18.2.08
الراعي و الحورية
يعرف كلنا هذه الحكاية .. الشاب الذي يكون مضطهدًا لسبب أو لآخر ثم إذا فجأة يمتلك قدرات تمكنه من أن ينتقم، أو يجعل من هم مثله في عداد البشر العاديين .. لكنه لا يعرف لم أصبح هكذا .. كان يتعجب لم أصبح إذ فجأة كلما ذهب لمعبد الأولمب في أعالي الجبل يشعر كأن الريح و الشجر و الماء و الأمطار و حتي الحجارة تخاطبه .. لكنه بدأ يتناسي هذا الشعور عندما داهمه شعور أعظم ..
كان كلما صعد إلي الأولمب يبتغي المشورة من الآلهة، إذا بها و كأن الحياة تدب في تماثيلها و إذا هي تخاطبه وجهًا لوجه .. لم يكونوا يخاطبونه باسمه ديسيونيسيوس، بل كانوا يخاطبونه باسم لم يعهده .. بان .. صارت زيارته للجبل لا لكي يطلب المشورة فيما يفعله فيه أقرانه في العمل أو أهله في المنزل، بل صارت كي يعرف سر هذه الأحاديث التي لا يمكن أن تكون مجرد هلاوس ... هو شعر بها .. يتناقش و يعلو صوته و صوت محادثه في شجارات لا يعرف حتي تواتيه القدرة علي الخوض فيها .. لكنه فشل .. فشل و لم يستطع أن يعرف لم، و حتي عندما سأل الآلهة جاءت إجابتهم غامضة .. "لأنه من رحم الحقيقة يخرج رجالها .. و من رحم الأمهات البيض يخرج الآلهة"
لم يفهم ماذا يعني هذا، لكنه ذهب لمن يعرف أنه حتمًا يعرف .. هؤلاء العرافون أصحاب الاتصال المباشر بأبالسة هيدز .. هؤلاء العرافون أصحاب الاتصال المباشر بالآلهة حتمًا يعرفون ..
ذهب له - العراف - في معبده الذي ذاعت و فاقت شهرته جبل الأولمب ذاته .. ذهب إلي معبده في دلفي، و هناك ازداد حيرة ..
- فماذا قلت أنهم يقولون ؟
- يتحدثون معي عن الرعي .. عن أغنام الأولمب المقدسة التي لا تجد راع لها .. يتحدثون عن الرعاة الذين لا يجدون حاميًا لهم .. يتحدثون عن رجل خرج من رحم الحقيقة و من رحم أم بيضاء يكون منه إله .. يتحدثون عن مكان خلي في الأولمب لرجل من الطين يشغله ..
- إذا فاسمح لي صاحب القداسة ..
و إذا بالعراف ينحني مبجلاً متابعًا:
- إن عودتك إلي الأولمب قد حانت .. فأنت من الآن بان .. إله الرعي و حامي رعاة الأغنام ..
لم يفهم .. لكنه يعرف علي الأقل أن الأمر كله الآن في الأولمب .. هناك تحدث إلي زيوس .. تحدث إلي هيرا .. و لما كان عراف دلفي قد أخبره بجزء من الحقيقة و هيأه لها، استطاع استيعاب الأمر كما كان .. و هناك عرف حقيقته التي لم يعرفها منذ ثلاث و أربعين سنة ..
- أنت ابن فولكان الحداد من ديمترانا حورية قبرص .. قذفت بك في البحر و أنت علي وشك الفطام إذ أوشكت هي علي الموت بسبب مطاردة غارسيكاس حارس هيدز الذي قتله أبوك بعدها .. لم يجداك، و قد تكفلت بك عائلة من كريت قدتهم إليك كي لا تموت .. لكن القدر لا يعرف تخطيطي بقدر ما ينصت إلي تخطيط آلهة القدر .. و هكذا ذهب إلي سفح الأولمب قريبًا مني .. و ها أنتذا معنا من جديد .. يا بان
لم يستطع التصديق لأول وهلة .. لكنه شيئًا فشيئًا بدأ يتقبل حقيقته .. و بدأ يتحول من ديسيونيسيوس الراعي الفقير إلي بان إله الرعي و حامي الرعاة ..
و تمضي الأيام ..
و يستمر بان في رعاية الأغنام المقدسة للأولمب في سهول اليونان متغنيًا بشعر تعلمه وقت كان بشريًا .. حتي كان يوم مرت من أمامه هذه الحورية .. حورية من حوريات الإغريق ضلت طريقها ما بين أثينا و إسبرطة .. كانت تسير الهويني مبهورة بالأرض غير عالمة أنها تصل إلي حيث قررت آلهة القدر .. إلي حيث بان الذي حان له وقت زواجه ..
كانت كاليستماستي .. بهرت بان، لكنها فرت سريعًا من وجهه رغم أنها تطلب المساعدة لتصل لإسبرطة حيث تقابل أختها التي تزوجت هناك .. لم تكن قدر خرجت من خدرها من قبل، و لم تكن تعرف أكثر من أنها تسكن جبال أثينا، و أن أختها التي اشتاقت إليها تسكن مع زوجها المحارب فيس إسبرطة .. لكنها لا تعرف كيف المجيء و كيف الذهاب ..
بهرت بان لكنه عجز عن التحدث إليها .. لم يستطع الاقتراب منها في هروبها المذعور منه، لكنه لم ييأس .. لم يكن يعرف أنها تائهة، لكنه استشعر هذا من نظراتها و حركاتها .. و إن هي إلا دقائق حتي اختفت من أمامه و قد حملها هرمز إلي وطنها مرة أخري و قد استنجدت به أمها أن يبحث عنها ..
ظل يفكر فيها و في حسنها الأخاذ .. كان يفكر و هو ينظر للأغنام المقدسة عابثًا بعود من الخيزران .. و كأنما واتاه الإلهام علي حين غفلة فأمسك بسكين و شرع يقطع العود الفارغ أطوالاً متزايدة ثم ربطهم في صف بترتيب أطوالهم .. نظر إليها في دهشة .. فهو حقًا لا يدري كيف كان ما كان، و كيف صنع هذه الآلة .. لكنه كان ينظر في الوقت ذاته و رغبة عارمة تتملكه كي ينفخ فيها بترتيب محدد، وإذا بأنغام تسحر الألباب تخرج منها .. كان نغمًا واحدًا كافيًا ليسحر الطيور و الأغنام و الشجر و حتي الحجر .. الكل سكن .. الكل يصغي إليه .. و هنا أدرك أن شخصًا آخر هو من أرشده لصنع هذه الآلة العجيبة .. نظر في السماء فإذا لمعان النار و صوت مطرقة تهبط بقوة علي حديد ساخن يدوي، فأدرك أنه أبوه .. فولكان .. هذا الحداد الفظ رغم كل شيء يمتلك حسًا رقيقًا ..
سأل هرمز الذي يجوب الأراضين عن هذه الحورية .. أخبره أين هي، و ما أن انبلج فجر جديد حتي كان عندها بأنغامه الساحرة ..
لم تستطع واحدة من حوريات هذا الجبل ألا تنصت .. كان النغم أقوي منهم جميعًا، و من بينهم كانت هي .. كاليستماستي الحسناء ..
أوقف النغم ثم وقف أمامها متضرعًا:
- كاليستماستي .. يا من سحرتيني و حركتي فيّ قوة الخلق اللامتناهية فأخرت هذه الآلة إلي الوجود أشدو بها عن وجدي و صبابتي .. كاليستماستي .. يا من خلب جمالك لبي تي لم أعد أفكر إلا فيك .. كاليستماستي .. يا من أرضي أن أقضي بقية عمري جوارك .. هي كلمة لا أرغب إلا فيها .. هل تأتين معي إلي الأولمب ؟ .. هل تقبلين أن تكوني معي الزوج و الحبيب .. و سأكون لك كل شيء .. نظرة من عينيك و كلمة من شفتيك تشفي وجدي و صبابتي .. كاليستماستي !
و بحياء الحوريات توارت، لكنها أجابت لحظتها بصمتها كأنها تصرخ .. نعم !
** ملحوظة: هذه القصة تنويعة علي أسطورة صناعة الإله الإغريقي بان الراعي لآلة الفلوت ..
هيسها معكم
غير معرف
مقسمة هياسيًا مع
قصة,
ما يكتبه الدائخ
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليق واحد:
يا عبد يا شديد .. بصراحة أنا عايزك تعملي كتاب منده .. يعني لزوم أوقات المحاضرات اللي بتعدي بالراحة .. بجد يابني .. تسلم الدماغ الدايخة
إرسال تعليق