"، أو سلاسل تعلق في رقابهن كرخصة الكلب، أو لأنهن يدخنّ اللفافة تلو الأخرى كمحرقة نفايات طبية، أو لأنهن يشربن هذا أو ذاك .. كن رجالاً لأنهن تحملن المسئولية ..

قل لي بالله عليك أين هي المسئولية التي تحمل همها و أنت تسير في الطرقات كالحيران التائه، تخرج من شارع إلى آخر إلى ثالث .. تتسكع .. تتسكع و تجرع "بيريل" أو "ريد بول" - من الخمور المقنعة التي يكتبون عليها "خالي من الكحول" بينما هي مصنفة في الأساس على أنها "بيرة قليلة الكحول" - أو ربما "سقارة" و أخواتها من الخمور الصريحة .. تتسكع و تدخن كأنك جذوة فحم .. تتسكع و يد في الهواء تشير بها و يدك الأخرى على سروالك مخافة سقوطه .. هذا يا عزيزي هروب من المسئولية، و هروب من الدنيا و من كل شيء ..
نعم .. أعرف أن الدنيا في زمننا هذا، و في مستقبل الأيام التي نراها بعيوننا الضالة المتشائمة هي كالقبر المظلم، و بعيون المتفائلين منا كطريق طويل جدًا قد ينتهي بشعاع نور .. أعرف هذا، و لست أكذب عليك و أدعي غيره، لكن الدنيا لن تتغير من تلقاء نفسها، و لن يغيرها إلى ما تريد إلا أنت، فغيرك يعمل لنفسه، و ليس لديه وقت ليوفر لك راحة لم تعمل أنت من أجلها ..

لست أقصد بهذا الحديث هذا المشروب السخيف "بيريل"، و حملته الإعلانية الأكثر من وقحة و مستفزة، وحده، لكنني أعني نمطًا من التفكير أصبح سائدًا و ينتشر بقوة منذ فترة .. هو نمط يفرغ الرجولة من كل معنى لها و يختصرها في مظاهر كاذبة، تجعل الواحد منا يظن نفسه فتى الفتيان و سليل الفرسان لأنه التزم بهذه المظاهر، بينما هو في الواقع يفرغ نفسه من مضمونها شيئًا فشيئًا ..

لست من عشاق نظرية المؤامرة، لأنني أراها هروبًا من الواقع و إلقاءّ باللوم على غيرنا كي يرتاح البال و الخاطر، و لا ينغص حياتَنا تقصيرُنا، لكن الأمر يستحق هذه المرة .. ألق نظرة على هذا الجمع الغفير من الشباب "المسترجل"، و قل لي بالضبط متى قال لا في وجه ظالم، أيًا كان هذا الظالم ؟ .. لا تجعلنا نعقد الأمور و نذهب بالمسألة لمستويات عالية من المسئولية ..قل لي متى صنع معروفًا لنفسه أو لغيره، بحيث يذكره أحدهم – أيًا كان هذا الـ"أحدهم" – بخير ؟ .. متى غيّر، متى طور و حدث ؟ متى نصح أحدًا بخير ؟

لست من عشاق نظرية المؤامرة، لكن الأمر يبدو كما لو كان حملة منظمة لإبعاد الشباب عن الحياة، و إدخالهم في غياهب الجب و ظلمات التيه، كي يرتع من أراد فسادًا و يمرح، و يظل من أراد على كرسيه ما شاء، لا يجد هذا أو ذاك رادعًا، و يدًا قويًا تلطمه على صدغه جزاءً وفاقًا ..

أعلم أن هؤلاء قد لا يكونون على هذه الدرجة من السوء، و فيهم أناس أعرفهم، لكنهم ينحدرون نحو الهوة ببطء، و لكن بثبات ..
أيها السادة "المسترجلون" في كل بقاع الأرض: إذا كنتم تعنون بالرجولة الذكورة، فاخلعوا ملابسكم و أرونا الدليل، أما إذا كانت الرجولة هي المرادف المنطقي للمسئولية، فأنتم بلا شك قد ضللتم الطريق ..

21.6.09

حوار بين الحليب والبيبسي

البيبسي:
من أنت ؟
الحليب:
أنا الحليب أنا الشراب السائغ الطبيعي..
أنا الذي أعطي القوة والنشاط....
لكن شكلك عجيب ولونك مريب ، فمن تكون يا غريب !؟
البيبسي:
أنا المشروب العصري، ذو الطعم الحضاري،
أنا البيبسي وأنا غني عن التعريف.. فهل أخفى عليك ؟
ألا ترى اسمي في الشوارع الواسعة وعلى الشاشات اللامعة
وفي المطاعم العالمية ، والمقاهي اليلية ؟
الحليب:
نعم ، نعم .. لقد عرفتك الآن أنت الذي خدعت الناس بمظاهرك الكاذبة ؟
فأنت منتفخ بغير فائدة ، دخلت الموائد ودخلت معك الأمراض والمصائب ،
فجلبت البطنة وذهبت بالفطنة .
البيبسي:
ماذا ؟ماذا ؟
ماذا تقول أيها العجوز؟
فأنت لم يعد لك عهد ووجود،
فقد استبدلك الناس بي وفضلوني عليك
والشاهد على ذلك كثرة مبيعاتي وانتشاري
في أنحاء العالم وازدهاري،
فلا ترى شاباً إلا وهو يمسك بي بافتخار،
وفي يده سيجارة وشعلة نار...
الحليب:
أتعيرني بقدمي؟
هذا فخر لي أني موجود من قديم الزمان
في عصر الصحبة والأعيان...
وهون عليك .. ما فضلك علي إلا أهل العقول الخاوية والأفكار الواهية ...
أما أهل العقول الحليمة، والاجسام السليمة،
ما رضوا بك بديلا عني... كيف وهم يعلمون من صنعك وما مكوناتك؟

فقد جئت من بلاد الكفر والفجور،
وقيل يدخل في صناعاتك مشتقات من الخنزير وأنا بشأنك خبير...
فمن كان كذلك فلا يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير

10.6.09

أم الجحيم

إذا كــنـــتَ ذا عَــقـــــــلٍ غـَــشِــيمِ
و دَخَلـتَ بـــرجـــلِكَ أمَّ الجـــحيمِ
فــــــــــاكــــــرعْ المُــــرَّ إنـَّـك اخــترتَ
الــسُـــقْــيـَـا مـِـــنْ تــلك الـــسُـمــومِ
و ادرأ لو استطعتَ الهمَّ فلستَ
واجـــدًا فـــيــــها غـــيرَ الهــــمـــومِ
إلا إخــــوانُ صَـــفْــوٍ يُنـــســـونــَك
مـَــا كـــانَ في يــومـِــك المــفـــرومِ
ليس منــها منــجــىً إلا جُــهـــدكَ
أنْ تخـــرجَ مـعــافــىً بــلا خــرومِ
الــطبُ مــقبرةُ النـــبـــيـهِ فكـــلــمــا
دخـــلَ واحـــدٌ خـَــرَجَ بتـــهشيمِ
فـإذا أردتَ الــعُلا فــيـــه فــــاتخذْ
إنْ استطعتَ سُلمًا إلى النجومِ
و قـــابــــلني إنْ بــــَلــغــتَ شَـــيئا
مـِنْ رياشٍ أو نــــقـودٍ أو هدومِ
هو مــَـليــمٌ يـَــنـــطـــــحُ إخــــوانـــهُ
ذاك مِـــلــؤ جـــيبـــِك المـــكلومِ
ذا الــــذي طــلــبَ الــطبَ ســاهرٌ
يأخــذُ فـــوقَ رأســِـهِ بالـقدومِ
و لـــيـــتـــَه بــــعـــدَ ذلــــك واجــــدٌ
ثمـنَ الشاشِ و الميكروكرومِ!

2.6.09

11872



طبعا كالعادة لازم أقولكم معلش اني بقالي مده ما باكتبش و اقولكم اننا كان طالع عيننا في الفترة اللي فاتت ، و اقعد اجيب الحجة ورا اختها عشان نصعب عليكوا و تسيبولنا تعليق وانتوا طالعين تواسونا بيه ، لكن انا حافكس لكل الكلام ده و حاقولكم ان انا اتبسطت اوي النهارده لما فتحت تهييسة ، بعد مدة الامتحانات و زنقتها ، و اللي - الحمد لله - الكمبيوتر كان فيه بعافية ، كانه كان بيقوللي كفايه كده لاحسن حاتلبس ، المهم ان انا اتبسطت اوي لما بابص و لقيت في عداد الزوار الرقم الطويل ده 11872 و ياي على مشاعري ، يعني انا عمري ما كنت افترض ان خمسة ستة ممكن يقروا اللي انا باكتبه ده ، و لا كنت اتصور .. طبعا انا مش باكتب لوحدي ، لكن القاريء مجبر يقرالي انا كمان ، خصوصا ان انا الوحيد اللي بيعرف ينفخ عليه صح و يخليه يقعد يقرا مده من غير ما يفهم حاجة و بعدين يتغاظ مني و يدعي عليا .. المهم للمرة التانية ان انا ما كنتش اتصور ان قراء تهييسة حيوصلوا العدد ده ، و اللي بجد اشكحني معنويا و نفسيا و تهييسيا لدرجة اني بافكر اجيب ورق صنفرة و اصنفر مركز الابداع اللي صدا عندي .. و ارجع اكتب تاني - سامعك ياللي هناك بتقول و ليه بس كده يارب ، ما كنا مرتاحين - لكن انا برده استغربت و احتارت قملتي ليه لو عدينا التعليقات مش حتعدي ال200 نصهم بتوعنا احنا ، فهل ياترى السبب ان كتابتنا - او على الاقل كتاباتي- مملة للدرجة دي ، و لا هو الكسل الطبيعي اللي بتتزايد معدلاته و حتعدي نسبة العنوسة ، و لا ايه بالظبط .. انا بجد نفسي احس بالمردود .. يعني المفرود اننا بنكتب و انتم كتر الف خيركم بتقروا ، المفرود كده تسيبولنا رد ، لو احنا ماشيين صح شجعونا ، لو مشينا في المخالف وقفونا ، قيمونا سلبا و ايجابا ، بحيث اننا نرتقي بمستوى اللي بنكتبه مش ننحدر بيه ، او على الاقل نلاقي دافع يخليني العب صوابعي على زراير الكيبورد كده و اشخبطلي كام شخبوطة ..
برده كنت عاوز اقول ان اننا زي ما بالومكم ، باعتذرلكم في الحقيقة عن حاجات كتير اوي كنت بدأتها و وعدت انها حتبقى سلاسل و اختفت مع الزمان ، بدءا من الذهب الاحمر اللي ريق الدايخ نشف عشان اكملها و انا برده مديها طناش و الراجل ذوق و مستحملني ، لحد القناه 378 و غيرها من الحاجات اللي كنت قلت اني حاعملها و ما عملتهاش - و ده بيأكد موضوع انا هجاص اللي كنت حكيتلكم عنه - و ان شاء الله احاول ارجع للمود تاني و اكتب و اكمل اللي انقطع ، يارب يعييني و يعينكم و تستحملوني ..
اه .. لأ مش ضهري ، انا اقصد نسيت اقولكم ان انتوا واحشيني ،و الكتابة واحشاني ، بس المشكلة ان القاريء زي البنت الحلوة ، لازم تعاكسه باحسن ما عندك ، و في الحقيقة انا خايف اني اكتب ما اقولس احسن ما عندي ...
كفاية كده عشان انا لسه باصلح الكمبيوتر ربنا يهديه ، و بعدين احنا اجازتنا بدأت لأول مرة تاريخيا بدري .. حبيت بس اقلكم ان ممكن اي تهييس زيادة يبقى من اعراض عدم التصديق انني مخلص مع اختي اللي في سنة خامسة في نفس الوقت .. يلا حسن الختام سلام .

1.6.09

مختصر الطولبي في الزعط الطبي

يقول الطولبي بن عياط:
من أراد أن تثكله أمه، و يضيع ماله و ولده، و يطير عقله، فعليه بالطب و مدرسته، فإنه أمضى من كل سهم، و أقوى من أي خصم، يأتي بالهم، و يروح بالغم .. ما ترك عظمة إلا ضعضعها و كعضمها، و ما ترك عينًا إلا مششها و مققها، و لا شهية إلا أن يفتحها كبئر بلا قرار، أو يسدها كقبر على أشرار .. ليس من دونه وقاء، و ليس له من دواء، و ليس منه برءٌ أو شفاء ..

و إن مَن قبلكم قد دخلوها فما خرجوا، فإذا خرجوا كانوا كمن يتخبطه المرجع من الزعط، حيران أسِفًا على ما ضيّع فيها من وقت و مال، و ما فرط لأجلها من لهو و لعب و حسنٍ يُنال .. فإذا أدرك أن مستقبل أيامه كأيام عاد و ثمود، و إخوان لوط، كان أوان الندم قد مضى، و ليس له إلا التسليم و الرضا، و القبول بما قُدّر في القضا ..

فالحذر الحذر، و الحيطة الحيطة .. فإن من وقع في حباله اختل، و من سلك طريقه ضل، و من صدّق فيه اعتل، و إن مَن قبلكم قالوا إن الطب لزوج لا تقبل أخرى عليها، و إن هذه الأخرى لهي الحياة الدنيا .. فمن رغب منكم فيه، و قالها بملء فيه، فليودع أقرانه، و لينس أهله و خلانه، و لينطلق في الطرقات يصيح:
أنا الذي ضيّع في الأوهام عمره
و أتى الطب يبغي عيادته و قصره
فوجد أنه حفر قبل الأوان قبره

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، لا أراكم الله مكروهًا في طبيب لديكم ..
الطولبي – عباسية – عنبر 6

16.5.09

استغلال سلطات

اكتشفت مؤخرُا إن استغلال السلطة دا شيء ممتع جدًا، و لذلك حبيت استغل سلطتي كمدون قديم شويتين :) و أطلب طلب ..
هو طلب صغير من زوار مدونتنا الكرام ..
أنا عارف إن في زوار كتير، لأن العداد بيقول كده، بس مش عارف ليه ماحدش بيعلق .. مش مشكلة، المهم تتبسطوا و تهيسوا ..


جوجل نول - و دا البديل اللي بتحاول جوجل تطرحه لموسوعة ويكيبديا - عاملة مسابقة علي مستوي خمس جامعات (القاهرة - الإسكندرية - أسيوط - الملك فهد - الملك سعود) بهدف إثراء المحتوي العربي علي الإنترنت ..
ممكن تخش هنا تشوف الدنيا ماشية إزاي

أنا، الدائخ، و صديقي العزيز مزاجنجي مشتركين في المسابقة

دي مقالاتي
الصرع .. داء العظماء و العباقرة

مكافحة عدوى المستشفيات

مكافحة عدوى المستشفيات - الجزء الثاني

و دي مقالات مزاجنجي
الداء السكري .. مرض المضاعفات


تقييم المقال الفائز بيعتمد علي عدد الزوار، التعليقات، التقييم من القراء .. لذلك أنا بادعوكم تقروا المقالات دي، و لو عجبتكم أو استفدتم منها، مفيش مانع من تعليق صغير، بالسلب أو بالإيجاب، و تقييم المقالة .. زرار التقييم موجود تحت صورة المؤلف علي طول ..

طبعًا ما أنكرش إني عاوز أكسب و أطلع الأول كمان، لكن بجد، إن حد يستفيد من مقالاتي و يطلع بمعلومة مفيدة .. دا بالنسبة لي حيبقي زي الفوز و أكتر ..

لو كنت قعدت تقرا لغاية ما وصلت هنا يبقي شكرًا جزيلاً، و حأكون متشكر أكتر لو استجبت لطلبي ..

شكرًا مقدمًا ..

8.5.09

أنا على تيييت يا رجااالة


باعتذر يا جماعة عن خرق فترة الصمت اللى عاملينها هنا فى تهييسة........

بس الموضوع يستاهل.... على الاقل بالنسبة ليا......

من فترة ليست بالوجيزة... كنت عملت هنا حاجة كدة .. سمتها تجربة اذاعية ......... وكنت فرحان بيها ......

المهم.... انا ماسكتش .... بعتت لتيت راديو.... والحمد لله أذاعوا الايتم اللى بصوتى.......ولان تهييسة مشاركانا فى كل حاجة ..... فى فرحنا وحزننا ... حبيت أخليكو تشاركونى فى التجربة دى......


انا بتكلم باسم"جدع حتى الثمالة "........ عن " شعوذة التنمية البشرية"....رابع واحد بيتكلم......

خش واسمع يا مواطن.......



Related Posts with Thumbnails
 
Share
ShareSidebar